الإعلام الكردي يلجأ إلى صفحات التواصل الاجتماعي لمخاطبة جمهوره

الحرب وغياب الدعم المالي زادا من التحديات

كادر وفريق إذاعة فون إف إم بمقر الراديو بمدينة القامشلي أقصى شمال سوريا
كادر وفريق إذاعة فون إف إم بمقر الراديو بمدينة القامشلي أقصى شمال سوريا
TT

الإعلام الكردي يلجأ إلى صفحات التواصل الاجتماعي لمخاطبة جمهوره

كادر وفريق إذاعة فون إف إم بمقر الراديو بمدينة القامشلي أقصى شمال سوريا
كادر وفريق إذاعة فون إف إم بمقر الراديو بمدينة القامشلي أقصى شمال سوريا

داخل استوديو إعلامي مجهّز بمعدات بسيطة وغرف ملونة بمدينة القامشلي الواقعة أقصى شمال سوريا، يحرص كادر إذاعة «فون إف إم» وتعني بالعربية صوت الناس، على الاجتماع مرة واحدة على الأقل يومياً لمناقشة المواد والتقارير التي ستنشر على منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بالراديو. يختارون مقاطع الفيديو والصور، ثم يكتبون النص قبل إرسالها إلى مدير الصفحات لنشرها.
«إذاعة محلية مجتمعية تتناول الفئات المهمّشة ضمن المجتمعات المحليَّة التي امتحنت التطرف»، بهذه الكلمات عرف الإعلامي جوان تتر رئيس تحرير راديو فون لـ«الشرق الأوسط» محتوى الإذاعة، وأضاف بأنهم يركزون على قضايا الشباب والمرأة والأطفال، وقال: «كعناصر رئيسية عانت من آثار الحرب السورية المستعرة منذ ثمان سنوات، كما نعمل على باقة من البرامج المجتمعية والخدمية الهادفة».
وانطلقت «فون إف إم» من مدينة القامشلي بداية يونيو (حزيران) 2017، كأول تجربة إذاعة تبث برامجها وأثير موجاتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وصفحات السوشيال ميديا، ومع انتشار الهواتف الذكية والحواسب اللوحية؛ يعمل كادر الإذاعة على تصميم برامج مرئية ومقاطع صوتية تتناسب مع خدماتها، ونقل تتر: «عندما ناقشنا الفكرة كّنا على يقين بأن خدمة الإنترنت سحبت البساط من الإعلام التقليدي، كبريات الإذاعات الدولية مثل راديو (مونتي كارلو) يبث معظم برامجه ونشراته الإخبارية عبر الإنترنت».
إلا أن التجربة واجهت الكثير من التحديات والعقبات، ويضيف جوان قائلاً: «قلة الكادر الإذاعي المتخصص بالعمل عبر صفحات التواصل الاجتماعي، تمكنا من التغلب على هذه العقبة عبر تدريب فريقنا بورشات متخصصة هنا وفي بيروت، يضاف أن انقطاع التيار الكهربائي وخدمة الإنترنت مرتبطة بها».
فيما تزيد صعوبة العمل واستمراريته غياب الدعم المالي لمثل هذه التجارب بحسب تتر، منوهاً: «بالمقاربة بين التكلفة الإنتاجية للإذاعات التقليدية وإذاعتنا، أكيد التكلفة أقل حيث لا نحتاج إلى أبراج للبث، وفنيين لتوصيل شبكاتها وصيانة هذه الأبراج، في الوقت نفسه نشكو أيضا من التكلفة الباهظة في شراء قوالب جاهزة (مالتي ميديا) لأن معظم برامجنا تحتاج إلى هذه الخدمات».
أما سوسن حسن، التي تعمل معدة ومقدمة برامج في راديو فون، نقلت إنها تجربتها الأولى بالظهور أمام عدسة الكاميرا، لكن هذه المرة أطلت عبر إذاعة محلية تبث برامجها على صفحات التواصل الاجتماعي. وفي الحلقة الثالثة من برنامج (كيف) الأسبوعي والذي يبث ظهيرة كل يوم اثنين في الإذاعة، طرحت قضية بيع مياه الشرب عبر الصهاريج، على مسؤولة في دائرة مياه مدينة القامشلي وأثارت الموضوع معها.
وفي حديثها إلى «الشرق الأوسط» قالت: «على الرغم من أنّ الإذاعة تبث برامجها على شبكة الإنترنت، لكن هناك رهبة بالوقوف أمام الكاميرا، حقيقةً أعاني من هذه الحالة قبل تقديم كل حلقة».
وتبث الإذاعة الكثير من البرامج باللغتين الكردية والعربية.
وفي 22 من شهر أبريل (نيسان) الماضي، أضاءت الصحافة الكردية الشمعة العشرين بعد المائة لميلاد أول جريدة كردية، إذ استطاع الأمير مقداد مدحت بدرخان إصدار جريدة «كردستان» من العاصمة المصرية القاهرة في 22 أبريل عام 1898، وتم طباعة أعدادها الخمسة الأولى في القاهرة، وبعد ذلك أصبحت الجريدة تصدر من جنيف بسويسرا ثم عادت طباعتها مرة أخرى من القاهرة، وصدر منها (31) عدداً لتتوقف بعد هذا العدد نهائياً في عام 1902.
أما اليوم؛ ظهرت العشرات من الإذاعات الكردية، والصحف والمجلات المطبوعة والدوريات الخاصة في سوريا، لتؤسس إعلاماً محلياً موجهاً للجمهور باللغتين الكردية والعربية، إحداها صحيفة بوير بريس وتعني بالعربية «الخبر» حيث انطلقت بداية عام 2014، فيما صدر العدد الأول من مجلة «سورمَي» بالعربية نهاية 2015، وهي دورية مطبوعة تصدر كل شهرين مرة في مدينة القامشلي، تنشر أعدادها باللغتين العربية والكردية في شمال وشمال شرقي سوريا، في حين صدر العدد الأول من مجلة (RÊ) في القامشلي أواخر 2016، وتعني بالعربية (الطريق)، وهي مجلة أدبية ثقافية تنشر بالعربية والكردية، تنفرد بموضوعات المسرح والشعر والقصة والرواية والنقد والترجمة.
«ننظم الصورة ليكتمل الواقع»، تحت هذا الشعار انطلقت شبكة «آسو الإخبارية» وتعني بالعربية «الأفق»، عملها نهاية أكتوبر (تشرين الأول) 2016، كأول تجربة لشبكة إخبارية تغطي الأحداث وتنقل مجريات الوقائع على الأرض، من خلال مجموعة من المراسلين يغطون مدن وبلدات الشمال السوري.
واختار كادرها العمل في مجال الصحافة الرقمية والاعتماد على منصات السوشيال ميديا للإطلالة على الجمهور ومتابعي صفحاتها. بدأت الشبكة عملها بكادر محترف وهاو، وفي حديثه إلى «الشرق الأوسط» يقول الصحافي سردار ملا درويش المدير العام لشبكة آسو: «اخترنا فريقا من المراسلين من ذوي الخبرة ومن المواطنين الصحافيين والهاوين، لأن المشروع يهدف لترسيخ مفهوم وقيمة الإعلام المحلي»، لافتاً أنّ الشبكة وبشكل مستمر تسعى إلى تطوير عمل الهواة والمواطنين الصحافيين نحو الاحترافية.
وتختلف وسائل وأدوات العمل الصحافي لدى الوسائل الإعلامية التي تنشر موادها عبر صفحات التواصل الاجتماعي، عن مثيلاتها في الإعلام المطبوع والمرئي والمسموع، ويشرح ملا درويش هذه الفروق ويقول: «بالنسبة للقوالب الصحافية فالأساسيات في أي نوع صحافي واحدة، لكن الأسلوب يختلف، فالصحافة الرقمية اليوم تعتمد على الرؤية البصرية وترجمة المكتوب إلى صور وفيديوغراف وإنفوغراف، ومعروف أن الجمهور الحالي الذي يستخدم صفحات السوشيال ميديا التواصل الاجتماعي يتأثر بالصورة أكتر من الكتابة».
وانتشرت المئات من الصفحات الإخبارية والاجتماعية على مواقع التواصل الاجتماعي تغطي الأخبار المحلية، وقبل عام ونصف أسس نشطاء من مدينة عامودا أقصى شمال سوريا، صفحة «بوابة الحسكة» المتخصصة بنشر القصص الإنسانية، وتستهدف الشخصيات المهمشة في المجتمع، لكن في قالب كتابي مبسط يندرج تحت تسمية قصة صورة، كما يتناولون ضمن القوالب المرئية قصص نجاح أو شخصية تراثية أو فنية.
وعن تجربة بوابة الحسكة، يقول جيان حج يوسف مدير الصفحة في لقائه مع «الشرق الأوسط»: «نتناول شخصيات ما بعد خطوط النار، غايتنا تسليط الضوء عليها وعلى تفاصيل الحياة اليومية التي تعيشها، نحن نرصد المعاناة ليس بالصورة المباشرة التقليدية في عرض هكذا أنماط من الشخصيات، نحن نظهر معاناتها دون أن نُظهرها كشخصيات ضعيفة، على العكس، هم أبطال في الفيديو الذي نعمل عليه، إنهم يملكون حياةً لا تخلو من تفاصيل جميلة».
وتنشر الصفحة بشكل يومي تفاصيل أشخاص بسيطين، باعة جوالين يشترون أدوات مستعملة ومعادن رخيصة، كما ترصد واقع عمال النظافة، وأصحاب البسطات الصغيرة في السوق، إلى جانب تسليط الضوء على النازحين والعاملين في الحقول الزراعية، ويضيف الحاج يوسف: «في أثناء إجراء المقابلات معهم هؤلاء الأبطال يجذبوننا عندما يسردون تفاصيل حياتهم، نحن نعمل على إضفاء لمسة جمالية وحميمية على المواد المكتوبة والمرئية، ونبتعد قدر الإمكان عن الأساليب والقوالب التقليدية المستهلكة والشعاراتية».
يذكر أنّ أكراد سوريا يشكلون نحّو 12 في المائة من التعداد السكاني العام (23 مليون نسمة)، عانوا على مدى عقود طويلة، تهميشاً وحرماناً من القراءة والكتابة بلغتهم الأم.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.