مصير الاتفاق النووي من دون واشنطن

TT

مصير الاتفاق النووي من دون واشنطن

قرأ الرئيس الأميركي دونالد ترمب أنشودة وداع الاتفاق النووي بعدما تأكدت خطوته خلال الأيام الأخيرة بتوجه الدول الأوروبية وإيران للحديث عن سيناريو الاتفاق النووي من دون الولايات المتحدة. وقلل روحاني أول من أمس من أهمية انسحاب ترمب بقوله إنه «من المحتمل أن تبقى إيران في الاتفاق النووي من دون واشنطن»، وفي خطوة مماثلة أعلن وزراء خارجية الدول الأوروبية الثلاث (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) دعم الاتفاق النووي سواء بقيت الولايات المتحدة أو انسحبت.
وكان لافتا تزامن المواقف الأخيرة بين الأطراف الدولية وطهران حول البقاء في الاتفاق النووي على الرغم من التهديد بالانسحاب وسيناريوهات أكثر تشددا من بينها الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي. وبدا من المواقف أن هناك تنسيقا حولها نتيجة الزيارات المتتالية للدبلوماسيين الأوروبيين والإيرانيين إلى الولايات المتحدة الأميركية. وأشارت مصادر مطلعة في طهران قبل ايام إلى أن لقاءات الأوروبيين مع ترمب كان هدفها التنسيق وإقناعه ليس بالبقاء في الاتفاق النووي، وإنما قضايا أخرى، أطلق عليها مجازا «النسخة التجريبية من الاتفاق النووي».
النسخة التجريبية من الاتفاق النووي
النسخة التجريبية من الاتفاق النووي تتضمن استمرار الاتفاق بعد انسحاب الولايات المتحدة وعودة العقوبات. لكن طهران اشترطت أن يلتزم الأوروبيون بتعهداتهم وفق الاتفاق النووي. وتحدث روحاني أول من أمس بصراحة عن هذا المطلب الإيراني، وهو ما تفاعل معه وزراء خارجية الدول الأوروبية الثلاث عندما أكدوا الالتزام بمواقفهم.
أي تعهدات؟
قال وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه أمس في توضيح المطالب الإيرانية: «برأينا؛ الاتفاق النووي مستمر ما دام بإمكان إيران بيع النفط ونقل أموالها إلى إيران ولديها القدرة على جلب الاستثمار، وخلاف ذلك لن يكون اتفاق». مواقف المسؤولين الإيرانيين تظهر أن الجانب الاقتصادي أكثر أهمية من القضايا الأخرى في الاتفاق، وأن مباحثات الأوروبيين مع الأميركيين، وفقا لمصدر مطلع، كانت تهدف لضمان ذلك، وهو إقناع ترمب باستثناء الشركات الأوروبية والصينية من العقوبات.

كيف تكون مواقف الأطراف الأخرى ؟
في الجانب الآخر، تقف روسيا. ويختلف الوضع لدى الروس حول عودة العقوبات من عدمها. على هذا الأساس، فإن أكبر رد فعل متصور من الجانب الروسي إدانة عدم التزام أميركا والانسحاب من الاتفاق النووي.
بدورها، أعلنت الدول الأوروبية الثلاث مواقفها بشكل صريح؛ البقاء في الاتفاق والعمل بتعهداتها فيه.
إيران: المواقف رباعية متباينة
في إيران الوضع أكثر تعقيدا. هناك أربعة اتجاهات للمواقف تتسبب في تعقيد الوضع الإيراني، وكل جانب في البلاد يتمسك باتجاهه. وهي اتجاهات المرشد الإيراني والمؤسسات التابعة للتيار المحافظ والحكومة و«الحرس الثوري» والسوق، كل على حده.
المرشد الإيراني أعلن قبل هذا بوضوح أنه إذا مزقت الولايات المتحدة الاتفاق النووي، فإنه سيحرقه. لكن الآن يبدو صعبا أن يحرق الاتفاق النووي الذي مزقه ترمب. الاقتصاد الإيراني الهش لا يتحمل هذا الحريق. وهذا الموقف من خامنئي يزيد الوضع سوءا. إنه من المحتمل أن يلتزم الصمت، مثل الأيام القليلة الماضية، أو يتحدث عن عدم وفاء الجانب الأميركي مشيرا إلى أن «إيران تبقى على التزاماتها بالاتفاق لأسباب أخلاقية».
بدورها، ستؤكد حكومة روحاني أن الولايات المتحدة لم تلتزم بالاتفاق النووي منذ وقت طويل، وعلى هذا الأساس ووفق التزام الدول الأوروبية بدعم الاتفاق، فإنها تبقى في الاتفاق. إضافة إلى ذلك، فإنها ستحاول أن تدفع باتجاه الهدوء في الأسواق عبر حملات دعائية وإعلامية واسعة تسلط الضوء عبرها على الضمان الأوروبي.
الأسواق الإيرانية من المتحمل ألا تنظر بارتياح إلى قضية الانسحاب. سوق الذهب والعملة على مدى الأيام القليلة الماضية تأثرت بالمواقف الأوروبية إيجابا وتراجعت الأسعار قليلا. لكن امس عادت الأسعار إلى مسار الارتفاع؛ المسار الذي يتوقع استمراره. على المدى الطويل، فإن الخبراء الاقتصاديين يتوقعون زيادة أسعار الذهب والعملة وتراجع سوق الأسهم في إيران.
لكن «الحرس الثوري» يعد نقطة الضعف في النسخة التجريبية للاتفاق النووي. النسخة التجريبية إلى جانب ما سبق من مفاوضات قائمة على موافقة ضمنية من الحكومة الإيرانية للتفاوض حول الملفات الأخرى؛ وعلى رأسها الدور الإقليمي والنشاط الصاروخي. وهذان الملفان بيد «الحرس الثوري» على خلاف الملف النووي الذي كان بيد الحكومة.
«الحرس الثوري» كما هو معروف جهاز معقد، بامتداد اقتصادي واسع، وبحسب الإحصاءات غير الرسمية يسيطر على ثلث الاقتصاد الإيراني. لكن هذا الثلث لا علاقة له بالدول الغربية، ويرفض الانفتاح على تلك الدول. على هذا الأساس، فإن الاتفاق الجديد لن يكون في صالح «الحرس» ويفتح عليه أبواب جهنم. هذه القراءة من المحتمل أن تسبب ردا عنيفا من «الحرس الثوري» على النسخة الجديدة؛ هذا الرد بإمكانه أن يكون تجربة صاروخية باليستية أو أكثر من ذلك القيام بهجوم عسكري محدود ضد إسرائيل. من المحتمل جدا أن يقلب «الحرس الثوري» الطاولة على أي محاولة للتفاوض حول اتفاق جديد.

الخروج الناقص من الاتفاق النووي يفتح صندوق باندورا
النسخة الجديدة أو التجريبية من الاتفاق النووي من الممكن أن تكون بداية مفاوضات حول إيران بشأن الملفات المهمة بيد «الحرس الثوري»، وذلك في أوضاع تتجاوز التابوهات المخيفة لانسحاب أميركا من الاتفاق النووي، وبموجبه لا تعود العقوبات بشكل كامل على إيران وتبقى الملفات عالقة ومن دون حل. وبذلك فهو انسحاب ناقص، ويمكن أن يكون كارثيا؛ وفق المحللين. وحذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل أيام من فتح صندوق باندورا بانسحاب أميركا من الاتفاق النووي. لكن الأصح أن انسحاب الولايات المتحدة الناقص من الاتفاق النووي يفتح صندوق باندورا... صندوق مليء بالكوارث والخوف والأزمات وفقاً للأساطير، لا يمكن إغلاقه.
لكن في حال الانسحاب الشامل للإدارة الأميركية يتصور أن يدفع الضغط الاقتصادي بعودة العقوبات الشاملة، النظام الإيراني إلى التراجع. لكن الآن انكسرت تابوهات خروج الولايات المتحدة من الاتفاق، والضغوط قليلة، والملفات من دون حل... هذا يعني بالضبط فتح صندوق باندورا.



غارات تركية على مواقع لـ«العمال» في كردستان العراق

تركيا أكدت استمرار «المخلب القفل» شمال العراق بالتنسيق مع بغداد وأربيل (الدفاع التركية)
تركيا أكدت استمرار «المخلب القفل» شمال العراق بالتنسيق مع بغداد وأربيل (الدفاع التركية)
TT

غارات تركية على مواقع لـ«العمال» في كردستان العراق

تركيا أكدت استمرار «المخلب القفل» شمال العراق بالتنسيق مع بغداد وأربيل (الدفاع التركية)
تركيا أكدت استمرار «المخلب القفل» شمال العراق بالتنسيق مع بغداد وأربيل (الدفاع التركية)

نفذت القوات التركية غارات جوية استهدفت مواقع لحزب «العمال» الكردستاني في مناطق شمال العراق، أسفرت عن تدمير 25 موقعاً، بينها نقاط تضم شخصيات قيادية.

وبحسب بيان لوزارة الدفاع التركية، فإن الغارات، التي نفذت ليل الجمعة – السبت، استهدفت إحباط هجمات «إرهابية» ولضمان أمن الحدود.

وأضافت الوزارة: «تم خلال تلك الغارات تدمير 25 هدفاً في كاره وقنديل وأسوس، بما في ذلك كهوف وملاجئ ومخازن ومنشآت يستخدمها (قادة إرهابيون)، وأسفرت عن مقتل عدد كبير من مسلحي (العمال) الكردستاني».

وتابعت الوزارة: «الحرب ضد الإرهاب ستستمر من أجل الحفاظ على أمن بلدنا وأمتنا بكل عزيمة وإصرار حتى يتم تحييد آخر إرهابي».

ولفت بيان الدفاع التركية إلى «اتخاذ جميع التدابير اللازمة خلال هذه العملية لضمان عدم تضرر الأبرياء، والعناصر الصديقة، والأصول التاريخية والثقافية، والبيئة».

تصعيد... ونقاط أمنية

وشهدت التحركات العسكرية التركية ضمن عملية «المخلب - القفل» المستمرة لأكثر من عامين في شمال العراق، تصعيداً منذ يونيو (حزيران) الماضي، ولا سيما في دهوك، إذ قامت القوات التركية المشاركة في العملية بنصب نقاط أمنية في مناطق عدة لملاحقة عناصر حزب «العمال»، إلى جانب قيامها بقصف بعض البلدات.

وبعد أن صرح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بأن القوات التركية ستكمل الحزام الأمني في شمال العراق، خلال الصيف، كما حدث في شمال سوريا، قال مسؤول بوزارة الدفاع، الأسبوع الماضي، إن «القفل يغلق»، في إشارة إلى قرب انتهاء عملية «المخلب - القفل» التي انطلقت في أبريل (نيسان) 2022.

وأضاف المسؤول العسكري، في إفادة صحافية، أن القوات التركية تواصل عملياتها الموجهة ضد حزب «العمال» الكردستاني في شمال العراق بنجاح، وأن هذه العمليات تجري بتنسيق مع الحكومة العراقية وإدارة إقليم كردستان العراق.

ولفت إلى أن «الأعمال الفنية الخاصة بإنشاء مركز للعمليات المشتركة مع العراق ضد (العمال) الكردستاني مستمرة دون أي مشكلات».

جنديان تركيان أثناء مسح كهوف تابعة للعمال الكردستاني شمال العراق (الدفاع التركية)

شكاوى من العراق

وتصاعدت الشكاوى، في الفترة الأخيرة، من جانب بغداد من عمليات توغل عسكري تركية واسعة. وكلف رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، بالتنسيق مع سلطات إقليم كردستان لبحث تداعيات التوغل التركي المتكرر في شمال العراق.

وأكد وزير الخارجية، فؤاد حسين، أن بلاده لم تمنح تركيا ضوءاً أخضر للقيام بعمليات في إقليم كردستان، وأن الحكومة بحاجة إلى مزيد من النقاشات الأمنية مع الأتراك مع الإقرار بأن» العمال الكردستاني» مشكلة عراقية أيضاً.

وندد مجلس الأمن الوطني بالتوغل التركي لأكثر من 40 كيلومتراً داخل الأراضي العراقية.

لكن الرئيس، رجب طيب إردوغان، قال، لاحقاً، إن أنقرة ترحب بالخطوات التي تتخذها بغداد وأربيل لمكافحة «تنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي»، وتعتبرها جيدة لكن «غير كافية».

وأضاف أن وزارتي الدفاع وأجهزة الاستخبارات في كل من تركيا والعراق تتمتع بـ«علاقات تعاون جيدة».

وبشأن عملية «المخلب - القفل»، قال إردوغان: «بعد زيارتنا للعراق في أبريل الماضي، رأينا للمرة الأولى اتخاذ خطوات ملموسة للغاية على أرض الواقع في القتال ضد حزب (العمال) الكردستاني من جانب الإدارة العراقية».

وأضاف أن مجلس الأمن الوطني العراقي أعلن حزب «العمال» الكردستاني منظمة محظورة، والآن نرى انعكاسات ذلك على أرض الواقع، وبعد الزيارة، كان تعاون قواتنا الأمنية وإدارة أربيل أمراً يبعث على الارتياح، كما أننا نتعاون مع كل من وزارة الدفاع وأجهزة الاستخبارات في العراق، ولدينا علاقة جيدة.