مايك بومبيو... السير في حقل الألغام

ملفات نووي إيران وكوريا الشمالية وسوريا والإرهاب في صدارة مهام وزير الخارجية الأميركي الجديد

مايك بومبيو... السير في حقل الألغام
TT

مايك بومبيو... السير في حقل الألغام

مايك بومبيو... السير في حقل الألغام

ينتظر مايك بومبيو، وزير الخارجية الأميركي الجديد، حقلاً مليئاً بالألغام السياسية. فهو يأتي إلى رأس الدبلوماسية الأميركية في توقيت بالغ الأهمية لجهة الملفات السياسية الخارجية الساخنة التي يُفترض به أن يتعامل معها، حيث يتولى، وهو وزير الخارجية السبعون، إدارة ملف اتفاق نووي مع إيران يواجه خطر الانهيار، في ظل تكهنات بأن يقرر الرئيس دونالد ترمب الانسحاب منه في 12 مايو (أيار) الحالي. كذلك سيتولى الوزير الجديد ملف نزع الصبغة النووية عن شبه الجزيرة الكورية، ووضع خطة لتفكيك برنامج بيونغ يانغ لأسلحة الدمار الشامل. كما أن أمامه ملفات الشرق الأوسط الساخنة، بما في ذلك الأزمة السورية، والحرب في اليمن، ومكافحة الإرهاب، وهزيمة «داعش».

يتزامن مجيء بومبيو (55 عاماً) على رأس الدبلوماسية الأميركية مع افتتاح الولايات المتحدة سفارتها الجديدة في إسرائيل في مدينة القدس، يوم 14 مايو، في خطوة انتقدتها دول عربية وإسلامية، وأشعلت مشاعر معادية للولايات المتحدة في أكثر من منطقة. وسيتوجب على الوزير الجديد أيضاً إدارة علاقات يشوبها التوتر مع روسيا، والسير على خط رفيع بين تنسيق العمل الدبلوماسي مع موسكو ومحاربة نشاطها على أكثر من ساحة.
وسيكون على وزير الخارجية الجديد التعامل مع تداعيات ما فرضته إدارة ترمب من تعريفات جمركية على واردات الألمنيوم والصلب من أوروبا وكندا والمكسيك، وهو ما ألحق الضرر بالعلاقات مع بعض أقرب حلفاء أميركا وشركائها التجاريين، إضافة إلى تهدئة وإطفاء فتيل الحرب التجارية التي يمكن أن تشتعل بين الولايات المتحدة والصين.
لكن وزير الخارجية الجديد يأتي مستعداً، بخبرة استخباراتية دامت 14 شهراً قضاها مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، وخبرة لأكثر من 5 سنوات (بدأت عام 2010) في العمل السياسي نائباً جمهورياً بمجلس النواب عن المقاطعة الرابعة لولاية كنساس (كان عضواً بارزاً بحزب حركة الشاي). وخلال عمله في مجلس النواب، كان بومبيو عضواً في لجان الاستخبارات والطاقة والتجارة.
وفي أول زيارة للرئيس ترمب، منذ توليه الرئاسة، إلى مقر وزارة الخارجية الأميركية، لحضور مراسم تنصيب بومبيو، الأربعاء الماضي، قال الرئيس الأميركي إن وزارة الخارجية ستقوم بـ«أعمال عظيمة» تحت إدارة وزيرها الجديد، في تصريح يشير إلى توافق كبير بين الرجلين.
وأبدى كثيرون من موظفي الخارجية الأميركية تفاؤلهم بمجيء بومبيو وزيراً للخارجية. وقال بريت بورين، المسؤول السابق في وزارة الخارجية، إن ريكس تيلرسون، وزير الخارجية السابق، رجل جاد، وقد عمل جاهداً في فترة وجوده في الخارجية، لكنه أدار الوزارة كشركة اقتصادية، وقلص كثيراً من المناصب، وخفض الميزانية، واكتفى بمجموعة صغيرة من المقربين، ما أدى إلى خفض الروح المعنوية لدى موظفي الخارجية.
كذلك قال موظفون في الخارجية، بشرط عدم نشر أسمائهم، إن الدبلوماسيين العاملين في الوزارة يشعرون بالارتياح، وينظرون إلى بومبيو بوصفه فرصة «لإعادة هيكلة وتشغيل المؤسسة الدبلوماسية». وقال مسؤول في الإدارة الأميركية: «أعتقد أن بومبيو سيكون أكثر انخراطاً في العمل الدبلوماسي، اعتماداً على خبرته في الاستخبارات، كما أن علاقته الوثيقة مع الرئيس ترمب ستمكن وزارة الخارجية من العمل بطريقة أكثر فاعلية، ليس فقط لمجرد قدرة بومبيو على التأثير وإقناع الرئيس، وإنما أيضاً لقدرة الدبلوماسيين في مبنى وزارة الخارجية على إقناع بومبيو نفسه». وفي المقابل، أبدى بعض كبار الموظفين قلقهم من آراء بومبيو الآيديولوجية القوية ومواقفه، كأحد «صقور» الحزب الجمهوري. وفي تصريحات للصحافيين مساء الثلاثاء، قال السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام إن بومبيو سيكون أكثر فاعلية على المسرح الدولي «لأن القادة الأجانب يعرفون أنه يتحدث باسم ترمب، فلا أحد لديه علاقة أقوى مع الرئيس من مايك بومبيو، وهذه العلاقة ستمكنه من أداء عمله بكفاءة وزيراً للخارجية».
وقال باتريك كرونيين، الباحث بمركز الأمن الأميركي الجديد، إن «تيلرسون لم يكن أبداً جزءاً متوافقاً مع فريق ترمب. وأعتقد أن الرئيس لديه الآن فريق الأمن القومي الذي يريده. وخلال الفترة الماضية، تحدث بومبيو مع عشرات من المتخصصين في السياسة الخارجية في واشنطن للتخطيط للتصدي للوظائف الشاغرة في وزارة الخارجية».
وتكشف مواقف بومبيو وتصريحاته السابقة الكثير عن شخصيته، كما تكشف أيضاً أسباب التوافق الوثيق بينه وبين ترمب. فقد أعلن بومبيو، مراراً، خلال عمله بمجلس النواب، معارضته للاتفاق النووي مع إيران، الذي أبرمته إدارة الرئيس باراك أوباما، ووجه انتقادات لاذعة للإدارة السابقة حول العيوب الواردة في الاتفاق، وشجع على الانسحاب منه، وقال في تصريحات معلنة: «إنني أتطلع إلى التراجع عن هذا الاتفاق الكارثي مع أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم»، وقال في تصريحات أخرى: «إن أفضل خيار من التفاوض مع إيران هو استخدام أقل من ألفي ضربة لتدمير القدرات النووية الإيرانية».
وقد سافر كل من بومبيو والسيناتور الجمهوري توم كوتون (الذي تردد اسمه سابقاً لتولي إدارة وكالة الاستخبارات المركزية، خلفاً لبومبيو. لكن لاعتبارات حزبية، وللحفاظ على الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ضحى كوتون بأحلامه في هذا المنصب) إلى فيينا، خلال المفاوضات بين إيران والدول الست، بهدف مراجعة خطة الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول الأبعاد العسكرية المحتملة لبرنامج إيران النووي.
وفي يوليو (تموز) 2015، أعلن بومبيو والسيناتور كوتون عن وجود اتفاقات جانبية سرية بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن إجراءات التفتيش، والتحقق من الأنشطة النووية الإيرانية. وقد اعترف مسؤولو إدارة أوباما بوجود اتفاقات بين إيران ووكالة الطاقة الذرية، لكنهم نفوا وصفها بأنها «سرية».
وخلال عمله مديراً للاستخبارات، كان مشروع بومبيو المفضل هو جمع الوثائق التي تربط إيران بالتنظيمات الإرهابية، خصوصاً تنظيم القاعدة. وقد أفرجت وكالة الاستخبارات المركزية، في عهده، عن كثير من أوراق أسامة بن لادن، ووثائق حول علاقات طهران بمنظمات إرهابية.
ولوزير الخارجية الأميركي الجديد مواقف واضحة في مساندة إسرائيل. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، زار بومبيو إسرائيل، وصرح بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هو الشريك الحقيقي للشعب الأميركي، وأن جهوده لمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية تستحق الإعجاب والتقدير، وقال: «في حربنا ضد الإرهاب، يعد التعاون بين إسرائيل والولايات المتحدة أكثر أهمية عن ذي قبل». وبعد أسبوعين من الزيارة، أطلق تصريحات قال فيها إنه يدين الهجمات العنيفة ضد دولة إسرائيل، وأشاد بدور رجال الأمن الوطني الإسرائيلي في مواجهة هجمات الفلسطينيين، وأضاف: «لا يمكن أن ندع أعمال الإرهاب تستمر، ويجب أن نقف مع حليفتنا إسرائيل، ونضع حداً للإرهاب، والهجمات المستمرة من قبل الفلسطينيين تقلل من احتمالات السلام».
أما في ما يتعلق بكوريا الشمالية، فقد قال بومبيو عام 2017، في ندوة لمركز اسبن للأمن في ولاية كولورادو: «سيكون أمراً عظيماً نزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية، لكن الشيء الأكثر خطورة في الأمر هو الشخصية التي تسيطر اليوم على كوريا الشمالية (كيم جونغ - أون). ومن وجهة نظر الإدارة، فإن أهم شيء يمكننا القيام به هو فصل هذين الاثنين». وبينما لم يشرح صراحة إمكانية التغيير في بيونغ يانغ، قال مدير وكالة الاستخبارات، وقتئذ، إنه يعتقد أن الشعب الكوري الشمالي يجب أن يرى كيم جونغ أون وقد خرج من السلطة.
ورعى بومبيو، خلال عمله نائباً بمجلس النواب الأميركي، مشروع قانون لإدراج جماعة الإخوان المسلمين على لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية، لكنه أصدر تصريحات اعتبرها البعض متحاملة على القادة المسلمين، حيث ألقى خطاباً في مجلس النواب عام 2013، قال فيه إن الزعماء المسلمين الذين لا ينددون بأعمال الإرهاب التي تتم باسم الإسلام هم «متواطئون محتملون». وعارض بومبيو إغلاق معتقل غوانتانامو، وانتقد قرارات إدارة أوباما حول ضرورة إغلاق «المواقع السوداء»، أو السجون السرية لوكالة الاستخبارات، والقيود التي فرضها أوباما لإلزام جميع المحققين بقوانين مكافحة التعذيب.

- سيرته الذاتية
تشمل مسيرة حياة بومبيو محطات كثيرة، انتقل فيها من الخدمة في فرقة المشاة في الجيش الأميركي إلى دراسة القانون في جامعة هارفارد، والعمل في مجال المحاماة، إلى مجال العمل الاستثماري والبيزنس، إلى مجال العمل السياسي والحزبي والترشح لمجلس النواب عن المقاطعة الرابعة لولاية كنساس. وانخرط في لجان المجلس المعنية بالاستخبارات والطاقة والتجارة، واختاره الرئيس ترمب ليكون مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية، ثم وزيراً للخارجية.
اسمه بالكامل هو مايكل ريتشارد بومبيو، من مواليد 30 ديسمبر (كانون الأول) 1963، من أسرة إيطالية هاجرت إلى الولايات المتحدة منذ عقود، وأقامت في ولاية كاليفورنيا. وقد عاش بومبيو في كنف أمه دورثي وأبيه واين بومبيو، وتخرج من مدرسة سان اميغوس الثانوية في مقاطعة فاونتن فالي، في كاليفورنيا، وكان مشهوراً في دراسته الثانوية بممارسة رياضة كرة السلة، وكان الأول على دفعته في الأكاديمية العسكرية الأميركية في ويست بوينت عام 1986، حيث تخصص في الإدارة الهندسية.
خدم بومبيو في الجيش الأميركي لمدة 4 سنوات، من عام 1986 إلى عام 1991، مسؤول فرع في فرقة المشاة، ووصل إلى رتبة نقيب. وبعدها، انتقل إلى دراسة القانون في جامعة هارفارد، وعمل صحافياً متخصصاً في مجلة هارفارد للقانون والسياسة العامة خلال فترة الدراسة. وبعد تخرجه عام 1994، عمل محامياً في شركة المحاماة ويليامز وكونولي في واشنطن لمدة 4 سنوات.
دفعته دراسته العسكرية، مع 3 من أصدقاء الدراسة في الأكاديمية العسكرية ويست بوينت، إلى خوض تجربة جديدة في مجال البيزنس عام 1998، فدخل مع أصدقائه في مشروع لشراء شركات تصنيع الطائرات في مدينة ويتشيا بولاية كنساس، وشارك في مشاريع استثمارية عدة، واستمر في عمله الاستثماري حتى عام 2006، حين باع أسهمه في بعض الشركات وأصبح رئيساً بشركة «سنتري إنترناشونال»، وهي شركة معدات لحقول النفط، وصار شريكاً لشركة «كوش» للصناعات.
انتقل بومبيو بعد ذلك إلى النظر في المسار السياسي وخوض الانتخابات لمجلس النواب عن المقاطعة الرابعة في ولاية كنساس عام 2010، واستطاع الفوز على منافسيه في الانتخابات التمهيدية، بمساندة مجموعات سياسية أنفقت عشرات الآلاف من الدولارات لحملته (وتبرعات من شركة «كوش» للصناعات وموظفيها، وصلت إلى 80 ألف دولار). وفاز بومبيو في الانتخابات العامة، وهزم المرشح الديمقراطي راج جويلي عضو مجلس النواب، وحصل على 59 في المائة من الأصوات.
وفي عام 2012، استطاع بومبيو الفوز وإعادة انتخابه لمجلس النواب بنسبة 60 في المائة من الأصوات، ملحقاً الهزيمة بمنافسة الديمقراطي دانييل جييرو. وفي تلك الانتخابات، أثار بومبيو كثيراً من الجدل، حينما غرد على حسابه على «تويتر» واصفاً خصمه من أصول هندية بأنه «يرتدي العمامة»، كما وصف الرئيس باراك أوباما بأنه شيوعي و«مسلم شرير». وحذف بومبيو تلك التغريدات، لكنها ظلت تثير تساؤلات حول مواقفه من الأقليات الدينية والإثنية.
وقد حاز بومبيو خلال عمله في مجلس النواب على تقدير كثيرين ممن عرفوه، فقد اشتهر بانخراطه وعمله الدؤوب في لجان عدة في المجلس، وكان له دور متميز في لجنة الاستخبارات ولجنة الطاقة ولجنة التجارة واللجان الفرعية المرتبطة بها.
ولم يكن طريق بومبيو إلى رأس وكالة الاستخبارات المركزية صعباً، فقد رشحه الرئيس دونالد ترمب في نوفمبر 2016، بعد أسبوع من نجاحه في الانتخابات الرئاسية، وحظي بتأكيد ترشحه في مجلس الشيوخ الأميركي في يناير (كانون الثاني) 2017، بتصويت 66 عضواً من إجمالي 100 عضو.
ويُنسب لبومبيو خلال عمله مديراً للاستخبارات المركزية تعزيز جسور التعاون بين إدارة ترمب والمملكة العربية السعودية. والمثير أن أول زياراته الخارجية كمدير لوكالة الاستخبارات المركزية، وأيضاً أول زياراته كوزير للخارجية، كانت إلى المملكة العربية السعودية. ففي فبراير (شباط) 2017، سافر بومبيو إلى كل من السعودية وتركيا، حيث تركزت نقاشاته حول الأزمة السورية، ومكافحة «داعش». وفور تأكيد تعيينه وزيراً للخارجية في نهاية أبريل (نيسان) 2018، سافر بومبيو إلى بلجيكا والسعودية، ثم الأردن وإسرائيل، وتركزت نقاشاته على الاتفاق النووي الإيراني، ودور إيران في سوريا والعراق، ومكافحة «داعش».
وعادة ما يقوم بومبيو شخصياً بتسليم الملخص اليومي الاستخباراتي إلى المكتب البيضاوي، وقد أشار عدد من المسؤولين في البيت الأبيض إلى العلاقة الوثيقة التي ربطت بين ترمب ومدير الاستخبارات المركزية، وتوافقهما حول كثير من القضايا.
وخلال عمله في الاستخبارات المركزية، استطاع بومبيو استصدار «امتياز تنفيذ» يحمي عملاء وكالة الاستخبارات، وبينهم جينا هاسبل (نائبة مدير الوكالة، والمرشحة حالياً لرئاستها)، وجيمس كوتسانا، من إجبارهم على الشهادة في محاكمات تتعلق باعتقال وتعذيب معتقلين في السجون السرية للوكالة في الخارج. واستخدم بومبيو هذا الامتياز التنفيذي الذي يعني أن السلطة التنفيذية تطلب من القاضي في القضية إبقاء المعلومات خارج سجلات المحكمة، عن طريق التأكيد أن الكشف عنها من شأنه الإضرار بالأمن القومي الأميركي.
وفي أغسطس (آب) 2017، تولي بومبيو قيادة مركز مكافحة التجسس، وهو المركز المكلف بإجراء التحقيقات في الصلات المحتملة بين حملة ترمب والمسؤولين الروس، وقد أثار ذلك انتقادات مديري وكالة الاستخبارات المركزية السابقين، الذين أبدوا قلقهم لأن بومبيو كان معروفاً بولائه وصلته الوثيقة بالرئيس ترمب. وفي سبتمبر (أيلول) 2017، سعى بومبيو إلى الحصول على امتياز خاص لوكالة الاستخبارات المركزية لتنفيذ ضربات عسكرية باستخدام الطائرات من دون طيار في أفغانستان دون تدخل «البنتاغون». وقد رحب البيت الأبيض والرئيس ترمب بذلك، رغم مخاوف بعض المسؤولين في «البنتاغون».
وكان هذا الامتياز الأول في تاريخ وكالة الاستخبارات المركزية، وتجاوز حدود سلطة الوكالة بتنفيذ هجمات سرية ضد تنظيم القاعدة، وغيره من الأهداف الإرهابية في أفغانستان وباكستان. ويبدو أن سعي بومبيو وجد توافقاً لدى الرئيس ترمب الذي صرح كثيراً خلال الشهور الأولى من ولايته بضرورة ملاحقة الجماعات المتطرفة في أفغانستان، بما في ذلك «القاعدة» و«داعش» و«طالبان» و«شبكة حقاني».
ويوضح مسؤول في الإدارة الأميركية (بشرط عدم الكشف عن هويته) أن بومبيو في تلك الفترة أقنع ترمب بأن القيود التي وضعتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما قيدت من قدرة الولايات المتحدة على القيام بعمليات مكافحة الإرهاب، واقترح أن يمنح ترمب سلطات أكبر للاستخبارات المركزية لملاحقة الجماعات الإرهابية حول العالم، وهو الأمر الذي وجد قبولاً وترحيباً لدى الرئيس الأميركي.
ويشير المسؤول إلى أن وزير الدفاع جيمس ماتيس لم يعترض على طلب مدير الاستخبارات المركزية، لكن هذا الأمر أثار كثيراً من النقاشات داخل «البنتاغون»، حول تحمله مسؤولية أي ضربات تقتل مدنيين، لأن وكالة الاستخبارات لن تعترف علناً بتلك الهجمات.
ومن أبرز الأمور التي لعب فيها بومبيو دوراً بارزاً، كشفه الرئيس ترمب بشكل علني، قيام مدير الـ«سي آي إيه» السابق، خلال عطلة عيد الفصح بداية أبريل الماضي، بزيارة سرية لكوريا الشمالية، والاجتماع مع كيم جونغ - أون، لمناقشة اللقاء المرتقب الذي يجمع الرئيس الأميركي بزعيم كوريا الشمالية. ووزع البيت الأبيض لاحقاً صوراً تجمع بومبيو بالزعيم الكوري. ولا يوجد كثير من المعلومات حول حياته الخاصة، حيث طلق زوجته الأولى ليزلي، وتزوج من سوازن بومبيو، وله منها ولد واحد. وينتمي بومبيو إلى الكنيسة البروتستانتية الإنجيلية، وكان في مراحل حياته الأولى شماساً في الكنسية ومعلماً في مدارس الأحد التي تقدم التعاليم الدينية المسيحية للأطفال. ولا يزال التزام بومبيو بكنيسته وتعاليمها مستمراً حتى اليوم.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.