لا شيء يرمز إلى ألمانيا الشرقية القديمة مثلما ترمز إليها السيارات من طراز «ترابانت». وتظل تلك السيارة الصغيرة ذات المصابيح الأمامية المستديرة، حتى يومنا هذا، رمزا للشيوعية والاقتصاد المخطط له ولكل شيء مصاحب له.
وفي هذه الأيام، نادرا ما تشاهد السيارات من طراز «ترابانت» في شوارع ألمانيا الحديثة. ولكن خلال العقد الماضي، لعبت اثنتان من سيارات الترابانت دور البطولة في مشروع للمخرج التشيكي، دان بريبان.
وكان بريبان قرر في عام 2007 أخذ اثنتين من سيارات الترابانت في رحلة العمر، حيث أراد أن يبدأ مغامرته الخاصة على أربع عجلات، تحت اسم «Transtrabant»، في فكرة مستوحاة مما كتبه التشيكي فرانز ألكسندر إلستنر، الذي يشتهر بكثرة أسفاره بالسيارات.
ويقول إن السبب وراء اختياره لسيارات الترابانت، هو عدم قدرته على تحمل تكلفة السيارات من طراز «لاند روفر».
وبعد أن جمع الأموال اللازمة للمشروع من خلال التمويل الجماعي، سافر هو وفريقه - الذي يضم شخصين آخرين - لمسافة 15 ألف كيلومتر، على متن سيارتين من طراز «ترابانت»، على طول طريق الحرير، وهو عبارة عن مجموعة من الطرق المترابطة التي كانت تسلكها القوافل والسفن وتمرّ عبر جنوب آسيا، إلى الصين.
وكان المشروع ناجحا لدرجة أنهم قرروا الاستمرار. ومنذ ذلك الحين، قاموا بقيادة السيارتين عبر الشرق الأدنى وأفريقيا وأميركا الجنوبية ومنطقة المحيط الهادئ.
ولكن خلال العام الجاري، ستنتهي رحلة السيارات الترابانت. ففي ربيع عام 2018، انطلق بريبان وفريقه في رحلتهم الأخيرة في «سيارتيهم البلاستيكيتين» - كما كانت تعرف في ألمانيا الشرقية - إلى الهند.
وقد تم نقل السيارتين من خلال سفينة شحن إلى نقطة البداية الخاصة بهما في جنوب الهند. وكان الفريق يخطط للسفر من هناك إلى الصين، ثم العودة إلى أوروبا عبر طريق الحرير، وهي رحلة تبلغ مسافتها نحو 25 ألف كيلومتر.
كما كان من المقرر أن تصاحبهم سيارة صغيرة من طراز «فيات بوليسكي». وقال بريبان - 42 عاما- قبل أن ينطلقوا بالسيارات: «نشعر بأننا قد قمنا بكل شيء بالفعل»، موضحا السبب وراء كون الرحلة الأخيرة. وكان من المفترض أن تمثل الرحلة رابطا مع الرحلة الأولى.
ومع كل رحلة، تنمو «قافلة السيرك الصفراء»، بحسب ما يطلقه عليها بريبان، بصورة أكبر. وكانت بعض السيارات الترابانت الزائرة تنضم إليهم في بعض مراحل الرحلة، وذلك إلى جانب طاقم التصوير وراكبي الدراجات النارية، وقد وصل الأمر لمشاركة شخصين على كراسي متحركة.
ولكن في المرحلة الأخيرة من الرحلة، كان الفريق يخطط للعودة إلى الأساس.
وقال بريبان في براغ قبل أن ينطلق الفريق: «كيف يمكننا أن نجعلها (القافلة) أكبر؟».
وقد شبه الفريق بفرقة سجلت ألبوما موسيقيا مع أوركسترا سيمفونية، ثم قررت فيما بعد أن تؤدي عرضا بدون الاستعانة بأي أجهزة كهربائية. وفي هذه المرة، كان كل شيء بسيطا بقدر الإمكان، مضيفا: «العودة إلى الجذور».
عندما يلتقي أفراد الفريق خلال رحلاتهم مع مواطنين ألمان من ألمانيا الشرقية السابقة، فإنهم يطلبون دائما أن يروا ما داخل غطاء محرك السيارة - حيث إنهم يريدون أن يروا بأنفسهم ما إذا كانت سيارات الترابانت ما زال بها محرك ثنائي الشوط من نوع «زفيكاو».
وتظل السيارات الترابانت بمصابيحها الأمامية المستديرة المميزة، تجذب انتباه السكان المحليين، وعادة ما تكون بمثابة وسيلة للتعارف بين الناس.
ويرى الكثير من مواطنيه أنه غير وطني، حيث يعتقدون أنه يجب أن يقود سيارة تشيكية الصنع من طراز «سكودا».
ولكن يقول بريبان إن الترابانت كانت أرخص سيارة كان من الممكن شراؤها في ذلك الوقت. إلا أن الأمر مختلف في الوقت الحاضر، حيث إنك من الممكن أن تدفع مبلغا كبيرا جدا مقابل الحصول على سيارة ترابانت في حالة جيدة.
ويقول: «إنها سيارة العمل الشاق». وقد تم بالفعل ملء السيارتين بالكامل خلال الرحلة الأخيرة، لدرجة أن المرء يتعجب من قدرة الفريق على غلق أبواب السيارتين رغم تحميلهما بـ40 لترا من الوقود و20 لترا من الماء، واثنين من الإطارات الاحتياطية.