السودان... عملية «الطائر الطنان» النسخة الإخوانية

معركة الرئاسة... الاستقطاب بين الإسلام السياسي والعسكر

السودان... عملية «الطائر الطنان» النسخة الإخوانية
TT

السودان... عملية «الطائر الطنان» النسخة الإخوانية

السودان... عملية «الطائر الطنان» النسخة الإخوانية

لا يدري أحد، أو حتى يستطيع التكهن بما قد يحدث في السودان في غضون الأيام أو الأشهر القريبة المقبلة، فالأزمة الاقتصادية «استحكمت حلقاتها»، فأنهكت هياكل البلاد، وطحنت عظم المواطنين، وحمي صراع السلطة، ليس بين الحكومة ومعارضيها وحدهم، بل حتى داخل المجموعة المتنفذة نفسها.
وانتقلت «الخلافات والصراعات المكتومة» لعقود من دائرة التذمر والهمس إلى العلن، في شكل تصريحات صادرة عن القادة وأحاديث المسؤولين وتذمر المواطنين وأصوات المحذرين من تغيير قد يؤدي إلى «انهيار الدولة»، وتحركت رمال البلاد كلها باتجاه تغيير وشيك، أطرافه معارضون وحكوميون، وإسلاميون وعسكريون.
ويخشى على نطاق واسع من نسخة سودانية لما عرف إبان «ألمانيا النازية» بـ«عملية الطائر الطنان» أو «ليلة السكاكين الطويلة». خلال تلك العملية، نفذ الجيش النازي سلسلة تصفيات سياسية ضد فرقتين شبه عسكريتين اتسمتا بالعنف والطموح، وقتل في ليلة واحدة أكثر من 85 من قيادات الفرقتين، رغم دورهما في تثبيت أركان النازية. ثم استغل أدولف هتلر الحادث لتصفية منتقدي حكمه من بين قادة الجيش النازي الذين نفذوا العملية التي أخذت الاسم الكودي: «الطائر الطنان»!

في محاولة للملمة الصراع الإسلاموي، شهد المقر الكلاسيكي للإسلاميين السودانيين، بضاحية العيلفون شرق الخرطوم، يوم الجمعة 27 أبريل (نيسان) الماضي، أعمال اجتماع مجلس شورى الحركة الإسلامية (الاسم الكودي لإخوان السودان)، بعد تعثر طويل راجت أثناءه أحاديث عن اتجاه لحل الجناح الآيديولوجي للنظام السوداني (الحركة الإسلامية)، أو في أحسن الأحوال دمجه في الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني)، الذي حين أنشئ كان الهدف أن يكون واجهة لها.
وعلى غير العادة، عقد الاجتماع في سرية تامة، بعيداً عن كاميرات وأعين الصحافيين والإعلاميين، ولم تسمع وسائل الإعلام به إلا بعد أن أكمل انعقاده وأعلن توصياته. وأهم أجندة في هذا الاجتماع كانت «حسم مستقبل الحركة»، بين حلها ودمجها وتذويبها في الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني)، لكن الاجتماع خلص إلى تعزيز وجودها، وقرر عقد مؤتمرها العام في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، بعد إلغائه - أو تأجيله - لعام كامل.
واللافت في الاجتماع كان حضور الرئيس عمر البشير، بصفته رئيساً للهيئة القيادية العليا، بعد أن راج قبلها أنه «غاضب» عليها، وأن ما يتم تداوله بشأن حلها يجئ بإيعاز منه شخصياً، لكن مشاركته في اجتماع الجمعة قد تؤكد تغيراً في موقفه، لكن بعض المحللين رأوا أن القصد من المشاركة «الإشراف مباشرة» على ما قد يدور في كواليس الاجتماع. وما يعضد هذا التحليل غياب نائبه الأول رئيس الوزراء بكري حسن صالح، ساعده الموثوق الذي يشغل في الوقت ذاته منصب نائب رئيس الهيئة القيادية، أي تطبيق لـ«ثنائية تبادل الأدوار».
الرئيس البشير، الذي يتردد أنه على خلاف مع بعض رموز وقيادات الحركة الإسلامية التقليدية، طلب في كلمته للاجتماع «إفساح المجال أمام الشباب» في الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني، ورهن مستقبل البلاد بمشاركتهم، كما طالب بحسب صحيفة «الصيحة»، المملوكة لأحد أقاربه، بالنزول للقواعد ودعمهم، بمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، بما يمكن تفسيره بأنه دعوة للقيادات التاريخية للتنحي.
ومنذ الانقلاب الذي نفذته الحركة الإسلامية السودانية في 30 يونيو (حزيران) 1989، فإن الصراعات بين الإسلاميين الحاكمين بدأت ولم تنته؛ بدأت أثناء عملية التمويه الماكرة لإخفاء هوية الانقلاب، التي كشفها الترابي بمقولته الشهيرة ساعة الانقلاب: «قلت للبشير: اذهب إلى القصر رئيساً، وسأذهب إلى السجن حبيساً».
وتم حبس الترابي مع قادة الأحزاب والحكم المنقلب عليه تمويهاً، وراج بعدها أن نائب الترابي وقتها، علي عثمان محمد طه، أبقى شيخه في السجن أكثر من الفترة المتفق عليها، ورتب الأوضاع بحيث تمكنه من السيطرة على مكامن القوة في النظام.
اللعبة الماكرة لم تنطل على المعارضين ورفاق الحبس، ونقل عن زعيم الشيوعيين الراحل محمد إبراهيم نقد أنه قال للترابي في المعتقل: «كفاك سجناً، فقد جاملتنا كثيراً»، لكنها على ما يبدو انطلت على إسلاميين كثر فأصبحوا «شاهد ما شافش حاجة»، ما أتاح لمجموعة طه التمكين على حساب قائدهم التاريخي.
وتردد بعد فترة من عودة الترابي للأضواء أنه «حل» الحركة الإسلامية لصالح حزب المؤتمر الوطني، الذي أنشئ في الأصل ليكون واجهة أكثر مرونة للإخوان السودانيين، ومنح قادتها «مصحفاً» فهم منه أن حركتهم أصبحت خارج اللعبة السياسية فعلياً.
ثم تواصل التذمر والتنافس و«التعارك» بين الإسلاميين الحاكمين، الذين انقسموا إلى تيارين: «القصر» وهو موال للرئيس، و«المنشية» الموالي لحسن الترابي، نتيجة لما عرف بـ«مذكرة العشرة»، التي وقعها عشرة من قادة الإسلاميين البارزين ضد الترابي، وأدت لاحقاً إلى «المفاصلة» التي قسمت الإسلاميين في الرابع من رمضان 1999.
وبحسب مقال للسياسي المعارض علي السيد، فإن من أعدوا مذكرة العشرة دفعتهم السلطة لمواجهة «كبيرهم الذي علمهم السحر»، أو أنهم لم يقدروا الأمر حق تقديره، وأن الترابي حين رأى أن أمر المذكرة يستهدفه مباشرة وشخصياً، اختار أن ينازلهم في ميدان الحزب الحاكم، مستعيناً بقواعد الحزب وجماهيره، ولسان حاله يقول: «الفيصل هو الجماهير والقواعد، والعمل عبر مؤسسات الحزب وأجهزته، وليس التدبير بليل، كما حدث بشأن مذكرة العشرة، التي حجبت عنه وتفاجأ بها تماماً في لحظة تقديمها».
يقول السيد إن الترابي حقق انتصاراً تكتيكياً حصل بموجبه على إعادة انتخابه أميناً عاماً للحزب الحاكم، وبذلك سجل نصراً تكتيكياً مؤقتاً على أصحاب المذكرة، فاستعانوا عليه بما سماه الكاتب «السلطة القاهرة وسيف الرئيس»، فسارع في الرابع من رمضان 1999 بحل المجلس الوطني «البرلمان»، الذي يترأسه الترابي ويقود عبره معركته، ثم أعلن حالة الطوارئ في البلاد.
بتلك القرارات، أبعد البشير «الإسلامي» شيخ الإسلاميين نهائياً عن دائرة التأثير، وراجت مقولة أن «الثورة السودانية أكلت أباها»، ولم يكتف الرئيس البشير بحل المجلس الوطني، بل جمد الأمانة العام للحزب الحاكم، التي كان يقودها الترابي أيضاً.
ولم تتوقف الانشقاقات و«الصراعات» داخل جسد الإسلاميين السودانيين بعد ذهاب الترابي، وتأسيسه للحزب الضرار «المؤتمر الشعبي»، فبعد انفصال جنوب السودان في يوليو (تموز) 2011، برزت إلى السطح جماعة «سائحون»، وهي جماعة مكونة في الأصل من مقاتلين (مجاهدين) سابقين إبان الحرب مع جنوب السودان، وقدمت ما عرف بمذكرة «الألف أخ»، وطالبت بإجراء إصلاحات إدارية، لكنها كانت أكثر حصافة لأنها أقرت بقاء الرئيس البشير رئيساً للحزب والدولة.
ثم جاءت مجموعة أخرى، تكونت أساساً من «أساتذة جامعات»، وانتقدت في مذكرات الأداء السياسي للنظام الحاكم، في 28 سبتمبر (أيلول) 2013، ولكن النظام قمع الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد آنذاك، ومن أبرز قادتها الإسلامي غازي صلاح الدين.
وبلغ الصراع بين هذه الجماعة ومركز السلطة وقتها (الحزب) ذروته، فبعض رجال الحزب اعتبر ما قاموا به «تطاولاً» على سلطة الحزب والدولة، فتكونت لجنة محاسبة ل 46 قيادياً وموقعاً على المذكرة، قررت في 21 أكتوبر 2013 تجميد عضوية بعضهم في الحزب الحاكم، وفصل آخرين، وتكونت تبعاً لذلك «حركة الإصلاح الآن»، بقيادة غازي العتباني.
ثم توالت أجواء الصراع تباعاً، وبلغت ذروتها بقرارات الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2013، التي أطاحت برجلي الإسلاميين القويين: علي عثمان محمد طه ونافع علي نافع، وعدد آخر من كبار المسؤولين. وقيل وقتها إن الغرض من إبعادهم «إتاحة الفرصة للشباب»، لكن التشكيلات الحكومية اللاحقة لم تلتزم بالشباب كثيراً، إذ أبقت على عدد كبير من «شيوخ الحكم» في مواقعهم، وأبرزهم رئيس الوزراء الحالي بكري حسن صالح، ورئيس المجلس الوطني إبراهيم أحمد عمر، إضافة للرئيس عمر البشير.
ووصفت المعارضة وقتها ما حدث بأنه «انقلاب»، ونقلت «الشرق الأوسط» عن المتحدث باسم تحالف المعارضة الموالي لحزب الترابي، كمال عمر، تشكيكه في الرواية الرسمية، وقوله: «هذه إقالة كاملة الدسم»، وقوله: «الرئيس منذ فترة يبحث عمن يطمئن لهم في مقبل حياته، لذا اختار أكثر الناس قرباً له، وهو نائبه الأول الجديد بكري حسن صالح».
ونسبت الصحيفة إلى عمر أن الرئيس البشير غير مطمئن لنائبه الأول، وأنه أجرى ترتيبات كثيرة الهدف منها إقصائه ومجموعته، وأنه لم يعد يرغب في سماع أصوات معارضة تحول بينه وبين وضع كل السلطات تحت يده، وقوله: «المقالون يضمرون شراً كبيراً للنظام، لكنهم انحنوا للعاصفة مؤقتاً».
المجموعة المعزولة نفسها ليست على وفاق، فقد تم تداول واسع عن صراع قوي بين طه ونافع على خلافة البشير، ظهر أول مرة بشكل لافت في مؤتمر شورى الحزب الحاكم في 2015، الذي انتهى بانقسام غير معلن، وانعكس على انتخابات 2015 التي خالفت نتائجها النسبة المألوفة للفوز (99.9) في المائة من جملة الأصوات، وتردد وقتها أن مخاشنة أعقبت الانتخابات، اتهم فيها الرئيس قيادات لا ترغب في ترشيحه بأنها خططت لتلك النتيجة المخيبة لآماله.
لكن الصراع تجدد وأخذ شكلاً جديداً مع قرب نهاية الدورة الرئاسية الحالية، التي ينص الدستور على أنها الأخيرة للبشير في السلطة، متمثلة في تيارين: يدعو أحدهما لتعديل الدستور لإتاحة دورة رئاسية جديدة للرئيس، والآخر يدعو للالتزام بالدستور، واختيار رئيس جديد من بينهم.
ورغم أنف الدستور، الذي ينص على أن الدورة الحالية للرئيس البشير في الحكم هي الأخيرة، نهضت حملة منسقة في الولايات وبعض الدوائر تدعو لتعديل الدستور، وإعادة ترشيح الرئيس البشير مجدداً في انتخابات 2020، بل وأطلق بعضهم تصريحات مثل «الدستور ليس قرآناً»، وهم يستندون أساساً إلى فرضية أن أوضاع البلاد لا «تحتمل تغييراً»، ومن الأنسب التجديد للبشير.
ويقود هذه المجموعة من خلف الكواليس النائب الأول السابق علي عثمان محمد طه، وعدد من العسكريين، وتبريرها المعلن أن بقاء البشير هو الضامن لعدم تفجر الأوضاع، لذلك تدعو لتعديل الدستور، وإتاحة دورة رئاسية أخرى للبشير. لكن المبرر غير المعلن أن «جماعة طه» لا تؤيد البشير إلا نكاية في مجموعة أخرى، وتلبس قضيتها ثوب الحرص على التيار الإسلامي من الفناء، بـ«الانحناء قليلاً» للموجة الدولية الآتية من الغرب، بتقليل نفوذ الإسلاميين في الحكم، والحيلولة دون القضاء على التيار الإسلامي كلياً.
أما المجموعة المناوئة، التي تعمل من خلف «الساتر»، فترى أن سكوت البشير على الحملة غير الرسمية لإعادة ترشيحه يعني رضاه عنها، وبالتالي خرقه لاتفاق «غير معلن» بأن يتنحى بحلول عام 2020، ليخلفه رئيس الوزراء الحالي بكري حسن صالح، ونافع علي نافع نائباً للرئيس.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة «السوداني» المستقلة، فإن صوت المجموعة المناوئة لإعادة ترشيح البشير لم يعد خافتاً. ويذكر التقرير أن أبرزهم نافع علي نافع وأمين حسن عمر، وآخرين يسندونهما سراً، ويضيف: «إنهم يتسمون بالقدرة على المواجهة، والوضوح في مواقفهم دون مواربة، ولبعضهم وجود قاعدي معتبر، يراهن عليه في حسم الأمر».
الرئيس البشير بدوره، ورغم أنه لم يعلن بعد تراجعه عن تصريحاته السابقة بزهده في الحكم، اتخذ إجراءات وقرارات أعفى بموجبها بعض رموز الحكم، وعين بموجبها آخرين.
ومن بين القرارات المثيرة التي اتخذها أخيراً، قراره إعادة مدير الأمن والمخابرات السابق صلاح عبد الله «قوش» إلى منصبه، بعد عزله عنه قبل عقد من الزمن، بل واتهامه بالضلوع في انقلاب عسكري، بالتعاون مع عسكريين إسلاميين، أبرزهم العميد محمد إبراهيم «ود إبراهيم»، وسجنه في محابس جهازه التي أسسها بنفسه، قبل تقديمه للمحاكمة ثم الإفراج عنه.
وتروى الخرطوم حكاية «عودة قوش» بعدد من الروايات التي تقول إن الرجل لم يكن مشاركاً في انقلاب من حيث الأصل، لكن مجموعة من إخوانه الإسلاميين انتهزوا فرصة انقلاب العميد محمد إبراهيم «ود إبراهيم»، وألحقوه به لإبعاده من طريقهم، فيما تقول رواية أخرى إنه كان ضالعاً في ذلك الانقلاب، لكن موازين القوى والاصطراع الداخلي اضطرت البشير للاستعانة به، ليس ضد المعارضين بل ضد «إسلاميين» يملكون نفوذاً داخل الأجهزة الأمنية والاستخبارية، يشكل وجودهم خطراً على بقاء الرئيس.
وفي حكومته الأخيرة، حرص الرئيس على توظيف «عسكريين» في مناصب مهمة، فقد أوكل منصب رئيس الوزراء إلى رفيقه ومرافقة خلال حكمة بكري حسن صالح، ثم أوكل منصب وزير المالية لعسكري، وأعاد تكوين هيئة الأركان العامة بهيئة جديدة، وضع على رأسها العميد كمال عبد المعروف، بديلاً لرئيسها السابق عماد الدين عدوي.
ويقول القيادي الإسلامي رئيس جهاز الأمن الأسبق د. قطبي المهدي إن «أزمة» إعادة انتخاب الرئيس لدورة رئاسية جديدة أربكت حزب المؤتمر الوطني الحاكم، لأنها جاءت من خارجه في شكل تأييد من الولايات ومناسبات جماهيرية.
ويرى المهدي أن طرح قضية إعادة انتخاب الرئيس قبل أوانها استفزت قيادات حزبية، فخرجت عنها تصريحات متضاربة، بعضهم أيد الفكرة دون تحفظ، فيما اعترض عليها بعضهم، مضيفاً: «وضعت الحملة الحزب في حرج بالغ لأنه لم يستطع أن يقول رأياً مؤسسياً، وكان عليه التدخل كمؤسسة، لكنه لم يستطع أن يقول أي شيء».
ووصف المهدي في تعليقه على استفسار «الشرق الأوسط» عجز الحزب الحاكم عن تقديم رأي مؤسسي، وفشله في تحديد توجه جاد من المسألة، بأنه ضعيف، وقال: «للأسف، المؤتمر الوطني أصبح حزباً ضعيفاً خائفاً غير قادر على أخذ زمام المبادرة».
وأرجع المهدي تضارب المواقف بين قيادات الحزب إلى حالة الارتباك التي تشهدها الساحة السياسية، وإلى فشل الحزب في قول رأيه كمؤسسة بوضوح.
ومنذ أعوام، كان المهدي قد أعلن لـ«الشرق الأوسط» أن صلاحية حكومة الإنقاذ الحاكمة في السودان لأكثر من 3 عقود قد انتهت، بمقولته الشهيرة: «الإنقاذ دواء جيد انتهت صلاحيته». ومثله يتساءل الكاتب يس أبو صالح، وفقاً لموقع «راديو دبنقا»، لكن بلغة معارضة، عما إن كانت دورة حكم الإسلاميين للسودان قد اكتملت، وأن التحالف بينهم وبين العسكر قد بلغ ذروته، ويقول: «هناك مؤشرات كثيرة تدلل على أن التحالف القائم بين الإسلاميين والعسكر يلفظ أنفاسه».
والخطوات المتسارعة نحو صدام أو صدامات تطرح سؤالاً في غاية الأهمية حول لحظة المواجهة، سؤالاً لا يكتفي المحللون بمجرد طرحه، بل يذهبون إلى أن صراعات الإسلاميين تذهب باتجاه مواجهة وشيكة بينهم وبين العسكريين، بعد انتقال الأمر من الكواليس إلى العلن. وبرز ذلك في تصريحات على ألسنة مسؤولين رفيعي المستوى أشاروا دون مواربة إلى «مؤامرات يطلقها البعض»، بل يهمس بعضهم بأن «الأزمة الاقتصادية» الحالية، وما نتج عنها من أزمة المحروقات وارتفاع كلفة المعيشة، نتيجة تخطيط «إسلاميين» يسعون إلى الضغط على العسكريين ومؤيدي الرئيس لإفشالهم.
وجاء تحذير نائب الرئيس لشؤون الحزب ومساعده في الرئاسة د. فيصل حسن إبراهيم، في مخاطبة حزبية بحاضرة ولاية جنوب كردفان، مدينة كادوقلي، من تصفية الحسابات، مستخدماً مصطلح «الحفر»، ويعني التآمر المكتوم، تجاوزاً جريئاً للهمس إلى العلن. فقد نقلت عنه صحف الخرطوم تحذيره شديد اللهجة من التآمر الداخلي في الحزب الحاكم.
كما أن قيادياً إسلامياً شهيراً ومعروفاً بمواقفه الناقدة للنظام قطع بأن «العسكريين» بشكل عام ينحازون إلى «رفاق السلاح»، بغض النظر عن انحيازاتهم الآيديولوجية. وفي حال نشوب مواجهة بين «العسكري» البشير وإسلاميين، عبر تنظيماتهم و«ميليشياتهم» الخاصة، فإن العسكر سيتحدون «خلف قائدهم».
والقيادي الإسلامي، الذي تحفظ على ذكر اسمه لأول مرة، أشار أيضاً إلى دور جهاز الأمن والمخابرات الذي أعيد إليه «قوش» لـ«تطهيره» من العناصر الإسلامية المناوئة للرئيس، كما ألمح إلى أن قوات «الدعم السريع»، التي لا علاقة لها بالإسلاميين بل بقائدها و«مكونها»، لن تتردد لحظة في حسم أي «شغب إسلامي أو غير إسلامي» ضد البشير.
ومع تفاقم الأزمات، وانسداد آفاق الحلول، يضع الجميع أيديهم على قلوبهم، مستبطئين أو مستعجلين «عملية الطائر الطنان»، أو «ليلة السكاكين السودانية الطويلة»، وهو السؤال الوجودي الذي طرحه الكاتب المعارض فتحي الضو قبل فترة: «هل يمكن أن يؤدي اختلاف الرؤى والآراء بين الفرقاء لأن نشهد (ليلة السكاكين الطويلة) السودانية، بدوافع حب السلطة، وفقه المصالح، وغريزة البقاء»؟!


مقالات ذات صلة

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

حصاد الأسبوع شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت

فاضل النشمي (بغداد)
حصاد الأسبوع ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة

راغدة بهنام ( برلين)
حصاد الأسبوع شيل

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ)

«الشرق الأوسط» (برلين)
حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد

محمد الريس (القاهرة)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
TT

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ مستوياتها منذ تفكّك الاتحاد السوفياتي السابق، وجرى تقويض كل قنوات الاتصال السياسية والدبلوماسية والأمنية. وحتى «الخط الساخن» الذي طالما عوّل عليه البلدان لمواجهة الظروف الطارئة وتجنّب الانزلاق إلى احتكاكات مقصودة أو غير مقصودة، جرى تجميده كلياً. كانت تلك، وفقاً لمسؤولين روس، أسوأ أربع سنوات في العلاقات، ولقد تحوّلت فيها الولايات المتحدة إلى خصم مباشر، و«شريك رئيس في الحرب الهجينة ضد روسيا». ولم ينعكس التدهور فقط في ملفات أوكرانيا والأمن الاستراتيجي والوضع في أوروبا - وهي القضايا المركزية التي تشغل بال الكرملين - بل أيضاً امتد في تأثيره بعيداً عن الجغرافيا الحيوية لروسيا... ليصل إلى الملفات الإقليمية الساخنة في الشرق الأوسط التي شهدت تصعيداً متواصلاً فاقم تأجيج الأزمة في العلاقات.

بمجرد اتضاح نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، بدأ محللون روس في وضع «سيناريوهات» للتقارب مع الإدارة الجمهورية الجديدة في واشنطن. ولطالما كان ينظر في موسكو للرئيس المنتخب دونالد ترمب على أنه «قادر على إعادة تشغيل العلاقات مع موسكو»، والتوصل إلى تسويات أو «صفقات» حول القضايا الأكثر خلافية.

بيد أن الكرملين كان قد خاض تجربة مريرة مع ولاية ترمب الأولى، عندما بدا الرئيس - المتهم بالتعاون سرّاً مع روسيا - عاجزاً عن مواجهة تركة باراك أوباما الثقيلة في العلاقة مع موسكو. لذلك لم ينجح التفاؤل الروسي في حينه، ولا الخطوات المحدودة التي انتهجها ترمب في تحسين العلاقات جدياً، ووضع «سيناريوهات» للتعاون في ملفات دولية أو إقليمية. بل بالعكس من ذلك، فقد واجهت روسيا في ولاية ترمب السابقة أضخم رُزم عقوبات فرضتها واشنطن. ومن ناحية ثانية، فشل الطرفان أيضاً في تحسين شروط التعاون حيال ملفات إقليمية مهمة، فتدهور الوضع حول إيران بعد انسحاب ترمب من الاتفاقية النووية، وتراجع الأخير عن تنفيذ تعهد الانسحاب من سوريا.

ثلاثة أفخاخ

بناءً عليه، بدت موسكو أكثر حذراً هذه المرة وهي تستقبل أنباء فوز ترمب الساحق. وحقاً، تجنّبت تعليق آمال جدية، بانتظار ما ستقدم عليه الإدارة الجديدة من خطوات عملية فور تسلم الرئيس منصبه رسمياً في يناير (كانون الثاني) المقبل.

لكن هذا لم يمنع التوقّعات المتشائمة، التي غلبت على العلاقة، من البروز بشكل مباشر أو غير مباشر. والحال أن موسكو تبدو حالياً ضعيفة الثقة بقدرة «ترمب الجديد» على تجاوز التغيّرات الكبرى التي شهدتها الأوضاع الإقليمية والدولية خلال السنوات الأخيرة. وفي هذا الإطار، أجمل أليكسي بوشكوف، عضو مجلس الشيوخ الروسي وأحد خبراء السياسة المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين، المأزق الذي يواجه ترمب بأنه يشتمل على «ثلاثة أفخاخ صعبة».

الفخ الأول، بطبيعة الحال، هو ملف أوكرانيا: فلقد استثمرت الولايات المتحدة بالفعل الكثير في أوكرانيا لدرجة أنها ما عادت تعرف كيفية الخروج من هذه الأزمة. وهنا لا تتوقف موسكو كثيراً عند الوعود الانتخابية لترمب بإنهاء الحرب في 24 ساعة. ويتساءل بوشكوف: «هل ستتخلى واشنطن عنها مثل أفغانستان؟ لم يعد يمكنها ذلك». أو تكمل ما بدأته الإدارة الديمقراطية؟ عندها... وكما حذّر ترمب بحق، فإن هذا قد يؤدي إلى صراع نووي مع روسيا. تدرك موسكو حجم الصعوبات التي تواجه ترمب في هذا الملف.

أما الفخ الثاني، فهو شرق أوسطي. وهنا - حسب بوشكوف - «لا يمكن لترمب التراجع عن دعم إسرائيل بسبب وجود لوبي قوي جدّاً مؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة. لكنه لا يستطيع دعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علناً في كل ما يفعله، لأن هذا يضرّ بمكانة الولايات المتحدة في العالم العربي (...) ولأن المخطط الأميركي لمصالحة إسرائيل مع جيرانها ما زال موضع شك. لقد حاولت الولايات المتحدة إخراج إسرائيل من عزلتها في المنطقة... لكن هذا المدخل لم يعد يعمل. وعلاوة على ذلك: يُصرّ العالم العربي على إقامة الدولة الفلسطينية، وهو ما ترفضه إسرائيل بشكل قاطع. إذن فهذا أيضًاً فخ».

وأما الفخ الثالث فهو تايوان. ووفقاً لبوشكوف: «من الممكن أن تصبح قضية تايوان فخاً كبيراً للولايات المتحدة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ستدعم أوروبا الأميركيين إذا دخلت الولايات المتحدة في صراع مع الصين؟ لقد قوّضت أوروبا نفسها اقتصادياً بشدة بالفعل بسبب انفصالها عن روسيا. وإذا فتحت أيضاً معركة مع الصين، التي يبلغ حجم تجارة الاتحاد الأوروبي معها تريليون دولار أميركي، فمن المرجح أن ينهار الاقتصاد الأوروبي ببساطة».

قنابل موقوتة

السياسي الروسي يرى أن «الأفخاخ الثلاثة» تمثل قنابل موقوتة بالنسبة إلى دونالد ترمب... مهما كانت طبيعة التركيبة النهائية لفريقه الرئاسي، أو خطواته الأولى على صعيد السياسة الخارجية.

فضلاً عن ذلك، يرى بوشكوف، أن ترمب الذي تعهد بإيلاء القدر الأكبر من الاهتمام للإصلاح الداخلي، سيواجه صعوبة كبرى في إيجاد توازن بين الانكفاء إلى الداخل من أجل تحسين الأداء الاقتصادي ومواجهة الهجرة و«إعادة أميركا عظيمة» بقدراتها واقتصادها ومستوى المعيشة لشعبها، وبين العمل بسرعة لتنفيذ وعود انتخابية بإنهاء حروب وتقليص التوتر في أزمات خارجية. ويضيف متسائلاً: «كيف يمكن أن تكون أميركا عظيمة مجدّداً... وهي تنكفئ في السياسة الدولية؟».

تبدو موسكو حالياً ضعيفة الثقة بقدرة «ترمب الجديد» على تجاوز

التغيّرات الكبرى التي شهدتها الأوضاع الإقليمية والدولية خلال السنوات الأخيرة

تباين حيال التسوية في الشرق الأوسط

لا يبدو أن موسكو تثق كثيراً بقدرة ترمب على لعب دور نشط لإنهاء الحرب على غزة ولبنان، ودفع الإسرائيليين إلى التوصّل لحلول سياسية تعيد الهدوء - ولو نسبياً - إلى الشرق الأوسط.

وهنا، يذكر خبراء أن المدخل الأميركي السابق قام على أساس تعزيز اتفاقات تطبيع وفرض سلام من نوع خاص، لا يؤدي إلى تسوية سياسية حقيقية تنهي العنف في المنطقة وتنزع ذرائعه.

وترمب نفسه أعرب خلال فترة ولايته الرئاسية الأولى عن نيته التوسط في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكنه أظهر لاحقاً التقارب مع إسرائيل من أجل كسب دعم المانحين الرئيسيين والناخبين الرئيسيين، وخاصة الصهاينة المسيحيين الإيفانجيليين.

بحسب خبراء، هذا الموقف يتوافق مع النهج القائل: «أميركا تفعل ما تريد، وبالتالي أصدقاء أميركا يفعلون ما يريدون». مع الإشارة هنا إلى أن هذا النهج المائل إلى عقد «صفقات» ينصّ على «امتيازات خاصة للحلفاء كدفعة مقابل الأمن». غير أن موسكو ليست مقتنعة بأن هذا المدخل سيعزّز طريق الحلول النهائية للمنطقة.

ومقابل القناعة الروسية بالعودة إلى الآليات التي توافر عليها نوعٌ من الإجماع الدولي، كإحياء «الرباعية الدولية» وتوسيعها بضم بعض الأطراف الإقليمية المهمة (المملكة العربية السعودية ومصر وجامعة الدول العربية)، وأيضاً العودة إلى مبادئ التسوية القائمة على أساس رفض التوسّع الجغرافي للاحتلال، وإعلاء «مبدأ حل الدولتين» ووضع خرائط طريق جديدة بينها «المبادرة العربية للسلام»، فإن مدخل ترمب يقوم على عقد صفقات سريعة للتهدئة، وترك المناطق أمام «برميل بارود» قابل للانفجار مجدداً في أي وقت.

في هذا الإطار لا يتوقّع خبراء روس أن تكون التسوية في الشرق الأوسط بين أولويات الحوار المنتظر مع الإدارة الأميركية الجديدة، بالنظر إلى أن هذا الموضوع فيه تباعد واسع في وجهات النظر، ولا يدخل ضمن الملفات التي قد يكون بوسع الطرفين التوصل إلى صفقات حولها.

وفي الوقت ذاته، ترى موسكو - وفقاً لتحركات محدَّدة برزت في سوريا، ومن خلال حوارات مكثفة أجريت غالباً خلف أبواب مغلقة مع الجانب الإسرائيلي - أن بوسعها لعب دور أساسي في تأكيد دورها بضمان أمن إسرائيل من جهة سوريا وإيران مستقبلاً. وهو ما يعني أن هذا الموضوع قد يكون جزئياً على طاولة حوار روسي - أميركي في وقت لاحق.

تأهب للحوار حول سوريا

في هذه الأثناء، لدى الأوساط الروسية نظرة إيجابية، ولكن حذرة، بشأن احتمالات سحب ترمب القوات الأميركية من سوريا إبان ولاية ترمب الجديدة.

موسكو تتذكر الإرادة الأميركية في الانسحاب من سوريا إبان ولاية ترمب السابقة، لكن يومذاك كان التهديد الإرهابي ما زال نشطاً، والخطوط الفاصلة ومناطق النفوذ لم تكن قد تبلورت بشكل شبه نهائي. لذا يرى خبراء روس أن ترمب عندما يتكلّم عن سحب القوات حالياً فهو ينطلق من واقع ميداني وسياسي جديد. وبالتالي، سيكون حذراً للغاية عند مناقشة هذه المشكلة مجدداً.

أيضاً، ونظراً لوعود ترمب الانتخابية المتكررة، يُرجح أن ترغب واشنطن في سحب قواتها من سوريا، لكن لا يبدو لموسكو أن هذه القضية ستكون مُدرجة على جدول الأعمال ضمن أولويات التحرك الأميركي حالياً.

لقد قوبلت خطط ترمب لسحب القوات في السابق بمقاومة مفتوحة، خاصة من «القيادة الوسطى» الأميركية وشخصيات، مثل بريت ماكغورك، الذي عمل مبعوثاً خاصاً لمكافحة «داعش» حتى أواخر عام 2018، واستقال قبل شهرين من انتهاء فترة ولايته، مباشرة بعد قرار إدارة ترمب سحب القوات من سوريا في 19 ديسمبر (كانون الأول) 2018. بعدها عيّن جو بايدن، الرئيس الأميركي المنتخب، عام 2020، ماكغورك منسقاً لمجلس الأمن القومي الأميركي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، واكتسبت سياسة واشنطن في سوريا لدعم حزب العمال الكردستاني «وحدات حماية الشعب» زخماً.

حالياً يعود الملف إلى دائرة النقاش، ولقد برز بشكل واضح خلال اجتماعات «جولة آستانة للحوار» التي انعقدت أخيراً. وأكد المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف إلى سوريا في ختام الاجتماعات أن موسكو منفتحة على الحوار مع الإدارة الأميركية الجديدة فور تشكيلها، لبحث الملفات المتعلقة بسوريا. وقال الدبلوماسي الروسي: «إذا كانت هناك مقترحات، فإن الجانب الروسي منفتح، ونحن على استعداد لمواصلة الاتصالات مع الأميركيين».

وفي هذا المجال، تنطلق موسكو من قناعة بأنه لا يمكن التوصل إلى بعض الحلول الوسط إلا من خلال المفاوضات المباشرة. وهي هنا مستعدة للاستماع إلى وجهات النظر الأخرى، وربما تقديم بعض الضمانات التي تحتاج إليها واشنطن لتسريع عملية الانسحاب ودعم التسوية في سوريا برعاية روسية تضمن مصالح الأخيرة.