ليبيا: {الشريعة} أولا.. أم الدستور؟

قرار البرلمان بجعل القوانين الإسلامية مصدرا وحيدا للتشريع بين القبول والرفض

ليبيا: {الشريعة} أولا.. أم الدستور؟
TT

ليبيا: {الشريعة} أولا.. أم الدستور؟

ليبيا: {الشريعة} أولا.. أم الدستور؟

تشتعل في ليبيا.. عدة حروب.. فعلى الأرض قتال ومعارك بين ميليشيات من أجل النفوذ والقوة والسلطة، وفي قاعات السياسة، تشتعل حرب أخرى من أجل، الهوية، والدستور، والتشريعات والقوانين. فالبرلمان الليبي اتخذ خطوة جريئة ومثيرة للجدل الأسبوع الماضي، تنص على أن «الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع الوحيد في ليبيا.. وأنه يقع باطلا كل ما يخالف أحكامها من التشريعات.. وكل مؤسسات الدولة ملزمة بذلك». وأثارت هذه الخطوة جدلا كبيرا بين القبول والرفض.. وسيعزز القرار، بقوة، التأثير على قوانين البلاد خاصة المصرفية التي بدأ العمل الفعلي لتعديل طريقة تعاملها بالفوائد. يقول منتقدو القرار، هذا عمل باطل، ولا يجوز للبرلمان أن يقرره. ومحاولة من البرلمان لمصادرة أعمال هيئة صياغة الدستور التي ستنتخب الشهر المقبل. لكن الشيخ بشير الكبتي، المسؤول العام لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، قال إن «الشيء الوحيد الذي يتفق عليه الليبيون هو المرجعية الشرعية للقوانين.. فهي ليست محل خلاف». وبات التساؤل الآن أيهما أولا.. أحكام الشريعة.. أم الدستور؟

يقول إبراهيم عميش رئيس حزب الجبهة الديمقراطية الليبية، لـ«الشرق الأوسط»، إن «البرلمان يتخذ قرارات مطعونا فيها.. وهذا لا يجوز دستوريا». وأضاف قائلا، إن «الإجراءات التي يقوم بها البرلمان يبدو منها أنه يحاول استرضاء جماعات متشددة، ويحاول في نفس الوقت أن يضع يده على أعمال هيئة تأسيس الدستور مستقبلا».
إبراهيم صهد، عضو البرلمان الليبي، دافع عن القرار، وشدد على أنه جاء ليعيد التأكيد على أن «أي تشريع أو قانون مخالف للشريعة الإسلامية لن يكون قانونيا ولا دستوريا». وردا على اتهامات للبرلمان بأنه اتخذ قراره بشأن الشريعة لاسترضاء جماعات متشددة ومسلحة، قال صهد لـ«الشرق الأوسط»، إن «هناك من يطالب بالشريعة ونحن نقول لهم إن هذا الأمر موجود في الإعلان الدستوري ونحن (بالقرار الذي صدر أخيرا) نؤكد عليه».
ويلاحظ قطاع من المراقبين داخل ليبيا وخارجها أن جماعة الإخوان يبدو أنها تهيمن على توجهات وقرارات البرلمان، رغم أنها لا تملك الأغلبية المطلقة فيه. ويشير أحد النواب المستقلين إلى أن هناك الكثير من المؤشرات عن تحالف الجماعة مع نواب من تيارات إسلامية توصف بالمتشددة. ويقول أحد المحللين الأميركيين ممن زاروا طرابلس وبنغازي أخيرا، لـ«الشرق الأوسط»، إن «هذا يحدث بالفعل رغم ضعف قدرات البرلمان في مواجهة الصراعات المسلحة الحالية هناك».
وعاد البرلمان للواجهة مجددا بإصداره قرارا ينص على أن «الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع في ليبيا»، وما تضمنه من تفاصيل أخرى يشدد من خلالها على أن كل القوانين والتشريعات التي تخالف أحكام الشريعة ستكون باطلة، كما ألزم جميع مؤسسات الدولة بتطبيق هذا الأمر. والغريب في الأمر أن الجماعات المتشددة في ليبيا لم يعجبها قرار البرلمان، وأعلنت جماعة أنصار الشريعة أن الحكومة والتمثيل النيابي والديمقراطية «كفر».
ومع ذلك قالت مصادر مصرفية وسياسية ليبية، إن «موضوع تطبيق الشريعة يجري الضغط لإنفاذه والعمل به من أجل إرضاء بعض التيارات المتشددة، وبتواطؤ من بعض الكتل السياسية في البرلمان، وبصمت حكومي»، مشيرا إلى أن هذه الإجراءات بدأت بالفعل من خلال مطالبة البنوك بوضع مراجعات لأعمالها المصرفية وإلغاء نظام الفوائد المعمول به في دول العالم لكن لم يستقر الرأي على النظام الجديد، بسبب خلافات في الرؤى والتفسير في هذا الشأن، لدى عدد من المتشددين.
ويترأس عميش الحزب الذي مر عليه غالبية القيادات الجديدة في ليبيا منذ أسسه في الثمانينات في المنفى وزير الخارجية منصور الكيخيا الذي اختطف من القاهرة في التسعينات وعثر على جثته في ليبيا بعد سقوط نظام القذافي. كما يعد عميش أحد المرشحين لعضوية الهيئة التأسيسية لصياغة دستور البلاد، وهي هيئة ستتكون من 60 عضوا منتخبين بشكل مباشر من الشعب خلال الشهر المقبل.
وقال عميش تعليقا على قرار البرلمان العمل بالشريعة الإسلامية، وعن سبب صدوره في هذا التوقيت: «دستوريا لا يجوز». كما اتهم البرلمان بأنه «يتخذ قرارات مطعونا فيها». وأضاف قائلا، إن «الإجراءات التي يقوم بها البرلمان يبدو منها أنه يحاول استرضاء جماعات متشددة ويحاول في نفس الوقت أن يضع يده على أعمال هيئة تأسيس الدستور مستقبلا».
وأوضح أنه لا يجوز للبرلمان أن يقيد أعمال الهيئة التأسيسية للدستور، ولا أن يتدخل في صياغة الدستور ولا في صياغة أي مادة.. «هذا لا يجوز، لا شرعا، ولا قانونا، ولا عرفا. أعتقد أن القرار اتخذ من أجل محاولة إرضاء الجماعات المتطرفة».
وعن قول أعضاء في المؤتمر بأن قرار الشريعة جاء مجرد «تحصيل حاصل، لأن الشريعة الإسلامية منصوص عليها في الإعلان الدستوري»، رد عميش قائلا، إنه «حتى بالنسبة للإعلان الدستوري، لا ينبغي على أي جهة أن تتحكم في أعمال الهيئة التأسيسية للدستور المقبل، ولا تتدخل في أعمالها، ولا يسيطر عليها المؤتمر الوطني أو أن يحاول توجيهها».
وطرح عميش سؤالا لمح من خلاله إلى وجود ما اعتبره توجهات من البعض في البرلمان لتحقيق مصالح سياسية آنية ووقتية. وقال: «أريد أن أسأل سؤالا، لماذا لم يكتب في القرار (الذي صدر بشأن الشريعة الإسلامية) أن ليبيا دولة عربية أيضا». وأجاب قائلا: «لا يستطيع البرلمان أن يفعل هذا لأنه يخشى من الأمازيغ وغير الأمازيغ. هو، بقرار الشريعة، يعكس خوفه من الإسلاميين، ويريد أن يطمئنهم بأن هذا الأمر سيجري فرضه مقابل أن يبتعدوا هم قليلا عن الواجهة.. يبدو ذلك».
ويشار للإسلاميين المتشددين، وبعض الشخصيات الإخوانية، وجماعات من المسلحين الآخرين، بأنهم وقفوا أمام البرلمان لأيام للضغط عليه من أجل إصدار قانون العزل السياسي، في مايو (أيار) الماضي، ما أدى لإبعاد شخصيات سياسية مدنية، أشهرهم محمود جبريل. وأدى خروج جبريل من اللعبة السياسية، ظاهريا على الأقل، لإضعاف رئيس الحكومة الحالي علي زيدان، الذي جاء تعيينه على رأس السلطة التنفيذية العام الماضي بـ«اتفاق مضمر» بين جبهة جبريل وقطاع من الإسلاميين في البرلمان.
ويقول عميش، إنه «حتى الرغبة في إرضاء المتشددين المشتبه في صلتهم بتنظيم القاعدة لم تتحقق». ويضيف موضحا: «الإسلاميون أصدروا بيانا يعبرون فيه عن عدم رضاهم عن النص الذي ورد في قرار المؤتمر الوطني العام». وعن السبب من وجهة نظره أجاب أن الإسلاميين «خاصة الموالين لـ(القاعدة) ممن يطلقون على أنفسهم (أنصار الشريعة)، قالوا إن هذا لا يرضينا وأن هذا ليس المطلوب»، مشيرا إلى أن هؤلاء الإسلاميين «كانوا يريدون النص في القرار على أن الشريعة الإسلامية مصدر وحيد للتشريع في ليبيا».
وعما إذا كان قرار البرلمان يمكن أن يؤثر على أعمال الهيئة التأسيسية لوضع الدستور، قال عميش، إن «هذا لن يؤثر، خصوصا لو كان في اللجنة أناس جيدون.. هنا أعتقد أنهم سوف يرفضون هذا الأمر، وسيرفضون أيضا قانون الانتخابات.. سيتم إلغاء بعض المواد منه. المؤتمر العام لا ينبغي عليه أن يسيطر على أعمال الهيئة التأسيسية، ودستوريا هذا لا يجب».
ولم تتمكن ليبيا من تحقيق استقرار يذكر منذ بداية أحداث ثورة 17 فبراير (شباط) 2011 حتى الآن، بسبب الفشل في تفكيك الكتائب والميليشيات المسلحة، وعدم قدرة الجيش والشرطة على مواجهة تلك الجماعات المتباينة في توجهاتها. لكن الكثير من المحللين يقولون، إن «الخطر يأتي من المسلحين الموالين لتنظيمات متشددة نفذت عمليات في عدة مدن منذ قتل السفير الأميركي وثلاثة من رفاقه في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، حتى سلسلة التفجيرات التي تشهدها مدن بنغازي ودرنة وطرابلس وغيرها».
ومع ذلك يتخوف البعض من أن يستغل أعضاء البرلمان، ومن بينهم إسلاميون أيضا، هذه الأرضية الخطرة لفرض سطوتهم على نظام الحكم في ليبيا خلال الأشهر المقبلة، كما لمح عميش، الذي قال، إن «البرلمان يبدو أنه يريد أن يخفف من حدة أعمال القتل الرهيبة التي تمر بها ليبيا»، وأضاف: «ومع ذلك أعود وأقول إن المؤتمر الوطني لم يكن يجوز له إصدار مثل ذلك القرار. كما أن أطرافا في المؤتمر أصدروا تعليماتهم للمفوضية العليا للانتخابات لعمل استطلاع رأي عام حول شكل نظام الحكم واللغة الرسمية للدولة».
ولا يوجد تفسير لدى عدد من السياسيين الليبيين لتدخل البرلمان في مثل هذه الأمور.. «هذا لا يجوز للمؤتمر الوطني. هذه مهمة الهيئة التأسيسية لعمل الدستور فيما بعد». كما يقول عميش.. والذي أضاف موضحا أن «البعض يقول إن هذه الإجراءات مجرد استئناس.. أي استئناس هذا الذي تقوم به اليوم، لتفرضه غدا؟ الكثير من أعضاء المؤتمر يحاولون فرض أنفسهم على مثل هذه الأمور لأنهم يخشون من أن تكون الهيئة التأسيسية للدستور، بعد انتخابها، بديلا لهم بالكامل».
ومن جانبه رفض الشيخ بشير الكبتي، مسؤول «الإخوان» في البلاد، التهم الموجهة للجماعة خاصة بشأن استفادتها من قرار البرلمان أو تعاونها مع تنظيم القاعدة أو المتشددين الآخرين. وطرحت «الشرق الأوسط» ما يتردد في الأوساط الليبية بخصوص قرار البرلمان، على الشيخ الكبتي، وهي أن البعض يرى أن القوانين والتشريعات القائمة في ليبيا سيتم تعديلها لتكون وفقا للشريعة الإسلامية، وأن قطاعا آخر يرى أن هذا الأمر مذكور في الإعلان الدستوري، وبالتالي كان يجب الانتظار إلى حين صياغة دستور دائم للبلاد، وأن جانبا ثالثا يرى أن القرار جاء بضغوط من متشددين إسلاميين.
ورد المسؤول العام لجماعة الإخوان في ليبيا على هذه الآراء بقوله: «بصرف النظر عن تعددها، والتي قد تكون صحيحة، لكن الشيء الذي يوجد عليه اتفاق بين الليبيين أن قضية المرجعية الشرعية للقوانين ليست محل اختلاف لدينا. يوجد اتفاق عليها سواء وردت في دستور أو في قانون من المؤتمر الوطني العام. هذا لا يمثل إشكالية لدينا والحمد لله».
لكن هل يمكن أن يؤدي هذا إلى تعديل قوانين قائمة، بالفعل؟ هنا أجاب الشيخ الكبتي عن السؤال موضحا أن «السيد وزير العدل أصدر قرارا بتشكيل لجنة، من قبل، على أساس أن تراجع كل القوانين وينظر في مدى بعدها أو قربها من الشريعة الإسلامية. والحمد لله رب العالمين، أن الشريعة الإسلامية فيها سعة لكثرة مذاهبها. وأصلا القوانين الليبية في معظمها ليس فيها الإشكالية الكبيرة التي قد تحتاج إلى نوع من الحراك الكبير لتغييرها، لكن يوجد توافق.. جهود الحكومة وجهود المؤتمر الوطني، إضافة لجهود مؤسسات المجتمع المدني، كلها تسير في (هذا) الاتجاه».
هل مثلا سيتم إلغاء مسألة الإقراض بالفوائد، التي يعدها بعض الإسلاميين ربا؟ يجيب الشيخ الكبتي: «موضوع المصارف صدر فيها قانون، وهو الآن في محل التطبيق على أساس إلغاء الفوائد الربوية، وأن المصارف تتجه لتعديل أعمالها حسب الشريعة سواء في المضاربة أو المرابحة أو أي صور أخرى يمكن ألا تتعارض مع الشريعة». وقال: «نحن في ليبيا نسير في هذا الاتجاه، وأعتقد أن هناك قوانين صدرت في هذا الأمر. وأعتقد أنه مع بداية السنة القادمة لا بد أن تكون جميع المصارف في ليبيا تعمل وفقا للشريعة الإسلامية».
وعن اتهام أحد قادة جماعة الجهاد في مصر لجماعة الإخوان في ليبيا بأنها تتعاون مع تنظيم القاعدة في ليبيا، قال الشيخ الكبتي: «نحن، كـ(إخوان)، ننفي هذا.. ومن باب أن أهل مكة أدرى بشعابها، فنحن لا نعرف أن هناك تنظيم قاعدة له جهد أو عمل (في ليبيا).. توجد بعض المجموعات لها عمل في (مدينة) درنة وبعضها له توجه تكفيري أو توجه جهادي، لكن بمعنى التنظيم (الموالي للقاعدة) فهذا ليس عندنا في ليبيا حتى نتعاون معه. فليس لنا أي تعاون مع هؤلاء إن وجدوا، وهو كلام غير صحيح».
كما نفى المسؤول العام لجماعة الإخوان في ليبيا ما تردد عن وجود تعاون مع بعض الجماعات الإسلامية المسلحة الأخرى والمتهمة بممارسة الإرهاب في البلاد، قائلا، إن «هذا غير صحيح أيضا. نحن ليس لدينا إرهاب في ليبيا. يوجد فقط اغتيالات».
ووجه الكبتي اللوم للحكومة بشأن استمرار أعمال الاغتيالات في البلاد، وقال: «نحن دائما نلوم الحكومة التي تقول دائما إنها وضعت يدها على المنفذ الحقيقي، ولكن لم يكن هناك شفافية من جانبها في أن تعلن من هم هؤلاء ولم يكن لها دور في قضية كبح جماح هؤلاء المجرمين. هذا في الحقيقة تقصير واضح من الحكومة، ووزارة الداخلية بالذات، في القضاء على مثل هذه الظواهر، سواء في مدينة بنغازي أو في مدينة درنة أو غيرهما».
وفي رده على ما يتحدث به بعض المحللين من أن جماعة الإخوان تضغط من أجل إقالة حكومة زيدان، قال الكبتي: «نحن، كجماعة الإخوان في ليبيا، لنا وضعية تختلف عن الوضع في مصر. نحن معتمدين كمؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني، وبالتالي نطالب منذ فترة بأن يكون مستوى أداء الحكومة هو الذي يحكم على بقائها من عدمه»، مشيرا إلى أن «كثيرا من الشرائح في المجتمع تظاهروا لأن الحكومة، بدلا من أن تكون جزءا من الحل، أصبحت جزءا من المشكلة، لأنها لم تقم بدورها كما يجب على الأقل في الجانب الأمني، في الحد الأدنى».
ولم تتوقف أعمال القتل والتفجيرات رغم إصدار البرلمان لقراره بشأن الشريعة. ووصل عدد القتلى من جراء أعمال العنف في بنغازي وحدها إلى أكثر من مائة شخص خلال الأشهر الأخيرة، وعطلت جماعات أخرى عملية تصدير النفط والغاز، ما كلف الدولة خسائر وصلت إلى نحو سبعة مليارات دولار. ولا يثق كثير من الليبيين في قدرة أي تشريعات على كبح جماح العنف. ويرى البعض أن الدولة تحتاج إلى حوار جدي وواقعي بعيدا عن لغة السلاح والتخوين والتوجس. لكن يظل الهاجس الأمني في الواجهة.
وقال الكبتي، إن «معظم أعمال القتل في بنغازي تقيد (في التحقيقات) ضد مجهول، إعلاميا على الأقل. وإلى الآن ليس لدينا وزير داخلية، والقائم بعمل وزارة الداخلية هو نائب رئيس الوزراء.. هذه إشكالية»، لافتا إلى وجود 18 ألف شرطي في بنغازي «تصرف لهم رواتب شهرية لكن لا يأتون لممارسة عملهم، ولتأدية دورهم.. الحقيقة مثل هذه الأشياء لم تعد سرا اليوم.. الشعب الليبي يتحدث عنها، ويرى أن الحكومة عاجزة بل مساهمة في هذا التدهور الأمني الحالي».
ويشير الشيخ بشير الكبتي إلى أحد مظاهر الفوضى، قائلا: «أنت ترى الآن.. لدينا موانئ نفطية وغاز يغلقها حاليا مجموعة من الشباب، وهذه إشكالية لأن الحكومة لم تحرك ساكنا والليبيون يخسرون كل يوم وكل شهر ملايين بل مليارات الدولارات.. من هذا الباب قيمت الحكومة، ومن هذا الباب طلب تغييرها، وهي مسؤولية المؤتمر الوطني وهو المسؤول عن هذا الجهاز التنفيذي الفاشل».
وعلى صعيد جماعات المتشددين الإسلاميين، لا توجد إجابات قاطعة بشأن موالاة البعض منها لتنظيم القاعدة. وتقول جماعة أنصار الشريعة في بنغازي، على لسان قائدها محمد الزهاوي، إنهم «لا علاقة لهم بالقاعدة ولا بعمليات الاغتيالات»، مضيفا في لقاء تلفزيوني إن «جماعته تطالب فقط بدولة إسلامية تحكمها الشريعة». لكن قياديا آخر في الجماعة، يدعى محمود البرعصي، قال لقناة «ليبيا الأحرار» إن «تنظيم القاعدة هو قدوة الجماعة، وأنه لا يعترف بالبرلمان ولا بالحكومة لأنها كافرة ولا بالديمقراطية لأنها كفر».
وبعد إصدار البرلمان لقرار تطبيق الشريعة أصدرت اللجنة الشرعية لجماعة أنصار الشريعة بيانا اعتبرت فيه أن الغاية من قرار البرلمان «الالتفاف على مطالب من ينادون بحاكمية الشريعة الإسلامية»، وطالبت بإقامة «المحاكم الشرعية» و «القصاص ممن أجرم في حق المسلمين في ليبيا قبل الثورة وبعدها» و«الالتزام بأحكام الشريعة في جميع مناحي الحياة»، رافضة «المبادئ التي تتعارض مع الإسلام وعلى رأسها الديمقراطية».
ومن جانبها تقول الحكومة إنها تحاول التغلب على التركة الثقيلة التي تسلمتها، وإنه من الصعب الضغط على زر لإخفاء الميليشيات المسلحة أو القضاء على المتشددين بين يوم وليلة، وهي، وفقا لأحد الوزراء المقربين من زيدان، تحتاج لوقت، وإن الإطاحة بها أو تغييرها في هذا التوقيت يمكن أن يتسبب في حالة فراغ سياسي في البلاد. وفي تعليقه على قرار البرلمان بخصوص الشريعة قال الوزير طالبا عدم ذكر اسمه: «فلننتظر ونر.. نحن مع أي قرار يخفف حدة الاحتقان، ولو مرحليا». ومن جانبه رفض النائب إبراهيم صهد، الذي يشغل أيضا عضوية حزب الجبهة الوطنية اللغط الدائر حول قرار البرلمان بخصوص الشريعة الإسلامية واصفا إياه بأنه مجرد «تحصيل حاصل» لأن النص على الشريعة موجود في الإعلان الدستوري، حسب قوله، مشيرا إلى أن «هذا القرار جاء تأكيدا للإعلان الدستوري الحالي».
حسنا.. طالما هو موجود في الإعلان الدستوري، فلماذا قام المؤتمر الوطني باتخاذ قرار بهذا الشأن؟ يجيب صهد قائلا، إن «هذا لأنه ما زال هناك أناس يطالبون بموضوع الشريعة، ونحن نقول للجميع إن هذا موجود في الإعلان الدستوري، ونحن نؤكد عليه وننوه به، وإن أي قانون مخالف للشريعة لن يكون دستوريا ولن يكون قانونيا».
وفي سؤال بشأن الموقف من القوانين القائمة بالفعل، خصوصا القوانين التي تتعلق بالمعاملات المالية، قال صهد إنه «لا يريد أن يتطرق لهذه التفاصيل في هذا الوقت، لأن باقي التفسيرات توجد لها لجان متخصصة في هذا الأمر». وعما إذا كان يخشى أن يؤدي هذا القرار إلى التأثير على الاستقرار وعلى نظرة المجتمع الدولي للوضع في البلاد، أوضح قائلا: «بالعكس المجتمع الدولي يحترم ليبيا ويحترم نواب الشعب في ليبيا».



بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.