فيليب روث أوصى بعدم إجراء طقوس يهودية عند دفنه

فيليب روث
فيليب روث
TT

فيليب روث أوصى بعدم إجراء طقوس يهودية عند دفنه

فيليب روث
فيليب روث

من المقرر أن يوارى التراب اليوم الاثنين، في مقبرة بارت كولج، نيويورك، جثمان الروائي فيليب روث، الذي رحل الثلاثاء الماضي عن 85 سنة، والذي يعد أحد أهم ثلاثة روائيين أميركيين في النصف الثاني من القرن العشرين، إلى جانب سول بيلو وجون أبدايك.
إلا أن الروائي، اليهودي الديانة، «منع» في وصيته أن تقام أي طقوس يهودية عند الدفن، كما ذكر كاتب سيرته بليك بيري.
وكان روث يريد أساساً، حسب بيري، أن يدفن إلى جانب والديه في مقبرة غوميل تيشر، إلا أن المكان لم يعد صالحاً لكثرة الجرائم في المنطقة، فغيَّر روث وصيته التي كتبها قبل خمسة عشرة سنة من وفاته، واختار مقبرة بارت كولج، حيث دفن صديقه الكاتب نورمان ماني، وهو يهودي الجنسية أيضاً، وكان يعمل أستاذاً في كلية بارت.
ورغم رفضه إقامة طقوس يهودية، إلا أن روث، حسب كاتب سيرته، فضل أن «يدفن إلى جانب يهود حتى يستطيع أن يتحدث معهم». يذكر أن الفيلسوفة الألمانية حنا آرندنت، اليهودية الديانة أيضاً، مدفونة في المقبرة نفسها.
ومن المعروف، أن يهودية روث لم تكن تعني له شيئاً ككاتب وإنسان، إذ قال مرة في إحدى المقابلات معه: «إن وصفي ككاتب أميركي - يهودي لا يعني أي شيء بالنسبة لي. إذا لم أكن أميركياً فأنا لا شيء». صحيح، أنه قدم شخصيات يهودية في عدد قليل من رواياته، التي تجاوزت ثلاثين رواية، ولكن بعيداً عن أي منظور ديني، وإنما ككائنات بشرية تعاني من شروطها الاجتماعية والثقافية في مجتمع بالغ التعقيد كالمجتمع الأميركي. وبالرغم من أنه عاد للكتابة عن «الهوية اليهودية» و«معاداة السامية»، في المرحلة الأخيرة من حياته، لكنه فعل عن ذلك بشكل موضوعي إلى حد بعيد لا يوحي بأنه يعاني عقد اضطهاد بسبب دينه.
ولد فيليب ملتون روث في نيوارك عام 1933، ودرس القانون أولاً لـ«يدافع عن المهشمين»، كما قال مرة، ولكنه تخلى عن دراسته، منصرفاً لدراسة الأدب. تخرج من «بوكنيل»، وحصل على منحة دراسية 1954 لجامعة شيكاغو، ليحصل على شهادة الماجستير. بدأ دراسة الدكتوراه في اللغة الإنجليزية لكنها تركها بعد فصل واحد.
وبدأ أولاً بكتابة القصة القصيرة، وأصدر عام 1959 مجموعته الأولى. في عام 1959 حصلت روايته «وداعاً كولومبوس» على جائزة «الكتاب الوطني للرواية»، لتتوالى بعد ذلك الجوائز والتكريمات التي لا يمكن عدها، ومنها «جائزة بوليتزر» و«مان بوكر الدولية».
وكان قبل رحيله بخمس سنوات، قد أعلن اعتزاله كتابة الرواية، بل تنبأ حتى بموتها كفن.



طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين
TT

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

يحتلّ موقع الدُّور مكانة كبيرة في خريطة المواقع الأثرية التي كشفت عنها أعمال المسح المتواصلة في إمارة أم القيوين. بدأ استكشاف هذا الموقع في عام 1973، حيث شرعت بعثة عراقية في إجراء حفريّات تمهيديّة فيه، وتبيّن عندها أن الموقع يُخفي تحت رماله مستوطنة تحوي بقايا حصن. جذب هذا الخبر عدداً من العلماء الأوروبيين، منهم المهندس المعماري البريطاني بيتر هادسون، الذي قام بجولة خاصة في هذا الموقع خلال عام 1977، وعثر خلال تجواله على طبق نحاسي علاه الصدأ، فحمله معه، واتّضح له عند فحصه لاحقاً أنه مزيّن بسلسلة من النقوش التصويرية تتميّز بطابع فنّي رفيع.

وجد بيتر هادسون هذا الطبق في ركن من جهة جنوب شرقي الموقع، وحمله بعد سنوات إلى الشارقة حيث كشفت صور الأشعّة عن ملامح حلية تصويرية منقوشة غشيتها طبقة غليظة من الصدأ. نُقلت هذه القطعة المعدنية إلى كلية لندن الجامعية، وخضعت هناك لعملية تنقية وترميم متأنية كشفت عن تفاصيل زينتها التصويرية بشكل شبه كامل. يبلغ قُطر هذه القطعة الفنية نحو 17.5 سنتيمتر، وعمقه 4.5 سنتيمتر، وتتألّف قاعدة حليته التصويرية من دائرة ذات زينة تجريدية في الوسط، تحوطها دائرة ذات زينة تصويرية تزخر بالتفاصيل الدقيقة. تحتل الدائرة الداخلية الصغرى مساحة قاع الطبق المسطّحة، ويزينها نجم تمتدّ من أطرافه الخمسة أشعة تفصل بينها خمس نقاط دائرية منمنمة. تنعقد حول هذا النجم سلسلتان مزينتان بشبكة من النقوش، تشكّلان إطاراً لها. ومن حول هذه الدائرة الشمسية، تحضر الزينة التصويرية، وتملأ بتفاصيلها كل مساحة الطبق الداخلية.

تتمثّل هذه الزينة التصويرية بمشهد صيد يحلّ فيه ثلاثة رجال، مع حصانين وأسدين، إضافةً إلى أسد مجنّح له رأس امرأة. يحضر رجلان في مركبة يجرها حصان، ويظهران متواجهين بشكل معاكس، أي الظهر في مواجهة الظهر، ويفصل بينهما عمود ينبثق في وسط هذه المركبة. يُمثّل أحد هذين الرجلين سائق المركبة، ويلعب الثاني دور الصياد الذي يطلق من قوسه سهماً في اتجاه أسد ينتصب في مواجهته بثبات، رافعاً قائمته الأمامية اليسرى نحو الأعلى. من خلف هذا الأسد، يظهر صياد آخر يمتطي حصاناً، رافعاً بيده اليمنى رمحاً طويلاً في اتجاه أسد ثانٍ يرفع كذلك قائمته الأمامية اليسرى نحوه. في المسافة التي تفصل بين هذا الأسد والحصان الذي يجرّ المركبة، يحضر الأسد المجنّح الذي له رأس امرأة، وهو كائن خرافي يُعرف باسم «سفنكس» في الفنين الإغريقي والروماني.

يحضر كل أبطال هذا المشهد في وضعية جانبية ثابتة، وتبدو حركتهم جامدة. يرفع سائق المركبة ذراعيه نحو الأمام، ويرفع الصياد الذي يقف من خلفه ذراعيه في وضعية موازية، ويبدو وجهاهما متماثلين بشكل متطابق. كذلك، يحضر الأسدان في تأليف واحد، ويظهر كل منهما وهو يفتح شدقيه، كاشفاً عن لسانه، وتبدو مفاصل بدنيهما واحدة، مع لبدة مكونة من شبكة ذات خصل دائرية، وذيل يلتفّ على شكل طوق. في المقابل، يفتح «سفنكس» جناحيه المبسوطين على شكل مروحة، وينتصب ثابتاً وهو يحدّق إلى الأمام. من جهة أخرى، نلاحظ حضور كائنات ثانوية تملأ المساحات الفارغة، وتتمثّل هذه الكائنات بدابّة يصعب تحديد هويتها، تظهر خلف الأسد الذي يصطاده حامل الرمح، وطير يحضر عمودياً بين حامل القوس والأسد المواجه له، وطير ثانٍ يحضر أفقياً تحت قائمتَي الحصان الذي يجر المركبة. ترافق هذه النقوش التصويرية كتابة بخط المسند تتكون من أربعة أحرف، وهذا الخط خاص بجنوب الجزيرة العربية، غير أنه حاضر في نواحٍ عديدة أخرى من هذه الجزيرة الواسعة.

يصعب تأريخ هذا الطبق بشكل دقيق، والأكيد أنه يعود إلى مرحلة تمتد من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد، ويُشابه في الكثير من عناصره طَبَقاً من محفوظات المتحف البريطاني في لندن، مصدره مدينة نمرود الأثرية الواقعة قرب الموصل في شمال العراق. كما على طبق الدُّوْر، يحضر على طبق نمرود، صيادٌ برفقة سائق وسط مركبة يجرها حصانان، ملقياً بسهمه في اتجاه أسد يظهر في مواجهته. يحضر من خلف هذا الأسد صياد يجثو على الأرض، غارساً رمحه في قائمة الطريدة الخلفية. في المسافة التي تفصل بين هذا الصياد والحصانين اللذين يجران المركبة، يحضر «سفنكس» يتميّز برأسٍ يعتمر تاجاً مصرياً عالياً.

ينتمي الطبقان إلى نسق فني شائع عُرف بالنسق الفينيقي، ثمّ بالنسق المشرقي، وهو نسق يتمثل بمشاهد صيد تجمع بين مؤثرات فنية متعددة، أبرزها تلك التي تعود إلى بلاد الرافدين ووادي النيل. بلغ هذا النسق لاحقاً إلى جنوب شرق الجزيرة العربية حيث شكّل نسقاً محلياً، كما تشهد مجموعة من القطع المعدنية عُثر عليها خلال العقود الأخيرة في مواقع أثرية عدة تعود اليوم إلى الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان. وصل عدد من هذه القطع بشكل كامل، ووصل البعض الآخر على شكل كسور جزئية، وتشهد دراسة هذه المجموعة المتفرّقة لتقليد محلّي تتجلّى ملامحه في تبنّي تأليف واحد، مع تعدّدية كبيرة في العناصر التصويرية، تثير أسئلة كثيرة أمام المختصين بفنون هذه الناحية من الجزيرة العربية.

يحضر مشهد صيد الأسود في عدد من هذه القطع، حيث يأخذ طابعاً محلياً واضحاً. يتميّز طبق الدُّوْر في هذا الميدان بزينته التي يطغى عليها طابع بلاد الرافدين، ويمثّل كما يبدو مرحلة انتقالية وسيطة تشهد لبداية تكوين النسق الخاص بجنوب شرقي الجزيرة العربية.