روبرت ميردوخ يعود إلى لندن ليواجه مزيدا من الأسئلة حول القرصنة التليفونية

عاد قطب الإعلام الأسترالي الأصل روبرت ميردوخ إلى لندن بعد يوم على انتهاء «محاكمة القرن»، كما وصفها بعض المراقبين، التي برأت ريبيكا بروكس، ساعده الأيمن سابقا، من جميع التهم الموجهة إليها في قضية القرصنة التليفونية. لكن أدانت المحكمة صديقها ومساعدها آندي كولسون، رئيس تحرير صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» سابقا، الذي عمل أيضا سكرتيرا صحافيا لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، بالتآمر للتنصت على هواتف. بروكس وكولسون عملا في الصحيفة بصفتهما رئيسي تحرير خلال فترة جرى التنصت خلالها على تليفونات آلاف من الناس، كما بينت الأدلة خلال جلسات المحكمة.
بالتأكيد تنفس ميردوخ الصعداء بعد تبرئة بروكس، التي لم تدر فقط إمبراطوريته الإعلامية في بريطانيا، وإنما كانت بمثابة ابنته المدللة. لكن إدانة كولسون، الذي عمل رئيس تحرير الصحيفة في أوج نشاطات التنصت، يضع الصحيفة، التي أغلقت أبوابها في يوليو (تموز) 2011 بعد أكثر من 168 سنة من النشر المتواصل، في قفص الاتهام ثانية.
ولدى وصوله لندن من نيويورك يوم الخميس الماضي شوهد ميردوخ يجلس في المقعد الخلفي في سيارته وهو يقرأ صحيفته الأخرى، «الصن» الشعبية، الأعلى توزيعا في بريطانيا، التي اعتقل عدد من العاملين فيها بعد اندلاع عمليات التنصت والقرصنة التليفونية.
صحيفة «الصن» كتبت في اليوم الثاني من قرار تبرئة بروكس أن التحقيق الذي قامت به الشرطة كلف أكثر من 33 مليون جنيه إسترليني (45 مليون دولار) وعدته هدرا لأموال دافعي الضرائب، مضيفة: «كان من الأولى تخصيص هذه الأموال لتجنيد أعداد إضافية من رجال الشرطة لمكافحة الجريمة في لندن»؛ أي إنها عدت المحاكمة مضيعة للوقت.
إلا أن رئيس شرطة لندن السابق اللورد إيان بلير دافع بضراوة عن التحقيقات التي قام بها جهازه بخصوص نشاطات القرصنة التي قامت بها الصحيفة، وقال في تصريحات لصحيفة «إيفنينغ ستاندرد» اللندنية: «عندما تبدأ بالتحقيق في مثل هذه الأمور فما عليك إلا أن تستمر وتلاحق الأدلة.. هذه مؤامرة خطيرة وفي قلب صناعة الصحافة المكتوبة، وكنا محقين في متابعتها».
الصورة التي التقطت لميردوخ تظهره أساريره منفرجة وهو يقرأ المقال، ورغم ذلك فإن ميردوخ على موعد مع شرطة لندن لم يتحدد بعد من أجل مساءلته ثانية بخصوص النشاطات الإجرامية التي قامت بها صحيفته على ضوء إدانة كولسون، الذي يواجه عقوبة السجن، التي سيحددها القاضي اليوم الاثنين. وكانت الشرطة قد طلبت مقابلة روبرت ميردوخ وابنه جيمس، الذي عمل رئيسا تنفيذيا لـ«نيوز إنترناشيونال»، إلا أنهما طلبا التأجيل حتى تنتهي المحاكمة. وكانت قد كشفت «الغارديان» أن الشرطة البريطانية طلبت العام الماضي استجواب ميردوخ، وقالت الصحيفة إن «التحرِّيين البريطانيين قبلا طلب محامي ميردوخ انتظار نهاية المحاكمة».
وقدرت الشرطة البريطانية أن آلاف الناس اخترقت تليفوناتهم، منهم المشاهير، وأبناء العائلة المالكة، وكذلك الكثير من عامة الناس. تبرئة بروكس تشير إلى أن الأنشطة غير القانونية للبحث عن خبطات صحافية عن الأثرياء والمشاهير لم تتورط فيها بشكل كبير الإدارة العليا بمجموعة «نيوز كورب»، الشركة الأم المسجلة في بورصة نيويورك، كما قد يقلل من مخاطر تعرض أنشطة ميردوخ التجارية في أنحاء العالم لمواجهة اتهامات في بريطانيا والولايات المتحدة. لكن ربما لا يتمتع ميردوخ مجددا بالنفوذ الذي كان يحظى به، والذي تجسد في انتقال كولسون من رئاسة تحرير «نيوز أوف ذي وورلد» إلى منصب المسؤول الإعلامي لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون.
وواجهت ريبيكا هذه الاتهامات عندما كانت تعمل رئيسة تحرير للصحيفة بعدما تبين أن محرريها تنصتوا على هواتف سياسيين، ومشاهير، وأبناء العائلة الملكية، وأيضا أشخاص من عامة الناس. لكن القشة التي قسمت ظهر البعير كانت التنصت على تليفون مراهقة اختفت عام 2002، وكشفت حيثياتها صحيفة «الغارديان» في يوليو 2011، الأمر الذي خلق اشمئزازا شعبيا ورسميا؛ مما أجبر رئيس الوزراء على تشكيل لجنة تنظر في أخلاقيات الصحافة وعلاقتها غير الصحية بالمؤسسة السياسية؛ اللجنة عرفت باسم «ليفيسون». وبعد اندلاع الفضيحة قامت الشرطة بحملة اعتقالات طالت عددا من الصحافيين والتنفيذيين المتهمين بالتنصت. وشغلت بروكس أيضا منصب المديرة التنفيذية لمؤسسة «نيوز إنترناشيونال» التي كانت تملك عددا من الصحف البريطانية مثل الجريدة المتهمة بالتنصت، وكذلك صحيفة «الصن» الشعبية، و«التايمز» وعددها الأسبوعي «صنداي تايمز».
وتجمهر يوم الخميس الماضي المصورون أمام بيت بروكس (46 سنة)، الذي استأجرته بوسط لندن قريبا من مبنى المحكمة خلال النظر في القضية التي دامت ثمانية أشهر و130 يوما من المرافعات بين الدفاع والادعاء، وظهرت وهي تمسك بيد زوجها الذي برأته المحكمة أيضا من تهمة تضليل سير العدالة، وعبرت عن ارتياحها بقرار هيئة المحلفين التي برأتها من جميع الاتهامات، وقالت في أول تعليق علني لها منذ صدور القرار: «أنا بريئة من الجرائم التي اتهمت فيها وأشعر بالرضاء لصدور الأحكام بالإجماع». وأدين خليفتها، آندي كولسون، في مؤامرة التنصت على الهواتف في نفس المحاكمة وكان يشغل منصب السكرتير الصحافي لرئيس الوزراء حتى وقت قصير قبل اعتقاله، وعندما تحدثت بروكس يوم الخميس الماضي رفضت الانجرار إلى التعليق حول إدانة كولسون، الذي ينتظر صدور قرار إيداعه في السجن اليوم الاثنين.
وبرأت المحكمة المساعدة الشخصية لبروكس، شيريل كارتر، وزوج ريبيكا بروكس، تشارلي بروكس، ومدير الأمن لمجموعة «نيوز إنترناشيونال» مارك هانا، من تهم تضليل العدالة.
وجرى عزل لجنة المحلفين التي تنظر في قضية التنصت على الهواتف التي يحاكم فيها آندي كولسون، بعدما أخفقت في التوصل إلى قرار بشأن الاتهامات المنسوبة إليه، وقال القاضي إنه «سوف يجري إعلان القرار بشأن ما إذا كان كولسون، وكلايف غودمان، سيواجهان إعادة المحاكمة يوم الاثنين». وتتعلق الاتهامات بالتآمر لإساءة العمل في منصب عام بمزاعم أن الاثنين قاما برشوة رجال شرطة للحصول على الدليل الذي يحتوي على أرقام هاتفية ملكية عندما كانا يعملان في الصحيفة.
واعتذر كاميرون بعد صدور قرار إدانة كولسون عن تعيينه في هذا المنصب، وهذا ما كان قد وعد به أمام البرلمان؛ أنه «سينتظر قرار المحكمة أولا»، وقال كاميرون إنه يقدم اعتذارا بشكل «كامل وصريح» عن تعيينه لآندي كولسون، والذي قال إنه عيّنه «على أساس التأكيدات التي قدمها لي حول التنصت على الهواتف التي ثبت أنها مزيفة»، وأضاف كاميرون: «إنني آسف للغاية لأنني عينته.. إنه قرار خاطئ، وقد تأكدت تماما من ذلك»، وقال كاميرون إنه كان يريد أن يعطي كولسون فرصة ثانية، وأضاف أنه شخصيا لم يكن لديه أي سبب للشكوى من عمل كولسون عندما كان في «داونينغ ستريت». لكن اعتذارات رئيس الوزراء لم ترضِ المعارضة وزعيمها إد ميلباند، رئيس حزب العمال الذي قال: «سوف نتذكر رئيس الوزراء دائما على أنه أول شخص يشغل المنصب على الإطلاق يجلب مجرما إلى قلب (داونينغ ستريت)».
ورحبت بعض الصحف على صفحاتها الأولى الأربعاء الماضي، خصوصا «الصن»، و«التايمز»، وجاء في العناوين «يوم عظيم للصحافة الشعبية»، و«بروكس بريئة»، في وقت ركزت فيه الصحف المنافسة على إدانة آندي كولسون المتهم الرئيس الآخر. وأدين كولسون بتهمة واحدة على الأقل.
كما ستصدر الأحكام بحق أربعة صحافيين آخرين والمحقق الخاص غلين مالكير الذين أقروا بذنبهم قبل بدء المحاكمة، أما إيان أدمونسون، أحد المسؤولين السابقين في قسم التحرير، فقد اعتبر في ديسمبر (كانون الأول) «عاجزا» عن مواصلة المحاكمة لأسباب صحية.
إدانة كولسون لن تنهي هذه المعركة القضائية، ويمكن للقضاء أن يلاحق الدائرة، التي تشرف على الصحف البريطانية في مجموعة ميردوخ وبات اسمها «نيوز يو كاي»، والمسؤولين فيها.
ويتوقع أن تجرى 11 محاكمة أخرى لـ20 صحافيا سابقا أو حاليا في صحيفتي «الصن»، و«نيوز أوف ذي وورلد» في الأشهر المقبلة في لندن، ونفوا جميعا هذه الاتهامات. وفي اسكوتلندا أيضا سيحاكم كولسون وصحافيان آخران في «نيوز أوف ذي وورلد» في قضية التنصت على الاتصالات الهاتفية.
تفجرت فضيحة التنصت بعد أن كشف نيك ديفيز الذي يعمل في صحيفة «الغارديان» أن صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» تنصتت على آلاف من الناس من مشاهير، ووجوه اجتماعية، وسياسيين، وأبناء العائلة المالكة. لكن القشة التي قسمت ظهر البعير هي ما كشفته الصحيفة في يوليو الماضي بأن «نيوز أوف ذي وورلد» تنصتت على تليفون المراهقة ميلي داولر عندما اختفت عام 2002 وقتلت في ظروف غامضة.

* ريبيكا بروكس في سطور
* قدمت استقالتها من إمبراطورية ميردوخ بعد أكثر من 20 عاما حققت فيها أعلى درجات الشهرة والقوة في أقصر وقت ممكن، خصوصا عندما تبوأت، بصفتها أول امرأة، رئاسة تحرير صحيفة «الصن» عام 2003. لقد وصلت بروكس إلى مواقعها التي تبوأتها بسرعة فائقة، بسبب طموحها الذي لا يعرف أي حدود، وهذا ما يشهد عليه كبار محرري «فليت ستريت» الذين عملت معهم.
ولدت ريبيكا (ويد - اسمها قبل الزواج) بروكس عام 1968 في شمال إنجلترا، وفي سن الـ14 قررت أن تصبح صحافية، ومن أجل تحقيق ذلك بدأت تقدم الشاي، وتساعد في وظائف أخرى خلال عطلة نهاية الأسبوع في صحف محلية مثل جرائد مجموعة «ماسينجر»، وبعد أن أنهت الثانوية العامة عملت لفترة قصيرة في باريس في مجلة متخصصة في الهندسة المعمارية، وعملت بعد ذلك سكرتيرة في صحيفة «ذي بوست» الشعبية التي أسسها إيدي شاه.
انضمت إلى «نيوز إنترناشيونال» وهي في سن الـ20 كسكرتيرة في صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد»، الصحيفة التي تدور الفضيحة حولها الآن. وبسرعة فائقة أصبحت محررة للتحقيقات في المجلة الأسبوعية «صنداي مغازين» التابعة للصحيفة. قدراتها وديناميتها كانتا ميزتين لاحظهما رئيس تحرير الصحيفة بيرس مورغان، رئيس تحرير «الميرور» السابق، الذي يقدم البرنامج الحواري الذي كان يقدمه لاري كينغ في الولايات المتحدة الأميركية، كما قال في تصريحات للصحافة، وأيضا لاحظ ذلك روبرت ميردوخ نفسه.
ومن بعض قصص «فليت ستريت» حولها، يقال إنها أخفت نفسها في دولاب أدوات التنظيف في مطابع «صنداي تايمز»، التي كانت ستبدأ بنشر الحلقة الأولى من سلسلة مقالات عن حياة الأمير تشارلز، ويقال إنها سرقت أول نسخة تطبع في ذلك اليوم وتوجهت بها في سرعة إلى صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد»، ولهذا فقد تمكنت الصحيفة من إفشال عنصر الإثارة الذي كانت تطمح إليه «صنداي تايمز» من خلال قيامها بنشر ما كانت تنوي الصحيفة الشقيقة نشره كلمة بكلمة. ومع وصولها سن 30 أصبحت بروكس نائبة رئيس تحرير «صن» وفي عام 2000 أصبحت رئيسة تحرير «نيوز أوف ذي وورلد». وفي عام 2003 أصبحت رئيسة تحرير «الصن»، التي تتمتع بأعلى توزيع لأي صحيفة شعبية يومية تصدر في اللغة الإنجليزية. تزوجت عام 2002 من الممثل روس كيمب، وفي عام 2005 أصبحت حديث الصحف الشعبية بعد أن قيل إنها ضربت زوجها. ويقال أيضا إن روبرت ميردوخ أرسل إليها بذلة من عمل مصمم مشهور إلى السجن لترتديها عند المغادرة بعد أن أطلق سراحها وأسقطت الدعوى ضدها. وفي عام 2009 تزوجت من تشارلي بروكس الذي يعمل في تدريب الخيول والذي درس في كلية إيتون الشهيرة في فترة وجود رئيس الوزراء ديفيد كاميرون في نفس الكلية. وحصلت ريبيكا بروكس على 3.5 مليون جنيه إسترليني (5.6 مليون دولار) على سبيل التعويض بسبب إنهاء خدماتها كرئيسة تنفيذية في «نيوز إنترناشيونال»، كما ذكر بعض زملاء مقربين منها.