إطلاق سراح جميع معتقلي مظاهرات حيفا تضامناً مع غزة

بعد ليلة كاملة من المداولات القضائية، رافقتها مظاهرات شعبية واسعة، قررت محكمة الصلح في حيفا، صباح أمس الاثنين، إطلاق سراح جميع المعتقلين (19 شخصا)، ممن شاركوا في مظاهرة لنصرة غزة، أقيمت في حيفا مساء الجمعة الماضي، وقمعتها الشرطة بالقوة.
وخلال المحاكمة، كان المئات من الشباب يتظاهرون خارج مقر المحاكم، وكان متظاهرون من اليمين الإسرائيلي يتظاهرون ضدهم، ويرفعون أعلام إسرائيل. وقام أحدهم بخطف علم فلسطين من مظاهرة اليسار وداسوا عليه، فهاجمهم ثلاثة متظاهرين من العرب، وتدخلت الشرطة واعتقلت الشبان الثلاثة، وحاولت فض المظاهرتين؛ لكن مظاهرة العرب واليسار استمرت طيلة الساعات التسع التي بحثت فيها المحكمة قضيتهم، وانتهت في ساعات الفجر.
واتضح خلال المحكمة، أن الشرطة هاجمت المظاهرة بحجة أنها أقيمت من دون ترخيص؛ لكنها في الحقيقة هاجمتها بعدما حضر إليها نحو 200 ناشط من اليمين الإسرائيلي المتطرف، راحوا يحرضون على المتظاهرين ويتهمونهم بأنهم طابور خامس، وحاولوا الاعتداء على المتظاهرين العرب وبعض المتظاهرين اليهود اليساريين الذين شاركوا فيها، متهمينهم بخيانة شعبهم. ودعوهم إلى «البحث عن أصولهم الفلسطينية في قطاع غزة». ثم راحوا يهتفون ضد الشرطة التي تسمح بأن يقف مواطنون إسرائيليون في قلب حيفا، ويتضامنون مع «مظاهرات (حماس) في غزة».
واتضح أيضا أن الشرطة هاجمت المتظاهرين بعنف شديد، واستدعت قوات الكوماندوز الخاصة بها والمستعربين. وخلال ذلك اعتقلت 21 متظاهراً، بعد أن كان خمسة أو ستة جنود يهجمون على المتظاهر الواحد. وأما جعفر فرح، مدير عام جمعية «مساواة»، الذي كسروا رجله خلال الاعتداء، فقد روى للمحكمة أنه عندما اعتقل، شاهد رجال الشرطة وهم يعتدون على ابنه بالضرب، فهب يحميه منهم ويحاول تخليصه من أيديهم وعصيهم، فانقضوا عليه بالضرب المبرح.
وترافع عن المعتقلين طاقم من المحامين، ضم محامي مركز «عدالة» ومحامين متطوعين ومؤسسة المدافعين عن حقوق الإنسان. وقال المحامي حسن جبارين، مدير «عدالة»، في المحكمة: «أثبتنا للمحكمة أنه خلافاً لادعاءات الشرطة، القانون لا يفرض على منظمي هذا الاحتجاج الحصول على تصريح قانوني من الشرطة؛ لأنها لم تتخلل المشي من مكان لآخر، وبالتالي كان تفريق الشرطة لها بالقوة هو التصرف غير القانوني وليست مظاهرة الاحتجاج».
وقررت المحكمة في ختام الجلسة، إطلاق سراح المتظاهرين فورا، وبينهم جعفر فرح، وأبقت بعضهم في المعتقل لبضع ساعات، حتى تتيح للشرطة أن تستأنف على قرارها. وعندما قررت الشرطة ألا تستأنف تم إطلاق سراحهم ظهر أمس.
وقال المحامي جبارين، معقبا: «نجحنا في تحويل النقاش في قاعة المحكمة من المظاهرة إلى عنف الشرطة المفرط، ويرجع الفضل في هذا النجاح للصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي، التي نشرت الصور ومقاطع الفيديو والشهادات الحية من المظاهرة، والتي روت الحقيقة كاملة. هذا التوثيق أقنع المحكمة بأنه ليس بالإمكان غض النظر عن وحشية الشرطة».
وأثارت هذه القضية ضجة كبرى في إسرائيل، خصوصا بعد أن واصل وزير الدفاع، أفيغدور ليبرمان، تحريضه على النائب أيمن عودة، رئيس «القائمة المشتركة» ولجنة المتابعة العربية وبقية القادة السياسيين للمواطنين العرب في إسرائيل (فلسطينيي 48)، وبعد أن أعلن وزير الأمن الداخلي، غلعاد أردان، أنه يجب دراسة اقتراح بإخراج القائمة المشتركة عن القانون.
من جهتها، حيّت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، المعتقلين المحررين وفريق المحامين، وأكدت أن بطش الشرطة والمخابرات، والتحريض الشرس من أعلى الهرم الحاكم: «لن يمنعنا من مواصلة واجبنا الوطني والأخلاقي تجاه شعبنا، في التصدي للاحتلال وجرائمه ومجازره في قطاع غزة». وأكدت في بيان لها أن «ما شهدناه في الأيام الأخيرة، من اعتداءات شرسة على المتظاهرين، يدل على أن هذه الحكومة أمرت أجهزتها بتصعيد قمع نضالنا الطبيعي ضد الاحتلال وجرائمه، ومجازره الأخيرة. ولم تكتف بأجهزة شرطتها ومخابراتها؛ بل بدأت تستدعي عصابات اليمين الإرهابية، كما حصل مساء أمس الأحد في مدينة حيفا، ضد المظاهرة العربية اليهودية التي كانت في المدينة، ردا على مجازر غزة».
وقال رئيس المتابعة، محمد بركة، إن «هذه ساعة رص الصفوف، لصد حملات التحريض، والدفاع عن شعبنا وعن حقوقنا، تاركين كل خلافاتنا، والجدالات التي ليست ساعتها الآن، لنصب كل الجهود، من أجل مواصلة المعركة، وبشكل خاص في هذه الأيام، تعزيز حملات الإغاثة، التي بادرت لها لجنة المتابعة، كالإغاثة الطبية، وباقي الحملات التي بادرت لها أطر سياسية ومجتمعية، من أجل الإغاثة الإنسانية لأهلنا في قطاع غزة».