تقرير يؤكد أن الطائرات الأميركية من دون طيار «سابقة خطيرة»

قال إنه يمكن أن يؤدي إلى الانزلاق في حروب دائمة أو أوسع نطاقا

تقرير يؤكد أن الطائرات الأميركية من دون طيار «سابقة خطيرة»
TT

تقرير يؤكد أن الطائرات الأميركية من دون طيار «سابقة خطيرة»

تقرير يؤكد أن الطائرات الأميركية من دون طيار «سابقة خطيرة»

يشكل اعتماد الولايات المتحدة على غارات الطائرات من دون طيار لاستهداف مشتبه بهم في اعمال ارهابية "سابقة خطيرة" يمكن ان تحذو حذوها دول اخرى، مما يمكن ان يؤدي الى حروب في مختلف أنحاء العالم، بحسب تقرير أعده مسؤولون اميركيون سابقون كبار ونشر اليوم (الخميس).
وأقر المسؤولون السابقون بأن هذه الطائرات تشكل أداة مفيدة "سوف يستمر استخدامها" إلا انهم حثوا الرئيس الاميركي باراك اوباما على رفع السرية التي تحيط باستخدام هذه الطائرات وفرض شروط اكثر صرامة للضربات والتحقق من مدى فاعليتها.
وجاء في التقرير، الذي أعدته لجنة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي وجرى باشراف معهد ستيمسون سنتر ان "اللجوء المتزايد الى الطائرات من دون طيار يمكن أن يؤدي الى الانزلاق في حروب دائمة أو أوسع نطاقا".
واضاف التقرير أن استخدام الطائرات من دون طيار لشن هجمات خارج ساحات المعارك التقليدية "يمكن ان يحمل دولا اخرى على القيام بالمثل"، مما يزعزع الاستقرار ويزيد "مخاطر اتساع نطاق النزاعات الى مناطق عدة من العالم". وتابع أن "هذه السياسة الاميركية تشكل سابقة خطيرة يمكن ان تقتدي بها دول اخرى وبعضها لن يحرص على احترام قواعد صارمة على غرار المسؤولين الاميركيين".
واشار التقرير الى ان الولايات المتحدة اعطت نفسها، برأي بقية العالم، الحق بقتل أي شخص تعتقد انه ينتسب الى تنظيم القاعدة او حلفائه "في أي دولة من العالم في أي وقت وبناء على معايير سرية وأدلة سرية".
وهذه السرية جعلت من الصعب على اعضاء الكونغرس مراقبة السلطة التنفيذية وهي تهدد بزعزعة المبادئ القانونية التقليدية التي تشكل اساس القانون الدولي.
من جانبه تعهد الرئيس الأميركي باراك أوباما، بالحد من السرية المحيطة بهذه الضربات، وقال في مايو (ايار)، إنّ أي عملية يجب "ألا تولد أعداء أكثر من الذين نقضي عليهم".
وتراجع عدد هذه الضربات في اليمن وباكستان منذ العام 2010 بحسب تعداد غير رسمي استنادا الى تقارير وسائل الاعلام، الا ان السرية المحيطة بها لم تتغير.
وواجه اوباما انتقادات اخذت عليه عدم احترام تعهده بأن الطائرات من دون طيار "ستطبق المعايير التي تعكس قيمنا".
ودعا التقرير ادارة اوباما، الى تبني موقف أكثر شفافية والإقرار بشن غارات من دون طيار عندما تحصل في دولة اجنبية. وبالكاد يقر المسؤوون الاميركيون في الوقت الحالي، بوجود الغارات، ولا يكشفون الهدف وما اذا إصيب مدنيون او عدد القتلى.
واضاف التقرير "مع ان السرية ضرورية قبل وخلال الضربات إلا ان على الولايات المتحدة ان تقر بها بشكل عام بعد حصولها".
وحث التقرير اوباما على تشكيل "لجنة غير حزبية ومستقلة لمراجعة سياسة ضربات الطائرات من دون طيار"، من اجل ضمان مساءلة اكبر لهذه العمليات السرية.
كما اشار التقرير الى ضرورة ان تلتزم ادارة اوباما بخطتها لنقل غالبية هذه الضربات من وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي ايه" الى الجيش الذي يعمل ضمن معايير اكثر شفافية مقارنة بالاستخبارات.
وتساءل معدو التقرير عن فاعلية هذه الضربات، وقالوا إنه ليس من الواضح ما اذا كانت الحكومة أجرت تحليلا شاملا لحسنات وسيئات استخدام طائرات من دون طيار لمكافحة الارهاب.
واضاف التقرير ان الوقت حان لتقوم الادارة الاميركية بـ"مراجعة استراتيجية صارمة وتحليل للكلفة والمنفعة" في استخدام هذه الطائرات من خلال استعراض تأثير الغارات السابقة على مجموعات ارهابية والسكان المحليين والرأي العام وتعاون الحلفاء والشركاء.
وتضم اللجنة المعدة للتقرير عشرة اعضاء من بينهم مسؤولون كبار سابقون في الاستخبارات والقضاء برئاسة الجنرال المتقاعد جون ابي زيد، الذي كان رئيس القيادة المركزية للقوات الاميركية، وروزا بروكس المستشارة القانونية السابقة في البنتاغون التي تدرس القانون في جامعة جورج تاون.
كما تضم اللجنة مستشارين قانونيين سابقون في "السي آي ايه" ووزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي التابع للبيت الابيض.
وتندد المجموعات المدافعة عن حقوق الانسان منذ زمن بهذه الغارات في باكستان وغيرها، اذ تعتبر انها حرب جوية دون مساءلة ودون اي مراجعة تقريبا من قبل الكونغرس او المحاكم الاميركية.



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.