«إيتا»... المشهد الأخير في كابوس الإرهاب

المنظمة الباسكية حلّت نفسها وطلبت الغفران

«إيتا»... المشهد الأخير في كابوس الإرهاب
TT

«إيتا»... المشهد الأخير في كابوس الإرهاب

«إيتا»... المشهد الأخير في كابوس الإرهاب

بعد البيان الذي صدر عن منظمة «إيتا» الباسكية تعلن فيه حلّ نفسها، في الحادي والعشرين من الشهر الماضي، منهية خمسة عقود من الكفاح المسلّح ضد ديكتاتورية الجنرال فرانكو، ثم ضد الديمقراطية اليافعة والمترنحة لسنوات، ومئات عمليات الاختطاف والتفجيرات الإرهابية التي أوقعت 853 قتيلاً بين عسكري ومدني، وبعد كشفها عن مخابئ أسلحتها في الأراضي الفرنسية التي كانت ملاذها في وجه ملاحقات أجهزة الأمن الإسبانية، أُسدِل الستار أمس عن المشهد الأخير من الكابوس المديد الذي عاشته إسبانيا عندما أعلنت آخر المنظمات الإرهابية في أوروبا تخلّيها نهائياً عن أعمال العنف وقررت تسليم ترسانتها، وطلبت الغفران من ضحاياها.

المكان الذي اختارته «إيتا» للفصل الختامي في هذه المسرحية التي تسببت في وقوع مئات القتلى وآلاف الجرحى واليتامى والأرامل من غير أي حصيلة سياسية تُذكر، هو قصر من مطالع القرن الماضي يقع في ضاحية مدينة بايونا من أعمال بلاد الباسك الفرنسية. وقد جاء في البيان الذي صدر عن الناطق بلسان مجموعة الاتصال الدولية التي لعبت دوراً أساسياً في تيسير الوصول إلى هذه المرحلة: «نحن على يقين من أن الباسك، شعباً وأحزاباً سياسية، قد بذلوا جهداً كبيراً لتذليل الصعاب والتقدم نحو السلام العادل والدائم في ظروف كانت وما زالت صعبة».
اللقاء الذي اختارت له «إيتا» أن يكون في الجنوب الفرنسي الذي كان قاعدتها الخلفية وملاذها في وجه ملاحقات قوى الأمن الإسبانية، والذي هو كذلك جزء من «الوطن الباسكي» الذي تطالب باستقلاله، جاء تتويجاً للجهود التي بدأت في خريف عام 2011، عندما انعقد مؤتمر دولي للسلام في مدينة سان سيباستيان بمشاركة الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان، والزعيم السابق للذراع العسكرية للجيش الجمهوري الآيرلندي جيري آدامز، ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، أعلنت «إيتا» في أعقابه تخلّيها عن العمل المسلح. وفي العام الماضي، سلّمت المنظمة الباسكية ثلاثة أطنان من المتفجرات وآلاف الصواعق وكميات كبيرة من الذخيرة كانت مخزّنة في مخابئ على جانبي الحدود الإسبانية - الفرنسية.
كان واضحاً منذ بداية الفصل الأول من هذه العملية حرص «إيتا» على أدقّ التفاصيل الاستعراضية واجتذاب أكبر قدر ممكن من التغطية الدولية لمشروعها الانسحابي استعداداً لمرحلة جديدة من النشاط السياسي، إثر الهزائم القاسية التي ألحقتها بها أجهزة الأمن الإسبانية، خصوصاً بعد التعاون الوثيق مع الأجهزة الأمنية الفرنسية في السنوات الأخيرة. وقد بلغت تلك التفاصيل الاستعراضية ذروة رمزيتها عندما وقع اختيار «إيتا» على واحدة من أبرز قادتها التاريخيين، سوليداد إيباراغيري، لتلاوة البيان النهائي الذي أعلنت فيه «ختام مسيرة الكفاح المسلح».
وفي سيرة إيباراغيرّي المولودة بُعيد ظهور «إيتا» أنها وُلِدت في كنف عائلة كرّست حياتها للمنظمة الباسكية، ولها ولد من أحد القياديين البارزين في الحركة، وهي متهمة بأربع عشرة عملية اغتيال.
وفي سياق تحضيرها لهذا اللقاء، كانت «إيتا» قد أصدرت بياناً منذ أسبوعين تطلب فيه «الغفران من المواطنين الذين لم تكن لهم مسؤولية في النزاع»، واعترفت بما ألحقته من «ضرر لا يعوّض خلال مرحلة الكفاح المسلح». كما جاء في البيان: «ندرك أننا خلال تلك الفترة تسببنا بألم كبير وخسائر فادحة. نريد أن نعرب عن احترامنا للموتى والجرحى والضحايا التي أوقعتها تلك العمليات». وأضافت: «في ذلك النزاع السياسي والتاريخي كان القهر سائداً قبل نشوء (إيتا) واستمرَّ بعد أن أوقفت اغتيالاتها». وكان لافتاً، ومستغرباً، ما جاء في البيان عن القصف الذي تعرّضت له مدينة غرنيكا (خلّدها بيكاسو في لوحته الشهيرة) الباسكية إبّان الحرب العالمية الثانية على يد الطيران النازي الذي قصفها بوحشية موصوفة، نزولاً على طلب الجنرال فرانكو، بحيث لم يعد فيها سوى شجرة ما زالت إلى اليوم رمزاً للصمود الباسكي: «إن الأجيال اللاحقة لقصف غرنيكا قد ورثت ذلك العنف وما خلّفه من عذاب، لكن من واجبنا اليوم أن نبني مستقبلاً أفضل لمن يأتي بعدنا».
وقد ألحقت «إيتا» بيانها بمذكرة تشرح فيها الأسباب التي حدت بها لطلب الغفران من ضحاياها، طالبة «كشف الحقائق والانتصاف لضحايا الباسك عن العنف الذي تعرضوا له ولم يعلن أحد مسؤوليته عنه». لكنها رفضت الكشف عن ملابسات مئات العمليات التي ما زالت طي الغموض «لأن الوشاية انتحار سياسي لا يمكن أن نقبل به».
وقد أثارت تلك المذكرة احتجاجات واسعة وانتقادات شديدة لما وُصف بأنه محاولات من «إيتا» لتبرير جرائمها «وإضفاء صورة كفاحية على أعمالها الإرهابية».
أبناء الضحايا وذويهم رفضوا في غالبيتهم بيان «إيتا» لأنه «يساوي بين الضحية والجلاد»، واعتبروه «مناورة لتلميع صورتها» واعتذاراً تكتيكياً للعودة إلى العمل السياسي من باب واسع بعد الهزيمة التي مُنِيَت بها، وفشلت في تحقيق أهدافها.
ورأى البعض أن الملاحقات القضائية يجب أن تستمر حتى كشف كل الحقائق ومحاسبة المسؤولين عن كل الجرائم، وأن «هذا الاعتذار الذي فرضه فشل (إيتا)، وانهيار بنيتها العسكرية وتلاشي التأييد الشعبي لمشروعها، لا يمكن أن يشكّل صفحاً عمّا ارتكبته».
والدة أحد رجال الحرس المدني الذي اغتالته «إيتا» في واحدة من آخر عملياتها عندما أطلق أحد أعضاء المنظمة النار عليه من الخلف، قالت: «حاولتُ، لكن لا قدرة لي على النسيان أو على الغفران... لقد دمرّوا حياتنا». أما المنسّق العام للقوى القومية والاستقلالية في بلاد الباسك، آرنالدو أوتيغي، فقد رأى في خطوة «إيتا» حدثاً تاريخياً «لا سابق له في تاريخ المنطقة»، ودعا الجميع إلى تحمل مسؤولياتهم.

- الحكومة الإسبانية: هزيمة عصابات الإرهاب
الحكومة الإسبانية، من جهتها، أعربت عن ارتياحها للبيان واعتبرت أن هذه الخطوة هي «ثمرة سيادة القانون وكرامة الضحايا التي ألحقت الهزيمة بالعصابة الإرهابية». أما الأمين العام للحزب الاشتراكي، بيدرو سانتشيث، فقد رأى في بيان «إيتا» اعترافاً بـ«أن الديمقراطية الإسبانية هي التي قضت على (إيتا)»، لكنه حذّر من «أن القتلة ليس من حقهم أن يعيدوا كتابة تاريخ بلاد الباسك بما يناسب أهدافهم ويغسل آثامهم».
وفي الوقت الذي أعلنت فيه المفوضية الأوروبية عن ارتياحها لهذه «الخطوة نحو السلام وسيادة القانون في إسبانيا وأوروبا»، كان لافتا البيان الذي صدر عن أساقفة المقاطعات الباسكية طالبين فيه المغفرة عن «حالات التواطؤ والغموض والإهمال» التي صدرت عن بعض أفراد الكنيسة خلال سنوات إرهاب «إيتا». وكانت العلاقات المتينة أساساً بين نظام الجنرال فرانكو والكنيسة الكاثوليكية قد شهدت توتراً شديداً عندما بدأت تظهر دلائل على التقارب بين الكنيسة الباسكية ومنظمة «إيتا»، حيث كانت الكنيسة تحجم باستمرار عن إدانة أعمالها الإرهابية، وغالباً ما تحاول تبريرها في المواعظ التي كان لها عميق الأثر في المجتمع الباسكي الذي كان شديد التعاطف مع «إيتا» طوال سنوات الديكتاتورية. كما ثبت غير مرة أن بعضاً من رجال الدين الباسك قد وفّروا الحماية والتغطية لعناصر من «إيتا» كانت تطاردهم السلطات الإسبانية.
لا شك في أن إعلان «إيتا» تخلّيها نهائياً عن أعمال العنف وطلبها الغفران عن أفعالها والاعتذار من الضحايا، رغم اقتصار الاعتذار على «الضحايا الذين لم تكن لهم مسؤولية مباشرة في النزاع»، هي أنباء سارة بالنسبة للمجتمع الإسباني الذي عاش سنوات من الرعب والانقسام الحاد في صفوفه. ولا بد من التذكير بأن إرهاب المنظمة الباسكية بلغ ذروته وأقصى عشوائيته خلال السنوات الأولى من النظام الديمقراطي بعد وفاة الجنرال فرانكو وإعلان الملكية الدستورية، مما جعل المجتمع الإسباني يحبس أنفاسه عند كل عملية إرهابية خوفاً من عودة الجيش إلى الإمساك بزمام السلطة متذرّعاً بضرورة الحفاظ على الأمن لينهي المشروع الديمقراطي الذي كان قد قبل به على مضض.
ولا يغيب عن أحد أن فصول مشهد تلاشي «إيتا» تتعاقب في عز احتدام أزمة انفصالية أخرى في إقليم كاتالونيا الذي كانت إسبانيا تعتبره «قدوة» بالنسبة إلى الأقاليم الأخرى، خصوصاً إقليم الباسك، من حيث نهجه المسالم وطبيعته التوافقية.
وقد حرصت الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام الإسبانية منذ أسابيع على عدم المقارنة بين الحالتين الباسكية والكاتالونية، وأحجمت عن أي تلميح أو استخلاص للعِبر من المقاربتين اللتين تشكلان التحدي الأكبر للنظام السياسي الإسباني منذ عقود.

- الاعتراف بالفشل
العبرة الأساس من قرار «إيتا» هي الاعتراف بالفشل في تحقيق الأهداف السياسية عن طريق استخدام القوة. والرسالة، غير الموجهة، إلى الانفصاليين في كاتالونيا أنه لا مجال لتجاوز القانون من أجل الوصول إلى الغايات السياسية، علماً بأن الحركة الانفصالية الكاتالونية لم تلجأ قطّ إلى استخدام العنف في مطالبها.
ومن غير المتوقع أن يلمس المجتمع الإسباني أي تداعيات فورية لخطوة «إيتا». فهناك مئات الملفات القضائية التي لم تحسم بعد، والعمليات التي لم تنجلِ ملابساتها، فضلا عن الانقسام الحاد الذي ما زال متجذراً في المجتمع الباسكي، والذي لن يكون من السهل تجاوزه في القريب المنظور. ومن علامات هذا الانقسام المرشح للظهور والتفاقم في أي مناسبة، الاعتداء الذي تعرض له أحد أفراد الحرس المدني وزوجته أخيرا في إحدى المدن الباسكية، والاحتفالات التكريمية الحاشدة التي تُنظّم كلما خرج من السجن أحد أعضاء المنظمة بعد إنهاء مدة عقوبته.
أن تتخلى «إيتا» نهائياً عن أعمال العنف لا يعني أنها تخلت عن مشروعها السياسي، وهي قد قطعت الشك باليقين عندما جاء في بيانها الختامي أن «النضال من أجل استقلال بلاد الباسك لم يبدأ مع (إيتا)، ولن ينتهي مع نهايتها». ويتبدّى بوضوح من الخطوات المدروسة بدقة والتصريحات التي صدرت عنها في الفترة الأخيرة، أنها تمهّد لمرحلة جديدة من العمل السياسي يُرجّح أن تكون على أقصى يسار القوى والأحزاب الباسكية.
وقد بدأت تظهر بوادر تحديد المواقع من خلال التصريحات التي صدرت في الأيام الأخيرة عن القوى والأحزاب الباسكية.
رئيس الحكومة المحلية وزعيم الحزب القومي الباسكي، وهو أكبر الأحزاب في الإقليم، رأى أن «أخشى ما تخشاه (إيتا) هو اقتناع المجتمع الباسكي بأنها لم تنفع لشيء»، وحذّر من مغبّة التمييز بين ضحايا العنف الذي ارتكبته «لأن في ذلك بذور امتداد الانقسام واهتزاز التعايش في المجتمع الباسكي».
ملامح الانقسام تبدّت، داخل إقليم الباسك وخارجه، في مواقف الأحزاب والقوى السياسية من ملف سجناء «إيتا» الموزعين معظمهم في معتقلات خارج المقاطعات الباسكية ضمن سياسة الحكومة الإسبانية التي عمدت منذ سنوات إلى إبعادهم عن أماكن إقامتهم الأصلية مما كان له كبير الأثر في إضعاف المنظمة وأسهم في هزيمتها.
القوى القريبة من «إيتا» لمحت إلى أن قرار المنظمة حل نفسها يجب أن يقابَل بخطوة جريئة من الحكومة المركزية للعفو عن السجناء وطي صفحة الماضي بصورة نهائية. الأحزاب القومية المعتدلة دعت إلى إعادة النظر في سياسة الإبعاد لتقريب السجناء من الأمكنة التي تقيم فيها عائلاتهم، فيما اعتبرت القوى المحافظة أن «نظاماً ديمقراطياً راسخاً لا يمكن أن يجازي الذين ارتكبوا مئات الاغتيالات وعمليات الاختطاف بقانون يعفيهم من مسؤولياتهم أمام القانون». وقد سارع الأمين العام للحزب الاشتراكي المعارض إلى مناشدة جميع الأطراف التهدئة حول ملف السجناء خشية من «تضييع هذه الفرصة التاريخية لإرساء قواعد راسخة للتعايش السلمي بعد عقود من التضحيات والعذاب والخسائر».

- «إيتا»... التأسيس والاغتيالات و سياسة الابتزاز
تأسست منظمة «إيتا» عام 1959 في مدينة بيلباو على قاعدة ما كانت تُسمّى «الحركة الثورية الباسكية للتحرير الوطني». هدفها إعلان دولة مستقلة تضّم المقاطعات الباسكية في الشمال الغربي من إسبانيا والجنوب الغربي من فرنسا، ومناهضة نظام الجنرال فرانكو الذي نهج سياسة قمع أمني وثقافي شديدة في إقليم الباسك منذ تولّيه الحكم بعد انتصاره في الحرب الأهلية.
ارتكبت «إيتا» أولى عملياتها في عام 1968 عندما أقدمت على اغتيال أحد أفراد الحرس المدني، وكانت آخرها في فرنسا على بعد 50 كلم من باريس خلال مواجهة مع قوى الأمن الفرنسية التي كانت تطارد إحدى مجموعاتها التي سطت على مصرف، حيث قتلت جندياً فرنسياً.
وقد بلغ عدد القتلى، بين مدنيين وعسكريين، الذين ذهبوا ضحية أعمال «إيتا» 853، إضافة إلى نحو سبعة آلاف جريح.
العملية الأبرز في تاريخ «إيتا» كانت اغتيال رئيس وزراء الجنرال فرانكو وخليفته المرتقب وقتئذ الأميرال كارّيرو بلانكو بمدريد في 12 ديسمبر (كانون الأول) 1973، بعيد زيارة وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر إلى العاصمة الإسبانية. وقد شكّلت تلك العملية نقلة نوعية في سجل المنظمة، إذ وضعت عبوة ناسفة قوية تحت الطريق التي كان يسلكها كل يوم الأميرال بلانكو، انفجرت عند مرور سيارته التي ارتفعت عشرات الأمتار ورست على سطح أحد المباني. وكانت المجموعة التي نفذّت العملية قد حفرت نفقاً طويلاً علي مقربة من السفارة الأميركية أوصلت من خلاله العبوة إلى المكان المحدد. وقد أسهمت تلك العملية التي كانت ضربة قاسية لنظام فرانكو في تعزيز صورة «إيتا» كطرف بارز في مناهضة النظام الديكتاتوري.
وما زالت هناك 224 عملية من التي ارتكبتها «إيتا» لم تكشف ملابساتها بعد، ولم تُطوَ ملفاتها القضائية. ويبلغ عدد السجناء من المنظمة 297، منهم 53 يقضون عقوباتهم في السجون الفرنسية، وواحد في البرتغال، فيما البقية موزعون على السجون الإسبانية ومعظمهم خارج المقاطعات الباسكية.
وكانت «إيتا» تعتمد نظاماً تمويلياً يقوم على ابتزاز الشركات والأثرياء والسطو على المصارف وطلب فدية مالية للإفراج عن الرهائن المخطوفين. ويُقدّر أنها جمعت نحو 180 مليون دولار منذ تأسيسها، وأن ميزانيتها السنوية كانت تناهز 5 ملايين دولار.


مقالات ذات صلة

إسبانيا: السجن لأعضاء خلية «إرهابية» خططت لاستهداف مصالح روسية

العالم إسبانيا: السجن لأعضاء خلية «إرهابية» خططت لاستهداف مصالح روسية

إسبانيا: السجن لأعضاء خلية «إرهابية» خططت لاستهداف مصالح روسية

قضت محكمة إسبانية، الجمعة، بالسجن 10 سنوات على زعيم خلية «إرهابية» نشطت في برشلونة، و8 سنوات على 3 آخرين بتهمة التخطيط لهجمات ضد أهداف روسية في المدينة، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية». وذكرت «المحكمة الوطنية» في مدريد، في بيان، أنها أدانت «4 أعضاء في خلية إرهابية متطرفة مقرُّها برشلونة، حدّدوا أهدافاً روسية لتنفيذ هجمات ضدَّها في عاصمة كاتالونيا بشمال شرقي إسبانيا. وأضافت المحكمة، المسؤولة خصيصاً عن قضايا «الإرهاب»، أنها برّأت شخصين آخرين. وجاء، في البيان، أن زعيم الخلية «بدأ تحديد الأهداف المحتملة، ولا سيما المصالح الروسية في عاصمة كاتالونيا، وأنه كان في انتظار الحصول على موادّ حربية». وأوض

«الشرق الأوسط» (مدريد)
العالم اعتقال سوري بتهمة التخطيط لهجمات في ألمانيا

اعتقال سوري بتهمة التخطيط لهجمات في ألمانيا

أعلنت السلطات الألمانية، الثلاثاء، القبض على سوري، 28 عاماً، في هامبورغ للاشتباه في تخطيطه شن هجوم ارهابي. وأعلن المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية، والمكتب الإقليمي للشرطة الجنائية في ولاية هامبورغ، ومكتب المدعي العام في الولاية أنه يُشتبه أيضاً في أن شقيق المتهم الذي يصغره بأربع سنوات، ويعيش في مدينة كمبتن ساعده في التخطيط. ووفق البيانات، فقد خطط الشقيقان لشن هجوم على أهداف مدنية بحزام ناسف قاما بصنعه.

«الشرق الأوسط» (هامبورغ)
العالم هولندا تُدين أربع نساء أعادتهن من سوريا بتهمة الإرهاب

هولندا تُدين أربع نساء أعادتهن من سوريا بتهمة الإرهاب

حكمت محكمة هولندية، اليوم (الخميس)، على أربع نساء، أعادتهنّ الحكومة العام الماضي من مخيّم للاجئين في سوريا، بالسجن لفترات تصل إلى ثلاث سنوات بعد إدانتهنّ بتهم تتعلق بالإرهاب. وفي فبراير (شباط) 2022 وصلت خمس نساء و11 طفلاً إلى هولندا، بعدما أعادتهنّ الحكومة من مخيّم «الروج» في شمال شرقي سوريا حيث تُحتجز عائلات مقاتلين. وبُعيد عودتهنّ، مثلت النساء الخمس أمام محكمة في روتردام، وفقاً لما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية، حيث وجّهت إليهن تهمة الانضمام إلى مقاتلين في تنظيم «داعش» في ذروة الحرب في سوريا، والتخطيط لأعمال إرهابية. وقالت محكمة روتردام، في بيان اليوم (الخميس)، إنّ النساء الخمس «قصدن ساحات ل

«الشرق الأوسط» (لاهاي)
العالم قتيلان بإطلاق نار في هامبورغ

قتيلان بإطلاق نار في هامبورغ

أفادت صحيفة «بيلد» الألمانية بسقوط قتيلين عقب إطلاق نار بمدينة هامبورغ اليوم (الأحد). وأوضحت الصحيفة أنه تم استدعاء الشرطة قبيل منتصف الليل، وهرعت سياراتها إلى موقع الحادث. ولم ترد مزيد من التفاصيل عن هوية مطلق النار ودوافعه.

«الشرق الأوسط» (برلين)
العالم الادعاء الألماني يحرّك دعوى ضد شابين بتهمة التخطيط لشن هجوم باسم «داعش»

الادعاء الألماني يحرّك دعوى ضد شابين بتهمة التخطيط لشن هجوم باسم «داعش»

أعلن الادعاء العام الألماني في مدينة كارلسروه، اليوم (الخميس)، تحريك دعوى قضائية ضد شابين إسلاميين بتهمة الإعداد لشن هجوم في ألمانيا باسم تنظيم «داعش». وأوضح الادعاء أنه من المنتظر أن تجري وقائع المحاكمة في المحكمة العليا في هامبورغ وفقاً لقانون الأحداث. وتم القبض على المتهمَين بشكل منفصل في سبتمبر (أيلول) الماضي وأودعا منذ ذلك الحين الحبس الاحتياطي. ويُعْتَقَد أن أحد المتهمين، وهو كوسوفي - ألماني، كان ينوي القيام بهجوم بنفسه، وسأل لهذا الغرض عن سبل صنع عبوة ناسفة عن طريق عضو في فرع التنظيم بأفغانستان. وحسب المحققين، فإن المتهم تخوف بعد ذلك من احتمال إفشال خططه ومن ثم عزم بدلاً من ذلك على مهاج

«الشرق الأوسط» (كارلسروه)

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.