حكومة نيكاراغوا اليسارية تواجه غضب الشارع

تدعو الكنيسة للوساطة مع تصاعد الاحتجاجات وارتفاع عدد القتلى

احتجاجات في العاصمة مناغوا ضد إجراءات التقشف التي قامت بها حكومة الرئيس دانيال أورتيغا (رويترز)
احتجاجات في العاصمة مناغوا ضد إجراءات التقشف التي قامت بها حكومة الرئيس دانيال أورتيغا (رويترز)
TT

حكومة نيكاراغوا اليسارية تواجه غضب الشارع

احتجاجات في العاصمة مناغوا ضد إجراءات التقشف التي قامت بها حكومة الرئيس دانيال أورتيغا (رويترز)
احتجاجات في العاصمة مناغوا ضد إجراءات التقشف التي قامت بها حكومة الرئيس دانيال أورتيغا (رويترز)

مع ازدياد الحركة الاحتجاجية، وخروج عشرات الآلاف من المتظاهرين إلى الشوارع في ماناغوا عاصمة نيكاراغوا، احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية، طلبت الحكومة من الكنيسة الكاثوليكية التوسط بينها وبين منظمات المجتمع المدني، حسبما قالت نائبة الرئيس روزاريو موريللو، زوجة الرئيس اليساري دانيال أورتيغا، لوسائل الإعلام المؤيدة للحكومة.
وقالت موريللو، كما نقلت عنها وكالة الأنباء الألمانية، إن الحكومة تأمل أن تتواصل معها الكنيسة في البلاد من أجل نزع فتيل الأزمة.
وكانت الاحتجاجات اندلعت في منتصف أبريل (نيسان) بعد أن شرعت حكومة الرئيس دانييل أورتيغا في تطبيق خطة لإصلاح نظام الرعاية الاجتماعية في الدولة الواقعة في أميركا الوسطى. وفرضت الحكومة ضريبة بنسبة 5 في المائة على معاشات كبار السن والمعاقين، فضلاً عن زيادة في اشتراكات الضمان الاجتماعي تصل إلى 5.‏22 في المائة. وأورتيغا زعيم ثوري يساري سابق يتهمه منتقدون بمحاولة بناء ديكتاتورية عائلية.
وكانت نيكاراغوا تعد من دول أميركا الوسطى الأكثر استقراراً، وتفادت إلى حد بعيد الاضطرابات التي تقف وراءها العصابات الإجرامية، أو التي تنجم عن الانتفاضات السياسية، التي أثرت على هندوراس والسلفادور وغواتيمالا المجاورة. وتقدر الحكومة عدد القتلى جراء تلك الاحتجاجات بـ10 أشخاص، فيما تقول جماعات حقوق الإنسان إن الحصيلة وصلت إلى أكثر من 60 شخصاً. وألغى أورتيغا الإصلاحات المقترحة، لكن المظاهرات استمرت، وامتدت إلى مدن أخرى، ولوح المتظاهرون بأعلام البلاد، ورددوا هتافات تطالب برحيل الرئيس.
وقبل أسبوع طالب طلاب نيكاراغوا بإجراء تحقيق أممي في مقتل المحتجين، وأمهلوا الحكومة أسبوعاً للسماح لمنظمة الدول الأميركية وخبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بالتحقيق في الوفيات واتهامات بالتعذيب. وقال فيكتور كوادراس، المتحدث باسم حركة «جامعة 19 أبريل»، التي أطلقت خلال الاحتجاجات الأخيرة، الشهر الماضي، إنه إذا لم تلتزم الحكومة، «سنصعد مقاومتنا إلى مستوى الإضراب على مستوى الوطن»، لأن «الجرائم لا يمكن أن تظل دون عقاب». وطالب البيان، كما جاء في تقرير «الوكالة الألمانية»، بتحقيق تجريه لجنة البلدان الأميركية لحقوق الإنسان، وهي هيئة مستقلة تابعة لمنظمة الدول الأميركية، ومقررو الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. ونأى نشطاء سابقون ومسؤولون شاركوا في حرب العصابات بأنفسهم عن الرئيس اليساري أورتيغا، وأيدوا في بيان، مطالب الطلاب بالتحقيق.
وقال كوادراس إن هجوماً شنه نشطاء يشتبه أنهم مؤيدون للحكومة أسفر عن إصابة ستة طلاب بجروح. وقال أحد الطلاب في شريط فيديو نشرته صحيفة «لا برينسا» على موقع «فيسبوك»: «نطلب دعم مجتمع نيكاراغوا وشعبه. هذه الأسلحة لا تهدف إلى إلحاق الأذى بنا بل قتلنا». وقال كوادراس لوكالة الأنباء الألمانية «الهجوم استمر لثلاث ساعات تقريباً. وكان الطلاب نائمين عندما سمعوا أصوات انفجارات (من معدات محلية الصنع) وأعيرة نارية».
وكانت شرطة مكافحة الشغب منعت، الأسبوع الماضي، مظاهرة مناهضة للحكومة، حيث منعت طلاباً كانوا يحاولون السير إلى مبنى البرلمان، حسبما أفادت وسائل الإعلام المحلية. وتظاهر الطلاب ضد إنشاء «لجنة تقصي حقائق» حكومية. وقال ممثلون عن الطلاب إنهم لا يريدون لجنة يشكلها السياسيون أنفسهم الذين قمعوا المظاهرات. وهتف المتظاهرون: «ليس لدينا أسلحة، نحن طلاب، دعونا نعبر عن أرائنا».
وزادت حملة الشرطة على المحتجين والقيود على بعض وسائل الإعلام من الانتقادات الموجهة لأورتيغا. وذكر شاهد من وكالة «رويترز» أن المسيرة التي قادها طلاب الجامعة، هي الأكبر منذ اندلاع الاحتجاجات. ودعا المتظاهرون إلى إطلاق سراح المحتجين الذي سجنوا في الأيام السابقة، وكذلك إلى استقالة حكومة أورتيغا. وانتقدت وسائل الإعلام المحلية بشدة أورتيغا. وقالت بعضها: «دانييل أورتيغا لم تعد لديه القدرة السياسية أو السلطة الأخلاقية لمواصلة الحكم». وقالت ليسيت جويدو المتحدثة باسم الصليب الأحمر، لـ«رويترز»، إن المنظمة سجلت مقتل تسعة أشخاص منذ بدء الاحتجاجات، كما عالجت 433 مصاباً.
وأجازت وزارة الخارجية الأميركية، الأسبوع الماضي، مغادرة موظفي الحكومة الأميركية، وحدَّت من الخدمات القنصلية. وقال مسؤول بالوزارة إنه سيتم النظر في عمليات المغادرة على أساس كل حالة على حدة. وأضاف المسؤول، كما نقلت عنه «رويترز»، أن السفارة في ماناغوا لن تستطيع تقديم الخدمات العادية للجمهور حتى إشعار آخر، ولكنها ستواصل الرد عبر الهاتف في حالة الطوارئ، وستقدم خدمات للرعايا الأميركيين ولطالبي التأشيرات.



أورتيغا وزوجته يشددان قبضتهما على نيكاراغوا

دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
TT

أورتيغا وزوجته يشددان قبضتهما على نيكاراغوا

دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)

في إطار سعيهما لتعزيز قبضتهما على السلطة، يهاجم رئيس نيكاراغوا دانيال أورتيغا ونائبته وزوجته روزاريو موريو الكنيسة الكاثوليكية، بعدما عملا على سجن أو نفي شخصيات معارضة.
بدأ المقاتل السابق في جبهة التحرير الوطني الساندينية، بدعم قوي من زوجته، بالتأسيس لاستمرارية في السلطة منذ عودته إليها في عام 2007. وسمحت تعديلات دستورية في العامين 2011 و2014 برفع الحظر المفروض على إعادة انتخاب الرئيس، الذي كان منصوصاً عليه سابقاً في الدستور، حسبما تقول عالمة الاجتماع إلفيرا كوادرا التي تعيش في المنفى في كوستاريكا.
وتشير كودارا لوكالة «الصحافة الفرنسية» إلى أن أورتيغا (76 عاماً) «حوّل بذلك شكل الحكومة التي نصّ عليها الدستور» من أجل الانتقال إلى نظام «استبدادي» يضع «صنع القرار المطلق في أيدي الثنائي الرئاسي».
ومنذ القمع الدامي لاحتجاجات عام 2018 التي كانت تُطالب باستقالة الزوجيْن، تمرّ نيكاراغاوا بـ«أزمة مطوّلة لا يمكن تخطّيها» لأن أورتيغا وزوجته «أكّدا استمراريتهما في السلطة خلال انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2021. ومن خلال مأسسة الدولة البوليسية».
وأُعيد انتخاب أورتيغا لولاية رابعة على التوالي خلال انتخابات غاب عنها جميع منافسيه الأقوياء المحتملين، بسبب اعتقالهم أو إرغامهم على العيش في المنفى.
ولطالما دان المجتمع الدولي أفعال النظام في نيكاراغوا. وطالبت منظمة الدول الأميركية، أول من أمس الجمعة، الحكومة في نيكاراغوا بوقف «المضايقات والقيود التعسّفية» بحق المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام والمنظمات الدينية والمعارضين. وطالبت أيضاً بـ«الإفراج الفوري عن السجناء السياسيين الذين يُقدّر عددهم بنحو 190».
ويعتبر المحلل والنائب السابق في نيكاراغوا إيليسيو نونييز، الذي يعيش هو أيضاً في المنفى، أن جبهة التحرير الوطني الساندينية «تنتقل من موقع الحزب المهيمن إلى موقع الحزب الواحد (...) مع خلق عبادة شخصية لا مثيل لها حالياً في أميركا اللاتينية».
ومنذ عام، تمّ اعتقال 46 معارضاً أو مجرد منتقد للحكومة وحُكم عليهم بالسجن لفترات تصل إلى 13 عاماً. وكان سبعة منهم يريدون الترشّح إلى الرئاسة.
- قمع الإعلام
وكانت وسائل الإعلام أيضاً من الأهداف الأولى للسلطة.
لم تعد صحيفة «لا برينسا» La Prensa، التي كانت تنشر نسخة ورقية، موجودة إلّا على الإنترنت، بعدما اختار صحافيوها المنفى خوفاً من الاعتقال، وذلك عقب مصادرة مقرّها وزجّ مديرها لورينزو هولمان بالسجن.
وأغلقت السلطات أيضاً المحطة التلفزيونية التابعة للكنيسة الكاثوليكية في نيكاراغوا، بالإضافة إلى عدة إذاعات في أبرشيات مختلفة، وعشرات وسائل الإعلام المستقلة.
في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2020. أصدرت نيكاراغوا تشريعاً يستهدف الذين يتلقون أموالاً من الخارج ويفرض تسجيلهم لدى السلطات بصفة «عملاء أجانب». وأثار هذا القانون انتقادات المجتمع الدولي لما يشكله من خطر على الصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان.
وبموجب هذا القانون، اعتبرت أكثر من ألف مؤسسة ومنظمة غير حكومية كان بعضها يكرّس عمله للدفاع عن حقوق الإنسان، غير قانونية. وأغلقت جامعات خاصة ومنظمات ثقافية بين عشية وضحاها.
في يوليو (تموز) اضطرت راهبات مجمّع الإرساليات الخيرية الذي أسسته الأم تيريزا، إلى الرحيل من نيكاراغوا، وطُردن كأنّهن «منبوذات»، حسبما قال مركز نيكاراغوا للدفاع عن حقوق الإنسان.
- «كنيسة صامتة»
وتُظهر الكنيسة الكاثوليكية نفسها على أنها آخر معقل يحمي من الإجراءات التعسّفية. لكن الموالين للحكومة يعتبرون الكهنة والأساقفة الذين ينتقدون النظام «أنبياء مزيّفين».
ومنعت الشرطة أسقف ماتاغالبا (شمال شرق) المونسنيور رولاندو ألفاريز من التنقّل، منذ 4 أغسطس (آب)، مما يعكس ذروة الأزمة مع نظام يسعى إلى إسكات رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية المحلية لقمع أصوات المعارضة.
وقال ألفاريز في إحدى عظاته: «لطالما أرادت الحكومة كنيسة صامتة، لا تريدنا أن نتكلّم وأن نندّد بالظلم».