أزمة الديون السيادية تبقي ظلالها على صناع القرار الأوروبي رغم التفاؤل بالنموذج الآيرلندي

بروكسل توافق على صرف حزمة مالية لقبرص قبل نهاية العام وتأجيلها بالنسبة لليونان

أزمة الديون السيادية تبقي ظلالها على صناع القرار الأوروبي رغم التفاؤل بالنموذج الآيرلندي
TT

أزمة الديون السيادية تبقي ظلالها على صناع القرار الأوروبي رغم التفاؤل بالنموذج الآيرلندي

أزمة الديون السيادية تبقي ظلالها على صناع القرار الأوروبي رغم التفاؤل بالنموذج الآيرلندي

وافق وزراء المال في منطقة اليورو مساء أول من أمس في اجتماعاتهم ببروكسل، على صرف دفعة جديدة من المساعدات المالية لقبرص قبل نهاية العام الحالي، فيما جرى تأجيل اتخاذ قرار حول الأمر نفسه بالنسبة لليونان حتى الاجتماع الوزاري المقرر في يناير (كانون الثاني) المقبل، وفي الوقت نفسه أشاد الوزراء بالجهود التي قامت بها الحكومة في أثينا لتنفيذ البرنامج المتفق عليه مع الترويكا الدولية. وفيما يتعلق بآيرلندا، قال الوزراء إنها ستقف على قدميها ابتداء من العام المقبل بعد أن أعلنت تخليها عن برنامج المساعدة وتجاوزها الظروف الصعبة التي مرت بها وكان لذلك مردود إيجابي في الأسواق.
وحول ما يتعلق بقبرص، فقد وافق وزراء المالية في المجموعة الأوروبية على تسديد الدفعة الثالثة من المساعدات المالية لقبرص. وقال الوزراء في بيان، إن صندوق آلية الاستقرار الأوروبي انتهى من الإجراءات والموافقات، وإنه بصدد تسديد الدفعة الثالثة من المساعدات البالغة 100 مليون يورو إلى قبرص قبل نهاية العام الحالي. ويقع على عاتق الصندوق مساعدة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على مواجهات المشكلات الاقتصادية والمالية التي تواجهها. وأشار البيان إلى أن برنامج التصحيح الاقتصادي في قبرص ماض على الطريق الصحيح، وأن صندوق النقد الدولي سيقرر بدوره في 20 ديسمبر (كانون الأول) الحالي تسديد دفعة مساعدات إضافية بقيمة 86 مليون يورو.
وكان الاتحاد الأوروبي قد قرر في مارس (آذار) الماضي منح قبرص مساعدات مالية تبلغ قيمتها 10 مليارات يورو على مدى ثلاثة أعوام لإنقاذها من الإفلاس.
من جانبه، قال رئيس منطقة اليورو جيروين ديسلبلوم، إن الاجتماع الوزاري للدول الأعضاء في منطقة العملة الموحدة، اتفق مع ما صدر عن صندوق النقد الدولي من توقعات اقتصادية فضلا عن المخاطر في منطقة اليورو، وتأكيد الصندوق على أهمية إحراز تقدم في الاتحاد المصرفي، و«هو بالضبط ما يعتزم الاجتماع الوزاري الموسع للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي القيام به، أيضا إلى جانب التعامل مع المصارف الأوروبية، خاصة أن (المركزي الأوروبي) سيبدأ مع مطلع العام الجديد عملية مراجعة لما يتعلق بالأصول واختبارات التحمل، وهو في إطار مهمة الإشراف التي سينفذها (المركزي الأوروبي)، هذا بالإضافة إلى تأكيد صندوق النقد الدولي على أهمية الإصلاحات الهيكلية لاستعادة النمو والقدرة التنافسية في منطقة اليورو».
وأشار إلى أنه خلال بحث مسألة الاتحاد المصرفي، جرى تناول مسألة «آلية قرار واحدة» وأنه كان هناك توافق في المناقشات على وجود حاجه ملحة للتوصل إلى اتفاق في هذا الصدد، وأنه «النسبة لليونان، جرى تقييم التقدم المحرز منذ الاجتماع الأخير للدول الأعضاء في منطقة اليورو والعمل بشكل بناء من جانب السلطات اليونانية مع الترويكا خلال الأسابيع القليلة الماضية، ولكن الأمر يحتاج إلى مزيد من التقدم على مراحل متفق عليها من الاستعراض السابق الذي أجراه وفد الترويكا فيما يتعلق بالتدابير المالية والهيكلية، والجميع يأمل في الوفاء بالشروط الضرورية قبل السماح بصرف مليار يورو. وسيعود وفد الترويكا إلى اليونان من جديد في أقرب وقت لمواصلة العمل مع السلطات في أثينا، ولكن من الصعب إيجاد الحلول للعديد من النقاط قبل نهاية العام الحالي، وبالتالي سيكون العمل جاهزا في يناير المقبل، وسيجري تقييم الأمر من جديد خلال الاجتماع المقرر الشهر المقبل.
وبالنسبة لآيرلندا، قال ديسلبلوم: «نحن راضون جدا عن المراجعة النهائية للبرنامج، وعلى ثقة في أن آيرلندا ستكون قادرة على الوقوف على قدميها بدءا من العام المقبل بفضل العمل الجيد الذي جرى في تنفيذ البرنامج المتفق عليه مع الترويكا الدولية التي تضم صندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية والمصرف المركزي الأوروبي.. وقد وضح ذلك جيدا من خلال رد فعل السوق الإيجابي على إعلان آيرلندا إنهاء البرنامج. وفيما يتعلق بقبرص، فقد جرى الاستعراض الثاني لعمل الترويكا، الذي يؤكد على أن البرنامج المتفق عليه مع السلطات القبرصية يسير على الطريق الصحيح، وهناك تقدم محرز نحو إعادة الرسملة وهيكلة القطاع المالي، وهناك التزام راسخ لتعزيز استراتيجية الخصخصة الحكومية التي كانت واحدة من القضايا المعلقة في الماضي».



الدردري لـ«الشرق الأوسط»: الناتج السوري خسر 54 مليار دولار في 14 عاماً

TT

الدردري لـ«الشرق الأوسط»: الناتج السوري خسر 54 مليار دولار في 14 عاماً

الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية د. عبد الله الدردري (تركي العقيلي)
الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية د. عبد الله الدردري (تركي العقيلي)

كشف الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية الدكتور عبد الله الدردري، أن الأمم المتحدة أعطت البرنامج الضوء الأخضر لبدء التواصل مع الحكومة المؤقتة السورية الجديدة تعزيزاً للعمل الإنساني وبدء مسار التعافي لإعادة تفعيل الاقتصاد السوري، خصوصاً أن البلاد خسرت 54 مليار دولار من ناتجها المحلي خلال 14 عاماً.

وقال الدردري في حديث إلى «الشرق الأوسط» بمناسبة وجوده في الرياض للمشاركة في فعاليات مؤتمر «كوب 16»، إنه وجّه مكتب البرنامج في دمشق اعتباراً من (الخميس) للتواصل مع الجهات الحكومية وبدء عملية التقييم التي تحتاج إليها البلاد.

كان نظام بشار الأسد قد ترك خلفه تحديات اقتصادية كبيرة مع انهيار شبه كامل للبنية التحتية الاقتصادية وتدمير آلاف المنازل وتشريد الملايين.

رجل سوري يتحدث عبر هاتفه المحمول وهو يقف على درج مبنى مدمَّر في مدينة حرستا شرق دمشق (أ.ب)

واستعرض الدردري الوضع الراهن في سوريا، فقال «إن تقديراتنا الأولية أن الاقتصاد السوري خسر حتى الآن 24 عاماً من التنمية البشرية، فيما سجل الناتج المحلي الإجمالي تراجعاً كبيراً من 62 مليار دولار في عام 2010 إلى 8 مليارات فقط اليوم، أي خسر 54 مليار دولار في 14 عاماً. أما معدل الفقر، فارتفع من نحو 12 في المائة عام 2010 إلى أكثر من 90 في المائة. وبات معدل الفقر الغذائي يتجاوز 65 في المائة من السكان».

وإذ أوضح أن أمام سوريا مرحلة صعبة، قال إن تقديرات البرنامج تشير إلى أنه من أصل 5 ملايين و500 ألف وحدة سكنية، فإن نحو مليوني وحدة سكنية دمِّرت بالكامل أو جزئياً.

وعن تكلفة عملية إعادة الإعمار، أوضح الدردري أن احتساب تكلفة إعادة بناء الوحدات السكنية يحتاج إلى تحديث، كون أسعار البناء تختلف اليوم. لكنه شدد على أن أخطر ما جرى في سوريا هو الضعف المؤسساتي مقارنةً بما كان عليه الوضع قبل عام 2011، «حيث كانت هناك مؤسسات دولة قوية، فيما تراجعت بشكل كبير اليوم». من هنا، فإن تركيز برنامج الأمم المتحدة اليوم هو على الدعم المؤسساتي، «لأنه من دون مؤسسات قادرة على التخطيط والتنفيذ والمتابعة، لا توجد تنمية ولا إعادة إعمار»، كما يركز على القطاع الخاص الذي استطاع أن يصمد رغم كل الهزات، والجاهز اليوم لتلقف أي حالة من الأمن والانفتاح للعمل.

وقال: «خلال الساعات الـ48 الأخيرة، ولمجرد أن الحكومة المؤقتة أعلنت أن الاقتصاد السوري هو اقتصاد سوق حر مع بعض الإجراءات السريعة لتسيير عمل التجارة وغيرها، تحسن سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار من 30 ألف ليرة إلى 14 ألف ليرة، مما يعني تحسناً بأكثر من 50 في المائة».

رجل يعد النقود بمحطة بنزين في مدينة حلب شمال سوريا (أ.ف.ب)

ولكن كيف يرى نائب الوزراء السوري السابق للشؤون الاقتصادية بين سنوات 2006 و2011، خريطة طريق إعادة النهوض بالاقتصاد السوري؟ أجاب: «في الحقيقة، لا أرى فرقاً بين دوري في الأمم المتحدة وبين عملي سابقاً. فسوريا تحتاج إلى إصلاح حوكمي سريع وفعال، بمعنى أنها تحتاج إلى إصلاح القضاء، وتطوير المؤسسات وترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات، وترسيخ القانون. كما أنها بحاجة إلى رؤية للمستقبل، وإلى حوار وطني. تحتاج إلى تحديد الوضع الراهن في المجال الاقتصادي وأين هو موقع البلاد في هذا الإطار. هي تحتاج إلى رسم سيناريوهات التعافي والنمو... وهو ما تراه الأمم المتحدة أيضاً لإعادة إحياء البلاد».

وأضاف: «سندعم كل ما من شأنه أن يجعل سوريا جاذبة للاستثمار، وإرساء منظومة لحماية اجتماعية فاعلة... فنمو اقتصادي يقوده القطاع الخاص وعدالة اجتماعية من خلال منظومات حماية اجتماعية متكاملة هما ما تحتاج إليه سوريا، وهما ما سنعمل عليه».

وعود بمساعدة غزة

وفي ما يتعلق بالوضع في غزة، قال الدردري إن التقديرات الأولية جداً تشير إلى أنها تحتاج إلى 50 مليار دولار، موضحاً أن إعادة تعويم الاقتصاد الفلسطيني إلى ما كان عليه في عام 2022، إنما يحتاج إلى معونات إنسانية تقدَّر بـ600 مليون دولار سنوياً على مدى السنوات العشر المقبلة.

فلسطينيون يتفقدون الدمار في منطقة استهدفتها غارة جوية إسرائيلية قرب مخيم النصيرات للاجئين (أ.ف.ب)

وعن الجهات المستعدة لتأمين هذه المبالغ، قال: «هناك وعود بأن المجتمع الدولي مستعد للمساعدة، ولكن إلى الآن لا شيء ملموساً».

وأضاف: «هناك حاجة ماسة إلى رفع القيود عن عمل الفلسطينيين، وعن أموال المقاصة التي يجب أن تذهب إلى السلطة الفلسطينية، وأن يُسمح للاقتصاد الفلسطيني بالاندماج».

خسائر لبنان من الحرب

وشرح الدردري أن لبنان خسر 10 في المائة من ناتجه المحلي الإجمالي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة بسبب الحرب مع إسرائيل، تضاف إلى ما نسبته 35 في المائة خسارة في الناتج المحلي منذ 2019. في حين دُمر نحو 62 ألف منزل وأكثر من 5 آلاف منشأة اقتصادية.

شخصان يتعانقان على أنقاض المباني المتضررة في قرية جون بقضاء الشوف بلبنان (رويترز)

ووُضع برنامج للتعافي الاقتصادي في لبنان يعتمد بشكل أساسي على تعزيز المجتمعات المحلية والشركات الصغيرة وإعادة إحياء التمويل في لبنان، وعلى دعم البلديات التي تأثرت بشكل كبير، وعلى الجمعيات الأهلية. وتوقع أن يستعيد لبنان تعافيه مع استمرار حالة الهدوء، وذلك بفعل أهمية الدور الذي يلعبه قطاعه الخاص.