القارئات الغربيات ينصرفن عن الروايات الرومانسية ودور النشر في أزمة شاملة

لم تعد النمطيات السابقة عن العلاقة بين الرجال والنساء مقبولة

القارئات الغربيات ينصرفن عن الروايات الرومانسية ودور النشر في أزمة شاملة
TT

القارئات الغربيات ينصرفن عن الروايات الرومانسية ودور النشر في أزمة شاملة

القارئات الغربيات ينصرفن عن الروايات الرومانسية ودور النشر في أزمة شاملة

عنونت الكاتبة الإيرانية آذار نفيسي مذكراتها التي نشرتها قبل 15 عاماً بـ«أن تقرأ لوليتا في طهران»، كانت استعارت اسم رواية «لوليتا» للكاتب الروسي - الأميركي فلاديمير نابوكوف مسألة مجازية وواقعية في آن. فنفيسي، التي تنتمي إلى عائلة برجوازية تغير نمط حياتها بشكل جذري بعد الثورة الإسلامية في إيران 1979، تروي في مذكراتها كمدرسة بجامعة طهران كيف كانت تتحدى التابوهات التي فرضها الحكم الجديد من خلال نادٍ سري للكتب تقرأ فيه الطالبات روايات وآداباً غربية ذات فضاءات حرة تعاكس واقعهن.
عند نفيسي، كانت قراءة «لوليتا» في طهران بمثابة حراك متمرد وثورة نسوية ضد قمع المجتمع الذكوري المحافظ في بلادها. وقد تلقف الغرب وقتها تلك المذكرات جزءاً من فضول استشراقي بات دائماً نوعاً من تلصص عبر نافذة نصف موصدة على حياة حريم إيران بعد تولي رجال الدين الحكم فيها، فبقيت «أن تقرأ لوليتا في طهران» على قائمة جريدة «نيويورك تايمز» للكتب الأكثر مبيعاً لمائة أسبوع متتالية، وترجمت إلى اثنتين وثلاثين لغة.
لقد كانت الثقافة الشعبية في الغرب حينها - ورغم كل تقدمه المادي - لا تزال منسوجة من تشابك أنماط هيمنة عنصرية وذكورية بغيضة، تسمح للرجل «ولا سيما إذا كان أبيض البشرة بعينين زرقاوين وثرياً» بتجاوز كل الحدود مع النساء، في الوقت الذي كانت النساء فيه خاضعات وكأنهن قد قبلن بحكم الطبيعة. ومما ساهم في تكريس نموذج الهيمنة هذا تواطؤ كاتبات الروايات الرومانسية اللواتي ما لبثن يقدمن أدباً يضيف هالة مثيرة على سلوك الرجل العدواني والمقتدر والمبادر بينما تقدم النساء في أعمالهن مسحورات سلبيات متقبلات لتولي الآخر مصائرهن، حتى أن البطلة في أول رواية صنفت تحت هذا النوع الأدبي «الشعلة والوردة لكاثلين ووديويس – 1972» تعرضت للاعتداء الجسدي والاغتصاب أربع مرات في أول مائة صفحة. ولذا؛ لم يكن مستغرباً ذلك الاحتفال الغربي الزائد بالشرقيات اللواتي يتسللن ليقرأن «لوليتا».
ومن دون أدنى شك، يبدو أن تغيراً ما طرأ الآن في مزاج الثقافة الشعبية بالغرب. فبعد الصعود الدراماتيكي للمليونير الأميركي دونالد ترمب إلى منصة الرئاسة في الدولة العظمى وهو المعروف بعلاقاته النسائية الملتسبة، ومن ثم فضيحة الاعتداءات الجنسية المتسلسلة على ممثلات مشهورات والتي اتُهم بها المنتج الأميركي الشهير هارفي وينستين وما لبثت أن تسببت في إطلاق حراك نسائي أميركي كسر القوالب القديمة واستقطب اهتماماً إعلامياً واسع النطاق ومظاهرات مليونية ضخمة في مدن أميركية عدة، لم تعد النمطيات السابقة مقبولة ولا مستساغة، وأصبح موضوع العلاقة بين الرجال والنساء مسألة شديدة الحساسية وبخاصة في أجواء العمل. ولا شك أن نفيسي لو أرادت نشر مذكراتها اليوم لوجدت أن الناشرين أنفسهم الذين تلقفوها في 2003 سيطلبون إليها اليوم تغيير عنوان كتابها بداية لأنه لم يعد مقبولاً في الأجواء الجديدة أن تقرأ لوليتا حتى في مدينة مثل نيويورك.
ليست نفيسي وحدها في مواجهة تغير المزاج الثقافي الغربي هذا. إنها أزمة وجودية شاملة تعصف بصناعة نشر ضخمة عمرها نصف قرن تقريباً تركزت حول الروايات الرومانسية الموجهة للنساء، وأصبحت بمثابة جزء لا يتجزأ من عملية تكوين مخيلة الشابات في الغرب. هذه الصناعة التي باعت نسخاً عام 2016 بلغت قيمتها أكثر من بليون دولار في السوق الأميركية وحدها بنيت عبر السنين من خلال نصوص تكتبها النساء، وتتمحور دائماً حول علاقات غرامية عاصفة تنشأ بين رجال مسيطرين ونساءٍ موضوع سيطرة - ربما مع تنويعات شكلية في الحبكة أو الإطار الزمني لأحداث الرواية -، هذه الصناعة تعيش اليوم أجواء قلق غير مسبوق من انفضاض جمهور القارئات عن هذا النوع الأدبي برمته، وتحولهن نحو أنواع أخرى من الأدب الأقدر على التعبير عن طموحاتهن المستجدة وسعيهن لاستعادة القوة والمبادرة. وبالفعل، فإن الإقبال غير المسبوق على روايات الدستوبيا واليوتوبيا - التي تسرد وقائع تتمرد فيها النساء على قامعيهن ويتولين عبر سياق أحداثها مقاليد القوة في الحياة - خلال آخر سنتين تؤكد ذلك، مقابل تراجع وصل إلى 50 في المائة لدى بعض الناشرين في معدلات إقبال القارئات على الرومانسيات.
مؤلفات الروايات الرومانسية اللواتي أثرى بعضهن من عوائد نصوص رومانسية تقليدية عبر السنوات يحاولن الآن جاهدات إنقاذ مصدر رزقهن من خلال إعادة تكييف النوع الأدبي الرومانسي ليتناسب مع توقعات النساء في مرحلة ما بعد ترمب – وينستين. وتحدثت كثيرات منهن خلال مقابلات صحافية أو مقالات عن إعادة نظر جذرية في طريقة تركيب الشخصيات، بحيث يصبح الرجال أكثر تحضراً وأقرب إلى طلب قبول تودادتهم من النساء علناً وصراحة قبل الشروع في أي علاقات، بينما تصور النساء مستقلات وأقوى شكيمة مما سبق وقادرات على الدخول في علاقات ندية ومتكافئة.
الأميركية سارة ماكلين مثلاً – وهي واحدة من أهم كاتبات الأدب الرومانسي ولها 12 رواية باعت ملايين عدة من النسخ – كتبت تقول، إنها بعد إنهائها 275 صفحة من روايتها الجديدة التي أسمتها «يوم الدوقة»، اتصلت بناشرها معتذرة عن إكمالها كما هي قبل ثلاثة أسابيع من موعد طرحها في الأسواق وفق العقد الموقع، طالبة وقتاً إضافياً لإعادة تركيب شخصيات أبطال الرواية كليهما «الرجل والمرأة» لتتناسب مع المزاج الثقافي الجديد. وهي تقول، إن ناشرها أبدى تفهماً غير متوقع بالنظر إلى طبيعة التحولات المتوقعة في ذائقة القارئات. وهكذا حدث، فالدوق – بطل الرواية الذي وإن بقي في النص الجديد كما النموذج التقليدي للرومانسيات: ثرياً ووسيماً وأزرق العينين وطويل القامة - لم يعد شديد الاعتداد بنفسه أو عنيفاً في التعبير عن مشاعره، بل أصبح رجلاً لطيفاً، يبذل جهداً كبيراً للحصول على رضا الحبيبة بعد أن رفضته في مرة أولى.
أيضاً، الكاتبة البريطانية لورين لايين تحدثت عن تعقيدات غير مسبوقة في صياغة نص روايتها الجديدة «أعتقد أنني أحبك» التي ستصدر في يوليو (تموز) المقبل؛ إذ إنها عندما بدأت العمل بها عام 2016 كانت قصة موظفة تقع في شباك مديرها، لكنها وجدت أن حبكة مثل تلك لن تكون مريحة لقارئات عالم 2018، وستبدو الرواية وكأنها تنتمي إلى نساء مختلفات عنهن ولا يمكنهن التماهي مع بطلتها. وقد عدلت لايين روايتها لتجعل الموظفة والمدير كليهما يعمل في شركات مختلفة، بحيث يمكن تجنب تلك الالتباسات القانونية التي قد تترتب على نشوء علاقة حميمة ضمن أجواء العمل بالشركة ذاتها.
وحتى زميلتها البريطانية إريكا ميتشل الشهيرة بـإي إل جيمس مؤلفة الثلاثية الرومانسية «خمسون ظلاً للرمادي» - والتي باعت ملايين كثيرة عبر العالم من خلال سرد وقائع علاقة بين ثري مسيطر وشابة خاضعة - اعترفت بأنها وفريق العمل في الجزء الثالث من الفيلم السينمائي المأخوذ عن الثلاثية مصابون بحالة تردد بشأن المضي بإنجاز العمل بعد أن لمس الجميع ذلك التغير المتسارع في مناخ الثقافة الشعبية بشأن علاقات الرجال بالنساء.
ليس من الواضح بعد، فيما إذا كانت محاولات الخيال تتبُع الواقع تكيفاً مع الشكل الجديد للأطر المقبولة – ثقافياً وقانونياً معاً – لتقرب الرجال من النساء ستنجح في إطالة عمر هذا النوع من الروايات، أم أن النساء قد يفقدن نوعية الشغف الذي قدمته تلك الفضاءات المكتوبة وكان يسمح لهن بالعيش في أوهام الاستسلام الخلابة خارج ضغوط المجتمع المعاصر. لكن الأكيد أن بنات حواء قد عبرن «الروبيكون هذه المرة» - على نسق قصة يوليوس قيصر المشهورة - وأن صمتهن المتوارث عبر العقود قد انتهى من دون رجعة فيما يبدو.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.