سنوات السينما

Dillinger (1073)
- من ملفات «إف بي آي» مع بعض الابتكار
جون دلنجر كان من بين أشرس مجرمي المصارف في تاريخ أميركا. آنذاك، في أواخر العشرينات وخلال الثلاثينات، كان هناك عدد كبير من المطلوبين للعدالة بسبب سطوهم على المصارف وقيامهم بقتل أبرياء كما رجال قانون. لجانب بوني وكلايد (المتمثلين في فيلم آرثر بن سنوات قليلة قبل هذا الفيلم) كان هناك بايبي فايس نلسون (Baby Face Nelson) وبرتي بوي فلويد (Pretty Boy Floyd) وهاري بييربونت وآخرون عدة. دلنجر كان مطلباً شخصياً من رئيس «إف بي آي» ج إدغار هوفر الذي طلب من أحد كبار معاونيه، وهو ملفن بورفيز، القبض على دلنجر حياً والأفضل ميتاً.
‫صنع المخرج جون ميليوس من هذه المهمّـة فيلمه الأول «دلنجر». كان سابقاً ما كتب سيناريوهات عدد من الأفلام، بينها فيلم سيدني بولاك «جيريمايا جونسون» (1972) وانتقل منه سريعاً لتنفيذ أول أعماله مخرجاً، وأن أكمل مزاولة الكتابة فوضع سيناريوهات مثيرة للإعجاب، مثل «سفر الرؤيا الآن» (1979)، أو ناجحة تجارياً («ماغنوم فورس»، 1974)‬.
«دلنجر» جاء عتيق الصورة كما لو أنه خارج من كتاب التاريخ، وهو بالفعل كذلك. أحد أفضل أفلام العصابات إلى اليوم. وفي مشاهد كثيرة هو أفضل صنعاً (ولو اختلفت المعايير قليلاً) مما حققه آرثر بن في «بوني وكلايد».
وورن أوتس في دور دلنجر زعيم العصابة التي لا تهاب السطو على المصارف والذي قاد 24 عملية سطو مسلح أصبح «عدو الشعب رقم 1» وبقي كذلك لحين مقتله. مطلع الفيلم عملية سطو يسقط خلالها خمسة من رجال القانون في مدينة كانساس سيتي. دلنجر يبتسم وهو يخبر زبائن المصرف بأنهم دخلوا التاريخ لمجرد أنهم تعرضوا للسرقة على يديه.
يخبر آخرين بأنهم «في يوم ما ستخبرون أحفادكم بما يحدث لكم الآن». لكن بورفيز لا ينوي أن ينتظر ولادة جيل آخر وهو يتابع عمليات دلنجر وعصابته عن كثب. يريد النيل منه ومن كل عضو في العصابة، لكنه ينتظر الفرصة السانحة، فحتى ذلك الحين تمت عمليات دلنجر داخل ولاية واحدة (إنديانا) ولم يكن يحق له اعتبارها مسألة فيدرالية. بعد حين ينجح بوليس الولاية في إلقاء القبض على دلنجر وإيداعه السجن بقدر ما ينجح دلنجر بعد ذلك في الفرار منه. حين امتدت عملياته لما بعد حدود إنديانا مدفوعاً بسيل من المخاطر وتشتت أفراد عصابته ومقتل بعضهم، سارع بورفيز لتعقب دلنجر وتطوعت امرأة تسعى لطلب تأشيرة هجرة بالعمل مرشدةً: سترافق دلنجر لدخول صالة سينما. حين الخروج معه ستهرع بعيداً عنه. دلنجر سيلتفت خلفه متسائلاً. بورفيز سيعطي الإشارة، وسيل من الرصاص سينهمر على دلنجر الذي سيسقط صريعاً. بورفيز سيشعل سيجاراً يدخنه كما فعل إثر مقتل كل رجل عصابة آخر.
الفيلم نوستالجي لا بلونه البني والأحمر الداكن في أكثر من موقع ولا بتصميم الملابس والديكور والعناصر الإنتاجية بكاملها فقط، بل في معالجته كما لو كان أنشودة شعرية أيضاً. النوستالجيا المختارة تقف وسطاً بين القانون وأعدائه. ففي حين يمثل بن جونسون شخصية بورفيز غير المتهاونة يوفر جون دلنجر ورجاله كضحايا وضع اقتصادي انقلبوا جلادين بلا هوادة. أشرار مع حسنات ولو محدودة.
خلفية ميليوس في كتابة شخصيات رجالية قوية وخشنة تساعده على تجسيد المفادات جيداً. مشاهد معارك تمتد فصولاً ذكية المعالجة والتصميم. مقدار الصحّـة والواقعية هنا ليس عريضاً، لكن السينما لا تعمل بشروط الواقع والفيلم رائع في جوانبه كتابة وتمثيلاً وتصويراً (جول برينر).