هل يستطيع «داعش» تهديد المونديال الروسي؟

جبهة أصولية جديدة في آسيا الشرقية

دعاية داعشية موجهة ضد المونديال الروسي («الشرق الأوسط»)
دعاية داعشية موجهة ضد المونديال الروسي («الشرق الأوسط»)
TT

هل يستطيع «داعش» تهديد المونديال الروسي؟

دعاية داعشية موجهة ضد المونديال الروسي («الشرق الأوسط»)
دعاية داعشية موجهة ضد المونديال الروسي («الشرق الأوسط»)

من المؤكد أن فصول المسرحية الإرهابية «داعش وأعوانه» لم تنته، ولا يبدو في الأفق أنها سوف تسدل الستار عن فصلها الأخير عما قريب، ذلك أنه كلما انتهى أحد مشاهدها الطوال، طفا على السطح مشهد آخر أطول وأخطر، وكأنها نوع من الكائنات الطفيلية، تلك القادرة على تغيير شكلها ونوعها بها يلائم البيئة الجديدة التي تعيش فيها.
آخر فصول «داعش» تتصل بالمونديال الكروي المقرر إقامته في شهر يونيو (حزيران) المقبل في روسيا، حيث كل الشواهد تشير إلى أن التنظيم ينتوي بالفعل القيام بعمليات إرهابية على الأرض هناك، الأمر الذي يستدعي أسئلة كثيرة عن جدية تلك التهديدات، والأسباب التي تدفع الدواعش لنقل معركتهم إلى الأراضي الروسية، عطفاً على حتمية النظر إلى الماضي القريب، وهل كان للدواعش بالفعل يد ما في حوادث إرهابية شهدتها روسيا أو بعض الجمهوريات القريبة منها، والكثير من الأسئلة المشابهة.
آخر صيحات وإنذارات «داعش» فيما يخص كأس العالم الذي سينطلق في 14 يونيو (حزيران) المقبل، ويستمر حتى 15 يوليو (تموز)، في نحو 11 مدينة روسية، كان عبارة عن ملصق للمجموعة الإرهابية الداعشية يحمل تهديداً مباشراً للرئيس فلاديمير بوتين بأنه «سيدفع ثمن قتل المسلمين».
الملصق يبين مسلحا داعشياً، في وسط انفجار كبير حاملاً سلاحاً آلياً من نوعية «الكلاشنيكوف»، في ساحة كرة قدم مكتظة في الخلفية، بينما يظهر بوتين على يسار الصورة، مع هدف أسود وبرتقالي يستهدفه مباشرة، ووسط الملصق مكتوب بخط عريض: «روسيا 2018... بوتين أنت كافر... ستدفع ثمن قتل المسلمين».
يعن لنا التساؤل لماذا بوتين على نحو خاص يوجه له هذا التهديد، وهل هو التهديد الأول من نوعه؟
يمكن القطع بأن «داعش» ينظر لبوتين بوصفه العدو الأكبر له، فقد كان تدخله في المواجهة المسلحة الدائرة على الأراضي السورية مع أفراده عاملاً حاسماً ومؤثراً في اختلال ميزان القوى لصالح الأسد، كما أن الأسلحة الروسية المتقدمة التي استخدمت هناك سببت خسائر بالغة في صفوف الدواعش، مقارنة بخسائر أخرى أحدثتها قوات أخرى مثل القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، عطفاً على قوات الأسد، مما أوقع بالدواعش خسائر بشرية ولوجيستية هائلة، فهل يكون الانتقام في روسيا صيف 2018؟
لم يكن الملصق الأخير هو أول تهديد من الدواعش لروسيا، عبر سلسلة المنشورات التي أطلقتها ولا تزال مؤسسة «الوفاء» الإعلامية، ذراع «داعش» الإعلامية، ففي شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي استطاع الدواعش تسخير صورة للنجم الأرجنتيني ولاعب فريق برشلونة «ليونيل ميسي» للترويج لدعاية دموية ضد روسيا، فقد ظهر اللاعب الشهير في بوستر وكأنه سجين خلف القضبان ويبكي دماً، ومرفق بالملصق عبارة ذات دلالات آيديولوجية خطيرة ومثيرة تقول: «الإرهاب العادل... إنكم تقاتلون دولة لا تعرف الخسارة في ميزانها».
ملصق آخر ظهر في التوقيت نفسه ومكتوب باللغتين الروسية والعربية يقول: «انتظرونا»، وفيه مسلح يطل على ملعب المونديال في موسكو، وهو يقرأ عبارة «انتظروا».
وقد يتساءل البعض أليست روسيا وما حولها من جمهوريات سوفياتية سابقة متاحة للدواعش من قبل ومن بعد المونديال حتى يركزوا جهودهم على تلك المناسبة العالمية الكبرى، حيث الضحايا المحتملون من كل شعوب العالم وليسوا من الروس فحسب؟
هناك في واقع الأمر أكثر من جواب، فالبعض يرى أن نجاح الدواعش في تنفيذ تهديداتهم سوف يعطي دفعة دعائية هائلة للتنظيم ومقاتليه، ويعزز من الحضور الإعلامي للجماعة التي انحسرت الأضواء عنها بعد هزيمتها في الأراضي التي سيطرت عليها سواء كان ذلك في العراق أو سوريا.
أحد التقارير الغربية الصادر عن مؤسسة «آي إتش إس» البريطانية للتحليلات، يذهب أيضاً إلى أن مشاركة منتخبي السعودية وإيران في البطولة المقبلة، قد يعطي حافزاً أكبر للتنظيم لاستهداف روسيا.
وربما فات القائمين على المؤسسة البريطانية أن مصر عضو مشارك في كأس العالم وهناك عشرات الآلاف من المصريين الذين سيذهبون لدعم فريقهم في المونديال، ومعروف أن مصر تعيش معركة شديدة الوقع مع الجماعات الإرهابية المختلفة أسماؤها وأشكالها على أرض سيناء، وفي الأيام القليلة الماضية استطاعت قوات الجيش والشرطة في مصر القضاء على الرجل الثاني في تلك المجموعات «ناصر أبو زقوم»، مما يجعل محاولة الانتقام من مصر والمصريين عبر كأس العالم، أمراً واجب الوجود كما يقول الفلاسفة بالنسبة لـ«داعش».
ولعل المتابع المحقق والمدقق للعلاقة بين روسيا والدواعش يدرك أن هناك عمليات إرهابية عدة تبناها التنظيم في روسيا خلال السنوات الماضية وكان آخرها في شهر فبراير (شباط) الماضي، حين تبنى التنظيم الهجوم الذي استهدف كنيسة في داغستان الواقعة جنوب روسيا وأدى إلى مقتل خمسة أشخاص.
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2017 أعلن التنظيم عينه مسؤوليته عن الهجوم الذي وقع في مركز تجاري في مدينة سان بطرسبرج بروسيا، وأسفر عن إصابة ثلاثة عشر متسوقاً، والعهدة على وكالة أنباء أعماق الناطقة باسم «داعش».
قبلها بنحو 4 أشهر، أي في أغسطس (آب) كان «الدواعش» يتحملون مسؤولية عملية طعن حدثت في «سورجوت» الروسية، حين قام أحد عناصر «داعش» بمهاجمة المارة بسلاح أبيض، مما أدى إلى إصابة 8 أشخاص، قبل أن تتمكن الشرطة من قتله.
ولعل المزعج للجهات الأمنية الروسية هو المستوى العالي من الرصد والمتابعة الذي يتمتع به أفراد التنظيم على الأراضي الروسية، مما مكنهم على سبيل المثال من القيام بعملية نوعية خطيرة في أبريل (نيسان) من العام الماضي، وذلك حين نجحوا في الاعتداء على مقر للاستخبارات الروسية في مدينة «خابروفك» الروسية شرقاً، مما أدى إلى مقتل شخصين.
قبل ذلك طالت يد «داعش» قاعدة روسية في الشيشان، جرى ذلك في مارس (آذار)، مما أسفر عن مقتل ستة أفراد من صفوف قوات الأمن الروسية، بحسب مركز «سايت» الأميركي والمتخصص في رصد ومتابعة التنظيمات الإرهابية حول العالم.
ويبدو أن «داعش» ومنذ عام 2015 وهو يضع روسيا في مقدمة أهدافه، ففي ديسمبر من ذلك العام أعلن التنظيم عن مسؤوليته بشأن الهجوم الذي استهدف مجموعة من الأشخاص كانوا يزورون قلعة تاريخية في منطقة داجستان بجنوب روسيا، وما بين 2015 و2017، شهر أغسطس 2016 هجوماً داعشياً على موقع للشرطة الروسية قرب موسكو، أسفر عن إصابة شرطيين، بعد أن هاجم رجلان دورية للداخلية الروسية على بعد 20 كيلومتراً شمال شرقي موسكو.
الثابت وفي ظل الحقيقة المتقدمة هو أن المونديال قد يكون بالفعل في خطر، والأمن الروسي بأجهزته المختلفة يأخذ تهديدات الدواعش على محمل الجد، هذا ما حدث منذ بضعة أيام عندما أعلن جهاز الأمن الفيدرالي الروسي القبض على خلية نشطة من مؤيدي الدواعش، كانت تخطط لارتكاب أعمال إرهابية على أراضي منطقة «روستوف» باستخدام الأسلحة النارية والمتفجرات، التي ضبطت جاهزة ومعدة بالفعل للاستخدام، بالإضافة إلى وسائل اتصالات ووسائط رقمية تحتوي على مواد دعائية لصالح الأنشطة الإرهابية لـ«داعش»، والمثير أن التعليمات التي وردت لتلك الخلية قد جاءت من أميرهم الموجود على الأراضي السورية، فيما تم إلقاء القبض على ثلاثة من أعضاء تلك الخلية، وهؤلاء بالضرورة سوف يعتبرون كنزاً معلوماتياً في توقيت حساس وكبير الفاعلية للأجهزة الاستخباراتية والشرطية الروسية.
وفي كل الأحوال يبقى الخطر الداعشي بالنسبة لروسيا بالفعل قائماً، فلم تكن خلية الأيام الماضية هي الوحيدة من نوعها، ففي 13 و14 ديسمبر الماضي اعتقل جهاز الأمن الروسي 7 أعضاء في خلية تابعة لتنظيم داعش، كانت تخطط لتنفيذ هجمات في أماكن عامة بحسب بيان وكالة «إنترفاكس» للأنباء التي أشارت إلى أنه القي القبض على أعضاء الخلية في مدينة سان بطرسبرج التاريخية الروسية.
ولعل سياق اكتشاف مثل هذه الخلايا «الداعشية» في الداخل الروسي يلقى بالأضواء على محاولات انتقام التنظيم من الدولة التي شكلت ودربت واحداً من أخطر المجموعات المسلحة، والتي أذاقت الدواعش على الأرض في سوريا المرار والعذاب، ونحن نتحدث عما عرف باسم «صائدو الدواعش»، تلك الفرقة التي دربتها وجهزتها ومولتها روسياً، وفتحت أبواب التطوع فيها بأجور تفوق عشرات الأضعاف مما تحصل عليه عناصر قوات نظام الأسد، وقد اعتبرت رديفا لقواته، وبدأت عملها فعلياً في معركة استعادة تدمر فكان أول ظهور لها هناك.
هل من فرصة لإنقاذ المونديال من براثن «الدواعش»، والذين خططوا بلا شك منذ وقت طويل لملاقاة الروس وبقية شعوب العالم على الأراضي الروسية؟
يبدو أن واقع الحال مزعج إن لم يكن مخيفاً بالفعل، فقد حذر رئيس جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، رئيس لجنة مكافحة الإرهاب، ألكسندر بوتنيكوف» من أن الإرهابيين الدواعش سيسعون إلى استهداف المونديال، سيما بعد أن اتجه العائدون المهزومون منهم إلى الجمهوريات السوفياتية السابقة، بهدف اخترق روسيا واستهداف بطولة كأس العالم.
مسألة الأعداد تؤرق الروس بالفعل، فقد انضم إلى «داعش» نحو 4500 مواطن، أي تسعة أضعاف البريطانيين المنضمين للتنظيم، في حين أن هناك 20 ألف مواطن على الحدود الروسية يشتبه في تورطهم بمنظمات دينية و«جهادية» متطرفة.
ويبدو أن قضية أمن وآمان المونديال لم تعد تشغل بال الروس فقط، بل بقية الدول الأوروبية التي اعتراها القلق والخوف على مواطنيها الساعين للمشاركة في كأس العالم، ولهذا جاءت تصريحات وتحذيرات الاستخبارات الروسية قبل يوم واحد من سفر «بوريس جونسون» وزير الخارجية البريطاني إلى موسكو، للقاء نظيره الروسي سيرجي لافروف من أجل إجراء محادثات تتعلق بموضوعات عدة من بينها تأمين بطولة كأس العالم.
في هذا الإطار أيضاً تفيد وكالة «تاس» للأنباء الروسية بأن وزارة الداخلية ستحاول فرض مزيد من السيطرة على مدن كأس العالم، من خلال إنشاء وحدات شرطية جديدة تكون بجانب الشرطة العادية لتأمين جماهير الحدث الرياضي الأهم في 2018 وتعتبر أبرز مهام الشرطة السياحية القيام بدوريات في أماكن إقامة الجماهير الأجنبية خلال كأس العالم.
يبقى المشهد الأخير، وهو ذاك الذي تتداخل فيه التهديدات الإرهابية مع تصفية الحسابات السياسية، والأمر باختصار غير مخل يدور حول محاولة الدوائر الغربية وفق ما يرونه نفوذا روسيا متصاعدا حول العالم، وهناك من يذهب، ربما ضمن سياق نظرية المؤامرة إلى القول بأن بعض القوى الدولية التقليدية النافذة تريد الانتقام من بوتين، وفي المقدمة منها الأميركيون والبريطانيون، غير أنه من غير الممكن تصور الانتقام على جثث الآلاف من الأبرياء، وإن كانت هناك قصص مثيرة ومخيفة مشابهة في أضابير أجهزة الاستخبارات الدولية، وتنتظر إجابات تاريخية عليها. غير أنه وفي كل الأحوال يمكننا الإشارة إلى أن الدواعش باتوا يلعبون الآن خنجراً في الخاصرة الروسية، والتعبير لـ«أندريه نوفيكوف» رئيس مركز مكافحة الإرهاب التابع لرابطة الدول المستقلة، وعنده أنه بعد تفكيك معظم نواة (داعش) القتالية، انتشرت شظاياها في مناطق أخرى، أفغانستان وباكستان، على سبيل المثال، وهناك يتم تشكيل قاعدة جديدة».
التصريحات المتقدمة تثير هواجس عدة بشأن إعادة استخدام «داعش» تجاه روسيا، كما كانت طالبان في ثمانينات القرن الماضي ضد الاتحاد السوفياتي.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».