الفلسطينيون يحذّرون من انفلات الأمور بعد مذبحة غزة

تحرك سياسي واسع مع تراجع الزخم الميداني

فلسطيني يرمي حجراً صوب الجنود الإسرائيليين قرب جباليا في قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)
فلسطيني يرمي حجراً صوب الجنود الإسرائيليين قرب جباليا في قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)
TT

الفلسطينيون يحذّرون من انفلات الأمور بعد مذبحة غزة

فلسطيني يرمي حجراً صوب الجنود الإسرائيليين قرب جباليا في قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)
فلسطيني يرمي حجراً صوب الجنود الإسرائيليين قرب جباليا في قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)

استدعى الرئيس محمود عباس أمس رئيس المفوضية العامة لمنظمة التحرير لدى الولايات المتحدة، حسام زملط، لـ «التشاور»، في وقت أوضحت مصادر فلسطينية لـ «الشرق الأوسط» إنه لن يعود بسرعة إلى واشنطن وان سحبه يأتي في إطار «الاحتجاج على نقل السفارة الأميركية إلى القدس وسياسة واشنطن المدافعة عن مذبحة غزة وبسبب نهج واشنطن في مجلس الأمن».
وبالتزامن مع ذلك، حذّر نائب الرئيس عباس في قيادة حركة «فتح»، محمود العالول، من عدم قدرة القيادة الفلسطينية على الحفاظ على سلمية المقاومة أمام حجم النار الإسرائيلي، وذلك فيما كان المتظاهرون يتلقون مزيداً من الرصاص أمس في الضفة الغربية وقطاع غزة أثناء إحياء الذكرى الـ70 للنكبة الفلسطينية، على رغم أن المواجهات كانت أخف بكثير مما شهده يوم الاثنين.
وقال العالول في مؤتمر صحافي من رام الله بعد يوم دام في قطاع غزة: «إن ما يرتكبه الاحتلال من جرائم ومجازر بحق شعبنا، ومواجهته للمقاومة السلمية بالرصاص، يجعلنا غير قادرين على الحفاظ على سلمية المقاومة»، مضيفاً في لغة تهديد أن «ذلك ليس بفعل رغبتنا إنما بسبب ما يصنعه الاحتلال». وأكد أن «المقاومة السلمية هي خيارنا وهذه مسألة يجمع عليها الكل الفلسطيني، لكن ردود أفعال إسرائيل، والجرائم التي يرتكبها، ربما لا تجعلنا قادرين على الحفاظ على سلميتها».
وتهديدات العالول حول احتمال «انفلات» الأمور جاءت بعد يوم قتلت فيه إسرائيل 61 متظاهراً فلسطينياً على حدود قطاع غزة حينما كانوا يتظاهرون ضد نقل السفارة الأميركية إلى القدس وبذكرى يوم النكبة، وهو الأمر الذي خلّف كثيراً من الغضب والانتقادات العربية والدولية.
وأحيا الفلسطينيون أمس ذكرى النكبة الـ70 وسط حداد رسمي وإضراب شامل وحزن كبير على ضحايا مواجهات الاثنين، لكن لوحظ بشكل كبير تراجع حدة المواجهات في قطاع غزة والضفة الغربية. وبدا أن الهدوء في قطاع غزة مرتبط بمحاولة الفصائل تقليل الخسائر البشرية وسط مخاوف من انفلات الأمور.
وفي الضفة الغربية تفجرت مواجهات في نقاط تماس عدة مع الجيش الإسرائيلي في الخليل، وبيت لحم، ورام الله، ونابلس. وأعلنت مصادر طبية أن 62 مواطناً أصيبوا بالرصاص الحي والمطاطي، وبحالات اختناق إثر استنشاقهم الغاز المسيل للدموع، خلال مواجهات الضفة.
وقالت وزارة الصحة وجمعية الهلال الأحمر إن طواقمهما قدمت العلاج لشخصين أصيبا بالرصاص الحي، ولـ17 شخصاً أصيبوا بالرصاص المطاطي، و43 أصيبوا بحالات اختناق، في مناطق متفرقة من الضفة.
ورشق المتظاهرون الفلسطينيون جنود الجيش الإسرائيلي بالحجارة فردوا عليهم بالرصاص. وأعلن الجيش الإسرائيلي عن إصابة جنديين بصورة طفيفة خلال المواجهات في رام الله وبالقرب من مستوطنة «ايتمار».
ورافق تراجع الزخم الميداني أمس تحرك سياسي واسع بعد المذبحة في غزة. وأعلن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات أن القيادة قررت بعد اجتماعها الطارئ برئاسة الرئيس محمود عباس، في وقت متقدم الاثنين، التوقيع على انضمام دولة فلسطين لعدد من الوكالات الدولية المتخصصة. وأضاف عريقات، في تصريح صحافي: «إن القيادة قررت أيضاً التوقيع بشكل فوري على إحالة ملف الاستيطان لمحكمة الجنايات الدولية، كما قررت دعوة مجلس الأمن وبتكليف من الرئيس محمود عباس للانعقاد بشكل طارئ وتوزيع مشروع قرار حول جرائم التي ارتكبت بحق أبناء شعبنا وطلب توفير الحماية الدولية لشعبنا».
وأدان عريقات المجزرة وجريمة الحرب المتكررة التي ارتكبت بحق أبناء شعبنا الأعزل في قطاع غزة، وقال إن إسرائيل تتحمل المسؤولية الكاملة عن نتائج تبعات هذه المجزرة.
ونادى عريقات بتحقيق الوحدة الوطنية، قائلاً إن «وحدتنا الوطنية هي نقطة ارتكازنا». وأضاف أن الرئيس عباس (الذي أفادت وسائل إعلام بأنه خضع لعملية جراحية بسيطة في الأذن في رام الله) «يمد يده لجميع الفصائل بما فيها حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي وغيرها حتى نستطيع أن يكون لدينا شراكة سياسية كاملة، وحتى نستطيع توفير الحفاظ على المشروع الوطني الفلسطيني ومواجهة المخططات الأميركية الإسرائيلية الرهيبة التي تستهدف تدمير المشروع الوطني الفلسطيني».



الحوثيون ينقلون أسلحة إلى صعدة لتحصينها من الاستهداف الأميركي

طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
TT

الحوثيون ينقلون أسلحة إلى صعدة لتحصينها من الاستهداف الأميركي

طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)

كثفت الولايات المتحدة ضرباتها الجوية في الأسابيع الأخيرة على مواقع الجماعة الحوثية بمحافظة عمران، لا سيما مديرية حرف سفيان، في مسعى لتدمير أسلحة الجماعة المخزنة في مواقع محصنة تحت الأرض، ما جعل الجماعة تنقل كميات منها إلى معقلها الرئيسي في صعدة (شمال).

وكشفت مصادر يمنية مطلعة أن الجماعة الحوثية نقلت خلال الأيام الأخيرة مركز الصواريخ والطائرات المسيرة من مناطق عدة بمحافظة عمران إلى محافظة صعدة، وذلك تخوفاً من استهداف ما تبقى منها، خصوصاً بعد تعرض عدد من المستودعات للتدمير نتيجة الضربات الغربية في الأسابيع الماضية.

وكانت المقاتلات الأميركية شنت في الآونة الأخيرة، غارات مُكثفة على مواقع عسكرية تابعة للحوثيين، كان آخرها، الجمعة، حيث تركزت أغلب الضربات على مديرية «حرف سفيان» الواقعة شمال محافظة عمران على حدود صعدة.

وبحسب المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، نقلت الجماعة الحوثية، تحت إشراف عناصر من «سلاح المهندسين والصيانة العسكرية»، مجموعة صواريخ متنوعة ومسيّرات ومنصات إطلاق متحركة وأسلحة أخرى متنوعة إلى مخازن محصنة في مناطق متفرقة من صعدة.

دخان يتصاعد في صنعاء عقب ضربات أميركية استهدفت موقعاً حوثياً (رويترز)

وتمت عملية نقل الأسلحة - وفق المصادر - بطريقة سرية ومموهة وعلى دفعات، كما استقدمت الجماعة الحوثية شاحنات نقل مختلفة من صنعاء بغية إتمام العملية.

وتزامن نقل الأسلحة مع حملات اختطاف واسعة نفذتها جماعة الحوثيين في أوساط السكان، وتركزت في الأيام الأخيرة بمدينة عمران عاصمة مركز المحافظة، ومديرية حرف سفيان التابعة لها بذريعة «التخابر لصالح دول غربية».

واختطف الانقلابيون خلال الأيام الأخيرة، نحو 42 شخصاً من أهالي قرية «الهجر» في حرف سفيان؛ بعضهم من المشرفين والمقاتلين الموالين لهم، بعد اتهامهم بالتخابر مع أميركا وإسرائيل، وفقاً للمصادر.

وجاءت حملة الاختطافات الحوثية عقب تنفيذ الجيش الأميركي في الأسبوعين الماضيين، عشرات الغارات التي استهدفت منشآت عسكرية وأماكن تجمعات للجماعة في حرف سفيان، أسفر عنها تدمير منشآت استُخدمت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية أميركية بجنوب البحر الأحمر وخليج عدن.

أهمية استراتيجية

نظراً للأهمية الاستراتيجية لمنطقة «حرف سفيان» في عمران، فقد تركزت الغارات على استهداف منشآت ومواقع متفرقة في المديرية ذاتها.

وتُعدّ مديرية «حرف سفيان» كبرى مديريات محافظة عمران من أهم معاقل الجماعة الحوثية بعد محافظة صعدة، وذلك نظراً لمساحتها الكبيرة البالغة نحو 2700 كيلومتر مربع، مضافاً إلى ذلك حدودها المتصلة بـ4 محافظات؛ هي حجة، والجوف، وصعدة، وصنعاء.

أنصار الحوثيين يحملون صاروخاً وهمياً ويهتفون بشعارات خلال مظاهرة مناهضة لإسرائيل (أ.ب)

وكان قد سبق لجماعة الحوثيين تخزين كميات كبيرة من الأسلحة المنهوبة من مستودعات الجيش اليمني في مقرات عسكرية بمحافظة عمران؛ منها معسكر «اللواء التاسع» بضواحي مدينة عمران، و«لواء العمالقة» في منطقة الجبل الأسود بمديرية حرف سفيان، وموقع «الزعلاء» العسكري الاستراتيجي الذي يشرف على الطريق العام الرابط بين صنعاء وصعدة، إضافة إلى مقار ومواقع عسكرية أخرى.

وإلى جانب ما تُشكله هذه المديرية من خط إمداد رئيسي للانقلابيين الحوثيين بالمقاتلين من مختلف الأعمار، أكدت المصادر في عمران لـ«الشرق الاوسط»، أن المديرية لا تزال تُعدّ مركزاً مهماً للتعبئة والتجنيد القسري لليمنيين من خارج المحافظة، لكونها تحتوي على العشرات من معسكرات التدريب التي أسستها الجماعة في أوقات سابقة، وترسل إليها المجندين تباعاً من مناطق عدة لإخضاعهم للتعبئة الفكرية وتلقي تدريبات قتالية.

صورة عامة لحاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» (رويترز)

وتقول المصادر إن الضربات الأميركية الأخيرة على محافظة عمران كانت أكثر إيلاماً للحوثيين من غيرها، كونها استهدفت مباشرةً مواقع عسكرية للجماعة؛ منها معمل للطيران المسير، وكهوف تحوي مخازن أسلحة وأماكن خاصة بالتجمعات، بعكس الغارات الإسرائيلية التي تركزت على استهداف البنى التحتية المدنية، خصوصاً في صنعاء والحديدة.

وترجح المصادر أن الأميركيين كثفوا ضرباتهم في مديرية حرف سفيان بعد أن تلقوا معلومات استخبارية حول قيام الحوثيين بحفر ملاجئ وأنفاق ومقرات سرية لهم تحت الأرض، حيث يستخدمونها لعقد الاجتماعات وإقامة بعض الدورات التعبوية، كما أنها تحميهم من التعرض لأي استهداف مباشر.