ليبيا: {الشريعة} أولا.. أم الدستور؟

قرار البرلمان بجعل القوانين الإسلامية مصدرا وحيدا للتشريع بين القبول والرفض

ليبيا: {الشريعة} أولا.. أم الدستور؟
TT

ليبيا: {الشريعة} أولا.. أم الدستور؟

ليبيا: {الشريعة} أولا.. أم الدستور؟

تشتعل في ليبيا.. عدة حروب.. فعلى الأرض قتال ومعارك بين ميليشيات من أجل النفوذ والقوة والسلطة، وفي قاعات السياسة، تشتعل حرب أخرى من أجل، الهوية، والدستور، والتشريعات والقوانين. فالبرلمان الليبي اتخذ خطوة جريئة ومثيرة للجدل الأسبوع الماضي، تنص على أن «الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع الوحيد في ليبيا.. وأنه يقع باطلا كل ما يخالف أحكامها من التشريعات.. وكل مؤسسات الدولة ملزمة بذلك». وأثارت هذه الخطوة جدلا كبيرا بين القبول والرفض.. وسيعزز القرار، بقوة، التأثير على قوانين البلاد خاصة المصرفية التي بدأ العمل الفعلي لتعديل طريقة تعاملها بالفوائد. يقول منتقدو القرار، هذا عمل باطل، ولا يجوز للبرلمان أن يقرره. ومحاولة من البرلمان لمصادرة أعمال هيئة صياغة الدستور التي ستنتخب الشهر المقبل. لكن الشيخ بشير الكبتي، المسؤول العام لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، قال إن «الشيء الوحيد الذي يتفق عليه الليبيون هو المرجعية الشرعية للقوانين.. فهي ليست محل خلاف». وبات التساؤل الآن أيهما أولا.. أحكام الشريعة.. أم الدستور؟

يقول إبراهيم عميش رئيس حزب الجبهة الديمقراطية الليبية، لـ«الشرق الأوسط»، إن «البرلمان يتخذ قرارات مطعونا فيها.. وهذا لا يجوز دستوريا». وأضاف قائلا، إن «الإجراءات التي يقوم بها البرلمان يبدو منها أنه يحاول استرضاء جماعات متشددة، ويحاول في نفس الوقت أن يضع يده على أعمال هيئة تأسيس الدستور مستقبلا».
إبراهيم صهد، عضو البرلمان الليبي، دافع عن القرار، وشدد على أنه جاء ليعيد التأكيد على أن «أي تشريع أو قانون مخالف للشريعة الإسلامية لن يكون قانونيا ولا دستوريا». وردا على اتهامات للبرلمان بأنه اتخذ قراره بشأن الشريعة لاسترضاء جماعات متشددة ومسلحة، قال صهد لـ«الشرق الأوسط»، إن «هناك من يطالب بالشريعة ونحن نقول لهم إن هذا الأمر موجود في الإعلان الدستوري ونحن (بالقرار الذي صدر أخيرا) نؤكد عليه».
ويلاحظ قطاع من المراقبين داخل ليبيا وخارجها أن جماعة الإخوان يبدو أنها تهيمن على توجهات وقرارات البرلمان، رغم أنها لا تملك الأغلبية المطلقة فيه. ويشير أحد النواب المستقلين إلى أن هناك الكثير من المؤشرات عن تحالف الجماعة مع نواب من تيارات إسلامية توصف بالمتشددة. ويقول أحد المحللين الأميركيين ممن زاروا طرابلس وبنغازي أخيرا، لـ«الشرق الأوسط»، إن «هذا يحدث بالفعل رغم ضعف قدرات البرلمان في مواجهة الصراعات المسلحة الحالية هناك».
وعاد البرلمان للواجهة مجددا بإصداره قرارا ينص على أن «الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع في ليبيا»، وما تضمنه من تفاصيل أخرى يشدد من خلالها على أن كل القوانين والتشريعات التي تخالف أحكام الشريعة ستكون باطلة، كما ألزم جميع مؤسسات الدولة بتطبيق هذا الأمر. والغريب في الأمر أن الجماعات المتشددة في ليبيا لم يعجبها قرار البرلمان، وأعلنت جماعة أنصار الشريعة أن الحكومة والتمثيل النيابي والديمقراطية «كفر».
ومع ذلك قالت مصادر مصرفية وسياسية ليبية، إن «موضوع تطبيق الشريعة يجري الضغط لإنفاذه والعمل به من أجل إرضاء بعض التيارات المتشددة، وبتواطؤ من بعض الكتل السياسية في البرلمان، وبصمت حكومي»، مشيرا إلى أن هذه الإجراءات بدأت بالفعل من خلال مطالبة البنوك بوضع مراجعات لأعمالها المصرفية وإلغاء نظام الفوائد المعمول به في دول العالم لكن لم يستقر الرأي على النظام الجديد، بسبب خلافات في الرؤى والتفسير في هذا الشأن، لدى عدد من المتشددين.
ويترأس عميش الحزب الذي مر عليه غالبية القيادات الجديدة في ليبيا منذ أسسه في الثمانينات في المنفى وزير الخارجية منصور الكيخيا الذي اختطف من القاهرة في التسعينات وعثر على جثته في ليبيا بعد سقوط نظام القذافي. كما يعد عميش أحد المرشحين لعضوية الهيئة التأسيسية لصياغة دستور البلاد، وهي هيئة ستتكون من 60 عضوا منتخبين بشكل مباشر من الشعب خلال الشهر المقبل.
وقال عميش تعليقا على قرار البرلمان العمل بالشريعة الإسلامية، وعن سبب صدوره في هذا التوقيت: «دستوريا لا يجوز». كما اتهم البرلمان بأنه «يتخذ قرارات مطعونا فيها». وأضاف قائلا، إن «الإجراءات التي يقوم بها البرلمان يبدو منها أنه يحاول استرضاء جماعات متشددة ويحاول في نفس الوقت أن يضع يده على أعمال هيئة تأسيس الدستور مستقبلا».
وأوضح أنه لا يجوز للبرلمان أن يقيد أعمال الهيئة التأسيسية للدستور، ولا أن يتدخل في صياغة الدستور ولا في صياغة أي مادة.. «هذا لا يجوز، لا شرعا، ولا قانونا، ولا عرفا. أعتقد أن القرار اتخذ من أجل محاولة إرضاء الجماعات المتطرفة».
وعن قول أعضاء في المؤتمر بأن قرار الشريعة جاء مجرد «تحصيل حاصل، لأن الشريعة الإسلامية منصوص عليها في الإعلان الدستوري»، رد عميش قائلا، إنه «حتى بالنسبة للإعلان الدستوري، لا ينبغي على أي جهة أن تتحكم في أعمال الهيئة التأسيسية للدستور المقبل، ولا تتدخل في أعمالها، ولا يسيطر عليها المؤتمر الوطني أو أن يحاول توجيهها».
وطرح عميش سؤالا لمح من خلاله إلى وجود ما اعتبره توجهات من البعض في البرلمان لتحقيق مصالح سياسية آنية ووقتية. وقال: «أريد أن أسأل سؤالا، لماذا لم يكتب في القرار (الذي صدر بشأن الشريعة الإسلامية) أن ليبيا دولة عربية أيضا». وأجاب قائلا: «لا يستطيع البرلمان أن يفعل هذا لأنه يخشى من الأمازيغ وغير الأمازيغ. هو، بقرار الشريعة، يعكس خوفه من الإسلاميين، ويريد أن يطمئنهم بأن هذا الأمر سيجري فرضه مقابل أن يبتعدوا هم قليلا عن الواجهة.. يبدو ذلك».
ويشار للإسلاميين المتشددين، وبعض الشخصيات الإخوانية، وجماعات من المسلحين الآخرين، بأنهم وقفوا أمام البرلمان لأيام للضغط عليه من أجل إصدار قانون العزل السياسي، في مايو (أيار) الماضي، ما أدى لإبعاد شخصيات سياسية مدنية، أشهرهم محمود جبريل. وأدى خروج جبريل من اللعبة السياسية، ظاهريا على الأقل، لإضعاف رئيس الحكومة الحالي علي زيدان، الذي جاء تعيينه على رأس السلطة التنفيذية العام الماضي بـ«اتفاق مضمر» بين جبهة جبريل وقطاع من الإسلاميين في البرلمان.
ويقول عميش، إنه «حتى الرغبة في إرضاء المتشددين المشتبه في صلتهم بتنظيم القاعدة لم تتحقق». ويضيف موضحا: «الإسلاميون أصدروا بيانا يعبرون فيه عن عدم رضاهم عن النص الذي ورد في قرار المؤتمر الوطني العام». وعن السبب من وجهة نظره أجاب أن الإسلاميين «خاصة الموالين لـ(القاعدة) ممن يطلقون على أنفسهم (أنصار الشريعة)، قالوا إن هذا لا يرضينا وأن هذا ليس المطلوب»، مشيرا إلى أن هؤلاء الإسلاميين «كانوا يريدون النص في القرار على أن الشريعة الإسلامية مصدر وحيد للتشريع في ليبيا».
وعما إذا كان قرار البرلمان يمكن أن يؤثر على أعمال الهيئة التأسيسية لوضع الدستور، قال عميش، إن «هذا لن يؤثر، خصوصا لو كان في اللجنة أناس جيدون.. هنا أعتقد أنهم سوف يرفضون هذا الأمر، وسيرفضون أيضا قانون الانتخابات.. سيتم إلغاء بعض المواد منه. المؤتمر العام لا ينبغي عليه أن يسيطر على أعمال الهيئة التأسيسية، ودستوريا هذا لا يجب».
ولم تتمكن ليبيا من تحقيق استقرار يذكر منذ بداية أحداث ثورة 17 فبراير (شباط) 2011 حتى الآن، بسبب الفشل في تفكيك الكتائب والميليشيات المسلحة، وعدم قدرة الجيش والشرطة على مواجهة تلك الجماعات المتباينة في توجهاتها. لكن الكثير من المحللين يقولون، إن «الخطر يأتي من المسلحين الموالين لتنظيمات متشددة نفذت عمليات في عدة مدن منذ قتل السفير الأميركي وثلاثة من رفاقه في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، حتى سلسلة التفجيرات التي تشهدها مدن بنغازي ودرنة وطرابلس وغيرها».
ومع ذلك يتخوف البعض من أن يستغل أعضاء البرلمان، ومن بينهم إسلاميون أيضا، هذه الأرضية الخطرة لفرض سطوتهم على نظام الحكم في ليبيا خلال الأشهر المقبلة، كما لمح عميش، الذي قال، إن «البرلمان يبدو أنه يريد أن يخفف من حدة أعمال القتل الرهيبة التي تمر بها ليبيا»، وأضاف: «ومع ذلك أعود وأقول إن المؤتمر الوطني لم يكن يجوز له إصدار مثل ذلك القرار. كما أن أطرافا في المؤتمر أصدروا تعليماتهم للمفوضية العليا للانتخابات لعمل استطلاع رأي عام حول شكل نظام الحكم واللغة الرسمية للدولة».
ولا يوجد تفسير لدى عدد من السياسيين الليبيين لتدخل البرلمان في مثل هذه الأمور.. «هذا لا يجوز للمؤتمر الوطني. هذه مهمة الهيئة التأسيسية لعمل الدستور فيما بعد». كما يقول عميش.. والذي أضاف موضحا أن «البعض يقول إن هذه الإجراءات مجرد استئناس.. أي استئناس هذا الذي تقوم به اليوم، لتفرضه غدا؟ الكثير من أعضاء المؤتمر يحاولون فرض أنفسهم على مثل هذه الأمور لأنهم يخشون من أن تكون الهيئة التأسيسية للدستور، بعد انتخابها، بديلا لهم بالكامل».
ومن جانبه رفض الشيخ بشير الكبتي، مسؤول «الإخوان» في البلاد، التهم الموجهة للجماعة خاصة بشأن استفادتها من قرار البرلمان أو تعاونها مع تنظيم القاعدة أو المتشددين الآخرين. وطرحت «الشرق الأوسط» ما يتردد في الأوساط الليبية بخصوص قرار البرلمان، على الشيخ الكبتي، وهي أن البعض يرى أن القوانين والتشريعات القائمة في ليبيا سيتم تعديلها لتكون وفقا للشريعة الإسلامية، وأن قطاعا آخر يرى أن هذا الأمر مذكور في الإعلان الدستوري، وبالتالي كان يجب الانتظار إلى حين صياغة دستور دائم للبلاد، وأن جانبا ثالثا يرى أن القرار جاء بضغوط من متشددين إسلاميين.
ورد المسؤول العام لجماعة الإخوان في ليبيا على هذه الآراء بقوله: «بصرف النظر عن تعددها، والتي قد تكون صحيحة، لكن الشيء الذي يوجد عليه اتفاق بين الليبيين أن قضية المرجعية الشرعية للقوانين ليست محل اختلاف لدينا. يوجد اتفاق عليها سواء وردت في دستور أو في قانون من المؤتمر الوطني العام. هذا لا يمثل إشكالية لدينا والحمد لله».
لكن هل يمكن أن يؤدي هذا إلى تعديل قوانين قائمة، بالفعل؟ هنا أجاب الشيخ الكبتي عن السؤال موضحا أن «السيد وزير العدل أصدر قرارا بتشكيل لجنة، من قبل، على أساس أن تراجع كل القوانين وينظر في مدى بعدها أو قربها من الشريعة الإسلامية. والحمد لله رب العالمين، أن الشريعة الإسلامية فيها سعة لكثرة مذاهبها. وأصلا القوانين الليبية في معظمها ليس فيها الإشكالية الكبيرة التي قد تحتاج إلى نوع من الحراك الكبير لتغييرها، لكن يوجد توافق.. جهود الحكومة وجهود المؤتمر الوطني، إضافة لجهود مؤسسات المجتمع المدني، كلها تسير في (هذا) الاتجاه».
هل مثلا سيتم إلغاء مسألة الإقراض بالفوائد، التي يعدها بعض الإسلاميين ربا؟ يجيب الشيخ الكبتي: «موضوع المصارف صدر فيها قانون، وهو الآن في محل التطبيق على أساس إلغاء الفوائد الربوية، وأن المصارف تتجه لتعديل أعمالها حسب الشريعة سواء في المضاربة أو المرابحة أو أي صور أخرى يمكن ألا تتعارض مع الشريعة». وقال: «نحن في ليبيا نسير في هذا الاتجاه، وأعتقد أن هناك قوانين صدرت في هذا الأمر. وأعتقد أنه مع بداية السنة القادمة لا بد أن تكون جميع المصارف في ليبيا تعمل وفقا للشريعة الإسلامية».
وعن اتهام أحد قادة جماعة الجهاد في مصر لجماعة الإخوان في ليبيا بأنها تتعاون مع تنظيم القاعدة في ليبيا، قال الشيخ الكبتي: «نحن، كـ(إخوان)، ننفي هذا.. ومن باب أن أهل مكة أدرى بشعابها، فنحن لا نعرف أن هناك تنظيم قاعدة له جهد أو عمل (في ليبيا).. توجد بعض المجموعات لها عمل في (مدينة) درنة وبعضها له توجه تكفيري أو توجه جهادي، لكن بمعنى التنظيم (الموالي للقاعدة) فهذا ليس عندنا في ليبيا حتى نتعاون معه. فليس لنا أي تعاون مع هؤلاء إن وجدوا، وهو كلام غير صحيح».
كما نفى المسؤول العام لجماعة الإخوان في ليبيا ما تردد عن وجود تعاون مع بعض الجماعات الإسلامية المسلحة الأخرى والمتهمة بممارسة الإرهاب في البلاد، قائلا، إن «هذا غير صحيح أيضا. نحن ليس لدينا إرهاب في ليبيا. يوجد فقط اغتيالات».
ووجه الكبتي اللوم للحكومة بشأن استمرار أعمال الاغتيالات في البلاد، وقال: «نحن دائما نلوم الحكومة التي تقول دائما إنها وضعت يدها على المنفذ الحقيقي، ولكن لم يكن هناك شفافية من جانبها في أن تعلن من هم هؤلاء ولم يكن لها دور في قضية كبح جماح هؤلاء المجرمين. هذا في الحقيقة تقصير واضح من الحكومة، ووزارة الداخلية بالذات، في القضاء على مثل هذه الظواهر، سواء في مدينة بنغازي أو في مدينة درنة أو غيرهما».
وفي رده على ما يتحدث به بعض المحللين من أن جماعة الإخوان تضغط من أجل إقالة حكومة زيدان، قال الكبتي: «نحن، كجماعة الإخوان في ليبيا، لنا وضعية تختلف عن الوضع في مصر. نحن معتمدين كمؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني، وبالتالي نطالب منذ فترة بأن يكون مستوى أداء الحكومة هو الذي يحكم على بقائها من عدمه»، مشيرا إلى أن «كثيرا من الشرائح في المجتمع تظاهروا لأن الحكومة، بدلا من أن تكون جزءا من الحل، أصبحت جزءا من المشكلة، لأنها لم تقم بدورها كما يجب على الأقل في الجانب الأمني، في الحد الأدنى».
ولم تتوقف أعمال القتل والتفجيرات رغم إصدار البرلمان لقراره بشأن الشريعة. ووصل عدد القتلى من جراء أعمال العنف في بنغازي وحدها إلى أكثر من مائة شخص خلال الأشهر الأخيرة، وعطلت جماعات أخرى عملية تصدير النفط والغاز، ما كلف الدولة خسائر وصلت إلى نحو سبعة مليارات دولار. ولا يثق كثير من الليبيين في قدرة أي تشريعات على كبح جماح العنف. ويرى البعض أن الدولة تحتاج إلى حوار جدي وواقعي بعيدا عن لغة السلاح والتخوين والتوجس. لكن يظل الهاجس الأمني في الواجهة.
وقال الكبتي، إن «معظم أعمال القتل في بنغازي تقيد (في التحقيقات) ضد مجهول، إعلاميا على الأقل. وإلى الآن ليس لدينا وزير داخلية، والقائم بعمل وزارة الداخلية هو نائب رئيس الوزراء.. هذه إشكالية»، لافتا إلى وجود 18 ألف شرطي في بنغازي «تصرف لهم رواتب شهرية لكن لا يأتون لممارسة عملهم، ولتأدية دورهم.. الحقيقة مثل هذه الأشياء لم تعد سرا اليوم.. الشعب الليبي يتحدث عنها، ويرى أن الحكومة عاجزة بل مساهمة في هذا التدهور الأمني الحالي».
ويشير الشيخ بشير الكبتي إلى أحد مظاهر الفوضى، قائلا: «أنت ترى الآن.. لدينا موانئ نفطية وغاز يغلقها حاليا مجموعة من الشباب، وهذه إشكالية لأن الحكومة لم تحرك ساكنا والليبيون يخسرون كل يوم وكل شهر ملايين بل مليارات الدولارات.. من هذا الباب قيمت الحكومة، ومن هذا الباب طلب تغييرها، وهي مسؤولية المؤتمر الوطني وهو المسؤول عن هذا الجهاز التنفيذي الفاشل».
وعلى صعيد جماعات المتشددين الإسلاميين، لا توجد إجابات قاطعة بشأن موالاة البعض منها لتنظيم القاعدة. وتقول جماعة أنصار الشريعة في بنغازي، على لسان قائدها محمد الزهاوي، إنهم «لا علاقة لهم بالقاعدة ولا بعمليات الاغتيالات»، مضيفا في لقاء تلفزيوني إن «جماعته تطالب فقط بدولة إسلامية تحكمها الشريعة». لكن قياديا آخر في الجماعة، يدعى محمود البرعصي، قال لقناة «ليبيا الأحرار» إن «تنظيم القاعدة هو قدوة الجماعة، وأنه لا يعترف بالبرلمان ولا بالحكومة لأنها كافرة ولا بالديمقراطية لأنها كفر».
وبعد إصدار البرلمان لقرار تطبيق الشريعة أصدرت اللجنة الشرعية لجماعة أنصار الشريعة بيانا اعتبرت فيه أن الغاية من قرار البرلمان «الالتفاف على مطالب من ينادون بحاكمية الشريعة الإسلامية»، وطالبت بإقامة «المحاكم الشرعية» و «القصاص ممن أجرم في حق المسلمين في ليبيا قبل الثورة وبعدها» و«الالتزام بأحكام الشريعة في جميع مناحي الحياة»، رافضة «المبادئ التي تتعارض مع الإسلام وعلى رأسها الديمقراطية».
ومن جانبها تقول الحكومة إنها تحاول التغلب على التركة الثقيلة التي تسلمتها، وإنه من الصعب الضغط على زر لإخفاء الميليشيات المسلحة أو القضاء على المتشددين بين يوم وليلة، وهي، وفقا لأحد الوزراء المقربين من زيدان، تحتاج لوقت، وإن الإطاحة بها أو تغييرها في هذا التوقيت يمكن أن يتسبب في حالة فراغ سياسي في البلاد. وفي تعليقه على قرار البرلمان بخصوص الشريعة قال الوزير طالبا عدم ذكر اسمه: «فلننتظر ونر.. نحن مع أي قرار يخفف حدة الاحتقان، ولو مرحليا». ومن جانبه رفض النائب إبراهيم صهد، الذي يشغل أيضا عضوية حزب الجبهة الوطنية اللغط الدائر حول قرار البرلمان بخصوص الشريعة الإسلامية واصفا إياه بأنه مجرد «تحصيل حاصل» لأن النص على الشريعة موجود في الإعلان الدستوري، حسب قوله، مشيرا إلى أن «هذا القرار جاء تأكيدا للإعلان الدستوري الحالي».
حسنا.. طالما هو موجود في الإعلان الدستوري، فلماذا قام المؤتمر الوطني باتخاذ قرار بهذا الشأن؟ يجيب صهد قائلا، إن «هذا لأنه ما زال هناك أناس يطالبون بموضوع الشريعة، ونحن نقول للجميع إن هذا موجود في الإعلان الدستوري، ونحن نؤكد عليه وننوه به، وإن أي قانون مخالف للشريعة لن يكون دستوريا ولن يكون قانونيا».
وفي سؤال بشأن الموقف من القوانين القائمة بالفعل، خصوصا القوانين التي تتعلق بالمعاملات المالية، قال صهد إنه «لا يريد أن يتطرق لهذه التفاصيل في هذا الوقت، لأن باقي التفسيرات توجد لها لجان متخصصة في هذا الأمر». وعما إذا كان يخشى أن يؤدي هذا القرار إلى التأثير على الاستقرار وعلى نظرة المجتمع الدولي للوضع في البلاد، أوضح قائلا: «بالعكس المجتمع الدولي يحترم ليبيا ويحترم نواب الشعب في ليبيا».



هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
TT

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في النظام العالمي. وبديهي أن ولاية ترمب الثانية لا تشكّل أهمية كبرى في السياسة الداخلية الأميركية فحسب، بل ستؤثر إلى حد كبير أيضاً على الجغرافيا السياسية والاقتصاد في آسيا. وفي حين يتوقع المحللون أن يركز الرئيس السابق - العائد في البداية على معالجة القضايا الاقتصادية المحلية، فإن «إعادة ضبط» أجندة السياسة الخارجية لإدارته ستكون لها آثار وتداعيات في آسيا ومعظم مناطق العالم، وبالأخص في مجالات التجارة والبنية التحتية والأمن. وبالنسبة لكثيرين في آسيا، يظل السؤال المطروح هنا هو... هل سيعتمد في ولايته الجديدة إزاء كبرى قارات العالم، من حيث عدد السكان، تعاملاً مماثلاً لتعامله في ولايته الأولى... أم لا؟

توقَّع المحللون السياسيون منذ فترة أن تكون منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ في طليعة اهتمامات السياسة الخارجية عند إدارة الرئيس الأميركي السابق العائد دونالد ترمب. ومعلومٌ أن استراتيجية ترمب في فترة ولايته الأولى، إزاء حوض المحيطين الهندي والهادئ شددت على حماية المصالح الأميركية في الداخل. والمتوقع أن يظل هذا الأمر قائماً، ويرجح أن يؤثّر على نهج سياسته الخارجية تجاه المنطقة مع التركيز على دفع الازدهار الأميركي، والحفاظ على السلام من خلال القوة، وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة.

منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ التي يقطن كياناتها نحو 65 في المائة من سكان العالم، تشكل راهناً نقطة محورية للاستراتيجية والتوترات الجيوسياسية، فهي موطن لثلاثة من أكبر الاقتصادات على مستوى العالم (الصين والهند واليابان) ولسبع من أكبر القوات العسكرية في العالم. ويضاف إلى ذلك أنها منطقة اقتصادية رئيسية تمثل 62 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتسهم بنسبة 46 في المائة من تجارة السلع العالمية.

3 محاور

ويرجّح فيفيك ميشرا، خبير السياسة الأميركية في «مؤسسة أوبزرفر للأبحاث»، أنه «في ولاية ترمب الثانية، ستوجّه استراتيجية واشنطن لهذه المنطقة عبر التركيز على ثلاثة محاور تعمل على ربط المجالات القارية والبحرية في حيّزها. وستكون العلاقات الأميركية - الصينية في نقطة مركز هذه المقاربة، مع توقع أن تعمل التوترات التجارية على دفع الديناميكيات الثنائية... إذ لا يزال موقف ترمب من الصين حازماً، ويهدف إلى موازنة نفوذها المتنامي في المجالين الاقتصادي والأمني على حد سواء».

إضافة إلى ما سبق، يرى ميشرا أن «لدى سياسة ترمب في حوض المحيطين الهندي والهادئ توقعات كبيرة من حلفاء أميركا الرئيسيين وشركائها في المنطقة، بما في ذلك اضطلاع الهند بدور أنشط في المحيط الهندي مع التزامات عسكرية أكبر من الحلفاء مثل اليابان وأستراليا». ويرجّح الخبير الهندي، كذلك، «أن تتضمن رؤية ترمب لحوض المحيطين الهندي والهادئ الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط، لا سيما من خلال تعزيز التجارة والاتصال مع المنطقة، لتعزيز ارتباطها بالمجال البحري لحوض المحيطين الهندي والهادئ».

الحالة الهندية

هناك الكثير من الأسباب التي تسعد حكومة ناريندرا مودي اليمينية في الهند بفوز ترمب. إذ تقف الهند اليوم شريكاً حيوياً واستثنائياً بشكل خاص في الاستراتيجيتين الإقليمية والدولية للرئيس الأميركي العائد. وعلى الصعيد الشخصي، سلَّط ترمب إبان حملته الانتخابية الضوء على علاقته القوية بمودي، الذي هنأه على الفور بفوزه في الانتخابات.

وهنا يقول السفير الهندي السابق آرون كومار: «مع تأمين ترمب ولاية ثانية، تؤشر علاقته الوثيقة برئيس الوزراء مودي إلى مرحلة جديدة للعلاقات الهندية - الأميركية. ومع فوز مودي التاريخي بولاية ثالثة، ووعد ترمب بتعزيز العلاقات بين واشنطن ونيودلهي يُرتقب تكثّف الشراكة بينهما. وبالفعل، يتفّق موقف ترمب المتشدد من بكين مع الأهداف الاستراتيجية لنيودلهي؛ ولذا يُرجح أن يزيد الضغط على بكين وسط تراجع التصعيد على الحدود. ويضاف إلى ذلك، أن تدقيق ترمب في تصرفات باكستان بشأن الإرهاب قد يوسّع النفوذ الاستراتيجي الهندي في كشمير».

كومار يتوقع أيضاً «نمو التعاون في مجال الدفاع، لا سيما في أعقاب صفقة الطائرات المسيَّرة الضخمة التي بدأت خلال ولاية ترمب الأولى. ومع الأهداف المشتركة ضد العناصر المتطرّفة في كندا والولايات المتحدة، يمهّد تحالف مودي - ترمب المتجدّد الطريق للتقدم الاقتصادي والدفاعي والدبلوماسي... إذا منحت إدارة ترمب الأولوية للتعاون الدفاعي والتكنولوجي والفضائي مع الهند، وهي قطاعات أساسية تحتل مركزها في الطموحات الاستراتيجية لكلا البلدين». وما يُذكر أن ترمب أعرب عن نيته البناء على تاريخه السابق مع الهند، المتضمن بناء علاقات تجارية، وفتح المزيد من التكنولوجيا للشركات الهندية، وإتاحة المزيد من المعدات العسكرية الأميركية لقوات الدفاع الهندية. وبصفة خاصة، قد تتأكد العلاقات الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة، في ظل قدر أعظم من العمل البيني المتبادل ودعم سلسلة الإمداد الدفاعية.

السياسة إزاء الصين

أما بالنسبة للصين، فيتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة، ويرى البعض أنه خلال ولايته الثانية يمتلك القدرة على قيادة مسار احتواء أوسع تجاه بكين. بدايةً، كما نتذكر، حمّل ترمب الحكومة الصينية مسؤولية جائحة «كوفيد - 19»، التي قتلت أكثر من مليون أميركي ودفعت الاقتصاد الأميركي إلى ركود عميق. وسواء عبر الإجراءات التجارية، أو العقوبات، أو المطالبة بالتعويضات، سيسعى الرئيس الأميركي العائد إلى «محاسبة» بكين على «الأضرار» المادية التي ألحقتها الجائحة بالولايات المتحدة والتي تقدَّر بنحو 18 تريليون دولار أميركي.

ووفقاً للمحلل الأمني الهندي سوشانت سارين، فإن دبلوماسية «الذئب المحارب» الصينية، ودعم بكين حرب موسكو في أوكرانيا، والقضايا المتزايدة ذات الصلة بالتجارة والتكنولوجيا وسلاسل التوريد، تشكل مصدر قلق كبيراً لحكومة ترمب الجديدة. ومن ثم، ستركز مقاربة الرئيس الأميركي تجاه الصين على الجانبين الاقتصادي والأمني، مع التأكيد على حاجة الولايات المتحدة إلى الحفاظ على قدرتها التنافسية في مجال التكنولوجيات الناشئة.

آسيا ... تنتظر مواقف ترمب بعد انتصاره الكبير (رويترز)

التجارة والاقتصاد

أما الخبير الاقتصادي سيدهارت باندي، فيرى أنه «يمكن القول إن التجارة هي القضية الأكثر أهمية في جدول أعمال السياسة الأميركية تجاه الصين... وقد تتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في ظل حكم ترمب».

وحقاً، في التقييم الصيني الحالي، يتوقع أن تشهد ولاية ترمب الثانية تشدداً أميركياً أكبر حيال بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية؛ ما يؤدي إلى مزيد من التنافر بين الاقتصادين. وللعلم، في وقت سابق من العام الحالي، وعد خطاب ترمب الانتخابي بتعرفات جمركية بنسبة 60 في المائة أو أعلى على جميع السلع الصينية، وتعرفات جمركية شاملة بنسبة 10 في المائة على السلع من جميع نقاط المنشأ. ومن ثم، يرجّح أيضاً أن تشجع هذه الاستراتيجية الشركات الأميركية على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين؛ ما قد يؤدي إلى تسريع الشراكات مع دول أخرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

ما يستحق الإشارة هنا أن ترمب كان قد شن حرباً تجارية ضد الصين بدءاً من عام 2018، حين فرض رسوماً جمركية تصل إلى 25 في المائة على مجموعة من السلع الصينية. وبعدما كانت الصين عام 2016 الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، مع أكثر من 20 في المائة من الواردات الأميركية ونحو 16 في المائة من إجمالي التجارة الأميركية، فإنها تراجعت بحلول عام 2023 إلى المرتبة الثالثة، مع 13.9 في المائة من الواردات و11.3 في المائة من التجارة.

وبالتالي، من شأن هذا التحوّل منح مصداقية أكبر لتهديدات ترمب بإلغاء الوضع التجاري للدولة «الأكثر رعاية» المعطى للصين وفرض تعرفات جمركية واسعة النطاق. ومع أن هذه الإجراءات سترتب تكاليف اقتصادية للأميركيين، فإن نحو 80 في المائة من الأميركيين ينظرون إلى الصين نظرة سلبية.

يتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة إزاء الصين

الشق العسكري

من جهة ثانية، يتوقع أن يُنهي ترمب محاولات الشراكة الثنائية السابقة، بينما يعمل حلفاء الولايات المتحدة الآسيويون على تعزيز قدراتهم العسكرية والتعاون فيما بينهم. ومن شأن تحسين التحالفات والشراكات الإقليمية، بما في ذلك «ميثاق أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة»، وميثاق مجموعة «كواد» الرباعية (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة)، وتحسين العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية بشكل كبير، والتعاون المتزايد بين اليابان والفلبين، تعزيز موقف ترمب في وجه بكين.

شبه الجزيرة الكورية

فيما يخصّ الموضوع الكوري، يتكهن البعض بأن ترمب سيحاول إعادة التباحث مع كوريا الشمالية بشأن برامجها للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وفي حين سيكون إشراك بيونغ يانغ في هذه القضايا بلا شك، حذراً وحصيفاً، فمن غير المستبعد أن تجد إدارة ترمب الثانية تكرار التباحث أكثر تعقيداً هذه المرة.

الصحافي مانيش تشيبر علَّق على هذا الأمر قائلاً إن «إدارة ترمب الأولى كانت لها مزايا عندما اتبعت الضغط الأقصى الأولي تجاه بيونغ يانغ، لكن هذا لن يتكرّر مع إدارة ترمب القادمة، خصوصاً أنه في الماضي كانت روسيا والصين متعاونتين في زيادة الضغوط على نظام كوريا الشمالية». بل، وضعف النفوذ التفاوضي لواشنطن في الوقت الذي قوي موقف كوريا الشمالية. ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا وبعد لقاء الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر (أيلول) 2023، عمّقت موسكو وبيونغ يانغ التعاون في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا.

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون (رويترز)

مكاسب حربية لكوريا الشمالية

أيضاً، تشير التقديرات إلى أن كوريا الشمالية كسبت على الأرجح 4.3 مليار دولار من شحنات المدفعية إلى روسيا خلال الحرب وحدها، وقد تكسب أكثر من 21 مليون دولار شهرياً من نشر قواتها في روسيا. وفي المقابل، تستفيد من روسيا في توفير الأسلحة والقوات والتكنولوجيا لمساعدة برامج الصواريخ الكورية الشمالية. وتبعاً لمستوى الدعم الذي ترغب الصين وروسيا في تقديمه لكوريا الشمالية، قد تواجه إدارة ترمب القادمة بيونغ يانغ تحت ضغط دبلوماسي واقتصادي متناقص وهي مستمرة في تحسين برامج الأسلحة وتطويرها.

أما عندما يتعلق الأمر بكوريا الجنوبية، فيلاحظ المحللون أن فصلاً جديداً مضطرباً قد يبدأ للتحالف الأميركي - الكوري الجنوبي مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. ويحذر المحللون من أن سياسة «جعل أميركا عظيمة مجدداً» التي ينتهجها الحزب الجمهوري قد تشكل مرة أخرى اختباراً صعباً للتحالف بين سيول وواشنطن الذي دام عقوداً من الزمان، مذكرين بالاضطرابات التي شهدها أثناء فترة ولايته السابقة من عام 2017 إلى عام 2021. ففي ولايته السابقة، طالب ترمب بزيادة كبيرة في المساهمة المالية لسيول في دعم القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية. وأثناء حملته الانتخابية الحالية، وصف كوريا الجنوبية بأنها «آلة للمال» بينما يناقش مسألة تقاسم تكاليف الدفاع، وذكر أن موقفه بشأن القضية لا يزال ثابتاً. وفي سياق متصل، قال الصحافي الكوري الجنوبي لي هيو جين في مقال نشرته صحيفة «كوريان تايمز» إنه «مع تركيز الولايات المتحدة حالياً على المخاوف الدولية الرئيسية كالحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، يشير بعض المحللين إلى أن أي تحولات جذرية في السياسة تجاه شبه الجزيرة الكورية في ظل إدارة ترمب قد تؤجل. لكن مع ذلك؛ ونظراً لنهج ترمب الذي غالباً يصعب التنبؤ به تجاه السياسة الخارجية، يمكن عكس هذه التوقعات».

حقائق

أميركا والهند... و«اتفاقية التجارة الحرة»

في كي فيجاياكومار، الخبير الاستثماري الهندي، يتوقع أن يعيد الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب النظر مجدداً بشأن المفاوضات حول «اتفاقية التجارة الحرة»، وكانت قد عُرفت مفاوضات مكثفة في الفترة 2019 - 2020 قبل أن يفقد السلطة، والتي لم يبدِ الرئيس السابق جو بايدن أي اهتمام باستكمالها.وعوضاً عن الضغط على نيودلهي بشأن خفض انبعاثات الكربون، «من المرجح أن يشجع ترمب الهند على شراء النفط والغاز الطبيعي المسال الأميركي، على غرار مذكرة التفاهم الخاصة بمصنع النفط والغاز الطبيعي المسال في لويزيانا لعام 2019، والتي كانت ستجلب 2.5 مليار دولار من الاستثمارات من شركة (بترونيت إنديا) إلى الولايات المتحدة، لكنها تأجلت لعام لاحق».ثم يضيف: «بوجود شخصيات مؤثرة مثل إيلون ماسك، الذي يدعو إلى الابتكار في التكنولوجيا والطاقة النظيفة، ليكون له صوت مسموع في دائرة ترمب، فإن التعاون بين الولايات المتحدة والهند في مجال التكنولوجيا يمكن أن يشهد تقدماً ملحوظاً. ومن شأن هذا التعاون دفع عجلة التقدم في مجالات مثل استكشاف الفضاء، والأمن السيبراني، والطاقة النظيفة؛ ما يزيد من ترسيخ مكانة الهند باعتبارها ثقلاً موازناً للصين في حوض المحيطين الهندي والهادئ».في المقابل، لا يتوقع معلقون آخرون أن يكون كل شيء على ما يرام؛ إذ تواجه الهند بعض التحديات المباشرة على الأقل، بما في ذلك فرض رسوم جمركية أعلى وفرض قيود على التأشيرات، فضلاً عن احتمال المزيد من التقلبات في أسواق صرف العملات الأجنبية. وثمة مخاوف أيضاً بشأن ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة في أعقاب موقفها المالي والتخفيضات الأقل من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما قد يخلف تأثيراً غير مباشر على قرارات السياسة النقدية في بلدان أخرى بما في ذلك الهند.