دعوة بوتفليقة لـ«إبعاد الجامعة عن السياسة» تُحرج حزبه

بعد حشد «جبهة التحرير» تنظيمات طلابية لمناشدته الترشح لولاية خامسة

TT

دعوة بوتفليقة لـ«إبعاد الجامعة عن السياسة» تُحرج حزبه

اعتبر ناشطون سياسيون في الجزائر أن الدعوة التي وجهها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في الآونة الأخيرة بإبعاد الجامعة عن الصراع السياسي، تُحرج حزب جبهة التحرير الوطني الذي يترأسه شرفياً. ولاحظ هؤلاء أن حزب جبهة التحرير كان قد جمع في 16 أبريل (نيسان) الماضي، 6 تنظيمات يقودها طلبة الجامعة، لمناشدة بوتفليقة الترشح لولاية خامسة. وبعد أكثر من شهر على ذلك الحدث، دعا بوتفليقة كل الأحزاب إلى إبعاد الجامعة عن المنافسة السياسية، تحسباً لرئاسية 2019، وبذلك وضع حزبه وأمينه العام جمال ولد عباس في حرج كبير.
وقال بوتفليقة في خطاب مكتوب نشرته وكالة الأنباء الحكومية، بمناسبة «يوم الطالب»، الذي يرمز إلى مغادرة طلبة الجامعات الجزائريين، مقاعد الدراسة جماعياً للمشاركة في ثورة التحرير (1954 - 1962): «إن المدرسة والجامعة ليستا فضاء للصراعات أو المصالح أو الآيديولوجيات، ولا للمنافسة السياسية، لذلك ينبغي على الجميع أن يحترم حرمة الجامعة، خصوصاً أن الأمر يتعلق بمستقبل أجيالنا الصاعدة».
وقال الناشط السياسي محمد صالحي، لـ«الشرق الأوسط»، إن رئيس الجمهورية «ربما لا يعلم أن جبهة التحرير التي هو رئيسها الشرفي، أطلقت مشروعاً سمّته جيل بوتفليقة، قاطرته تنظيمات الطلبة الأبرز في الجامعات والكليات الجزائرية، وتم إقحامها في شأن سياسي محض، هو الولاية الخامسة المفترضة وانتخابات الرئاسة المنتظرة العام المقبل... أتصور أن السيد ولد عباس سيتخلى عن هذا المشروع ما دام صاحب الشأن فصل في الموضوع».
من جهته، قال الناشط سمير بن العربي، إن «رسالة بوتفليقة في عيد الطالب تحمل الكثير من التناقضات، بين ما جاءت به وبين الواقع المعيش للجامعة الجزائرية. ومن هذه التناقضات حديثه عن إبعاد الجامعة عن الصراعات السياسية، في حين أن حزبه وقع في مأزق عندما جمع 6 تنظيمات طلابية تحت لوائه، وهذا مخالف تماماً للقانون الأساسي للجمعيات الذي يمنع عليها الانتماء إلى أي حزب سياسي». ثم تساءل: «هل هي استفاقة متأخرة ضد ما قام به حزب الرئيس؟ لا أظن ذلك لأن النظام اعتاد ضرب قوانين الجمهورية بعرض الحائط في كل مناسبة، لتزيين الواجهة أو التحضير للاستمرار في المناصب».
و«جيل بوتفليقة» شعار أطلقه حزب الأغلبية «جبهة التحرير»، يرمز إلى مليوني طالب بالجامعة تتراوح أعمارهم بين 17 و33 سنة، كثير منهم لم يعرف رئيساً آخر غير عبد العزيز بوتفليقة. وقادة تنظيمات الطلبة جمعتهم «الجبهة» لمناشدة الرئيس «مواصلة الإنجازات»، بما يعني الاستمرار في الحكم بالترشح لولاية خامسة. وحضر الاجتماع وزير التعليم العالي والبحث العلمي الطاهر حجار الذي قدم عرضاً عن «إنجازات الرئيس في مجال التدريس في الجامعة والبحث العلمي». وأشار إلى بناء 10 جامعات ومخابر خلال فترة حكم الرئيس التي بدأت عام 1999.
وقال ولد عباس في ذلك الاجتماع إن الجزائر هي «البلد الوحيد الذي يدرس فيه الشباب بالجامعة مجاناً، بينما يضطر أبناؤنا إلى تسديد مستحقات كبيرة للدارسة بفرنسا، حيث يتوافدون بكثرة على جامعاتها». وفُهم من كلام ولد عباس وحجار يومها، أن غالبية طلبة الجامعة سيدعمون بوتفليقة إذا ترشح لفترة جديدة، ومعنى ذلك أنهم اتخذوا موقفاً سياسياً واختاروا مرشحهم للانتخابات. ولم يتسنَّ الحصول على رد فعل ولد عباس ولا أيٍّ من قياديي الحزب، على أثر دعوة بوتفليقة «إبعاد الجامعة عن السياسة».
وعلى عكس ما تراه الحكومة، فإن المراتب المتدنية التي توجد فيها الجامعة الجزائرية، ضمن تصنيفات الهيئات والمؤسسات البحثية العالمية، تفيد بأن المنظومة الجامعية بالجزائر ضعيفة، ومن الأدلة على ذلك أن الشهادات التي يحصل عليها الطلبة غير معترف بها في الخارج، وهم مطالبون بالعودة إلى نقطة البداية في حال التسجيل في أي جامعة في أوروبا أو الولايات المتحدة.
وبهذا الخصوص قال بوتفليقة في رسالة «يوم الطالب»، مهاجماً مَن ينتقدون وضع الجامعة: «صحيح أن بعض الأصوات المتشائمة والهدامة ترتفع، من حين لآخر، بانتقاد الجامعة الجزائرية ونتاجها البشري، انتقاداً عابثاً، أحسن رد عليه هي المكانة التي اكتسبها العديد من خريجي جامعاتنا في دول غربية عندما اختاروا خيار الهجرة».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.