طارق صالح... على خط النار بروح الثائر المنتقم

عاش يوما آخر ليخوض معركة أخرى

طارق صالح... على خط النار بروح الثائر المنتقم
TT

طارق صالح... على خط النار بروح الثائر المنتقم

طارق صالح... على خط النار بروح الثائر المنتقم

ثلاثة أسابيع فقط، منذ دخلت القوات التي أعاد تشكيلها العميد طارق صالح نجل شقيق الرئيس اليمني السابق، خط النار، في معركة الثأر لمقتل عمه، من قتلته الحوثيين، يبدو أنها كانت كافية لإثبات قدرته على نقل المعارك في جبهة الساحل الغربي، إلى طور جديد تتعاظم فيه خسائر الميليشيات الميدانية كل يوم. وعلى رغم أن الإجابة عن ماهية النتائج التي يمكن أن تتمخض في النهاية جراء دخول طارق صالح، في خضم المواجهة العسكرية ضد حلفاء الأمس وأعداء اليوم، إلا أن إلقاء الضوء على التعقيدات المتنوعة التي شكلت شخصيته المثيرة للجدل، يمكن أن يعزز من ترجيح أقرب المآلات المتوقعة.
فإلى جانب شخصيته الصارمة التي اكتسبها بحكم تكوينه العسكري وابتعاده في الأغلب عن ممارسة الأنشطة المدنية والاحتكاك بالشأن العام، يؤكد مقربون منه، أنه صاحب إصرار عنيد، فهو حين يضع في ذهنه أمرا ما، فإنه لا يتوقف عن إثبات وجهة نظره بشأنه، دون مراعاة لأي تبعات، حتى لو كان من بينها الاصطدام بأوامر عمه الرئيس صالح.
وربما كان هذا الإصرار، هو الذي جعله بعيدا عن الوقوع في أسر تلك الشخصيات التي تنكسر لخسارة المعركة الأولى، فلا تقوم لها قائمة، بل كان على النقيض من ذلك، ميالا ليكون من الطراز الذي باستطاعته أن يتسامى على جراحه المثخنة وعلى الواقع الذي رأى فيه في لحظة غير متخيلة، دماء عمه وهي تسفك وأقاربه وهم يقادون إلى المعتقلات وأفراد أسرته من النساء والأطفال وهم ينكل بهم في الأصقاع، بعد أن كانوا حكاما لصنعاء لأكثر من ثلاثة عقود.
لم يكن أمام العسكري المتمرس، والعقائدي المتدين الذي لا يفوته أن يؤدي صلواته بانتظام، كما يقول اللصيقون به، سوى أن يعيش يوما آخر، ليبدأ معركة أخرى، حيث يلقي كرة النار التي يؤمل أن تتعاظم إلى جحيم يتلقف بصلابته وروحه الثأرية ما يأفكه الحوثي، ولا يزال، من مشروع طائفي لاستنساخ التجربة الخمينية الإيرانية في لبوس يمني.
خسر «أبو عفاش» كما هي كنيته المستمدة من اسم أكبر أولاده، المعركة غير المتكافئة مع الحوثيين، في العدة والعتاد، لكنه لم يخسر الحرب حين كافح ليبقى على قيد الحياة، في الوقت الذي كان بإمكانه أن يستبسل حتى النهاية لينال المصير الذي اختاره عمه صالح ورفاقه بكبرياء المحاربين الشجعان، لكنه اختار أن ينجو، أو ربما قدر له ذلك، لينهض من جديد، تدفعه روح الانتقام ودوافع الفرسان المكلومين الذين أوغرت صدورهم، حالة الهوان التي ذاقوها ومرارة الهزيمة التي تجرعوها على يد خصم متنمر، لكنهم يعرفون جيدا مكامن قوته ومنافذ ضعفه.
ويميل المحللون إلى أن روحه العنيدة، وعقيدته القتالية، هي التي حالت دون تفكيره في لزوم طريق الصمت ومغادرة المشهد بعد نجاته، وعدم الاستمرار في تحدي الجماعة المتنمرة، على الأقل، من باب الحرص على حياة أقاربه المعتقلين لديها، وفي مقدمهم نجله الأكبر عفاش، الذي أراده من خلال إطلاق هذا الاسم عليه التيمن بلقب الجد الأكبر للعائلة، وهو اللقب الذي كان أغلب العامة لا يعرفون عنه شيئا، حتى العام 2011 حين حاول خصوم عمه أن يجعلوا من إشاعته بابا للتحقير والاستنقاص وهو ما فشلوا فيه حينها، لجهة أن صالح، ابتداء، معتز بلقب عائلته والدليل هو أنه بارك إطلاقه على النجل الأكبر لطارق.
وفي معرض التدليل على عدم انقياد طارق وراء عواطفه وتمسكه برباطة الجأش، أفادت مصادر ضمن الدائرة القريبة منه بأن الميليشيات الحوثية أبلغته تهديدا صريحا بتصفية نجله عفاش وشقيقه الأصغر، محمد، ونجلي عمه صالح، صلاح ومدين، إذا قرر إعادة بناء قواته للمواجهة، إلا أنه - طبقا للمصادر - أبلغ الوسيط القبلي الذي نقل له التهديد، بتهديد مماثل، مفاده أن الانتقام لدم عمه صالح ورفاقه والمساهمة في معركة القضاء على الجماعة، هو بالنسبة له قرار لا رجعة فيه وسيضحي في سبيله بكل شيء حتى لو كانت أرواح أقاربه ونجله.
وبخلاف أشقائه الآخرين، لازم طارق صالح والده، منذ صغره، في ثكنات الجيش، وقوات الأمن، بحسب ما يقوله مقربون منه، لذلك كانت نشأته العسكرية وإرادته المقاتلة تتشكل بثبات، منذ نعومة أظافره، مرورا بكلية الشرطة التي تخرج منها رفقة عدد من القيادات الأمنية والعسكرية، التي برزت لاحقا، أمثال العميد عبد الله قيران، وانتهاء بتوليه قيادة الحرس الخاص لعمه صالح وكذا قيادة اللواء الثالث حرس جمهوري، وهو أحد أقوى الألوية العسكرية اليمنية حينها تسليحا وتدريبا.
وربما كان تأثره بالجانب المتدين من والده الراحل محمد عبد الله صالح، هو دافعه الآخر، للاقتراب من الجماعة السلفية، التي أشيع أنه كان يقدم لها الدعم المادي، منذ وجودهم في مركز دماج الديني الذي تأسس علي يد الشيخ الراحل مقبل الوادعي في الثمانينات من القرن الماضي في الجنوب الشرقي لمدينة صعدة، وهو الجانب الذي جعل بعض الخصوم السياسيين بمن فيهم جماعة الحوثي لاحقا يلمزونه بالقول بأنه من رعاة الجماعات المتشددة.
ولعله بسبب روح الجفاف والغلظة التي تشكلت جراء تنشئته العسكرية المبكرة، كان أقل أشقائه في القدرة على المراوغة السياسية أو المداهنة، ما جعله إبان حكم عمه صالح، أكثر أقارب الرئيس السابق، حدة ومواجهة مع الخصوم المفترضين للعائلة، لا سيما من أوساط الشخصيات المحورية المحيطة بدائرة الحكم والشريكة فيه كما كان الحال مع الجنرال علي محسن الأحمر (نائب الرئيس الحالي).
إذ تتداول الأوساط الحزبية والسياسية المطلعة على أروقة حكم صالح، قصصا عن مواقف، كان فيها طارق صالح المجابه الشديد للخصوم والمتحفز الأول في وجوه من يعتقد أنهم خطر وشيك على كرسي الحكم، لدرجة أنه بات شائعا في أوساط النخب اليمنية القول بأن طارق صالح هو السبب الحقيقي لضرب علاقات عمه الجيدة مع الشخصيات العسكرية والحزبية والقبلية، لا سيما مع الجنرال علي محسن الأحمر، الذي كان يوصف بأنه الرئيس الظل تعبيرا عن مدى نفوذه العسكري والحزبي والقبلي.
كما كانت هذه الروح المتوثبة نحو الاستقلالية، وعدم الانقياد السهل والتبعية، لدى نجل شقيق الرئيس الراحل، واحدا من المبررات التي وجد فيها الحوثيون مدخلا لاتهامه بأنه السبب الرئيسي لتوتر علاقة التحالف والشراكة بين جماعتهم وعمه صالح وحزبه «المؤتمر»، وصولا إلى جعله، لاحقا، السبب الرئيسي لانهيار العلاقة وبدء المواجهات المسلحة بين الطرفين، طبقا لما كانت تردده الآلة الإعلامية الحوثية وناشطو الجماعة على مواقع التواصل الاجتماعي.
بل صرح قياديون حوثيون بأنهم شاهدوا عناصر من السلفيين الذين كانوا طردوهم بقوة السلاح من دماج ونكلوا بهم رفقة طارق صالح في صنعاء، ضمن الجنود الذين كان يحاول أن يشكل منهم قوته الخاصة بعد أن ابتلعت الجماعة الحوثية كل مقدرات الجيش السابق وأسلحته والكثير من قياداته التي كان صالح يراهن على ولائها له.
وامتدادا للصرامة نفسها التي اكتسبها عبر سنوات تنشئته، لم يكن أيضا ذلك القائد المحبوب، للعامة من جنوده، فضلا عن كون جل ثقافته العامة التي اكتسبها منحصرة في مجال اختصاصه العسكري، مبتعدا عن كل ما له علاقة النشاط المدني والسياسي أو الظهور الإعلامي أو الانخراط في العمل التجاري، كما كان الحال مع شقيقه الأكبر يحيى الذي زاوج في شخصيته بين كل تلك الصفات في آن واحد.
وفيما يتداول مقربون من عمه صالح روايات عن أن الأخير كان حريصا على نجاة نجل شقيقه طارق وقائد حراسته من بين كل أقاربه الآخرين، ربما لأنه كان يستشعر فيه تلك الصلابة والإرادة اللازمتين للإعداد لمعركة الثأر والانتقام، وهذه النقطة تحديدا، هي التي سوقها فيما بعد خصوم عائلة صالح السابقين واللاحقين، على أنها مثلبة في حق طارق الذي قالوا إنه ترك عمه لمصيره وفضل النجاة بنفسه، جبنا وخنوعا، على أنه قائد حراسته.
- إدراك متأخر لخطأ كارثي
أدرك العميد الذي طوى أربعينات عمره، كعمه متأخرا، الخطأ الكارثي الذي وقع فيه الرئيس السابق، وزعيم الحزب الأكثر شعبية وتغلغلا في مفاصل الدولة العميقة التي حكمها لأكثر من ثلاثة عقود، بتحالفه مع الميليشيات الحوثية، نكاية بخصومه الآخرين.
إذ كانت ثلاث سنوات من هيمنة الجماعة على مؤسسات الدولة ومواردها المالية وشحنها الطائفي والعقائدي واستقطابها لقيادات الجيش وزعماء القبائل بالترغيب والترهيب وإيهامهم برفع راية الدفاع عن الوطن ضد ما تزعم أنه عدوان خارجي، كفيلة بتمكين الجماعة من كل شيء، المال والسلاح والنفوذ والولاءات، لدرجة أنها باتت قادرة على التخلص من صالح ونفوذه للاستفراد بتمثيل صنعاء ومناطق سيطرتها بعيدا عن صالح وألاعيبه التي يجيدها في ميدان السياسة وأدواتها الناعمة.
حاول طارق إنقاذ ما يمكن إنقاذه، بعد أن بدأت علاقة الصدام بين الحليفين تظهر إلى الواجهة، عبر السعي لإعادة بناء قوة عسكرية موالية له بعيدا عن الحوثيين، بعد أن باتت بقايا وحدات الحرس الجمهوري ومخازن أسلحته بيد الجماعة الحوثية التي صارت صاحبة الكلمة الفصل، استنادا إلى ما بيدها من قوة، وما أحدثته من تجريف عميق لولاءات صالح وتحالفاته القبلية والسياسية.
ولإنجاح هذا المسعى، استحدث طارق في العام 2017 معسكرا لتدريب جيشه الذي لم يكتمل مطلقا عليه اسم معسكر «الملصي» نسبة لضابط في الحرس الجمهوري لقي مصرعه بعد أن كانت استقطبته الجماعة لقيادة ميليشياتها على الحدود الشمالية، وربما كان الدافع وراء إطلاق الاسم هي محاولته إيهام الجماعة، أن هدفه من بناء هذه القوات التي يشرف عليها هو إعدادها للقتال على الحدود، سيرا على نهج الملصي، غبر أن الأمر لم ينطل على الجماعة التي كانت اخترقت أقرب الدوائر من صالح وباتت تحصي عليه معظم حركاته وسكناته.
وبحسب ما يرجحه المطلعون على تفاصيل العلاقة التي جمعت الحليفين اللدودين، أصبح طارق صالح ومعسكره هو الهاجس الأول لدى الميليشيات، فكان هدفا لآلتها الإعلامية وحملات ناشطيها، وبابا للتشكيك في صدق إخلاص صالح لتحالفه، معها.
فمنذ ذلك الحين الذي رفض فيه تفكيك معسكره التدريبي الواقع في منطقة ريمة حميد، جنوبي صنعاء، حيث مسقط رأس عمه وفي قلب قبيلته سنحان، كانت اتخذت الجماعة قرارها للتنكيل بصالح قبل أن تتعاظم قوة نجل شقيقه طارق عبر إعادة بناء قوات الحرس الجمهوري، وتوجيه الضربة الأولى للقضاء عليها.
لم يكن صالح في وضعية تتيح له المناورة، إذ يقول مقربون منه إنه كان يبحث عن منفذ لاستعادة ثقة المحيط الإقليمي، ليكون مجددا فرس الرهان لوضع حد للمشروع الحوثي، في مقابل إنهاء شرعية الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي وحلفائه، إلا أنه لم يجد ذلك المنفذ أو بالأحرى، لم يكن عرضه مقنعا أو مطمئنا بالشكل الذي يمنحه ثقة المحيط العربي ودول الجوار، لذلك طال انتظاره واستنفد خياراته، وكان من الحتمي أن تكون النهاية كما حذر منها أغلب المراقبين، على ذلك النحو الذي شهدته صنعاء في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
قاد طارق صالح المئات من عناصره، للدفاع عن المربع الأخير للعائلة، حيث منازلها ومنطقة نفوذها، قاتلوا بضراوة، قبل أن يحشد الحوثي قواته ويستخدم الأسلحة الثقيلة، القلة ممن دربهم طارق أو استعاد تجميعهم، كانوا إلى جواره، وأغلبهم كانوا في جبهات القتال، إلى جانب الميليشيات، أو في منازلهم يفتقدون للدافع الحقيقي للاشتراك في معركة لم يخطط لها، وغير مضمونة النتائج.
ألقى صالح خطابه الأخير في الثاني من ديسمبر (كانون الأول) داعيا على نحو مفاجئ إلى فض الشراكة مع الجماعة والاندفاع إلى مواجهتها في كل مكان، وفتح صفحة جديدة مع دول التحالف الداعمة للشرعية من أجل وقف الحرب وإعادة اليمن إلى محيطه العربي، وفي الرابع من الشهر نفسه أعلن مقتله مع العشرات من حراسه، وكان طارق في عداد القتلى، بالنسبة لأغلب المتابعين، باستثناء الحوثيين الذين كانوا ينقبون صنعاء بحثا عن الرجل الذي كان بالنسبة لها يفوق عمه أهمية وخطرا باعتباره القائد الميداني للانتفاضة الموؤودة.
وبينما أكد شقيقه الأكبر يحيى صالح، أنه أصيب في يده وبطنه وقدمه بشظايا حوثية وأنه يتلقى العلاج في مكان آمن، كانت قصة هروبه من البطش الحوثي، لغزا غامضا، رغم ما قيل عنه من روايات، بيد أن الرواية الدقيقة للتفاصيل لا تزال على الأرجح، حكرا على طارق نفسه مع عدد محدود جدا من أصدقائه المقربين.
كانت نجاته رغم تأكدها، لا تزال موضع تشكيك لدى البعض، لم يحسمه غير ظهوره العلني الأول في 11 يناير (كانون الثاني) في محافظة شبوة، معزيا في مقتل عارف الزوكا، وهو القيادي في حزب عمه ورفيقه الذي بات في نظر طارق وأنصار حزب «المؤتمر»، الأكثر وفاء وشجاعة لتفضيله القتال إلى جواره ولزومه حتى الموت معه في منزله المعروف بقصر الثنية في شارع حدة.
غير أن الجزء المهم في قصة نجاته في ظل إلحاح الملاحقة الحوثية والتشديد الأمني، يشي بأنه كان لا يزال يمتلك وهو في عمق النفوذ الجغرافي للجماعة بعضا من أسباب القوة والعلاقات الشخصية والولاءات المتعددة التي ساهمت في إخراجه من صنعاء، وصولا إلى غربي مأرب، حيث يرجح أنه وجد فيها الحماية القبلية لدى حلفاء عمه من آل معيلي.
- إعلان الموقف العام والإعداد لمعركة الثأر
> اختار نجل شقيق صالح مكان ظهوره الأول بعناية شديدة، رفقة زعماء قبليين شاركوه تقديم العزاء في الزوكا، بالتنسيق مع دول تحالف دعم الشرعية، حيث كانت الرسالة واضحة، بأن الانتقام من قتلته الحوثيين سيكون هو عنوانه للمرحلة اللاحقة، وهو ما أكده وسط هتافات أنصاره، باختصار، شديد وبكلمات مقتضبة: «السير على نهج عمه في وصيته الأخيرة، والتي تتلخص في نقطتين، الأولى قتال الجماعة، والثانية فتح صفحة جديدة مع دول التحالف لإنهاء الحرب وإعادة اليمن إلى محيطه العربي».
كان هذا الإعلان عن تحديد الموقف كافيا لأنصار صالح وقيادات حزبه، لكنه فتح عليه النار من قبل القوى المساندة للشرعية، التي رأت إعلانه ناقصا لأنه لم يعترف بها، ولا بشرعية الرئيس هادي، كما فعل بعض أقاربه، والكثير من القادة العسكريين والحزبيين الذين أفلتوا من قبضة الميليشيات.
في وقت قياسي استطاع، نجل شقيق صالح، بدعم من تحالف دعم الشرعية وبمباركة وتأييد من القوى الجنوبية الأكثر فاعلية في عدن، أن يعيد تجميع قوة ضاربة من أتباعه ومؤيدي عمه الراحل وحزبه، يقدرون بالآلاف ومعظمهم من عناصر الحرس الجمهوري وقوات الأمن الخاصة السابقة، وينتسبون لمختلف المناطق اليمنية.
ولكي يوائم بين هدفه الانتقامي من الميليشيات، في سياق المعركة ذاتها التي تخوضها القوات الحكومية التابعة للشرعية، وبين بقائه خارج نطاق الولاء لقيادة الشرعية، اتساقا كما يبدو مع موقف عمه منها ومع موقف الكثير من قيادات حزبه وأنصاره، وأقاربه، فضل أن يطلق على قواته «المقاومة الوطنية» بعيدا عن الهيكلية الرسمية لجيش الشرعية، كما أطلق على أول ثلاثة ألوية منها «حراس الجمهورية».
ومع أول ظهور لقواته على خط النار في 19 أبريل (نيسان) الماضي، كان طارق صالح مجردا من رتبه الرسمية مع كبار ضباطه، إذ أفاد مقربون منه بأنه تعهد بعدم تعليق الرتب هو وضباطه، حتى يتم تحرير صنعاء من قبضة الحوثيين، كما أمر بعدم تسليط أضواء الإعلام على أداء قواته خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، مفضلا العمل في صمت، وشعاره كما يقول المقربون منه «نريد أن تتحدث الإنجازات على الأرض».
ولأن الهدف المعلن لقواته التي باتت ملتحمة مع قوات «ألوية العمالقة» (المقاومة الجنوبية) ومع قوات «المقاومة التهامية» هو تحرير محافظة الحديدة، اختار نجل صالح أن يحمي ظهره قبل التقدم شمالا في الساحل الغربي، عبر تأمين مناطق غربي تعز، وقطع خطوط الإمداد التي يمكن أن يستغلها الحوثيون، للالتفاف عليه من الخلف.
وبالنظر إلى ما أنجزته القوات التي يقودها حتى الآن بمنطق التقييم العسكري المحايد، يرى مراقبون كثيرون أنها حققت في مدة وجيزة تقدما ميدانيا استراتيجيا، لجهة تأمينها مع قوات المقاومة الأخرى، تقاطعات رئيسية من طرق الإمداد، المتجهة نحو مناطق غربي تعز وجنوبها الغربي.
ففي الوقت الذي تمكنت من تأمين مناطق مفرق المخا ومعسكر خالد بن الوليد وصولا إلى مفرق الوازعية ومنطقة البرح، فإن ذلك يعني عمليا، تسهيل إنهاء جيوب الميليشيات في الوازعية وكهبوب وموزع ومقبنة، وقطع الإمدادات القادمة لها من جهة إب عبر مناطق العدين.
وعلى إثر هذه الإنجازات الميدانية أعلنت قوات طارق صالح بعد 20 يوما من العمليات أنها أنجزت مهمة تدمير النسق الأول للحوثيين ضمن الإعداد لمعركة تحرير الساحل الغربي واستعادة الحديدة، في الوقت الذي بث ناشطون صورا له من قلب الميدان، وهو يتابع ويخطط ويشرف على تحقيق انتصاره الأول في معركة الثأر الذي لا ينسى من الحليف السابق.
وفيما يأمل نجل شقيق صالح أن تسير رياح المواجهة لمصلحة قواته في قادم الأيام، نقل عنه مقربون استياءه من إذكاء أي نار للصراع السياسي في التوقيت الراهن بين القوى اليمنية المناهضة للميليشيات، وتأكيده أن الأولوية ينبغي أن تكون لتوحيد كل الجهود وتنسيقها، من أجل تخليص البلاد من شر الجماعة الحوثية.
وبحسب ما يرجحه كثير من المراقبين، فإن نجل شقيق صالح، وضع نفسه أمام اختبار وجودي، إن شاءت الأقدار أن تمنحه، فرصة النجاح فيه، فلا يستبعد أن يكون هذا العسكري الصلب والمقاتل العنيد، هو الجسر المتين لعودة عائلة الرئيس اليمني السابق وحزبه (المؤتمر الشعبي) مجددا إلى صدارة الواجهة السياسية والعسكرية في البلاد.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

العالم العربي مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

لجأت الجماعة الحوثية إلى مواجهة مخاوفها من مصير نظام الأسد في سوريا بأعمال اختطاف وتصعيد لعمليات استقطاب وتطييف واسعة وحشد مقاتلين

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.