فيليب روث... مبتكر أميركا المختلفة والسير المزيفة

ترك وراءه 30 رواية

فيليب روث
فيليب روث
TT

فيليب روث... مبتكر أميركا المختلفة والسير المزيفة

فيليب روث
فيليب روث

إذن مات فيليب روث في الخامسة والثمانين، وهو متعب القلب وعينه على نوبل، أو بشكل أدق، هذا ما تمناه نقاده ومحبوه في أميركا وأوروبا في الأقل. ولا أظنه كان عابئاً بذلك، وبالتأكيد كان يستحقها أكثر من أولئك الذين فازوا بها في السنوات الأخيرة. فقد كان أسطورة أدبية بحد ذاته، واحتل، إلى جانب سول بيلو وجون أوبدايك، مكانة بارزة في السرد الحديث في القرن العشرين، أو في الأقل في النصف الثاني منه.
كتب مرة يقارن بينه وبين هذين العملاقين الروائيين الآخرين: «أبدايك وبيلو يحملان كشافهما الضوئي خارجاً في العالم، ويكتشفان العالم كما هو. أما بالنسبة لي، فأنا أحفر كوة وأسلط عليها الضوء».
وهذا صحيح تماماً. فالعالم الخارجي بالنسبة لروث لا يوجد إلا من خلال الذاتي، أو أن الاثنين متداخلان، فلا نستطيع أن نميز بينهما، ولا نعرف أيهما الواقعي وأيهما الخيالي، ولا من أين يبدأ أو ينتهي أحدهما.
معظم إنتاج روث الروائي الغزير، (ترك ثلاثين رواية)، يدور كله تقريباً حول شخصية واحدة بأقنعة مختلفة: شخصية روث نفسه، كأميركي، ويهودي، وروائي، وإنسان. إنه البطل الرئيسي، وباسمه الصريح، كما في رواية «عملية شايلوك» - الذي يقول عنها روث إنها اعترافات وليست رواية - ولكن تنتحل شخصية روث، وتسرق هويته الشخصية إحدى شخصيات الرواية. وفي روايات أخرى، يخفي روث شخصيته وراء شخصياته الروائية، كما في شخصية ناثان زوكرمان، بطل ثمان روايات، الذي يحمل كل سمات مؤلفه، وتفاصيل حياته الحقيقية. وفي رواية «مؤامرة ضد أميركا»، التي يرسم فيها روث أميركا مختلفة، نلتقي بروث مرة أخرى، وباسمه الصريح الأول.
هذا الخيال الجامح، الذي يصل إلى إعادة خلق وطن كامل بتاريخه وناسه، وماضيه وحاضره، كما يشتهي روث ويريد، كان متعته في الكتابة والحياة، وهو الذي قاد أيضاً إلى خلق أسطورته الخاصة، التي ميزته عن كُتَّاب جيله الكبار. ظل ينهل من هذا الخيال، ولم يتعب سوى في المرحلة الأخيرة من حياته حين أعلن اعتزاله، بل تنبأ بـ«موت الرواية».
يقول عن ذلك في مقابلة أجراها معه هيرميون لي عام 1984، ونشرت في «باريس ريفيو»: «إن خلق سيرة مزيفة، وتاريخ مزيف، وتلفيق وجود نصف خيالي خارج دراما حياتي هو حياتي. لا بد من وجود متعة في هذه الحياة. وهذه هي متعتي».
ولكن أي دراما كانت في حياة روث ليهرب منها من خلال خلق وجود زائف؟
أكان ذلك بسبب يهوديته؟ لا شيء يدل على ذلك في رواياته، ما عدا رواية «عملية شايلوك»، التي يرسم فيها شخصيتين متناقضتين له، إحداهما مزيفة والأخرى واقعية، تتهم بأنها عميلة للموساد! بالإضافة إلى أن يهوديته لم تكن تعني له شيئاً. كتب مرة: «إن وصفي بأني كاتب أميركي - يهودي لا يعني أي شيء بالنسبة لي. إذا لم أكن أميركياً فأنا لا شيء»، رغم أنه عاد بعد ذلك للكتابة عن «الهوية اليهودية» و«معاداة السامية». لكنه فعل عن ذلك بشكل موضوعي إلى حد بعيد لا يوحي بأنه يعاني عقد اضطهاد بسبب دينه.
يعيد قسم من النقاد سوداوية روث إلى «الجنسانية الذكورية»، التي كانت ثيمة أساسية في معظم رواياته، إذا استثنينا ثلاثيته التاريخية «الرعوية الأميركية» و«اللطخة الإنسانية»، و«تزوجت أميركاً»، التي تتناول ثيمات أميركية، من خلال رؤيته الذاتية. وكانت زوجته قد اتهمته بـ«كره النساء»، وتسبب ذلك في طلاقهما.
ولد فيليب ملتون روث في نيوارك عام 1933. درس القانون أولاً لـ«يدافع عن المهشمين»، كما قال مرة، ولكنه تخلى عن دراسته، منصرفاً لدراسة الأدب. تخرج من «بوكنيل»، وحصل على منحة دراسية 1954 لجامعة شيكاغو، ليحصل على شهادة الماجستير. بدأ دراسة الدكتوراه في اللغة الإنجليزية لكنها تركها بعد فصل واحد.
وبدأ روث أولاً بكتابة القصة القصيرة، وأصدر عام 1959 مجموعته الأولى.
في عام 1959 حصلت روايته «وداعاً كولومبوس» على جائزة «الكتاب الوطني للرواية»، لتتوالى بعد ذلك الجوائز والتكريمات التي لا يمكن عدها، ومنها «جائزة بوليتزر» و«مان بوكر الدولية».


مقالات ذات صلة

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»
TT

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

عن دار «الكرمة» بالقاهرة، صدرت رواية «أبريل الساحر» للكاتبة البريطانية إليزابيث فون أرنيم، التي وُصفت من جانب كبريات الصحف العالمية بأنها «نص مخادع وذكي وكوميدي». ومنذ صدورها عام 1922 تحولت إلى أحد أكثر الكتب مبيعاً واقتُبست للمسرح والإذاعة والسينما مرات عديدة.

تتناول الرواية التي قامت بترجمتها إيناس التركي قصة 4 نساء بريطانيات مختلفات تماماً هربن من كآبة لندن بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى إلى قلعة إيطالية ساحرة في الريفيرا الإيطالية ليقضين إجازة الربيع. وبعد أن تهدهن روح البحر الأبيض المتوسط يتغيرن تدريجياً ويكتشفن الانسجام الذي تاقت إليه كل منهن، ولكن لم يعرفنه قط.

وتجيب الرواية بشكل مقنع عن السؤال الأبدي حول كيفية تحقيق السعادة في الحياة من خلال مفارقات الصداقة بين النساء والتمكين والحب المتجدد والعشق غير المتوقع. وصفتها صحيفة «الديلي تلغراف» بأنها «على مستوى ما، قد تُعد الرواية هروباً من الواقع، ولكن على مستوى آخر فهي مثال لتحرر الروح»، بينما رأت صحيفة «ميل أون صنداي» أنها تتضمن «وصفاً حسياً حالماً لأمجاد الربيع الإيطالي».

وتُعد إليزابيث فون أرنيم (1866-1941) إحدى أبرز الكاتبات الإنجليزيات واسمها الحقيقي ماري أنيت بوشامب، وهي ابنة عم الكاتبة كاثرين مانسيفيلد. ولدت في أستراليا لعائلة ثرية وتزوجت أرستقراطياً ألمانياً حفيداً للملك فريدرش فيلهلم الأول، ملك بروسيا، واستقرت مع زوجها في عزبة عائلته في بوميرانيا حيث ربيا 5 أطفال.

بعد وفاة زوجها كانت على علاقة عاطفية مع الكاتب المعروف هـ. ج. ويلز لمدة 3 سنوات، لكنها تزوجت بعدها فرانك راسل الأخ الأكبر للفيلسوف الحائز جائزة نوبل برتراند راسل لمدة 3 سنوات ثم انفصلا. وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية انتقلت للإقامة في الولايات المتحدة حتى توفيت. زواجها الأول جعل لقبها «الكونتيسة فون أرنيم شلاجنتين»، أما زواجها الثاني فجعل اسمها إليزابيث راسل.

نشرت روايتها الأولى باسم مستعار ولكن مع النجاح الكبير لكتبها استخدمت اسم «إليزابيث فون أرنيم». أصدرت أكثر من 20 كتاباً وتُعد روايتها «أبريل الساحر» التي نُشرت عام 1922 من أكثر الكتب مبيعاً في كل من إنجلترا والولايات المتحدة ومن أحب أعمالها إلى القراء وأكثرها شهرة.

ومن أجواء الرواية نقرأ:

«بدأ الأمر في نادٍ نسائي في لندن بعد ظهيرة أحد أيام فبراير، نادٍ غير مريح وبعد ظهيرة بائسة عندما أتت السيدة ويلكنز من هامبستيد للتسوق وتناولت الغداء في ناديها. التقطت صحيفة (التايمز) من على الطاولة في غرفة التدخين وجرت بعينيها الخاملتين أسفل عمود مشكلات القراء ورأت الآتي:

(إلى أولئك الذين يقدرون الشمس المشرقة، قلعة إيطالية صغيرة من العصور الوسطى على شواطئ البحر الأبيض المتوسط للإيجار، مفروشة لشهر أبريل (نيسان) سوف يبقى الخدم الضروريون).

كانت هذه بداية الفكرة، ومع ذلك كما هو الحال بالنسبة إلى عديد من الأشخاص الآخرين، لم تكن صاحبتها على دراية بذلك في تلك اللحظة.

لم تكن السيدة ويلكنز مدركة قط أن كيفية قضائها شهر أبريل في ذلك العام قد تقررت في التو والحال إلى درجة أنها أسقطت الصحيفة بحركة غلب عليها الانزعاج والاستسلام في الوقت نفسه، وتوجهت نحو النافذة وحدقت في كآبة الشارع الذي تقطر به الأمطار».