جون سيمبسون لـ «الشرق الأوسط» : كلما غطيت الحروب كرهتها أكثر

مسيرة 52 عاماً من توثيق النزاعات ولقاء الزعماء عبر شاشة «بي بي سي»

أثناء تصوير تقرير «بانوراما» من الموصل عام 2016 - عند مخبأ صدام حسين في العراق عام 2003 (ألبوم جون سيمبسون)
أثناء تصوير تقرير «بانوراما» من الموصل عام 2016 - عند مخبأ صدام حسين في العراق عام 2003 (ألبوم جون سيمبسون)
TT

جون سيمبسون لـ «الشرق الأوسط» : كلما غطيت الحروب كرهتها أكثر

أثناء تصوير تقرير «بانوراما» من الموصل عام 2016 - عند مخبأ صدام حسين في العراق عام 2003 (ألبوم جون سيمبسون)
أثناء تصوير تقرير «بانوراما» من الموصل عام 2016 - عند مخبأ صدام حسين في العراق عام 2003 (ألبوم جون سيمبسون)

قادتني النادلة في مقهى فندق «اللاندمارك» بحي «مارليبون» اللندني إلى طاولته المعتادة في الزاوية. سبعيني إنجليزي أنيق. فاجأني جهاز «ماك بوك» على الطاولة أمامه. كان يطالع مقالاً ما. استقبلني بابتسامة. بعد التحية، تقمص دور المحاور تلقائياً وبكل عفوية متناسياً أنني أنا من جئت أطرح الأسئلة عليه. ثم تنبه وقال، أفضّل إدارة المقابلات فقصص الناس وتوثيق الحقائق شغفي.
بالنسبة لجون سيمبسون، الصحافة ليست مهنة، بل هي تلبية نداء. فعندما كان في سن الـ15، قرأ رواية «1984» لجورج أورويل، واتخذ قراراً بأن يكون دوما في معسكر الذكريات، يكتب الحقيقة والتاريخ في السجلات العامة.
منذ انطلاقته، ارتبط اسمه بهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي». مسيرة 52 عاماً عاش خلالها مغامرات في أكثر من 120 دولة، وطل على الشاشة لتغطية 47 حربا. كادت أن تباغته المنية 10 مرات، ومات أحد أفراد طاقمه أمام عينيه في تفجير بالعراق. كلما تقدم بالسن، كره الحرب أكثر. إلا أنه يرفض أن تحكمه تجاربه المفجعة وتأسر ذكرياته.
روى لي حادثة تسلله متخفيا وراء شادور إلى أفغانستان، وأطلعني على تفاصيل اكتشافه لمجزرة صبرا وشاتيلا. وعندما استرجع محاولة زائفة لإعدامه في ضواحي بيروت، شعرت بأنني كنت هناك. سألته عن لقاءاته وحواراته مع قادة العالم فتغزل بمانديلا، وأشاد بالملك حسين، وهجا الخميني، وشخّص القذافي بالجنون.
لا يمكن اختصار مسيرة المراسل الدبلوماسي وصحافي القضايا الشائكة بأرقام وأحجيات، إلا أن حوارا معه سمح لي بنافذة إلى صحافة أهمها أنسنة السياسة. وفيما يلي نص الحوار:

> غطّيت عشرات الحروب، وأصبحت من أهم المراسلين الحربيين بريطانيا وعالميا. هل كان هذا هدفك؟
- لا أعتبر نفسي مراسلا حربيا. أنا مراسل دبلوماسي، ويحدث أن أضل طريقي إلى الحروب. عملت مع «بي بي سي» 52 سنة، غطّيت خلالها 47 حربا. أرى نفسي شخصا يهتم بالسياسة كثيراً. والحروب أبغض أشكال السياسة، ولهذا أغطيها. لا يحبذ كثيرون من الصحافيين تغطيتها، ولكنني لا أمانع ذلك. أنا ومارتن بيل (مراسل حربي بريطاني) وآخرون، قبلنا بالتكليفات. مهمّتي تغطية أي حدث كان، من حرب إلى ثورة.
> المراسلة الحربية البريطانية الراحلة كلير هولينغوورث لم تكن تصطحب معها في حقيبة ظهرها إلى الحروب، إلا جوارب وفرشاة أسنان. فماذا تأخذ معك؟
- كلير أكثر ترتيبا مني. كمّية الأمتعة التي أحزمها كثيرة. أحرص دائماً على أخذ مشغل للموسيقى وكتاب ضخم. فالمراسل لا يعرف ما ينتظره، قد يُعتقل أو يتوقّف، وإن لم يكن لديك كتاب تقرأه، سيكون الأمر مروعا. غالباً ما أنسى فرشاة أسناني وحتى الجوارب، ولكن من المستحيل أن أنسى الموسيقى أو الكتاب.
> في كتابك الأخير «اخترنا الحديث عن الحرب والنزاع» تُصنّف الحروب إلى حروب قذرة، وحروب بالوصاية، وغيرها. برأيك، هل تغيّر مفهوم الحرب اليوم؟
- في زمن كلير هولينغوورث ومارثا غيلهورن (مراسلة حربية نشطت في القرن العشرين)، كان النّزاع بين القوى الكبرى. والأمر لا يزال ملموسا في سوريا وغيرها، حيث تتنازع القوى الكبرى وتقوم بتمويل الجهات المتنازعة وتسليحها لدعم آيديولوجية ما أو فكر ديني أو أجندة سياسية معينة في أراض ليست لها. أعتقد أنّ مفهوم الحروب المباشرة بين القوى قد تلاشى، وآخر مثال حي على ذلك، كان هجوم الرئيس العراقي الرّاحل صدام حسين على إيران في عام 1980.
> أطلقت حلقة خاصة في برنامج «بانوراما» في «بي بي سي» عام 2016. وقدمت توقعاتك تجاه أميركا منعزلة بقيادة الرئيس دونالد ترمب. ما تقييمك للمشهد اليوم علما بأن مؤتمر ميونيخ الأمني مطلع العام الجاري، أستنتج أنّ الدبلوماسية قد ماتت؟
- أعتقد أنّ هذا الاستنتاج عن الدبلوماسية خاطئ. فهي كل ما نملك، إنّها حبل الإنقاذ الذي يجنّبنا الكوارث. في بعض الأحيان قد تصمت أصوات الدبلوماسية، ولكنّها لا تختفي. بعد تغطيتي لـ47 حرباً على مدار 52 سنة، باتت الحروب تثير غضبي. وزاد هذا الغضب مع تقدّمي بالسن، كما زادت كراهيتي للحروب. لم يكن هذا الغضب بهذه الحدة في سنوات عملي السابقة.
> كم من مرة واجهت الموت؟
- قمت بتوثيقها. في عام 2016، أُدخلت إلى المستشفى بسبب فشل كلوي، وكنت محظوظا أنني تعافيت. أمضيت أياما على سرير المرض، ومن غرفتي في المستشفى فكرت بعدد المرات التي كادت تودي بحياتي. الفشل الكلوي كان المرة العاشرة. الموت فعلا لمسني. لم تكن الرصاصة التي طارت من هنا وهناك، بل الطلقة التي اخترقت حائطا بجانبي. ولم يكن رصاصا حيا فقط، بل قنابل وسكاكين واعتداء جسديا من قبل جماعات إما في آيرلندا الشمالية أو في إيران، وثلاث مرات في لبنان، وغيرها. أعي تماما شعور رؤية المنية بعيوني، صراحة، الشعور ليس بدرجة الإرباك والخوف التي يتوقعها المرء.
> إذن هل تعتبر خسارة أحد أفراد طاقمك أكثر فجعة؟
- بالتأكيد، وبشدة. عندما قتل مترجمي الشاب في عام 2003 خلال غزو العراق، لم أعد أرى أي سبب لاستمرار حياتي، بعدما خسر هو حياته. كان واقفا على مقربة مني، وقتها اخترقت شظايا القنبلة جسده السفلي باترة قدميه ومنهية حياته، بينما اخترقت شظية قدمي لكنّها لم تود بحياتي. ما حصل لم يكن عادلا.
> هل تعاني من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)؟
- لا. لا أعتقد ذلك. لدي أصدقاء عانوا منه، لذا أعرف أنّه مرض حقيقي، ولا أنكره، لكنّه لم يصبني. لا أنكر أنّني مررت بتجارب صعبة، وكان لها تأثير علي بالتأكيد، لكن، لا أؤمن بالسماح لها باستنزافي. تعود بي أحيانا مواقف معينة مررت بها، ولكنّها ليست مؤذية بل هي ذكريات. من أقوى التجارب التي أتذكّرها بتفاصيلها إلى اليوم، هي عندما خضعت إلى إعدام زائف في ضواحي بيروت خلال الحرب الأهلية في ثمانينات القرن الماضي. كنت متأكدا حينها أنّ المسدس كان فارغا، ولكنّها كانت تجربة أشعرتني بالموت. أجبروني وقتها على الركوع، بينما وجه شاب المسدس إلى عنقي. أتذكر التجربة بتفاصيلها. تركز نظري على الأرض الرملية التي تناثرت فوقها أعقاب السجائر. المنظر الكئيب هذا كان آخر مشهد ستراه عيناي. وفي لحظتها، ضغط على الزناد وبالفعل كان المسدس فارغا. ضحك جميع من كانوا حولي فشعرت بالغضب. لا أخفي أنّ تلك الذكريات حفرت في ذهني لكنّها لا تتحكم بي ولا تحكمني، وهذا هو المهم.
> هل تفضل أن يقابلك أحد، أو أن تُجري أنت الحوار؟
- أفضل أن أقابل وأطرح الأسئلة، لا أحب الإجابة أنا.
> هل يعود السبب لأنّك تفضل سماع القصص عوضا عن رواية تجاربك؟
- نعم. لا أحب الحديث كثيراً. وعندما أجلس بحضرة أشخاص يسهبون في الحديث، أترك لهم مجال السرد وأستمع إليهم.
> من مقولاتك: «الصحافة ليست مهنة بل هي تلبية نداء». لماذا إذن أصبحت صحافيا؟
- الصحافة ليست منظمة كفاية لتكون مهنة. اخترت أن أصبح صحافيا لأسباب نبيلة، مع أنني أرى السخرية في وضع مصطلحي «صحافة» و«نبل» في جملة واحدة. عندما كنت في سن الـ15 قرأت «1984» لجورج أورويل وكان كتابا رائعا. أخذني مبدأ أنّه بإمكاننا أن نمحو الحقيقة عن طريق إتلاف الوثائق والجرائد والذكريات. لذا تأكدت أنني، من خلال أي طريق أسلكه، سأكون دوما في معسكر الذكريات، وليس مع الذين يحاولون منعها. الأهم هو توثيق الحقائق والأحداث في سجل العامة، وإفادة الناس بالحقائق كما هي. المثال على ذلك يقبع في الصين، حيث حاولت حكومة بكين على مدار العقود أن تنكر المجزرة التي وقعت في ميدان تيانانمن. كنت هناك حينها، ورأيت المذبحة بأم عيني. ولذا، كلما التقيت سياسيا صينيا سألته عن المذبحة، حتى لو شكل السؤال بعض الحرج أو المضايقة له. لا يجب أن نسمح لأنفسنا بنسيان الحقيقة.
> في كتابك الأخير، تذكر أن نيلسون مانديلا كان أطيب شخص قابلته. حدثنا عن تلك المقابلة.
- نيلسون مانديلا أعظم شخص قابلته، قد يكون رأيي مبتذلا، ولكنّها الحقيقة. عظمته أتت من تواضعه وإنسانيته. كان طبيعيا، وفتح لي المجال لأطرح عليه كل ما يخطر على بالي من دون أن يهان. سألته عن الفساد في جنوب أفريقيا. موضوع حساس لكنّه تطرق إليه بوضوح. كان صريحا وصادقا متقبلا أن بعض وزرائه في ذلك الحين كانوا فاسدين. في معظم الأحيان، لا نرى هذه السمات في الحكام.
> من من الآخرين الذين قابلتهم رسخوا في ذاكرتك؟
- قابلت الكثير من الناس خلال السنين. بعضهم كان مذهلا، وآخرون لا. بالنسبة لي، تهمني علاقة الشخص مع الحقيقة. هذه العلاقة هي التي تفرّق ما بين الشخصية الجادة والسياسي المهتم فقط بالدفاع عن نفسه. خلال فترتها في رئاسة الوزراء ببريطانيا، كنت أقابل الراحلة مارغريت ثاتشر كثيرا. كانت شخصية صعبة للحوار. وكانت حادة الذكاء ومطلعة جدا. ومعها لم يكن هناك حيز للخطأ، لأنّها كانت تُصحّح لك. لم أحبها كثيرا كإنسانة، ولكنّني كنت معجبا بها. قابلت الكثير من القادة العرب على مدار السنوات منهم بشار الأسد.
> ما كان رأيك ببشار الأسد؟
- قابلته عام 2006، أي قبل الحرب بسنوات. في تلك الفترة بدأ لي طبيب عيون من شمال لندن أكثر من كونه رئيسا سوريا. طرحت عليه العديد من الأسئلة الصعبة، وأجاب عليها كلّها. كان فريق عملي والمنتج تحديداً، قلقين جداً من جرأة الأسئلة خصوصا عندما سألته عن الرجل الأول في سوريا الذي يدير البلاد إن كان هو أو شقيقه أو عمه. لو قابلت بشار الأسد اليوم سيكون الحوار مختلفا وسأسأله عن الاختراقات الشنيعة التي ارتكبها بقوانين الحرب، وسلسلة من أسوأ أمثلة الاعتداءات على المواطنين في التاريخ الحديث. يحمل بشار عبء ذنب ذلك.
> من قابلت أيضا من القادة العرب؟
- قابلت الراحل معمر القذافي عدة مرات، وفي كلّ مرّة كنت أعتقد بأنه على الأرجح مجنون. وحتى اليوم، لا أستطيع أن أفهم كيف استطاع الاستمرار كل تلك السنين. كانت آراؤه غريبة وعشوائية إلى حد الجنون. قابلت أيضا الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز. كان حاد الذكاء. المقابلة كانت جميلة فعلا، وبعدما انتهينا راودني شعور بالارتياح والسعادة لأنّ فرصة مقابلته تسنت لي، وقلما يترك سياسي مثل هذا الشعور داخل الصحافي. لن أنسى مقابلتي مع العاهل الأردني الملك عبد الله التي كانت رائعة. لقاءاتي المفضلة على الإطلاق ولأسباب كثيرة كانت مع الملك الراحل حسين بن طلال. كان رجلا ساحرا، وورث أبناؤه هذه الصفة عنه. تشمل القائمة أيضا الكثير من رؤساء وزراء لبنان الذين يتغيرون دائما. كما كان لدي اهتمام خاص بإيران. وللأسف اليوم، فإن خدمة «بي بي سي» الفارسية أرعبت حكومة طهران، وباتت تمنع أي صحافي منها السفر إلى هناك. لكنّني أتمنّى العودة حتى في إجازة، حيث انغمست بالحضارة وتعلمت اللغة الفارسية وقابلت الخميني.
> ما رأيك بالخميني؟
- الخميني عالق في الماضي. كل ما يهمه أحداث ولت، منها الشاه ووالده والدور الذي لعبه الغرب في إيران في ذلك الزمان. وهمه الآخر كان محاربة صدام حسين، وبعيدا عن ذلك كانت حياته فارغة. كان دوماً على مسافة مع من يحاوره، يرفض أي نوع من العلاقات. بعدها خلفه رفسنجاني، كان لديه حس فكاهة وكان أكثر وعيا بالحقائق العالمية، ومقابلته كانت أكثر إمتاعا.
> ماذا عن رؤساء الولايات المتحدة؟
- لم أكن معنيا كثيرا بتغطية الشأن الأميركي، فلدى «بي بي سي» مكتب ضخم وكادر كبير هناك، لذا لم تستدعني الحاجة للسفر إلى هناك. ولكنّني قابلت الكثير من الرؤساء منهم بيل كلينتون وجورج بوش الأب. والتقيت أوباما ورغم أنّه كان ذكيا جدا، إلا أنّه لم يكن من «الوزن الثقيل». شعرت أنّه حاول جاهدا كسب ودّي. كنت من القليلين الذين لم يتحمسوا كثيرا في بداية رئاسته. هو رجل نزيه بلا شك، لكنّه ليس رئيسا جيدا برأيي.
> عادة ما تضحي «بي بي سي» بأن تكون هي الأولى في نشر الخبر في سبيل التأكد من مصداقيته وقلما تحقق الهيئة سبقا صحافيا. ما رأيك بذلك؟
- الهيئة لا تحب نشر قصص يُحصّلها مراسل واحد لديها، وهي تشعر بنوع من الارتياح عندما ينقل الخبر من قبل جريدة أو منبر آخر. مثال على ذلك مجزرة صبرا وشاتيلا في لبنان عام 1982. كنت أنا وزميلي في «بي بي سي» أول من اكتشفها. واستطعنا إذاعة مقاطع وصور لعشرات الجثث المرمية. لم تكن «بي بي سي» سعيدة بالانفراد بخبر المذبحة، ولكن «رويترز» سرعان ما نشرت الخبر أيضا. أؤمن برسالة الهيئة وإلحاحها على نشر أخبار دقيقة دائما، لكن حذرها الشديد يغضبني أحيانا. فعلى سبيل المثال، خلال إحدى مهماتي الأخيرة في العراق، وثّقت حالات عيوب خلقية عند أطفال في بلدة صغيرة. وأكّد الأطباء عليها، وكان الوصول إلى تلك البلدة تحديا كبيراً، فقد كانت تشهد غزوا من مقاتلي تنظيم داعش حينذاك. ولكنّنا استطعنا الوصول والتقاط الكثير من الصور للأطفال، وأثبتنا أنّ تلك العيوب الخلقية قد يكون سببها أسلحة استخدمها الجيش الأميركي قبل انسحابه من هناك. وكانت «بي بي سي» قلقة جدا من التقرير، لكنّنا نشرناه أخيرا.
> سيرتك مليئة بالمخاطر. منها في أفغانستان. حدثنا عنها.
- خضت مخاطر جنونية عدة في أفغانستان، بعضها لم أخطط له ولكنّه حدث. في عام 1989 عندما كانت القوات الروسية تنسحب من هناك، وتم تهريبي أنا ومصوري إلى كابل من قبل إحدى الجماعات المسلحة، لم نكن نعي مدى خطورة ذلك. وقد أُفشي أمرنا إلى الشرطة السرية وعلقنا في اشتباك مسلح. استطعنا الهروب ولكن حاوطتنا جثث عناصر الشرطة الذين هجموا على المنزل الذي كنا نختبئ به. وبعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، طوّقت طالبان أفغانستان كليا، وهدّدت بقتل أي صحافي يتسلل إلى البلاد. لكنّني لا أحب أن يملي علي شخص القوانين ولا أن يمنعني من فعل شيء، لذا بحثت عن طريقة لدخول أفغانستان. وبالفعل تعرفت على جماعة من مهربي البضائع من باكستان إلى أفغانستان، وقبلوا تهريبي بشرط واحد، وهو ارتداء الشادور الأفغاني، فقبلت.
> ما كان شعورك عندما ارتديت الشادور؟
- كان مروعا. الشادور انتزع مني قوتي وشعرت بنفسي مستكينة. واستغربت من سرعة تأثيرها على تصرفاتي، أصبحت أتلقّى الأوامر وأُطيعها، الأمر الذي تتعرض له النساء الأفغانيات.
> هل تشعر بأنّه يجب عليك أن تحارب داخل «بي بي سي» لتُرسل لتغطية الأحداث؟
- هذا صحيح معظم الأحيان. ففي مؤسسة ضخمة مثل «بي بي سي» لدى المرء الكثير من المنافسين، فهي بيئة تنافسية. وكان علي دائماً، أن أبذل جهدي، وأتّبع طرقا متعددة من التنمر للجوء إلى علاقاتي، الأمر الذي قلل من شعبيتي بين زملائي. أمر مؤسف، لكن هنالك أمور أكثر أهمية من الشعبية.
> كنت أول مراسل لدى «بي بي سي» توظف خدمة «الأونلاين» لنقل الأخبار. صحيح؟
- نعم. ولكن كنت سباقا في أمر يشعرني بفخر أكبر. كنت أول مراسل في العالم يخرج ببث مباشر وحي من وسط القتال، وكان هذا في أفغانستان عام 2001.
> نرى أنك تواكب التطور التكنولوجي ولديك حساب موثق ونشط على «تويتر» وأكثر من 50 ألف متابع. لماذا؟
- يجب على المرء مواكبة التغيرات. زميلي في «بي بي سي» لا يزال يعتمد على الآلة الكاتبة إلى اليوم. لكنّني أرى ضرورة التماشي مع الموجة، وعدم فعل ذلك يعرضك للنسيان. أحب «تويتر» ولكنّني لست جيدا على «فيسبوك». التكنولوجيا مهمة جداً خصوصاً في مجال صناعة التلفزيون، وعلي المواكبة. فعندما يصبح المرء في سني من السهل أن يتوقّف عن ذلك، ولكنّني أدفع نفسي للمواصلة دائما.
> ما هي أهم نصيحة توجهها للصحافيين الشباب؟
- نعيش اليوم في عالم متغير، فقد قلّت شعبية أخبار الجرائد والتلفزيون والراديو. لم يعد يطلب الناس الأخبار والمعرفة بل يفضلون البقاء في قاعاتهم لسماع صدى آرائهم عوضا عن التعرف على الآراء المختلفة. على الصحافيين الشباب بالذات، محاربة هذه الظاهرة. الصحافة ستموت إن اخترنا كتابة وبث ونقل الأخبار التي ترضي الناس. التحدث أصعب اليوم لأنّ الصحافة المؤسساتية في انحدار. ونحن بأمس الحاجة للدم الشّاب في المرحلة المقبلة. الصحافة ليست مهنة مربحة ماديا، ولن تُغني من يمتهنها. ولا بدّ على من اختارها أن يبقى صادقا لصوته وألا يصبح صوتا لأحد آخر.
> ما مشروعك المقبل؟
- قرّرت خوض عالم الخيال وأعمل حاليا على كتابة رواية عن روسيا. لكنّ عملي التلفزيوني هو الأولوية. سافرت قبل 25 سنة إلى البرازيل وعلى أطراف الأمازون عثرت على قبيلة نائية ليست على صلة بالعالم الخارجي. أريد العودة إلى هناك قريبا لأرى ما حدث لأهالي القبيلة، وآمل أنّهم لا يزالون على حالهم، ولا يرتدون قمصان «مانشستر يونايتد».

 



ما العلاقة بين تراجع «إكس» وسياسات ماسك؟

ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)
ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)
TT

ما العلاقة بين تراجع «إكس» وسياسات ماسك؟

ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)
ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)

بعد أكثر من 3 سنوات على استحواذ الملياردير الأميركي إيلون ماسك على منصة «إكس» (تويتر سابقاً) في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، تزداد المؤشرات على تراجع المنصة من حيث «التأثير والتفاعل»، بحسب ما يقول مختصون، بالتوازي مع تجدُّد الحديث بشأن سياساتها التحريرية، وعلاقة المنصة بطموحات مالكها السياسية، وتحوُّل المعلنين عنها.

ويرى مختصون أن ما يجري على «إكس» لم يعد مجرد تغييرات تقنية أو تجارية، بل هو «انعكاس مباشر لرؤية ماسك الآيديولوجية، وطريقة توظيفه المنصة في مشروع نفوذ سياسي أوسع». ويقولون: «إن وجود علاقة مباشرة بين طموحات ماسك السياسية وسياساته التحريرية الجديدة أخرج المنصة عن مسارها».

شعار منصة "إكس" فوق أحد مقراتها في سان فرانسيسكو (رويترز)

وأشارت بيانات حديثة عدة إلى تراجع التفاعل على منصة «إكس» خلال الأعوام الأخيرة، وجاء من أبرزها تحليل إحصائي نشره موقع «بروكسيدايز (Proxidize)» في أكتوبر الماضي، تحدَّث عن تراجع معدلات التفاعل على المنصة بنحو 48.3 في المائة خلال عام واحد فقط، إذ انخفض معدل التفاعل المتوسط لكل تغريدة من 0.029 في المائة في 2024 إلى 0.015 في المائة في 2025.

كما قلصت العلامات التجارية وتيرة النشر بنحو ثُلث المحتوى تقريباً، مع انخفاض متوسط عدد التغريدات الأسبوعية من 3.31 إلى 2.16 تغريدة للحسابات التجارية. وتشير بيانات أخرى إلى تراجع متوسط زمن الاستخدام اليومي من أكثر من 30 دقيقة إلى نحو 11 دقيقة فقط، بما يعكس تغيراً في سلوك المُستخدمين، لا سيما مع صعود المنصات المُعتمِدة على الفيديو القصير.

تقارير تحدثت عن تراجع معدلات التفاعل على منصة "إكس" (رويترز)

الباحث المتخصص في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي التوليدي، الدكتور فادي عمروش، أكد «فرضية تراجع المتابعات على المنصة النقاشية الأبرز»، ودلَّل على ذلك بالإشارة إلى «تراجع التفاعل على منصة (إكس) مقارنة بسنوات ما قبل 2022»، لافتاً إلى أن بيانات «سيميلر ويب (Similarweb)» تشير إلى هبوط مستخدمي المنصة على الهواتف المحمولة من 388.5 مليون في يونيو (حزيران) 2023 إلى 311.1 مليون في 2025، أي خسارة تتجاوز 75 مليون مستخدم، بما يقارب 20 في المائة.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ليس هذا فحسب، إنما وُجدت أيضاً تحليلات تظهر انخفاض متوسط الإعجابات لكل منشور من 37.8 في 2023 إلى نحو 31.4 في 2024، أي تراجع نحو 17 في المائة». وأرجع هذه المؤشرات إلى أسباب، من بينها «ارتباط (إكس) باسم إيلون ماسك بعد استحواذه عليها، وما يرافق ذلك من استقطابات حادة بين مؤيدي ومعارضي آرائه، بالإضافة إلى تغييره الخوارزمية التي تعرض المنشورات عدة مرات بحجة محاربة البوتات، والتي رغم ادعائه أنها شفافة، فإن هذا الادعاء غير مُدعم بأدلة كافية بعد، خصوصاً أن ليس كل المستخدمين متساوين في فرص الوصول والتفاعل». وأشار إلى بُعد آخر قائلاً: «في منصات الأخبار السريعة، مغادرة عدد من الصحافيين والأكاديميين والخبراء قلّلت من الحوار النوعي وأضعفت حركة إعادة النشر».

وعدّ عمروش أن سياسة ماسك الربحية وتفضيله «الحسابات الموثقة المدفوعة»، مثَّلا اتجاهاً أفرغ المنصة من ركيزتها الأساسية بوصفها ساحةً للنقاش التفاعلي القائم على الأفكار، مضيفاً «إجراءات الحد من الوصول المجاني للواجهة البرمجية (API) أضعفت تجربة المتابعة والبحث، وهذا ينعكس عادة في تراجع التفاعل غير المدفوع».

ومع ذلك، لا يلقي عمروش باللوم على سياسات ماسك وحدها، إذ يعيد جانباً من تراجع التفاعل أيضاً إلى «تحوّل عادات المُستخدمين نحو الفيديو والمنصات المُعتمِدة على المقاطع القصيرة، فالسوق كلها تتجه إلى الفيديو القصير. وهذا يقلل الوقت الذهني المتاح لمنصات النصِّ السريع، خصوصاً لدى الشباب، إذ إن استخدام المراهقين لـ(إكس) أقل بكثير مما كان عليه سابقاً».

طموحات ماسك

بعيداً عن القرارات التحريرية داخل المنصة، تَزَامَنَ هذا التراجع في التفاعل مع صعود ماسك لاعباً سياسياً ثقيل الوزن في الولايات المتحدة. وتشير تحليلات صحافية من بينها «واشنطن بوست»، استناداً إلى بيانات لجنة الانتخابات الفيدرالية الأميركية، إلى أن «ماسك قدَّم خلال دورة انتخابات 2024 تبرعات سياسية تجاوزت ربع مليار دولار لدعم دونالد ترمب ومرشحين جمهوريين آخرين، ليصبح بذلك أكبر متبرع فردي في تلك الدورة الانتخابية، وفق هذه البيانات».

وفي يوليو (تموز) 2025 أعلن ماسك عبر «إكس» تأسيس حزب سياسي جديد يحمل اسم «America Party»، في خطوة رأت فيها تقارير لوكالات كبرى مثل «رويترز» و«أسوشييتد برس» انتقالاً من دور الممول للتيار اليميني إلى «فاعل» يسعى إلى بناء مشروع سياسي مستقل يستند إلى نفوذه على المنصة.

أستاذ الإعلام الجديد والرقمي في الجامعة الكندية بدبي، الدكتور الأخضر شادلي، يرى أن منصة «إكس» شهدت أكبر تحول في تاريخها بعد استحواذ ماسك عليها؛ بسبب «خلفيته المثيرة للجدل وطموحاته السياسية المتنامية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «أظهر ماسك مواقف سياسية متزايدة علنية، خصوصاً فيما يتعلق بحرية التعبير، والقيود الحكومية، والانتخابات الأميركية، ودعمه لبعض التيارات، وانتقاده للإعلام التقليدي والمؤسسات الديمقراطية، وهذه الخلفية السياسية أصبحت مهمة لفهم قراراته بعد السيطرة على (إكس)».

وأضاف شادلي: «قبل استحواذ ماسك، كانت سياسات (تويتر سابقاً) مستقرَّة نسبياً، وترتكز على مكافحة خطاب الكراهية والتحريض، والحد من (المعلومات المضللة)، وكانت هناك آليات تَحقُّق صارمة للحسابات ولجان مستقلة لمراجعة المحتوى، كما ركزت الإدارة السابقة على الحفاظ على بيئة رقمية آمنة». لكنه أشار إلى أن «وجود علاقة مباشرة بين طموحات ماسك السياسية وسياساته التحريرية الجديدة أخرج المنصة عن مسارها»، إذ «تَزَامَنَ تبنيه لخطاب حرية التعبير مع تحالفاته السياسية، وظهر انحيازٌ لصالح خطاب اليمين الشعبوي، ما أضعف المعايير المهنية وفتح المجال لحملات التضليل. وأصبحت المنصة بمثابة مساحة نفوذ سياسي عالمي في يد ماسك، وليست مجرد شركة تواصل اجتماعي».

عزوف المعلنين

وأشار الصحافي المتخصص في الإعلام الرقمي بقناة «سي إن إن» العربية، الحسيني موسى، إلى أن تراجع التفاعل على منصة «إكس» انعكس مباشرةً على سياسات المعلنين وعزوف بعضهم نحو منصات أخرى.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الأرقام تشير إلى تراجع واضح في ثقة المعلنين بـ(إكس)». وتحدَّث عن تقرير لشركة الأبحاث العالمية «Kantar»، نُشر في سبتمبر (أيلول) 2024، ذكر أن 4 في المائة فقط من المعلنين يعدّون أن «إكس» توفر بيئة «آمنة للعلامة التجارية» مقابل 39 في المائة لصالح «غوغل» و32 في المائة لـ«يوتيوب». كما يُظهر التقرير نفسه أن «26 في المائة من المُسوِّقين يخططون لخفض إنفاقهم على إعلانات (إكس) خلال 2025، في أكبر تراجع مسجَّل لأي منصة إعلانية كبرى».

وأضاف موسى أن «مجموعة من الشركات الكبرى أعلنت رسمياً وقف إعلاناتها على (إكس)، من بينها: (أبل)، و(ديزني)، و(آي بي إم)، و(باراماونت)، و(وورنر براذرز). وجاءت قرارات الإيقاف؛ نتيجة مخاوف من ظهور محتوى مثير للجدل أو معادٍ للسامية بجوار إعلاناتها، بالإضافة إلى ضبابية سياسات المحتوى تحت إدارة إيلون ماسك».

«ما يجري على إكس انعكاس مباشر لرؤية ماسك الآيديولوجية وطريقة توظيفه المنصة في مشروع نفوذ سياسي أوسع»

وشرح قائلاً: «الميزانيات غادرت (إكس) إلى منصات أكثر استقراراً من حيث سلامة العلامة وفعالية التوزيع؛ مثل منصة (يوتيوب) التي تعدّ اليوم الأكثر جذباً للمعلنين البارزين، و(تيك توك) التي تُعدّ المنصة الأعلى تأثيراً على المستهلكين الشباب، كما أن (أمازون) تستحوذ على ثقة كبيرة لدى العلامات التي تعتمد على التجارة المباشرة، وأخيراً (ميتا)، بمنصتيها (فيسبوك) و(إنستغرام)، ما زالت تحتفظ بجاذبية لدى قطاعات واسعة من المعلنين».

ويرى موسى أن «هناك فرصة لا تزال قائمة أمام (إكس) لاستعادة جزء من المستخدمين والمعلنين»، قائلاً: «العودة ممكنة، لكن المطلوب أولاً إعادة بناء ثقة العلامات التجارية عبر تحسين معايير (الأمان) وضمان استقرار سياسات المحتوى، والشفافية في عرض الإعلانات».

بالعودة إلى الباحث المتخصص في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي الدكتور فادي عمروش، فإنه يرى أن أهم الخطوات التي تحتاج إليها «إكس» الآن لاستعادة ثقة المستخدمين هي تحقيق توازن حقيقي بين حرية التعبير وضبط المحتوى الضار. وقال إن هذه المعادلة ممكنة إذا جرى «توسيع نظام (ملاحظات المجتمع) مع شفافية أكبر، فلا تكفي مجرد إضافة الملاحظة، بل يجب نشر بيانات دورية تتضمَّن، مثلاً: كم محتوى تم تقييده؟ كم ملاحظة أُضيفت؟ وما أثرها على الانتشار؟ أعتقد أن الشفافية تقلل اتهامات التحيُّز، وتدعم حرية التعبير ضمن قواعد واضحة».

وفي ضوء كل ذلك، يقول محللون مختصون بالإعلام: «إن مستقبل (إكس) سيتحدَّد على الأرجح في المساحة الواقعة بين طموحات ماسك السياسية وحسابات السوق وصبر المُستخدمين والمعلنين على منصة تحاول أن تعرّف نفسها من جديد في عالم يتغير بسرعة».


اتجاه أوروبا لتخفيف القيود الرقمية يُثير تساؤلات بشأن حماية الخصوصية

المفوضية الأوروبية أعلنت أنها بصدد دراسة مقترح «الحزمة الرقمية الشاملة»... (متداولة)
المفوضية الأوروبية أعلنت أنها بصدد دراسة مقترح «الحزمة الرقمية الشاملة»... (متداولة)
TT

اتجاه أوروبا لتخفيف القيود الرقمية يُثير تساؤلات بشأن حماية الخصوصية

المفوضية الأوروبية أعلنت أنها بصدد دراسة مقترح «الحزمة الرقمية الشاملة»... (متداولة)
المفوضية الأوروبية أعلنت أنها بصدد دراسة مقترح «الحزمة الرقمية الشاملة»... (متداولة)

أثار اتجاه المفوضية الأوروبية لتخفيف «القيود الرقمية»، تساؤلات بشأن تأثير ذلك على حماية بيانات المستخدمين. وبينما عدّ خبراء هذا الاتجاه «محاولة لزيادة تنافسية السوق»، أكدوا أنه «تحوّل خطير قد يهدد الخصوصية».

وفي ظل ضغوط من شركات التكنولوجيا الكبرى، أعلنت المفوضية الأوروبية، أخيراً، أنها بصدد دراسة مقترح «الحزمة الرقمية الشاملة»، الذي من شأنه تبسيط بعض لوائح الاتحاد الأوروبي الرقمية. وجاء الإعلان بعد دعوة المستشار الألماني فريدريش ميرتس، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال قمة «السيادة الرقمية الأوروبية» الأسبوع الماضي، إلى «تخفيف صرامة اللوائح الرقمية الأوروبية».

وفي رأي مفوض الاقتصاد في الاتحاد الأوروبي، فالديس دومبروفسكيس، فإن «تبسيط القواعد وخفض الأعباء الإدارية وتقديم قواعد أكثر مرونةً وتناسباً، سيمنح الشركات الأوروبية مساحة أكبر للابتكار والنمو، ويسد فجوة الابتكار».

وعدّت الباحثة الجزائرية في علوم الإعلام والاتصال، ليلى دومة، ما أعلنته المفوضية الأوروبية «نقطة تحوّل مهمة في الاستراتيجية الرقمية للاتحاد الأوروبي». وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «تخفيف بعض الالتزامات المفروضة على شركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي يرسل رسالة واضحة مفادها إعطاء الأولوية لتعزيز التنافسية والابتكار على حساب التشدد في حماية البيانات الذي يميز النموذج الأوروبي منذ سنوات».

وبشأن تأثير ذلك على «الخصوصية»، أشارت ليلى دومة إلى أن «التأثير لن يكون فورياً، لكنه مقلق على المدى المتوسط والبعيد». وقالت إن «الإعفاءات المؤقتة وتأجيل الالتزام الكامل بالقواعد الصارمة يعني ببساطة وجود مناطق أقل رقابة ومفتوحة، حيث يمكن للشركات جمع أو معالجة بيانات شخصية بطريقة أقل تقييداً، مما قد يؤدي تدريجياً إلى إضعاف أحد أهم إنجازات أوروبا خلال العقد الماضي، وهو تمكين المواطن من السيطرة على بياناته».

وأضافت أن «أي تفكيك تدريجي لقواعد (اللائحة العامة لحماية البيانات)، سيقلل من قوتها وتأثيرها، ويخلق ثغرات قد تستغلها الشركات الكبرى بسهولة»، مشيرةً إلى أن «أوروبا تحاول تحقيق توازن صعب بين تسريع الابتكار وحماية الحقوق الرقمية».

وتُلزم «اللائحة العامة لحماية البيانات» مشغلي المتاجر الإلكترونية، أو المنصات الرقمية، بالحصول على موافقة المستخدمين قبل معالجة بياناتهم الشخصية، مما يؤدي إلى ظهور إشعارات الموافقة على ملفات الارتباط، لكنَّ المقترح الجديد من شأنه أن يؤدي إلى ظهور إشعارات الموافقة على ملفات الارتباط بشكل أقل.

الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، محمد فتحي، قال إن «الاتحاد الأوروبي يشهد تحولاً استراتيجياً عبر مقترح الحزمة الرقمية الشاملة (Digital Omnibus)، الذي تبرره المفوضية الأوروبية بالرغبة في تبسيط القوانين ودعم الشركات الأوروبية للمنافسة عالمياً».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «المقترح قد يمثل تفكيكاً لمسألة الحماية وتراجعاً عن معايير الخصوصية الصارمة، وذلك لعدة مخاطر؛ أهمها استغلال البيانات للذكاء الاصطناعي حيث يسمح التعديل للشركات باستخدام البيانات الشخصية لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي استناداً إلى مبدأ (المصلحة المشروعة) بدلاً من (الموافقة الصريحة) مما يخدم شركات التكنولوجيا الكبرى ويُضعف سيطرة المستخدم».

وأشار إلى «إضعاف الخصوصية الإلكترونية عبر دمج قواعد الخصوصية، مما يُسهِّل الوصول إلى بيانات أجهزة المستخدمين تحت غطاء تقليل إشعارات الكوكيز دون إذن واضح». وقال إن «المقترح يعكس تغيراً في الأولويات من حماية (المواطن الرقمي) إلى التركيز على التنافسية الاقتصادية، حيث يهدد إقرار هذا القانون بالتضحية بخصوصية المستخدمين كضريبة لدعم الابتكار التجاري».

وتسببت محاولات تنظيم عمل منصات التواصل الاجتماعي في أزمة متصاعدة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، وفرضت المفوّضية الأوروبية غرامة مقدارها 500 مليون يورو على شركة «أبل» على خلفية «بنود تعسّفية في متجر التطبيقات الخاص بها، على حساب مقدّمي التطبيقات وعملائهم». كما غرمت «ميتا» مبلغ 200 مليون يورور. وهي غرامات عدّها البيت الأبيض في وقت سابق «ابتزازاً اقتصادياً».


الشارقة تكشف عن حزمة مشروعات إعلامية كبرى تعزّز تنافسية القطاع

مبنى هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون (الشرق الأوسط)
مبنى هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون (الشرق الأوسط)
TT

الشارقة تكشف عن حزمة مشروعات إعلامية كبرى تعزّز تنافسية القطاع

مبنى هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون (الشرق الأوسط)
مبنى هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون (الشرق الأوسط)

أُعلن في مدينة الشارقة إطلاق حزمة مشروعات إعلامية كبرى في «مدينة الشارقة للإعلام (شمس)»، التي وُصفت بأنها أكبر تجمع إعلامي حكومي موحّد في الإمارات والمنطقة، وتُشكِّل نقلةً نوعيةً في تطوير البنية التحتية للقطاع الإعلامي، وترسيخ نموذج متقدم لتكامل الجهات الحكومية العاملة تحت مظلة مجلس الشارقة للإعلام.

وتأتي هذه المشروعات التي أطلقها الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة ضمن مساعي تعزيز القطاع في الإمارة الخليجية.

وأكد الشيخ سلطان بن أحمد بن سلطان القاسمي نائب حاكم الشارقة رئيس مجلس «الشارقة للإعلام» أن اعتماد حزمة مشروعات «شمس» يجسِّد رؤية الإمارة في بناء قطاع إعلامي متقدم يقوم على الابتكار والشراكات الدولية والتقنيات المعاصرة، مشيراً إلى أن إطلاق «استوديوهات شمس» سيعزز قدرة الشارقة على استقطاب أبرز شركات الإنتاج وصنّاع المحتوى، كما سيوفر منصة احترافية للكفاءات الوطنية لتطوير مهاراتها وتوسيع حضورها في صناعة الإعلام.

وشدَّد على أن الاستثمار في الإعلام هو استثمار في الإنسان والهوية، موضحاً أن الشارقة ماضية بثقة نحو تعزيز حضورها الثقافي والمعرفي عالمياً عبر إعلام مهني مسؤول، وشراكات استراتيجية، ومنظومة متطورة تدعم استدامة النمو في هذا القطاع الحيوي.

وسيضم المشروع أكبر تجمع إعلامي حكومي موحّد في الدولة والمنطقة، حيث يجمع تحت سقف واحد الجهات الإعلامية التابعة لحكومة الشارقة، وهي مجلس الشارقة للإعلام، والمكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، وهيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون، إلى جانب مدينة الشارقة للإعلام (شمس)، التي ستكون المقر الجديد لهذا التجمع.

«استوديوهات شمس» في الشارقة (الشرق الأوسط)

وبحسب المعلومات الصادرة فإن مشروع «استوديوهات شمس» جاء ليؤسِّس لبيئة إنتاجية متطورة، من خلال مجمّع يضم 5 استوديوهات كبرى بمساحات تتراوح بين 1500 و3400 متر مربع، تستجيب لاحتياجات صناع الأفلام والمسلسلات والبرامج التلفزيونية والمحتوى الرقمي، إضافة إلى مرافق متخصصة لما بعد الإنتاج تشمل وحدات المونتاج والمؤثرات البصرية والتصميم الصوتي، بما يتيح تنفيذ أعمال تلفزيونية وسينمائية وفق معايير عالمية.

كما تتضمَّن المشروعات تطوير مجمّع أعمال إعلامي حكومي متكامل يجمع ضمن بيئة عمل تفاعلية مجلس الشارقة للإعلام، والمكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، والشركات الإعلامية العاملة في «شمس»، بما يسهم في تسهيل عمليات الإنتاج والبث، وتعزيز كفاءة التواصل الحكومي، ودعم الابتكار في صناعة المحتوى.

وسيضم المجمّع 4 مبانٍ متخصصة، يتألف كل منها من طابق أرضي و4 طوابق، تشمل مبنى لمجلس الشارقة للإعلام، ومبنى للمكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، ومبنيين مخصَّصين للجهات الإعلامية والشركات العاملة ضمن «شمس».

ويشمل التطوير أيضاً إنشاء مبنى جديد لهيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون ببنية تقنية حديثة تعزز جاهزيتها لمواكبة التطورات في تقنيات البث والإنتاج، وترفع قدرتها على تقديم محتوى متنوع وذي جودة عالية يعكس هوية الإمارة ورسالتها. وتشمل المرحلة الأولى المبنى الإداري، ومبنى الأخبار، ومبنى قناة الشارقة الرياضية.

وفي إطار دعم المشهد الثقافي والإبداعي، تتضمَّن المشروعات إنشاء «واحة شمس للإبداع»، وهو مركز متطور للفعاليات الفنية والتعليمية يضم مسرحاً حديثاً يتسع لنحو 700 شخص، إلى جانب مرافق مخصصة لاستضافة الفعاليات المجتمعية والعروض الفنية والبرامج التدريبية، بما يسهم في تنمية المواهب الشابة وتوفير منصة ملهمة للإبداع في الإمارة.