بول إردش.. السكن في الرياضيات ومعها

كان قادرا على حساب أعمار الناس بالدقائق والثواني وهو في سن مبكرة

بول إردش
بول إردش
TT

بول إردش.. السكن في الرياضيات ومعها

بول إردش
بول إردش

بول إردش (Paul Erdos)(1913 - 1996) عالم رياضيات هنغاري عاش بلا سكن وبلا وظيفة ورغم هذا فهو أكثر علماء الرياضيات نشرا على مدار التاريخ. بحسب «نيويورك تايمز» فقد نشر إردش في حدود 1475م دراسة أو بحثا في الرياضيات وعلوم الحاسب. ليس هذا فقط بل أيضا يعد إردش من أكثر علماء الرياضيات إنتاجا لأبحاث مشتركة مع آخرين. الصورة كالتالي: يصل لإردش خبر أن عالما رياضيا في مكان ما من العالم مهتم بقضية يهتم بها «awdh» ويقرر إردش الرحيل لمقابلة ذلك الشخص والعمل معه لفترة معينة ليخرجوا بدراسة علمية وليبحث إردش عن صديق وعن مشكلة رياضية أخرى. كان إردش بارعا في تصور وشرح المشكلات الرياضية. كانت هذه هي الثيمة التي تربط المحاضرات الكثيرة التي كان يلقيها في أماكن متعددة من العالم: عرض المشكلات الجديدة في الرياضيات على أمل أن يتحمس لها أحد الحضور ويعمل مع إردش أو مع آخرين على حلها. كل هذا النشاط أنتج ما يعرف بـ«رقم إردش» في أوساط علماء الرياضيات. هذا الرقم يحدد صلة القرابة بين المشتغلين في المجال الرياضي وإردش. من كتب بحثا معه فرقمه واحد ومن كتب بحثا مع آخر كان قد كتب بحثا مع إردش فرقمه اثنان وهكذا. كثير من الأكاديميين الرياضيين اليوم خصوصا في الغرب يرتبطون بإردش برقم أربعة وصاعدا. أي أنهم على بعد أربعة أشخاص أو أقل ممن عملوا مباشرة مع إردش.
يقول الأستاذ في معهد جورجيا للتكنولوجيا توم تروتر (Tom Trotte) بعد رحيل إردش «سأفتقد تلك الأوقات التي كان يتسلل فيها إردش لغرفتي في الساعة الرابعة فجرا ليسألني إن كان دماغي مفتوحا للمزيد من النقاش عن الرياضيات، لكني قبل هذا سأفتقد إردش الإنسان». الرياضيون على حظ عظيم فمهنتهم لا تتطلب إلا قلما وورقة وفي أحيانا أخرى يكفي وجود «عقل مفتوح» كما يقول إردش لممارسة الرياضيات. هذه الحقيقة جعلت من حركة إردش أسهل في العالم وتواصله مع الآخرين أوسع وأكثر متعة.
برز نبوغ إردش مبكرا في الرياضيات حيث كان قادرا على حساب أعمار الناس بالدقائق والثواني وهو في سن مبكرة حسب ما يحكي هو عن نفسه في الفيلم الوثائقي المخصص لحياته. لحسن حظه أن الاهتمام بالمواهب الصغار في هنغاريا في ذلك الوقت كان متوفرا حيث انضم لأكاديمية مخصصة للرياضيين الصغار وحصل فيها على تقدير ودعم واهتمام. استمر إردش في تسخير حياته للبحث في الرياضيات حين كان يقضي جل وقته مشتغلا بها بصحبته قهوته الأثيرة. كان إردش يقول «الرياضي هو آلة تقوم بتحويل القهوة إلى مبرهنات رياضية».
في مقابل نبوغه في الرياضيات أظهر إردش عجزا واضحا في شؤونه الحياتية الأخرى مما جعله يعتمد بشكل رئيس على الآخرين. رغم أنه لم يتزوج ولم يكون أسرته الخاصة ولم يرتبط كذلك بعلاقة عاطفية مع أحد فإنه كان عاجزا عن غسل ملابسه بنفسه أو طبخ وجباته الرئيسة بنفسه. يحكى عنه أنه تعلم ربط حذائه وهو في العاشرة من عمره وكان لا يدير شؤونه المالية والإدارية حتى توفي. من حسن حظه أنه عثر على صديقات وأصدقاء لديهم القدرة على التعامل والتعاون معه. كانت موهبته الباذخة في الرياضيات هي المقابل الذي يقدمه لمن يحب. أغلب أصدقائه وصديقاته جمعته بهم بحوث رياضية متنوعة ومختلفة.
ما يلهمني حقيقة في قصة إردش ليس مضمون أعماله الرياضية فأنا لم أطلع عليها ولكن ما ألهمني هو هذه القدرة الهائلة على التواصل والتعاون والانفتاح على الناس. هذه القدرة الهائلة على الاستقرار داخل هذه الحركة المتشعبة من العلاقات أمر يدعو للتأمل. مع إردش نعلم أن الرياضيات هي نشاط اجتماعي. بمعنى أن الأفكار الرياضية هي من مواليد تلك اللقاءات التي تجمع الباحثين، تلك الأحاديث التي تبدو في بدايتها في غاية الفوضى والتشويش ولكنها لا تلبث من خلال التفكير المشترك أن تشع وتضيء وتظهر. أن تسافر من بلد إلى بلد أو من مدينة لمدينة باحثا عن شريك يفكر معك في مجال اهتمامك يعني أنك قد أدركت تلك الطبيعة الاجتماعية للمعرفة.
الإنسان أكثر تعقيدا وأوسع من أن يحيط به تصور واحد أو فكرة واحدة لذا فإنه من الصعب جدا فهم إردش بالكامل ولكننا لا نحتاج ذلك لنرى فيه إمكانا وفاتحة للمختلف والغريب والمثير. ربما كانت الرياضيات هي اللغة الوحيدة التي يستطيع إردش أن يتواصل بها مع العالم وهكذا فعل على طول حياته. ما تقوله حياة إردش لنا هو أن يبحث الإنسان عن لغته التي تناسبه ويستثمرها إلى أقصى حدودها الممكنة. يحكي إردش عن طفولته أن أمه جرى إبعادها إلى مدينة بعيدة للتدريس بسبب أصولها اليهودية وبقي هو برعاية أسرة ألمانية مما جعله يقضي جل وقته في حساب موعد قدومها بكل الوحدات الممكنة. كانت قد أخبرته بسرعة القطار الذي سيحملها إليه يوما من الأيام فقام هو بحساب كم من الأيام سيحتاج هذا القطار ليصل إلى الشمس. ربما كان بعد إردش عن والديه جعله يدرك أن الناس هم السكن الحقيقي للإنسان. ربما جعله ذلك يدرك أننا نعيش حقيقة في قلوب وعقول الآخرين. إننا نعيش معهم وهم الأساس الحقيقي للأماكن. لذا كان من الطبيعي أن يعيش إردش بلا منزل ولكن بعدد كبير من الشركاء والأصدقاء من حوله. لم يكن لإردش وظيفة ثابتة لأن الرياضيات وعدته وأوفت بما هو أهم: أمان التواصل مع الآخرين والتفكير معهم. لذا حين أقرض إردش يوما ما طالبا جرى قبوله في هارفرد ولم يكن معه ما يكفي من المال وأراد هذا الطالب أن يعيد له المال بعد أن تيسرت حاله، قال له إردش: فقط تصرف بهذا المال مع شخص آخر كما تصرفت أنا معك.



موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

TT

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)
رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)

بيعت لوحة تنتمي للفن التصوري تتكون من ثمرة موز مثبتة بشريط لاصق على الجدار، بنحو 6.2 مليون دولار في مزاد في نيويورك، يوم الأربعاء، حيث جاء العرض الأعلى من رجل أعمال بارز في مجال العملات الرقمية المشفرة.

تحول التكوين الذي يطلق عليه «الكوميدي»، من صناعة الفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان، إلى ظاهرة عندما ظهر لأول مرة في عام 2019 في معرض أرت بازل في ميامي بيتش، حيث حاول زوار المهرجان أن يفهموا ما إذا كانت الموزة الملصقة بجدار أبيض بشريط لاصق فضي هي مزحة أو تعليق مثير على المعايير المشكوك فيها بين جامعي الفنون. قبل أن ينتزع فنان آخر الموزة عن الجدار ويأكلها.

جذبت القطعة الانتباه بشكل كبير، وفقاً لموقع إذاعة «إن بي آر»، لدرجة أنه تم سحبها من العرض. لكن ثلاث نسخ منها بيعت بأسعار تتراوح بين 120 ألف و150 ألف دولار، وفقاً للمعرض الذي كان يتولى المبيعات في ذلك الوقت.

بعد خمس سنوات، دفع جاستن صن، مؤسس منصة العملات الرقمية «ترون»، الآن نحو 40 ضعف ذلك السعر في مزاد «سوذبي». أو بشكل أكثر دقة، اشترى سون شهادة تمنحه السلطة للصق موزة بشريط لاصق على الجدار وتسميتها «الكوميدي».

امرأة تنظر لموزة مثبتة للحائط بشريط لاصق للفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان في دار مزادات سوذبي في نيويورك (أ.ف.ب)

جذب العمل انتباه رواد مزاد «سوذبي»، حيث كان الحضور في الغرفة المزدحمة يرفعون هواتفهم لالتقاط الصور بينما كان هناك موظفان يرتديان قفازات بيضاء يقفان على جانبي الموزة.

بدأت المزايدة من 800 ألف دولار وخلال دقائق قفزت إلى 2 مليون دولار، ثم 3 ملايين، ثم 4 ملايين، وأعلى، بينما كان مدير جلسة المزايدة أوليفر باركر يمزح قائلاً: «لا تدعوها تفلت من بين أيديكم».

وتابع: «لا تفوت هذه الفرصة. هذه كلمات لم أظن يوماً أنني سأقولها: خمسة ملايين دولار لموزة».

تم الإعلان عن السعر النهائي الذي وصل إلى 5.2 مليون دولار، بالإضافة إلى نحو مليون دولار هي رسوم دار المزاد، وقد دفعها المشتري.

قال صن، في بيان، إن العمل «يمثل ظاهرة ثقافية تربط عوالم الفن والميمز (الصور الساخرة) ومجتمع العملات المشفرة»، ولكنه أضاف أن النسخة الأحدث من «الكوميدي» لن تدوم طويلاً.

وأضح: «في الأيام القادمة، سآكل الموزة كجزء من هذه التجربة الفنية الفريدة، تقديراً لمكانتها في تاريخ الفن والثقافة الشعبية».

ووصفت دار مزادات سوذبي كاتيلان بأنه «واحد من أكثر المحرضين اللامعين في الفن المعاصر».

وأضافت دار المزادات في وصفها لتكوين «الكوميدي»: «لقد هز باستمرار الوضع الراهن في عالم الفن بطرق ذات معنى وساخرة وغالباً ما تكون جدلية».