خامس طائرة روسية تتحطم في سوريا منذ مطلع العام

TT

خامس طائرة روسية تتحطم في سوريا منذ مطلع العام

أعلنت وزارة الدفاع الروسية تحطم مروحية عسكرية جديدة في سوريا مساء الاثنين، لترتفع خسائر موسكو منذ بداية العام على صعيد سلاح الجو إلى خمس طائرات هي مقاتلتان وطائرة نقل عسكرية ومروحيتان.
وأكدت الوزارة في بيان أن المروحية وهي من طراز «كا 52» تحطمت خلال تنفيذ تحليق مخطط فوق المناطق الشرقية في سوريا، ولقي طياراها مصرعهما. وشددت على أن المروحية لم تتعرض لنيران أرضية مشيرة إلى الفرضية الأساسية التي يدور التحقيق في الحادث حولها هي أن تكون أصيبت بخلل فني طارئ أفقد الطيارين السيطرة عليها. وأضافت الوزارة أن فريق إنقاذ تمكن من العثور على جثماني الطيارين ونقلهما إلى القاعدة، التي انطلقت منها المروحية.
ورأت أوساط عسكرية روسية أن تزايد خسائر روسيا من الطائرات بات مقلقا واعتبر مصدر لم يعلن هويته في حديث إلى وكالات أنباء أن تحطم طائرة في كل شهر «يعد خسارة فادحة».
وكان الجيش الروسي خسر قبل أسبوع مقاتلة حديثة من طراز «سوخوي 30» تحطمت بعد مرور دقائق على إقلاعها من قاعدة حميميم الروسية في سوريا، ما أسفر عن مقتل طيارين في الحادث.
وفي السادس من مارس (آذار) الماضي تحطمت طائرة نقل من طراز «أنطونوف 26» أثناء محاولتها الهبوط في القاعدة موقعة أسوأ خسارة بشرية لروسيا إذ قتل في الحادث 39 شخصا غالبيتهم من الضباط وبعضهم من أصحاب الرتب الرفيعة.
وتحطمت طائرة هجومية من طراز «سوخوي 25» في الثالث من فبراير (شباط) بعد تعرضها لنيران أرضية قرب إدلب، ما أسفر عن مقتل قائدها الذي نجح في الهبوط بمظلته لكنه قتل في تبادل لإطلاق النار مع مسلحين.
وفي الثالث من يناير (كانون الثاني) تحطمت مروحية من طراز «مي 24» وقتل طياراها على بعد عدة كيلومترات من مطار قرب حماة، وقالت وزارة الدفاع إنها لم تجد على شظايا الطائرة آثار نيران مضادة للطيران ورجحت أن يكون عطل فني تسبب بوقوع الحادث.
وتشير وسائل إعلام روسية إلى أن موسكو تتكتم غالبا على خسائرها إلا في الحالات التي يصعب فيها إخفاء المعلومات. وأقرت موسكو بخسارة 15 مقاتلة ومروحية منذ بدء تدخلها العسكري في سوريا في نهاية سبتمبر (أيلول) 2015. لكن وسائل إعلام روسية مرموقة نقلت تفاصيل تشير إلى أن حجم الخسائر الحقيقي يبلغ نحو ضعفي المعلن عنه. ونقلت صحيفة «آر بي كا» مؤخرا أن موسكو تكتمت على خسائر فادحة نجمت عن استهداف قاعدة حميميم بطيارات مسيرة عشية رأس السنة، وذكرت أن 8 طائرات كانت جاثمة على المدرج تعرضت لأضرار بالغة بسبب الهجوم. علما بأن وزارة الدفاع نفت في البداية صحة وقوع الهجوم، لكنها عادت بعدما نشرت الصحافة بعض تفاصيله للإقرار بأنه أسفر عن تحطم طائرتين ومقتل عسكريين اثنين.
على صعيد آخر، حذر مصدر عسكري روسي الغرب من القيام بـ«مغامرة جديدة قد تؤدي إلى مزيد من تدهور الموقف». ونقلت وكالة «نوفوستي» الرسمية عن المصدر تعليقا على تصريح وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي، التي ألمحت إلى احتمال توجيه ضربات جوية جديدة إلى مواقع النظام السوري في حال تجاوز «الخطوط الحمراء» المتعلقة باستخدام الكيماوي.
وكانت بارلي قالت في مقابلة صحافية إن «الهدف من الضربات الثلاثية ضد سوريا في 14 أبريل (نيسان) هو منع دمشق من تكرار الهجمات الكيماوية». وحذرت من أنه «إذا حدث هذا مرة أخرى، يمكننا أن نقرر مجددا توجيه ضربات».
وحمل حديث الوزيرة تأكيدا لعبارات وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لو دريان، الذي أعلن في وقت سابق، أنه «لن تكون هناك مرحلة ثانية من الضربات ضد سوريا، لكن إذا تم كسر (الخط الأحمر)، عندها يكون التدخل الجديد ممكنا».
ورأى المصدر الروسي أن هذه التحذيرات تعكس محاولة غربية لإبقاء الوضع عن حد معين من التوتر، وقال إن المعطيات المتوافرة لدى موسكو تؤكد أن ثمة محاولات استفزازية جديدة قد تقع في سوريا لتبرير استخدام القوة العسكرية ضد مواقع حكومية. ولفت إلى أن الغرب «سيحاول في هذه المرة الإفادة من أخطاء ارتكبها عند وضع سيناريو الاستفزاز في دوما الذي أسفر عن الضربة الغربية، لكنهم (في الغرب) يزيدون الوضع تدهورا ويعقدون أكثر مجالات الحل السياسي بهذه التصرفات».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.