إردوغان يحشد انتخابياً في سراييفو ويهوّن من مخطط مفترض لاغتياله

زيارة الرئيس التركي أثارت انقساماً وسط السكان البوسنيين

مناصرون لإردوغان خلال تجمعه الانتخابي في سراييفو أمس (ا.ف.ب)
مناصرون لإردوغان خلال تجمعه الانتخابي في سراييفو أمس (ا.ف.ب)
TT

إردوغان يحشد انتخابياً في سراييفو ويهوّن من مخطط مفترض لاغتياله

مناصرون لإردوغان خلال تجمعه الانتخابي في سراييفو أمس (ا.ف.ب)
مناصرون لإردوغان خلال تجمعه الانتخابي في سراييفو أمس (ا.ف.ب)

علّق الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، على ما أُعلن بشأن وجود مخطط لاغتياله، خلال زيارته للبوسنة والهرسك التي بدأها، أمس، وتستمر يومين، بأن التهديد باغتياله لن يثنيه عن طريقه.
ويسعى إردوغان للفوز بالانتخابات الرئاسية المبكرة في 24 يونيو (حزيران) المقبل، ليصبح أول رئيس بصلاحيات تنفيذية كاملة في تاريخ الجمهورية التركية بعد إقرار النظام الرئاسي الذي تمت الموافقة عليه في استفتاء شعبي أُجري في 16 أبريل (نيسان) 2017، ويدخل حيز التنفيذ فعلياً عقب الانتخابات البرلمانية والرئاسية المبكرة في يونيو المقبل.
وقال إردوغان في مؤتمر صحافي مع نظيره البوسني باكير عزت بيغوفيتش، في سراييفو، أمس: «هذا الخبر وصلني من جهاز المخابرات التركي، لذلك أنا موجود هنا. فمثل هذه التهديدات لا تثنينا عن مواصلة طريقنا»، مشيراً إلى أن بلاده تسعى لتحقيق الرخاء والوحدة في البوسنة.
كان نائب رئيس الوزراء المتحدث باسم الحكومة التركية بكير بوزداغ، قد أعلن الليلة قبل الماضية عن وجود «تهديدات محتملة» بالاغتيال ضد الرئيس إردوغان خلال زيارته للبوسنة، قائلاً: «نحن ندرك أن هناك دوائر غير مرتاحة وندرك أنهم يريدون التخلص من رئيسنا. إن تهديدات الاغتيال ليست جديدة، بل كانت موجودة دائماً، لكن رجب طيب إردوغان ليس هو الرجل الذي يخشى التهديد بالقتل أو من سيبتعد عن دربه وقضيته».
وعقد إردوغان مؤتمراً جماهيرياً حضره الأتراك القادمون من دول البلقان في سراييفو، أمس، في إطار حملته للانتخابات الرئاسية وحملة حزبه (العدالة والتنمية) للانتخابات البرلمانية التي سيخوضها ضمن «تحالف الشعب» الذي يضم معه حزبي «الحركة القومية» و«الوحدة الكبرى».
وقالت وكالة أنباء «الأناضول» الرسمية، إن أجهزة الاستخبارات التركية تتحرى معلومات وردت حول إمكانية تنفيذ مجموعة بلقانية من أصول تركية محاولة لاغتيال إردوغان، في أثناء زيارته للبوسنة والهرسك. وذكرت أنه حسب المعلومات، التي حملتها بلاغات من أتراك يعيشون قرب العاصمة المقدونية سكوبيه؛ هناك أنباء عن محاولة اغتيال تستهدف إردوغان خلال زيارته للبوسنة، كما أبلغت أجهزة استخبارات غربية نظيرتها التركية بمعلومات حول «استعداد مجموعة تركية لتنفيذ عملية اغتيال ضد إردوغان».
وأطلقت أجهزة الاستخبارات التركية، عملية تحرٍّ حول الموضوع بعد تلقيها معلومات مطابقة من مصادر مختلفة، ولفتت الوكالة إلى أن عملية التحري مستمرة، ولم يتسنَّ لأجهزة الاستخبارات معرفة توقيت ومكان وأسلوب عملية الاغتيال المفترضة.
وخلال المؤتمر الصحافي قال إردوغان «إننا نتطلع لإنهاء وجود» ما سماه بـ«منظمة فتح الله غولن» الإرهابية (في إشارة إلى حركة «الخدمة» التي يتزعمها الداعية التركي المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن، والتي تتهمها أنقرة بتدبير محاولة انقلاب فاشلة ضد إردوغان في 15 يوليو «تموز» 2016) في البوسنة والهرسك من خلال الجهود المتبادلة في أقرب وقت، و«نحن منفتحون على جميع أنواع التعاون في هذه المسألة». في الوقت ذاته، أعلن حزب العدالة والتنمية الحاكم أنه سيعقد اجتماعاً، الخميس المقبل، للتعريف بمرشحيه للانتخابات البرلمانية المبكرة.
وحسب مصادر بالحزب، تم اختيار مرشحين على جميع مقاعد البرلمان (600 مقعد) من بين 7 آلاف و340 اسماً تم تجميعها عبر استطلاع رأي واسع في قواعد الحزب. وانتهت لجنة من الحزب بإشراف الرئيس إردوغان من تحديد المرشحين وستقدم قائمة بأسمائهم إلى اللجنة العليا للانتخابات، اليوم (الاثنين)، على أن يتم الإعلان عنهم أمام الرأي العام خلال اجتماع الخميس المقبل. ومن المقرر أن يُعقد الاجتماع بحضور إردوغان، الذي يترأس الحزب أيضاً، ورئيس الوزراء بن علي يلدريم.
وأثارت زيارة إردوغان إلى سراييفو ردود فعل متبانية وسط سكان العاصمة البوسنية. ويؤكد حزب العمل الديمقراطي الذي يقوده بيغوفيتش، قربه من حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه إردوغان. وتقول وسائل الإعلام البوسنية إن حزب العدالة والتنمية ينوي فتح فرع له في البوسنة قريباً.
ولاحظت وكالة الصحافة الفرنسية، في تقرير لها، أنه قبل ساعات من اللقاء الجماهيري، كانت المدينة ساكنة، وبعض الباعة يعرضون أوشحة وأعلاماً تركية للبيع وبعض اللوحات المرحِّبة بإردوغان منتشرة على جوانب الطرق. وتساءلت رميزة (58 عاماً)، بائعة في السوق، قائلة: «لم تكن هناك مشكلة عندما يأتي بوتين إلى صربيا. لماذا يثار كل هذا عندما يعقد إردوغان لقاءً في سراييفو؟». وعبر سبومنكا بوس المتقاعد (74 عاماً) عن استيائه، وقال: «بطبيعة الحال هذا يقلقني، لماذا يُعقد الاجتماع في البوسنة وليس في تركيا؟».
ويرى كثيرون في الزيارة تعبيراً عن النزعة العثمانية الجديدة. وقد خضعت منطقة البلقان، خصوصاً البوسنة، للحكم العثماني لأكثر من أربعة قرون حتى 1878، وسخر المخرج دينو مصطفيتش الذي يعيش في سراييفو، على حسابه على «تويتر» من «هذا التجمع المؤثر والرومانسي الذي يعود إلى زمن الاستعمار»، عندما «كان الرعايا المحليون المساكين يصفقون بحرارة للسلطان». وأضاف المخرج المسرحي: «لا نستحق أفضل من ذلك، لأننا لا نحترم الحرية ولا الكرامة». أما الزعيم السياسي لصرب البوسنة ميلوراد دوديك فعبّر عن أسفه لأن الرئيس التركي «يتدخل كثيراً» في شؤون البوسنة. ولعبت تركيا دوراً مهماً في إعادة إعمار هذا البلد الصغير في البلقان بعد الحرب التي شهدها في 1992 – 1995، وتُتبَع سياسة استثمار نشطة فيه كما في كل المنطقة.
وحول شأن تركي آخر، قال رئيس أركان الجيش التركي خلوصي أكار، إن القوات المسلحة مستعدة للقيام بأي مهمة تُلقى على عاتقها في منطقة بحر إيجه، دون أي تردد، محذراً من إجراء البعض حسابات خاطئة حول تركيا (في إشارة إلى اليونان التي توترت العلاقة معها على خلفية تحرشات متبادلة في بحر إيجه في الأشهر الأخيرة). وأضاف أكار، خلال جولة تفقدية أجراها لمناورات «العاصفة البيضاء» التي ينفّذها الجيش التركي في بحر إيجه، رافقه خلالها قادة القوات البرية والجوية والبحرية، أن الجيش التركي يحترم ويدعم قواعد حسن الجوار، والاتفاقيات الثنائية والقانون الدولي، إلا أنه لا يتردد في القيام بما يقتضيه الأمر عند تعرُّض حدود البلاد لأي تهديد أو خطر، أياً كان مصدر التهديد. وتابع أن الجيش التركي قادر على تنفيذ عمليات عسكرية في سائر أرجاء البلاد، وأن بمقدوره مواجهة التهديدات في شمالي سوريا، وجنوب شرقي البلاد وفي بحر إيجه في آن واحد إذا اقتضى الأمر. وأشار إلى أن القوات المسلحة التركية واجهت بعض الصعوبات عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة صيف 2016، إلا أنها سرعان ما استدركت الأمر، وقوتها وقدراتها تزداد كلما تم تطهيرها من أتباع غولن.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟