أقمار «ناسا» تكشف تحولات كبرى في مخزون المياه العذبة في العالم

مشاريع الطاقة الشمسية ستحل مشكلة ندرتها عربياً

«ناسا» تطلق سفينة فضاء الأسابيع المقبلة (رويترز)
«ناسا» تطلق سفينة فضاء الأسابيع المقبلة (رويترز)
TT

أقمار «ناسا» تكشف تحولات كبرى في مخزون المياه العذبة في العالم

«ناسا» تطلق سفينة فضاء الأسابيع المقبلة (رويترز)
«ناسا» تطلق سفينة فضاء الأسابيع المقبلة (رويترز)

في دراسة تعتبر الأولى من نوعها، قال باحثون في وكالة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) إنهم وضعوا خريطة لمواقع موارد المياه العذبة حول العالم، بعد دراسة التغيرات في مخزونها وأسباب تلك التغيرات. من جهة ثانية أشارت دراسة أخرى إلى أهمية توظيف البلدان العربية للطاقة الشمسية بهدف حل مشكلة نضوب موارد المياه فيها.
وأضاف باحثو «ناسا» أنهم تمكنوا من وضع الخريطة بعد أن جمعوا بيانات من عدد من الأقمار الصناعية لوكالة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) المخصصة لمراقبة الأرض، وبيانات أخرى حول النشاط البشري على كوكب الأرض
موارد المياه العذبة
ووجدت الدراسة التي نشرت في مجلة «نيتشر» العلمية أن مناطق الأرض البرية الرطبة، أي تلك التي تغطيها الأهوار والمستنقعات، تزداد رطوبة نتيجة عدد من العوامل ومنها إدارة الإنسان للمياه، والتغيرات المناخية ودورات الطبيعة، بينما تزداد المناطق الجافة جفافا.
وأشرف على الدراسة مات روديل الباحث في مركز غودارد للتحليق الفضائي التابع لـ«ناسا» الذي وظف بيانات تم رصدها على مدى 14 عاما من قبل المهمة الفضائية الأميركية - الألمانية المشتركة المسماة «غرَيْس GRACE» لرصد التحولات في موارد المياه العذبة في 34 منطقة وإقليما حول العالم. كما استخدم العلماء بيانات حول تلك الموارد من تجارب أجرتها هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، ومن تقارير حول النشاطات البشرية في الزراعة وقطاع المناجم وعمليات خزن المياه.
وقال روديل في بيان أصدرته «ناسا» وصلت نسخة منه إلى «الشرق الأوسط» إن «هذه هي المرة الأولى التي وظفنا فيها ملاحظات رصدتها أقمار صناعية بهدف وضع تقييم دقيق حول التغيرات التي طرأت على موارد المياه العذبة على الأرض». وأضاف أن «الهدف الرئيسي كان يتمثل في التمييز بين التغيرات في مخزون المياه العذبة في الأرض الناجمة عن التحولات الطبيعية - مثل فترات الرطوبة والجفاف المرتبطة بظاهرتي «إل نينو» و«لا نينا» - وبين التغيرات الحادثة بسبب تغييرات المناخ أو النشاط البشري، مثل ضخ المياه من باطن الأرض بمعدلات أكبر من معدلات زيادته المقبلة».
من جهته قال جَي فيميغلياتي الباحث في مختبر الدفع النفاث التابع لـ«ناسا» المشارك في الدراسة: «لقد رأينا نمطا متميزا هو أن الأراضي الرطبة في العالم ازدادت رطوبة، خصوصا تلك الواقعة في شمال الكرة الأرضية وفي المنطقة الاستوائية... بينما رأينا المناطق الجافة الواقعة بينها تزداد جفافا. وفي هذه المناطق الجافة رأينا بروز أعداد أكثر من المواقع الساخنة نتيجة انحسار موارد المياه الجوفية».
وتجدر الإشارة إلى أن ظاهرة ازدياد رطوبة المناطق الرطبة وجفاف المناطق الجافة في ما تبقى من القرن الحادي والعشرين شكل أحد التوقعات التي طرحها النموذج الذي درسته «هيئة التغيرات المناخية الدولية».
وأظهرت الدراسة أن ازدياد ضخ المياه الجوفية لأغراض الزراعة في العالم يعتبر أحد أهم العوامل في نضوب مواردها، كما أن تلك الموارد عرضة للزيادة والنقصان حسب دورات الطبيعة.
ولاحظ الباحثون أن هذين العاملين ساهما في التسبب بالنضوب الملاحظ في المياه الجوفية في وادي كاليفورنيا المركزي بين عامي 2007 و2015 عندما ازداد ضخ المياه للزراعة، وقل في الوقت نفسه مستوى هطول الأمطار. وقد انحسر مخزون المياه بمعدل 4 غيغا طن سنويا في تلك الفترة.
كما لاحظ الباحثون انحسار مخزون المياه العذبة في السعودية بسبب الاستخدام المتزايد لها في الزراعة، إذ انحسر مخزون المياه بمقدار 6.1 غيغا طن سنويا بين عامي 2002 و2016.
الطاقة الشمسية
على صعيد آخر قال خبراء في معهد الموارد العالمي WRI إن على الدول العربية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الاستفادة من الطاقة الشمسية بهدف حل مشكلة نضوب الموارد المائية لديها. وأضافوا أن التحول إلى الطاقة الشمسية المتجددة النظيفة سيقلل أيضا من آثار ظاهرة تسخين الأرض المسببة للتغيرات المناخية في العالم.
وتجدر الإشارة إلى أن السعودية تتأهب لإنشاء مشروع كبير للاستفادة من الطاقة الشمسية وتأمين قدرات تصل إلى 200 غيغا واط بحلول عام 2030.
وقال التقرير إن توظيف الطاقة الشمسية سيكون مفيدا، خصوصا للسعودية واليمن وعمان وليبيا والجزائر والمغرب والإمارات والأردن التي تعتبر من الدول التي تعاني من شحة الموارد المائية.
وعلق جوردان ماكنيك المحلل في الطاقة والمياه في مختبر الطاقة المتجددة الوطني الأميركي على التقرير بأن «هذه الدول تمتلك قدرات من طاقتي الشمس والرياح تمكنها من توفير الإنتاجية المطلوبة، وتعد مؤهلة لتوفير مياه الشرب»، وفقا لما أوردته النشرة الإنجليزية لوكالة «رويترز».
وتحتاج منشآت توليد الطاقة العاملة على الوقود الأحفوري في هذه الدول إلى التبريد بمياه البحر والمياه العذبة ولذا فإن تأمين إضاءة مصباح بقدرة 60 واط لفترة 12 ساعة يقابل استهلاكا بين 3 آلاف و6 آلاف (11 - 23 متر مكعب) غالون من المياه سنويا وفقا لمركز أبحاث موارد المياه الأميركي في فيرجينبا. وبالمقابل فإن الألواح الشمسية لا تحتاج إلا إلى كميات قليلة المياه أثناء إنشائها وتشغيلها.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».