ماتيو سالفيني... حكاية شعبوي إيطالي متطرّف

انتقل من اليسار إلى أقصى اليمين... ومن الإقليمية إلى العداء لأوروبا والإسلام والمهاجرين

ماتيو سالفيني... حكاية شعبوي إيطالي متطرّف
TT

ماتيو سالفيني... حكاية شعبوي إيطالي متطرّف

ماتيو سالفيني... حكاية شعبوي إيطالي متطرّف

«اليورو جريمة ضد الإنسانية»... قد يكفي هذا القول على لسان زعيم «الرابطة» («رابطة الشمال» سابقاً) ماتّيو سالفيني لإعطاء فكرة عن المعتقد السياسي والخطاب الصدامي للنجم الصاعد في المشهد اليميني الإيطالي، والرجل الذي يتأهب لتولّي حقيبة الداخلية في الحكومة الائتلافية الجديدة التي كان أبرز الذين وضعوا برنامجها ويقرّرون توزيع حقائبها. لكن شخصية هذا الشاب، الذي نسف المعادلات الدقيقة التي قامت عليها التوازنات السياسية التقليدية في إيطاليا منذ سبعة عقود، وأطلق صفّارات الإنذار في المحيط الأوروبي المتوجّس من عودة أشباح الماضي، أكثر تعقيداً من ذلك وأبعد تأثيراً مما يتبدّى للوهلة الأولى.
أبصر ماتيو سالفيني النور في مدينة ميلانو، عاصمة الشمال الإيطالي، عام 1973. في كنف عائلة ميسورة بعيدة عن الشواغل السياسية، التي سرعان ما جذبت اهتمام ماتّيو منذ مرحلة دراسته الثانوية. وعند التحاقه بكلية العلوم التاريخية في جامعة ميلانو كان قد برز كواحد من قادة حركة الشباب الشيوعي، عندما كان الحزب الشيوعي الإيطالي بزعامة انريكو برلينغوير أهم الأحزاب الشيوعية في أوروبا الغربية وأبعدها عن تأثير الاتحاد السوفياتي.
بيد أن سالفيني لم يكمل دراسته الجامعية - على غرار لويجي دي مايو (أيار) زعيم حركة «النجوم الخمس» حليفة «الرابطة» في الحكومة الجديدة -، وتفرّغ للعمل السياسي إذ ترشّح للمرة الأولى في الانتخابات المحلية وفاز بعضوية المجلس البلدي لمدينة ميلانو عام 1993.
- من اليسار إلى اليمين
في العام 1997 كان ماتيو سالفيني ما يزال شيوعي الهوى عندما ترشّح للانتخابات عن حركة الشباب الشيوعي في بادانيا، وهو الاسم الذي يُطلق على مقاطعات الشمال الإيطالي التي كان يطالب باستقلالها حزب «رابطة الشمال» الذي أسسه قبل سنوات اومبرتو بوسّي. ومنذ ذلك التاريخ راح مسار سالفيني السياسي ينعطف نحو المطالب القومية ضد الحكم المركزي في روما ودفاعاً عن الهوية والصلاحيات المحلية، نافضاً عنه شعارات المجتمع الاشتراكي والتضامن والعدالة الاجتماعية.
لكن سالفيني لم يكتفِ بذلك الانعطاف، بل أصبح زعيماً للتيّار اليميني في «رابطة الشمال» التي - رغم تشدّدها في المطالبة بالاستقلال - كانت تنهج سياسة معتدلة إزاء الملفات الاجتماعية والعلاقة مع الاتحاد الأوروبي.
ذلك التحوّل اللافت في مسار سالفيني داخل «رابطة الشمال»، الذي لم يتوقف عنده المراقبون حينذاك، أصبح موضع اهتمام وبحث في خلفياته ودوافعه بعد بروزه في صدارة المشهد السياسي محليّاً وإقليميّاً. وثمّة مراقبون يذهبون اليوم ناحية الإشارة إلى وجود «قوى خارجية» تدعم التوجّه الذي يقوده في إيطاليا، تلميحاً إلى موسكو والقوى اليمينية المتطرفة في الولايات المتحدة.
- في البرلمان الأوروبي
في العام 2004 فاز سالفيني بمقعد في البرلمان الأوروبي عن «رابطة الشمال»، وراح يتنقل من كتلة إلى أخرى... دائماً على أقصى يمين المشهد السياسي، إلى أن توثّقت علاقته بمارين لوبان زعيمة حزب «الجبهة الوطنية» الفرنسي وخيرت فيلدرز زعيم «حزب الحرية» الهولندي المتطرف. ومع لوبان وفيلدرز شكّل سالفيني كتلة «أوروبا الأمم والحرية» عام 2014. ونشط في عدد من لجان العلاقات البرلمانية الخارجية مع الهند وكوريا وتشيلي وجنوب أفريقيا.
غير أن المنعطف الأهمّ في مسار سالفيني حتى الآن كان في العام 2013، خلال المؤتمر الفيدرالي لـ«رابطة الشمال» عندما تمكّن من استقطاب تأييد معظم القياديين التاريخيين وتغلّب على مؤسس «الرابطة» أومبرتو بوسّي الذي كان يرزح تحت وزر فضائح فساد مالي طالت عددا من أفراد أسرته وأقرب معاونيه. ولقد نال سالفيني، الذي كان أنصاره يطلقون عليه لقب «القبطان» 82 في المائة من أصوات المندوبين... وراح يقود رحلة الانحراف الكبير في مواقف «الرابطة» من الملفات الكبرى مثل الاتحاد الأوروبي والهجرة والسياسة المالية والتجارية.
وبعد بضعة أشهر فقط من تولّيه زعامة «الرابطة» أسقط مصطلح «الشمال» من اسمها واستعاض عن شعار «استقلال بادانيا» بشعار «الخروج من منطقة اليورو». ورغم الانتكاسة التي مُنيت بها «الرابطة» في انتخابات العام 2014، والمعارضة الشديدة داخل الحزب لسياسته الأوروبية، أصرّ سالفيني على نهجه وقرر توسيع حضور حزبه إلى مقاطعات وسط إيطاليا وجنوبها حيث كانت تتفاعل أزمة المهاجرين الذين يتدفقون بمئات الآلاف على المناطق الإيطالية التي تجاوزت نسبة البطالة فيها بين الشباب 50 في المائة. وحقاً نجح خطاب سالفيني المتطرف والعدائي في استقطاب تأييد واسع في المناطق التي كانت محظورة علـى «الرابطة» في السابق... بل كانت في مرمى سهام انتقاداتها.
- من الانعزالية إلى التطرف
ومع ارتفاع شعبية «الرابطة» خارج المقاطعات الشمالية، بفعل المنحى السياسي الجديد وخطاب «القبطان» الملهِب، قرر ماتيو سالفيني تأسيس فرعين للحزب في إيطاليا الوسطى والجنوبية. وفي أول استحقاق انتخابي إقليمي بعد التوسّع تقدمّت «الرابطة» للمرة الأولى على حزب «فورتسا إيطاليا» اليميني بقيادة رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلوسكوني لتدخل زعامة اليمين ضمن دائرة طموحاته التي كان يمهّد لها منذ سنوات.
وفي فبراير (شباط) 2015 قاد سالفيني مظاهرة حاشدة في روما ضد الهجرة واحتجاجاً على سياسة الحكومة لمعالجتها ورفض البلدان الأوروبية الأخرى مساعدة إيطاليا على احتوائها. وبلغت حدّة خطابه درجة الانتقاد المباشر لمواقف البابا فرنسيس من قضية المهاجرين ودعواته إلى التضامن معهم ومساعدتهم في محنتهم.
لم يكترث سالفيني للمعارضة في صفوف حزبه، ولا للتحذيرات المتكررة التي وُجهت إليه من الداخل والخارج، واستمرّ في تصعيد خطابه ومواقفه من الهجرة التي كانت تداعياتها تتفاقم بسرعة، ومن الشروط التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على السياسات المالية وقوانين العمل في البلدان الأعضاء. ولعله أدرك جيّدا أن المواقف الشعبوية ذات النفس العنصري هي السبيل الذي يضمن له المزيد من التأييد ويرسّخ وجوده على امتداد الجغرافيا الإيطالية. بل هي الباب إلى موقع القيادة في الأوساط اليمينية التي بدأت منذ فترة رحلة البحث الطويلة عن خلف للملياردير العجوز برلوسكوني.
وحقاً، لم يتأخر سالفيني في قطف ثمار رهانه عندما جاءت الانتخابات العامة الأخيرة يوم 4 مارس (آذار) الماضي حين حققت «الرابطة» انتصاراً كبيراً، متقدمة على حليفها برلوسكوني لتصبح القوة السياسية الثالثة في إيطاليا بعد حركة «النجوم الخمس» الشعبوية الاعتراضية والحزب الديمقراطي (يسار الوسط).
ومن ثم، في أعقاب فشل محاولات رئيس الجمهورية سيرجيو ماتّاريلاّ في إقناع الحزب الديمقراطي بالتحالف مع الحركة الشعبوية لتشكيل حكومة ائتلافية، سارع سالفيني إلى اقتناص الفرصة الأخيرة - التي يرجح أنه كان ينتظرها - وطلب من ماتّاريلاّ إمهاله بضعة أيام لمحاولة التوصل إلى تفاهم مع «النجوم الخمس»، مدركاً أن الرئيس يعجز عن رفض طلبه وطرح تشكيلته الوزارية التكنوقراطية، لأن لدى الرابطة والحركة معاً الغالبية الكافية في مجلسي النواب والشيوخ لإسقاط الحكومة.
- مفاوضات عسيرة
لم تكن سهلة المفاوضات الطويلة بين الرابطة والحركة لوضع برنامج مشترك تتشكّل الحكومة على أساسه، نظرا للتباين الكبير بين طروحات الفريقين ومواقفهما من الملفات الاقتصادية والاجتماعية. غير أن ماتيو سالفيني كان متأكداً من أن هذه الفرصة الذهبية قد لا تتكرّر في القريب المنظور لكثرة تقلبات المشهد السياسي الإيطالي وزئبقيته الموصوفة. ويقول مراقبون تابعوا تلك المفاوضات عن كثب بأنها كانت «محكّ الاختبار» لزعيم الرابطة الذي برع في توجيه دفّتها لمصلحته مقابل التخلّي عن تعيين الرئيس للحركة التي نالت ضعفي الأصوات التي حصلت عليها الرابطة.
المواقف التي بنى عليها سالفيني نهجه السياسي محدودة من حيث كونها محصورة في القضايا المعيشية الملموسة، ومباشِرة مبسّطة في طروحات يستوعبها المواطن ويتفاعل معها بسهولة وعفويّة. أما خطابه السياسي فلا مواربة فيه ولا توري. فهو يستنهض الغرائز ويبتعد عن بهلوانيات السياسة الإيطالية واجترار لغتها الخشبية. خطاب يتماهى إلى حد بعيد مع خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب عندما يدعو إلى أسبقية المصالح الإيطالية على أي اعتبار آخر، بما في ذلك المعاهدات المُبرمة والالتزامات المعقودة مع الأطراف الإقليمية والدولية، أو عندما يتعهد خفض الضرائب واعتماد تدابير حمائية في التجارة، أو رفض الاعتراف بزواج المثليين والطرد الفوري للمهاجرين غير الشرعيين الذين ينوف عددهم عن نصف مليون في إيطاليا. والحقيقة أن سالفيني لم يتردد في إعلان تأييده للمرشح ترمب منذ بداية حملته الانتخابية. وهو يجري اتصالات منتظمة بالمستشار السابق للرئيس الأميركي ستيف بانون، الذي يجهر بمعتقداته اليمينية المتطرفة، والذي سبق له أن أعلن تأييده للقوى المماثلة في أوروبا. كذلك يرفض زعيم «الرابطة» العقوبات التجارية المفروضة على روسيا، ويدعو إلى توثيق العلاقات معها على كل المستويات، والانفتاح على بلدان أوروبا الشرقية والشرق الأقصى، بما فيها كوريا الشمالية!
- العداء للمسلمين
أما بالنسبة إلى موضوع وجود المسلمين في أوروبا، فإن مواقف ماتيو سالفيني لا تقلّ وضوحاً وتطرّفاً عن مواقفه من القضايا الأخرى. فهو يدعو صراحة إلى حظر بناء المساجد في إيطاليا، لا بل يدعو إلى هدم بعضها، ويعتبر «... أن لا مجال للتوفيق بين التشريعات المدنية الإيطالية وأحكام الشريعة الإسلامية». ويدعو أيضاً إلى «... إعادة النظر في صيغة التعايش مع المعتقدات الدينية الأخرى في المجتمع الإيطالي»... وهو يرفض بشدة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي أو حتى فكرة التقارب معها، ويطالب بحق النقض لأي دولة أوروبية قبل إبرام أي معاهدة مع دولة خارج الاتحاد، ويحذّر من «... المخاطر التي تتهدد الأمة جراء التمازج العرقي»، ويدافع بلا مواربة عن «نقاء الأمة غير الملوّثة».
ومن ثم، تبلغ مواقف سالفيني ذروة تطرفها عندما يتعلق الأمر بالعملة الأوروبية الموّحدة والشروط التي تفرضها المفوضية على السياسات المالية في الدول الأعضاء والعقوبات التي تتخذ في حال عدم استيفائها. فهو يعتبر اليورو «عملة فاشلة وخاطئة وتجربة مدمرة»، ويرفض التخلّي عن كامل الصلاحيات الوطنية في إدارة الملفات السيادية كالدفاع والأمن والسياسة الخارجية.
زعيم «الرابطة» الذي يتأهب في إيطاليا لتنفيذ برنامج حكومي أثار حفيظة الشركاء الأوروبيين واستدعى سيلاً من التحذيرات في بروكسل (العاصمة الأوروبية)، يعرف أيضاً كيف ينحني أمام العاصفة ويطمئن المتوجّسين من هذه التجربة الأولى في الاتحاد الأوروبي التي يصعد فيها المتطرفون والشعبويّون إلى سدة الحكم على أنقاض الأحزاب التقليدية المتهاوية. وتتراجع حدة خطابه مع الاهتزازات المتتالية في أسواق المال القلقة من التكاليف الباهظة لبنود البرنامج الاقتصادي التي قد تُغرق منطقة اليورو في أزمة جديدة، ويتعهد التزام الواقعية عند الإقدام على الخطوات العملية.
إلا أن الوجه الحقيقي لمشروع سالفيني لن يُكشف قبل أن تبدأ الحكومة الجديدة مهامها في الأسابيع المقبلة، عندما يبدأ بمعالجة ملفّ الهجرة وتتضحّ معالم السياسة الاقتصادية والمالية التي تقاربت مواقف الحليفين الائتلافيين حولها بشكل لافت في الفترة الأخيرة. ذلك أن التصريحات الهادئة التي حرص «القبطان» وزعيم الحركة على تكرارها في الآونة لم تقنع أحداً، لا سيما أن كليهما مصرّ على تسليم حقيبة المالية إلى باولو سافونا الذي يُعدّ ألدّ أعداء العملة الأوروبية الموحّدة التي وصفها في آخر كتاب له نزل إلى الأسواق منذ أيام، بأنها «قفص ألماني لا بد من وضع خطة بديلة للخروج منه عند الحاجة». وأردف «إن انضمام إيطاليا إلى منطقة اليورو خطأ تاريخي... لأن برلين لم تتخلَّ عن رؤيتها لدورها في أوروبا بعد سقوط النازية، بل عمدت إلى فرضها بالاقتصاد بدل القوة العسكرية».
- «الرابطة»... حكاية تحوّل من الانفصالية إلى الشعبوية المتطرفة
> أسس حزب «رابطة الشمال» اليميني المتطرف على يد أومبرتو بوسّي عام 1991 كاتحاد يضمّ مجموعة من الأحزاب الصغيرة في المقاطعات الإيطالية الشمالية والوسطى، وجاء تأسيسه تعبيراً عن الاستياء الذي كان يعمّ تلك المناطق من أداء مؤسسات الحكم المركزي في روما والفساد المستشري فيها، وإهدار الموارد المالية التي يُحصَّل معظمها في مقاطعات الشمال الصناعية على مشاريع فاشلة أو وهميّة في المناطق الجنوبية حيث توطّنت المحسوبيات وتسلطت المنظمات الإجرامية و«المافيا» أمام تقاعس الدولة أو تواطؤها.
الاسم الأول للحزب كان «الرابطة البادانية» La Lega Padana نسبة إلى منطقة بادانيا التي يعبرها نهر Po (بادوس باللاتينية)، وتبلغ مساحتها 120 ألف كيلومتر مربع ويعيش فيها نحو 27 مليون نسمة. المطالب التأسيسية للرابطة كانت الاستقلال التام (كان مألوفاً أن تستقبل الزائر إلى تلك المقاطعات لافتة كُتب عليها: لست في إيطاليا!) الذي أعلنه بوسّي في 15 سبتمبر (أيلول) 1996 أمام جمهور حاشد في مهرجان رمزي في مدينة البندقية.
في ذلك المهرجان دعا بوسي إلى تشكيل «حكومة ظلّ» في ذروة المواجهة مع روما، بعدما حققت «الرابطة» فوزاً لافتاً في الانتخابات العامة.
ولكن سرعان ما بدأت «الرابطة» تتراجع عن مطالبها الانفصالية أمام إجماع القوى السياسية على معارضتها وتحذيرات الدولة من أنها ستقمع بالقوة أي محاولة انفصالية، واكتفت بالمطالبة بمزيد من الصلاحيات الإدارية والمالية لمؤسسات الحكم المحلي في المقاطعات الشمالية.
- صعود برلوسكوني
في أواخر تسعينات القرن الماضي بدأ نجم رجل الأعمال الملياردير سيلفيو برلوسكوني بالصعود في المشهد السياسي الإيطالي بعد قراره «النزول إلى المعترك»، كما يحلو له أن يكرر، منطلقا من ميلانو، العاصمة الإدارية للشمال والمعقل الرئيسي لـ«الرابطة».
وبعد مرحلة من التجاذبات الشديدة بلغت توجيه اتهامات لبرلوسكوني، الذي حكم على رأس حزبه «فورتسا إيطاليا» (إلى الأمام يا إيطاليا) بالتواطؤ مع «المافيا»، قررت الرابطة الدخول في تحالف انتخابي مع زعيم «فورتسا إيطاليا» الذي تولى أربع مرات رئاسة الحكومة الإيطالية حتى العام 2001. ولقد أتاح ذلك التحالف لـ«الرابطة» أن تتولّى دائما حقائب وزارية مهمة في حكومات برلوسكوني وصلت إلى أربع حقائب عام 2008.
- نكسة 2012
غير أن «الرابطة» تعرضت 2012 لنكسة قاسية عندما انكشفت فضائح فساد إداري ومالي طالت مـؤسسها بوسي وعددا من أفراد أسرته ومعاونيه. تلك كانت الفرصة التي انقضّ عليها القيادي الشعبوي ماتّيو سالفيني، بكل طاقاته، ونجح في حشد تأييد الزعامات التقليدية التي كانت عازمة على التخلّص من عبء بوسّي. وفي المؤتمر الفيدرالي الذي عقدته الرابطة أواخر العام 2013 طوت نهائيا صفحة مؤسسها الذي انهزم أمام سالفيني بأغلبية ساحقة.
وتحت قيادة سالفيني أسقطت «الرابطة» مصطلح «الشمال» من اسمها، وبدأت مرحلة الانتشار الواسع في إيطاليا والتحالفات مع القوى السياسية اليمينية المتطرفة في أوروبا. وفي الانتخابات العامة التي أجريت في مطلع مارس (آذار) الماضي حققت «الرابطة» أفضل النتائج في تاريخها السياسي إذ نالت 17 في المائة من الأصوات لتصبح القوة الثالثة في مجلسي الشيوخ والنواب في الدولة التي أعلنت استقلالها عنها قبل 20 سنة. وها هي اليوم تتأهب لقيادة أول تجربة حكومية مشتركة بين اليمين المتطرف والشعبويين في الاتحاد الأوروبي... مدشّنة فصل القلق الكبير من عودة الغيوم السوداء نفسها التي تلبدّت بها السماء الأوروبية في أربعينات القرن الماضي.



«الضبعة»... «الحلم النووي» المصري يدخل مرحلة حاسمة

جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
TT

«الضبعة»... «الحلم النووي» المصري يدخل مرحلة حاسمة

جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)

تقف مصر على مقربة من تحقيق «الحلم النووي»، الذي راودها منذ خمسينات القرن الماضي، عقب خطوات جادة وثابتة لتنفيذ «مشروعها الاستراتيجي»، وإنشاء أول محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية في مدينة الضبعة بمحافظة مطروح على ساحل البحر الأبيض المتوسط على بعد نحو 289 كيلومتراً شمال غربي القاهرة، بتمويل وتكنولوجية روسيين. وبينما يأتي المشروع في سياق خطة مصر لتنويع مصادر الطاقة ورؤيتها الاستراتيجية لامتلاك الطاقة النووية السلمية، فإن مشروع «محطة الضبعة النووية» تتجاوز أبعاده حدود الاقتصاد، لتمتد إلى السياسة والبيئة والمجتمع.

بالتزامن مع الاحتفال بالعيد السنوي الخامس للطاقة النووية، الذي يوافق التاسع عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، شارك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، في مراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بمحطة الضبعة النووية، وتوقيع أمر شراء الوقود النووي، ليدخل «الحلم النووي» المصري مرحلة حاسمة.

وعد الرئيس الروسي، في كلمته حينها عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، التعاون القائم بين مصر وروسيا في بناء المفاعل النووي «نجاحاً بارزاً»، مشيراً إلى أن «المشروع سيوفر الكهرباء اللازمة لدعم الاقتصاد المصري المتنامي».

وقال السيسي في كلمته إنه «في ظل ما يشهده العالم من أزمات متلاحقة في قطاع الطاقة، وارتفاع أسعار الوقود الأحفوري، تتجلى بوضوح أهمية وحكمة القرار الاستراتيجي، الذي اتخذته البلاد، بإحياء البرنامج النووي السلمي، باعتباره خياراً وطنياً، يضمن تأمين مصادر طاقة مستدامة وآمنة ونظيفة، دعماً لأهداف رؤية مصر 2030».

وتقدر الطاقة الكهربائية المتوقع توليدها من محطة الضبعة النووية بنحو 4800 ميغاواط، عبر أربعة مفاعلات من الجيل الثالث من طراز VVER-1200، وهو ما يمثل 10 في المائة من إنتاج الكهرباء في مصر.

وخطت مصر أولى خطواتها الجادة نحو تنفيذ المشروع في نوفمبر 2015 بتوقيع اتفاقية مبدئية بين الرئيسين المصري والروسي لإقامة أول محطة نووية لتوليد الكهرباء، تنفذها شركة «روساتوم» الحكومية الروسية، لتتخذ مصر من يوم التوقيع عيداً وطنياً للطاقة النووية.

وبعد عامين، وتحديداً في نوفمبر 2017، تم التوقيع على العقود الرئيسية لبناء الوحدات الأربع للمحطة، بطاقة 1200 ميغاواط لكل وحدة، لتنطلق بعدها الأعمال التحضيرية والإنشائية للمشروع بتكلفة إجمالية تقدر بنحو 28.75 مليون دولار، 85 في المائة منها قرض حكومي روسي ميسّر بفائدة 3 في المائة سنوياً يبدأ سداده عام 2029، والباقي تمويل ذاتي مصري.

«تشيرنوبل» جمد الحلم

الرغبة في امتلاك الطاقة النووية السلمية «حلم راود المصريين منذ منتصف القرن الماضي»، بحسب السيسي. حيث بدأت طموحات مصر النووية بعد فترة قصيرة من اكتشاف القدرة على توليد الطاقة السلمية من الانشطار النووي. ففي أعقاب مؤتمر جنيف الأول للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، أنشأت مصر هيئة الطاقة الذرية (AEA) عام 1955. وبعد ست سنوات افتتحت مركز البحوث النووية في أنشاص وشغّلت أول مفاعل بحثي (من طراز WWR-S ) بقدرة 2 ميغاواط، بالتعاون مع «الاتحاد السوفياتي» آنذاك، لإجراء الأبحاث والتدريب وإنتاج النظائر المشعة.

وفي عام 1964 أعلنت مصر عن خطط لبناء أول محطة لتوليد الكهرباء النووية، واختارت مبدئياً موقع «سيدي كرير» في الساحل الشمالي أيضاً، لكن الظروف الاقتصادية والسياسية في المنطقة أرجأت المشروع.

وبعد حرب 1973، عاد الحلم النووي يراود المصريين وتم وضع خطة لبناء محطات نووية بقدرة 10 آلاف ميغاواط بحلول عام 2000، وخصصت منطقة «الضبعة» بعد مفاضلة بين أماكن عدة على سواحل البحر الأحمر والبحر المتوسط.

وشهدت الفترة بين 1983 و1968 المناقصة الدولية الثانية للمشروع وتلقت فيها مصر عروضاً من شركات أميركية وألمانية وسويدية. وكانت القاهرة على وشك توقيع العقد لكن «كارثة مفاعل تشيرنوبل» (أوكرانيا التي كانت آنذاك جزءاً من الاتحاد السوفياتي) في أبريل (نيسان) 1986 جمّدت الحلم.

وبعد هدوء المخاوف من المفاعلات النووية السلمية، قررت مصر إحياء برنامجها النووي عام 1999، وفي عام 2007 تم تشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA) كهيئة مستقلة تكون مسؤولة عن تنفيذ وإدارة المشروع النووي. وأعلن الرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2008 عن إعادة تفعيل دراسات موقع الضبعة. لكن مرة أخرى تعطّل المشروع بفعل أحداث 2011، قبل أن يعيد السيسي إحياءه بالتوقيع على اتفاق مبدئي مع روسيا عام 2015.

عوائد اقتصادية

تدخل مصر النادي النووي بطموحات اقتصادية كبيرة، مستهدفة تعزيز أمن الطاقة وتحقيق التنمية، ويقول السيسي إن المشروع «سيعزز مكانة بلاده كمركز إقليمي للطاقة، ويحدث نقلة نوعية في مسار توطين المعرفة والاستثمار في الكوادر البشرية».

رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي يشهد مراسم توقيع أمر شراء الوقود النووي في نوفمبر الماضي (مجلس الوزراء المصري)

ويعد دخول مصر إلى ميدان التطوير الصناعي والتكنولوجي للطاقة النووية من العوائد المهمة للمشروع، بحسب دراسة نشرها نائب رئيس وحدة دراسات الاقتصاد والطاقة بـ«المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية»، أحمد بيومي، العام الماضي، حيث من المتوقع أن تكون نسبة تنفيذ نحو 20 في المائة من المشروع بالتعاون مع الشركات المحلية، ومن المستهدف أن تصل نسبة المكون المحلي من 20 إلى 25 في المائة عند تشغيل المفاعل الأول في 2028، تزيد إلى 35 في المائة عند تشغيل المفاعل الرابع في 2031، كما ستتولى شركة «روساتوم» الحكومية الروسية تدريب ما يقرب من ألفي شخص من موظفي التشغيل والصيانة للعمل في المحطة.

وفقاً لهيئة الاستعلامات المصرية الرسمية، فإنه «من المتوقع أن تبلغ القيمة المضافة للمشروع في الناتج المحلي الإجمالي خلال فترة الإنشاء نحو 4 مليارات دولار سنوياً». وتوفر المحطة مصدراً ثابتاً للكهرباء يعمل على مدار الساعة، ما يقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري ويضمن استقرار الشبكة.

ويأتي إنشاء محطة الضبعة النووية في إطار خطة مصرية لتنويع «سلة الطاقة»، بحسب أستاذ هندسة البترول والطاقة، الدكتور جمال القليوبي، الذي يوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر تسعى لأن تكون لديها مصادر متعددة من الطاقة، لا تعتمد فقط على الشق الحراري واستخدام الوقود الأحفوري». وقال: «طوال 50 عاماً كان الوقود الأحفوري مصدراً لنحو 98 في المائة من الطاقة في مصر، لكن الأمر تغيّر منذ عام 2018 مع زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة من الرياح والشمس والهيدروجين الأخضر»، مشيراً إلى أن «محطة الضبعة مع اكتمال تشغيل مفاعلاتها قد تسهم في نحو 16 إلى 18 في المائة من الكهرباء في مصر».

وتستهدف مصر، وفقاً للتصريحات الرسمية، الوصول بمساهمة الطاقة المتجددة ضمن مزيج الطاقة إلى نحو 42 في المائة من إجمالي الطاقة بحلول عام 2030.

لا تقتصر العوائد الاقتصادية على توفير الكهرباء وتوفير جزء من فاتورة استيراد مصر للوقود الأحفوري التي تجاوزت 12 مليار دولار العام الماضي، بحسب تصريحات لوزير البترول المصري السابق، طارق الملا.

ويشير القليوبي إلى أن فاتورة استيراد الوقود لتشغيل محطات الكهرباء تبلغ نحو 50 في المائة من القيمة الإجمالية لفاتورة استيراد الوقود. وقال: «محطة الضبعة ستوفر جزءاً كبيراً من فاتورة الاستيراد، كما أن عوائدها الاقتصادية تمتد إلى مناح أخرى تتعلق بتحلية مياه البحر وإنتاج النظائر المشعة المستخدمة في عدد من الصناعات الطبية والزراعية». وأضاف: «لدى مصر خطة واضحة. خطة تؤازر الدولة اقتصادياً وتتماشى مع أهداف الدول الصناعية، عبر تحسين ملف الصناعة واستخدام الطاقة النووية في كثير من المناحي الاقتصادية».

خيار استراتيجي

يسهم مشروع الضبعة في توفير العملة الصعبة، كما يوفر نحو 6 آلاف فرصة عمل في أثناء الإنشاء، وآلاف فرص العمل في أثناء فترة التشغيل التي تمتد لـ60 عاماً. كما تعد محطة الضبعة النووية مصدراً نظيفاً وخالياً تماماً من انبعاثات الكربون، ويدعم استراتيجية مصر للطاقة 2035، بحسب هيئة الاستعلامات المصرية.

دخول مجال الطاقة النووية هو «خيار استراتيجي»، بحسب دراسة نشرها رئيس وحدة العلاقات الدولية ورئيس برنامج دراسات الطاقة بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور أحمد قنديل، مشيراً إلى أن «الضبعة ليست مجرد محطة كهرباء»، إذ إنها تحقق أهدافاً عدة، من بينها؛ «بناء أمن طاقة مصري مستقل نسبياً عن تقلبات الأسواق العالمية للبترول والغاز الطبيعي، وتحرير جزء من الغاز المصري للتصدير أو الاستخدام الصناعي، خاصة في البتروكيماويات والأسمدة، ودعم الصناعات الثقيلة والتوجه نحو الهيدروجين الأخضر، وتوفير مصدر مستقر للكهرباء على مدى عقود».

يسهم المشروع أيضاً في تعزيز مكانة مصر الإقليمية، بحسب قنديل الذي قال: «مصر اليوم لاعب رئيسي في الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، وقوة صاعدة في الطاقة المتجددة، وتعمل على مشروعات للربط الكهربائي مع ثلاث قارات، وحين تكتمل وحدات الضبعة، ستمتلك مصر برنامجاً نووياً سلمياً واسع النطاق، يمنحها وزناً إضافياً في معادلات الطاقة الإقليمية».

أما القليوبي فيشير إلى أن مشروع الضبعة يُدخل مصر إلى «نادي الدول الصناعية الكبرى التي تستخدم الطاقة النووية لأغراض سلمية».

أبعاد سياسية

وبينما ستسهم محطة الضبعة في تلبية احتياجات مصر من الطاقة على المدى الطويل، فإن هناك دوافع أخرى لإقدام البلاد على هذه الخطوة، من بينها «تعزيز المكانة السياسية للحكومة في الداخل وتوسيع علاقاتها الأجنبية إلى ما يتجاوز واشنطن»، بحسب مقال نشره إيريك تراجر في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» عام 2016.

أشار تراجر وقت ذاك إلى أن «المشروع يستهدف إعطاء أمل للمصريين وتعزيز الدعم الداخلي للحكومة، بعدّه مشروعاً قومياً»، كما أنه يأتي في إطار مساعي القاهرة لـ«توسيع نطاق التواصل الخارجي ليتجاوز علاقتها الثنائية بواشنطن، ما يُظهر مصر بصورة المنفتحة على العالم أجمع». وقال تراجر إن المشروع «يوطد علاقات مصر وروسيا».

وهو أمر أكده بالفعل الرئيسان المصري والروسي أخيراً، حيث قال السيسي إن المشروع «يعدّ برهاناً عملياً على أن شراكتنا لا تقتصر على التصريحات السياسية البراقة، بل تتجسد في مشروعات واقعية، تترجم إلى تنمية حقيقية، تعود بالنفع المباشر على شعبينا»، بينما أكد بوتين دعم بلاده «طموحات مصر التنموية في إطار الشراكة والتعاون الاستراتيجي الممتد بين البلدين». وقال: «هذه الشراكة مستمرة وتتجلى في ارتفاع حجم ومعدل التجارة بين البلدين، وتكثيف التعاون الصناعي، فضلاً عن مضي روسيا قدماً في إنشاء منطقة صناعية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس».

ويشير تراجر، في هذا الإطار، إلى أن المشروع يعزز نفوذ موسكو في القاهرة، ما قد يثير قلق الولايات المتحدة نظراً لاهتمام واشنطن بالاستقرار الاقتصادي في مصر وبآفاق سياستها الخارجية.

وفي هذا الإطار، يرى مستشار «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور عمرو الشوبكي، أن «مصر حريصة ومنفتحة على قوى وأقطاب أخرى دون المساس بالعلاقة الاستراتيجية مع واشنطن»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «القاهرة لديها علاقات تجارية واقتصادية وسياسية مع روسيا والصين».

وبالفعل أكد عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، أن «هذا المشروع يربط مصر وروسيا بعلاقات في قطاع مهم للغاية ولسنوات طويلة مقبلة». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المشروع يحقق أهدافاً اقتصادية وسياسية عدة تتراوح ما بين توفير الكهرباء وتنمية الكوادر الوطنية إلى تعزيز المكانة الإقليمية والدولية».

وهنا يلفت الشوبكي إلى أن «حرص مصر على امتلاك الطاقة النووية السلمية - إضافة إلى أهميتها الاقتصادية - نابع من رغبتها في تأكيد حضورها في الملفات الكبرى». وقال: «الدول التي تمتلك وتستخدم الطاقة النووية السلمية لديها مكانة وتأثير وحضور دولي».

وتؤكد مصر حقها في امتلاك الطاقة النووية بموجب «معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية» التي وقّعت عليها عام 1968 وصدّقت عليها عام 1981. وتعوّل القاهرة على القيمة الاستراتيجية لمشروع الضبعة، ووفق السيسي فإن «المشروع سيضع مصر في موقع ريادي، على خريطة الاستخدام السلمي للطاقة النووية».

«المحطة النووية»... عشر سنوات على طريق التنفيذ

طوال أكثر من نصف قرن سعت مصر إلى امتلاك محطة لاستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، لكن الأحداث السياسية والظروف الاقتصادية وكارثة مفاعل تشرنوبل عام 1986 وقفت في طريق «الحلم النووي» المصري لعقود، حتى أعيد إحياء المشروع بخطوات عملية لإنشاء محطة الضبعة النووية. وفيما يلي أبرز المحطات:

- 1955 أنشأت مصر هيئة الطاقة الذرية (AEA).

-1961 افتتاح مركز البحوث النووية في أنشاص وتشغيل أول مفاعل بحثي.

- 1964 اختيار موقع سيدي كرير على ساحل البحر المتوسط لبناء أول محطة لتوليد الكهرباء النووية، (لم ينفذ).

- 1983 مناقصة دولية لإنشاء المحطة.

- 1986 كارثة تشيرنوبل... توقف المشروع.

- 2007 تشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA).

- 2008 استئناف البرنامج النووي السلمي، وإعادة تفعيل دراسات موقع الضبعة.

- 2015 توقيع الاتفاق المبدئي مع روسيا (روساتوم).

- 2017 توقيع العقود النهائية للمشروع.

- 2018 بدء إعداد البنية التحتية للموقع وإنشاء الرصيف البحري التخصصي لاستقبال المعدات الثقيلة.

- 2022 أصدرت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية (ENRRA) إذن إنشاء الوحدة النووية الأولى.

- 2024 تركيب مصيدة قلب المفاعل.

- 2025 تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى.


روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا
TT

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

تطلب الأمر شاباً مفعماً بالحياة ومليئاً بالأمل لهزيمة اليمين المتطرف في هولندا. فقد نجح روب يتن، السياسي الشاب الذي لم يدخل بعد عقده الأربعين، بإعادة حزب «الديمقراطيين 66» الليبرالي الوسطي الذي تأسس عام 1966، إلى واجهة الحياة السياسية في هولندا وقاده إلى تحقيق أفضل نتائج له منذ تأسيسه. ورغم أن الحزب لم يفز فعلياً بالانتخابات التي جرت نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بل تعادل مع حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة خيرت فيلدرز، فإن النتائج تعدّ فوزاً للديمقراطيين وخسارة لأقصى اليمين؛ وبتحقيق كلا الحزبين 26 مقعداً من أصل 150 داخل البرلمان، يكون الديمقراطيون قد ضاعفوا مقاعدهم بـ3 مرات تقريباً من 9 مقاعد في الانتخابات التي سبقت إلى 26 مقعداً، فيما خسر حزب الحرية 11 مقعداً وانخفض تمثيله من 37 نائباً إلى 26 نائباً. ورغم أنه ما زال غير واضح ما هي الأحزاب التي قد تشارك في الائتلاف الحاكم، فمن المؤكد أن حزب الحرية سيكون خارج الحكم. إذ تعهدت الأحزاب الأخرى بعدم العمل مع خيرت فيلدرز من جديد بعد تجربة الحكم الأخيرة التي لم تدم أكثر من 11 شهراً.

أثبت روب يتن (38 عاماً) أن هزيمة أحزاب أقصى اليمين ممكنة، ليعطي فوز حزبه في الانتخابات العامة في هولندا، أملاً للكثير من الأحزاب الأوروبية الوسطية التي تكافح هي نفسها للبقاء أمام مد اليمين المتطرف الذي يلف القارة العجوز. يتن نفسه هلل فور صدور النتائج بأن هولندا «أغلقت فصل خيرت فيلدرز»، متعهداً بالعمل على تشكيل «ائتلاف متين يقود هولندا إلى الأمام». وأضاف أن فوز حزبه أثبت أن «الأحزاب الوسطية أظهرت أنه من الممكن هزيمة الأحزاب الشعبوية وأقصى اليمين». وقاد يتن حملة انتخابية شعارها «التغيير والإيجابية» مستعيناً بشعار باراك أوباما «يمكننا التغيير»، في إشارة إلى استبدال حزب معتدل باليمين المتطرف. ولاقت إيجابيته صدى لدى الناخبين الهولنديين الذين يبدو أنهم تعبوا من السلبية التي طبعت الحياة السياسية منذ الانتخابات التي سبقت أن أوصلت حزب الحرية إلى الطليعة ولكن من دون فوز كاسح، ما يعني أن فيلدرز لم يكن قادراً على الحكم بمفرده، وعجز عن إقناع الأحزاب الأخرى التي شكلت معه الحكومة مشترطة ألا يترأسها هو شخصياً، باعتماد سياسته المتطرفة حول الهجرة، وهو ما تسبب في النهاية بانهيار الحكومة. ونقلت وسائل إعلام هولندية إحصاءات تشير إلى التأييد الواسع لتولي يتن رئاسة الحكومة بين مؤيدي الأحزاب اليمينية. ونقلت شبكة أخبار «آر تي إل» الهولندية عن أحد الناخبين قوله إنه «لا يوافق دائماً على سياسات الديمقراطيين ولكن روب يتن رجل (عادي) يمكنه أن يؤدي وظيفة تمثيل البلاد بشكل جيد». وقال عن فيلدرز إنه لو تولى رئاسة الحكومة فإن الأمور «لن تنجح معه وإنه سيريد على الأرجح أن يمرر سياسته، وفي حال لم ينجح بذلك فسينسحب مرة جديدة».

اغتيال مخرج... وإحراق مدرسة إسلامية

ويأتي فوز يتن على اليمين المتطرف وصعوده السريع وهو ما زال في عقده الثلاثين، متناغمين مع دخوله عالم السياسة في سن فتيّة أيضاً وهو في الـ17 من العمر. بداية قصته في السياسة كانت مرتبطة أيضاً باليمين المتطرف؛ ففي عام 2004 شكل اغتيال المخرج السينمائي تيو فان غوخ على يد متطرف هولندي من أصل مغربي، لحظة مفصلية تسببت بتداعيات دفعت بيتن إلى دخول عالم السياسة. وكان إحراق مجموعة من الشبان المنتمين إلى اليمين المتطرف لمدرسة ابتدائية تعلّم الدين الإسلامي في بلدته في أودن، سبب توجهه إلى النضال ضد اليمين المتطرف. وقال مؤخراً عن بداياته إن الشبان الذين أحرقوا المدرسة كانوا من رفاقه في فريق كرة القدم وكان يعرفهم جيداً، ولكنه أراد أن يُظهر صورة مختلفة للعالم وأن بلدته ليست مجرد مكان مليء بشبان «لا يعرفون ماذا يفعلون».وبقي كفاح يتن ضد اليمين المتطرف أساسياً خلال مسيرته السياسية. وحتى في الحملة الانتخابية التي قادها، اعتمد يتن استراتيجيات تستهدف اليمين المتطرف، مثل جعله العلم الهولندي محورياً خلال الحملة، وقوله إنه يريد «استعادته» من اليمين المتطرف الذي غالباً ما يستخدم العلم. ولم يتردد كذلك بجعل مسألة الهجرة التي أوصلت فيلدرز للفوز في الانتخابات التي سبقت، محورية خلال حملته. ورغم ليبراليته، وارتباطه بلاعب هوكي محترف أرجنتيني سيعقد قرانه عليه العام المقبل، فقد أكد للناخبين أنه سيعتمد سياسة هجرة متشددة تجاه المرفوضة طلباتهم وسيعتمد حداً أقصى لأعداد المهاجرين. ويبدو أن تعهداته هذه لاقت تجاوباً من الناخبين، إذ أكد لاحقاً متحدث باسم حزبه أن 7 في المائة من ناخبي حزب الحرية صوتوا هذه المرة للديمقراطيين.

وحتى قبل الانتخابات وبدء الحملات الانتخابية، كان يتن يدعو لاعتماد سياسة هجرة جديدة في هولندا والخروج من عباءة الاتحاد الأوروبي. وروّج لاعتماد نظام مبني على النظام الكندي ينقل البحث والبت بطلبات اللجوء إلى خارج دول الاتحاد الأوروبي ورفض استقبال من يصلون خارج هذا النظام إلى هولندا.

تشديد قوانين الهجرة

ودعا كذلك إلى مراجعة المعاهدات الدولية الخاصة باللاجئين «لكي تعكس الواقع الجديد» في خلاف للسياسة التي كان يعتمدها الديمقراطيون. ونقلت عنه وسائل إعلام هولندية قوله إن «قانون الهجرة المعتمد حالياً لم يعد صالحاً، علينا أن ننتقل من هجرة تتحكم بنا، إلى هجرة نحن نتحكم بها، ليس فقط بسبب مواطنين هولنديين قلقين من الأعداد الوافدة ولكن أيضاً للأشخاص الذين يهربون من العنف والملاحقة». وبحسب خطة يتن، فإن هولندا لن تقبل إدخال لاجئين إلا أولئك الذين يتقدمون للحصول على لجوء من خارج الاتحاد الأوروبي ويتم قبولهم. ويعدّ أن نظاماً كهذا سيساعد على وقف طرق التهريب الخطيرة وينقذ أرواحاً.وحالياً، يتم إدخال بعض اللاجئين إلى أوروبا عبر نظام شبيه تعتمده الأمم المتحدة لتوزيع اللاجئين ولكن أعداد هؤلاء قليلة جداً مقارنة بالذين يدخلون بشكل غير قانوني ويتقدمون بطلبات لجوء. ويريد يتن توسيع هذا النظام بشكل كبير لكي يصبح الطريقة الأساسية لاستقبال اللاجئين في هولندا. ولكنه يعي أن هذه الخطط تستغرق وقتاً طويلاً. وحتى ذلك الحين، وفي المرحلة القصيرة المدى يطالب بقوانين أشد لطالبي اللجوء الذين يعدّون عبئاً، خاصة أولئك القادمين من دول مصنفة «آمنة» أي لا خوف من ملاحقات بحق القادمين منها الذين لا يتمتعون أصلاً بحظوظ كبيرة في الحصول على لجوء. ومن أقواله عن هؤلاء إن «الذين يأتون ويتسببون بمشاكل ولا يتوجب عليهم أن يكونوا هنا، يجب أن يتم إرسالهم إلى ملاجئ مغلقة، ويفهموا أنهم يدخلون بلداً بقيم ليبرالية، وإذا كانوا لا يحترمونها فسيخسرون بعض الحقوق».

في المقابل يروّج يتن لاندماج أفضل لطالبي اللجوء الناجحين ويدعو إلى إدخالهم في صفوف تعلّم اللغة «منذ اليوم الأول» ومساعدتهم في العثور على وظيفة «بأسرع وقت ممكن». وقبل الانتخابات ومنذ ترأسه حزبه عام 2023، حذّر بأن إبقاء الأشخاص على نظام الإعانات من دون دمجهم في المجتمع وسوق العمل «مؤذ لهم وللمجتمع بشكل عام، ويغذي الإحباط لدى الهولنديين». ويعدّ يتن أن على الأحزاب الوسطية أن «تقود الخطاب السياسي عوضاً عن أن تترك ذلك للأحزاب اليمينية المتطرفة».

حل أزمة السكن... بناء جزيرة جديدة

سياسة الهجرة هذه التي يروج لها يتن منذ ترأسه حزبه، قد تكون أكسبته أصواتاً من اليمين واليمين المتطرف، ولكن الأصوات الأخرى التي نجح بإضافتها لحزبه جذبها من خلال خطاب أوسع يتناول مخاوف الناخبين بشكل مباشر من قضايا تتعلق بالسكن التي كانت أيضاً من القضايا الأساسية في الانتخابات الهولندية. فهولندا، مثل الكثير من الدول الأوروبية، تعاني من نقص 400 ألف وحدة سكنية ما يؤدي إلى رفع دائم في أسعار العقارات والسكن ما يزيد من العبء على السكان. ورغم أن كل الأحزاب التي خاضت الانتخابات جعلت من مسألة البناء أساسية في معركتها، فإن طروحات الديمقراطيين كانت الأكثر ثورية. وفيما كانت الأحزاب الأخرى تقترح إغلاق مطارات للبناء على أراضيها، أو توسيع مجمعات موجودة أصلاً، اقترح يتن بناء جزيرة جديدة على أرض مغطاة حالياً بالمياه، في بلد ربعه يقبع تحت مستوى البحر. وتعهد ببناء مدن جديدة تضم 60 ألف وحدة سكنية مع مساحات خضراء ومياه وأماكن ترفيه.

ما إذا كان سينجح بتحقيق أي من طروحاته تلك، إن كانت المتعلقة بالهجرة أو تلك المتعلقة بالسكن، غير واضح ومرتبط بالائتلاف الذي سينجح بتشكيله في النهاية والخطط التي يتفق عليها مع الأحزاب الأخرى. ولكن على الأقل هي خطط طموحة لاقت صدى لدى الناخبين وأوصلت من قد يصبح أصغر رئيس حكومة في هولندا إلى رأس السلطة. والواقع أن صعوده السريع وهو في سن يافعة، دفع البعض للتشكيك بقدراته أحياناً.

أما سياسته الأخرى، فهي مناقضة تقريباً لسياسات فيلدرز واليمين المتطرف في هولندا المشكك في الاتحاد الأوروبي وفي التأييد الأوروبي لأوكرانيا ومعاداة روسيا. ويعدّ يتن مؤيداً للاتحاد الأوروبي ولدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا. وعندما كان وزيراً للطاقة في حكومة مارك روته التي سبقت حكومة فيلدرز، دفع يتن بسياسة طاقة لا تعتمد على الغاز الروسي. وقد خدم في حكومة روته الرابعة وزيراً للمناخ والطاقة بين عامي 2022 و2024. ودخل يتن البرلمان الهولندي للمرة الأولى عام 2017 وكان متحدثاً باسم كتلته عن المناخ والطاقة. وفي عام 2018 انتخب زعيماً للكتلة النيابية للديمقراطيين ليصبح أصغر زعيم للكتلة في تاريخ الحزب. وفي عام 2020 انتخب حزبه الدبلوماسية المخضرمة سيغريد كاخ لزعامته في معركة لم يترشح فيها يتن. ولكنه لم ينتظر كثيراً، إذ وجد فرصة سانحة بعد استقالة كاخ في صيف عام 2023 وانتخب لزعامة الحزب.

اقرأ أيضاً


هولندا... حكومات ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية

Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
TT

هولندا... حكومات ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية

Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY

> منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تحكم هولندا حكومات ائتلافية مكونة من حزبين أو أكثر في أحيان كثيرة، بسبب القانون الانتخابي المعتمد الذي يجعل من المستحيل على حزب واحد أن يفوز بالأغلبية. وطغى مارك روته وحزبه حزب «الشعب للحرية والديمقراطية» المحافظ الليبرالي، على الحياة السياسية في السنوات الـ14 الأخيرة تقريباً. فهو ترأس 4 حكومات متتالية بين العامين 2010 و2024، ضم معظمها أكثر من حزبين، حتى استقالته عام 2023 وانتقاله ليصبح أمين عام حلف شمال الأطلسي (الناتو). وحظيت حكومته الأولى التي كانت حكومة أقلية وشكَّلها مع حزب «نداء الديمقراطية المسيحي»، بدعم من حزب «الحرية» اليميني المتطرف من دون أن يشارك الأخير في الحكومة.

ولكن الحكومة لم تدم أكثر من عامين بعد خلافات مع خيرت فيلدرز الذي سحب دعمه لها، مما أدى إلى سقوطها. وشكَّل روته حكومته الثانية التي ضمت 4 أحزاب بينها حزب «العمال»، مما سمح لها بأن تحكم طوال فترة ولايتها لخمس سنوات، وكانت الأكثر استقراراً في تاريخ هولندا الحديث. وشكَّل روته حكومته الرابعة عام 2017 لتحكم لمدة 3 سنوات، وضمت 4 أحزاب ولكنها سقطت مبكراً بعد تداعيات أزمة كورونا. وكانت الحكومة الأخيرة التي شكَّلها روته من 4 أحزاب عام 2022، الأقصر عمراً، واستغرق تشكيلها وقتاً قياسياً وصل إلى 299 يوماً، ولكنها انهارت سريعاً بعد خلافات حول الهجرة، ولم تحكم فعلياً أكثر من عام ونصف، ولكنها بقيت حكومة تصريف أعمال لنصف عام إضافي.

وفي عام 2024، حقق حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة فيلدرز فوزاً تاريخياً، ولكن فيلدرز نفسه لم يصبح رئيس حكومة بسبب اشتراط الأحزاب الأخرى التي وافقت على دخول الائتلاف الحكومي معه، على تعيين شخصية أخرى. وتوافقت الأحزاب في النهاية على ديك شوف لرئاسة الحكومة التي ضمت 4 أحزاب من بينها حزب «الحرية» الذي خاض تجربته الأولى في الحكم، ولكنه سرعان من انسحب من الحكومة في صيف العام الجاري بعد خلافات مع الأحزاب الأخرى حول سياسات هجرة متشددة ومخالفة للقانون أراد تطبيقها.