رحلات الـ«كروز» تغري السياح الشباب بالمساحات المفتوحة والوجهات البعيدة

منذ بضع سنوات بدأت رحلات «الكروز» تشهد إقبالا كبيرا من قبل السياح الشباب، بعد أن نفضت عن نفسها غبار بعض التصورات القديمة. فهي الآن تأخذك إلى أماكن سياحية أو بعيدة حسب الرغبة، كما أنها توفر كل وسائل الترفيه والرفاه بما في ذلك مطابخ صحية ونشاطات تساعد على تحسين اللياقة البدنية والراحة النفسية.
ما ساعد على انتعاش الرحلات البحرية في صفوف الشباب تحديدا التغييرات في تصاميم السفن ووجهاتها الجديدة. فهي توفر مزيداً من المساحات المفتوحة ومناظر تطل على البحر، مع وجود متنزهات وأسطح على طراز المماشي الخشبية وجدران زجاجية وممرات عائمة وشرائح يمكن الرؤية من خلالها. أما وجهاتها فتوسعت لتشمل مناطق لم تكن تمر عليها سابقا مثل آيسلندا وغرينلاند والمناطق القطبية وألاسكا وغيرها. لهذا لم تعد ترتبط في الأذهان بعمر معين وبشرائح محددة من الناس أغلبهم من المتقاعدين عن العمل، أو المتزوجين حديثاً. فالأبحاث الأخيرة تشير إلى أن جيل الألفية الجديدة يستمتع بالرحلات البحرية لأنها بمثابة إجازات لاكتساب خبرات، كما أنها ضمن ميزانية معقولة مقارنة بما كانت عليه في السابق بفضل المنافسة بين الشركات على استقطاب المسافرين.
هناك تركيز جديد على التسويق لجيل الألفية الجديدة. وتقول واحدة من أبرز الشركات في هذا المجال إن أقصر رحلاتها البحرية - كرحلات الثلاث والأربع ليالي من ميامي إلى جزر الباهاماس - تجتذب من هم في سن العشرين ممن لا يروق لهم الالتزام بقضاء أسبوع كامل في البحر ويريدون استكشاف عدة أماكن. وتقدم شركات أخرى رحلات نهرية لمن تتراوح أعمارهم ما بين 21 و45 عاماً، مع برامج رحلات أوروبية، تشمل مهرجانات موسيقية.
ولاحظت «كروز لاينز إنترناشيونال أسوسييشن» (سي إل آي إيه)، التي تمثل غالبية العلامات التجارية البارزة للرحلات البحرية، ظاهرة جديدة تتمثل في رحلات بحرية «للأجداد والأحفاد» يغيب فيها الآباء والأمهات، وتوفر مجموعة من برامج الأطفال، بحيث لا يتعين على الأجداد رعاية الأطفال طوال اليوم، كما تقدم أنشطة ونزهات قصيرة ووجبات وعروضاً يمكن لكل الأعمار الاستمتاع بها معاً.
لكن كيف نمت هذه الرحلات؟ يُتوقَع أن يصل عدد سفن الرحلات إلى 27 مليون سفينة في عام 2018 بزيادة قدرها مليون عن العام الماضي وارتفاعاً عن عدد 18 مليون سفينة في عام 1979. وهناك أيضاً 27 سفينة جديدة سيتم إطلاقها في عام 2018، بحسب «سي إل آي إيه»: 10 سفن لأجل الرحلات النهرية و17 لرحلات المحيطات.
من بين السفن التي تم الاحتفال بها «سيمفوني أوف ذا سيز» لشركة «رويال كاريبيان» وهي أضخم سفينة رحلات في العالم، تتميز بكل ما يمكن أن يخطر على البال في مجال الترفيه بما في زلاقة مائية للسباقات مؤلفة من 10 طوابق تحمل اسم «التيمت أبيس»، وتسلق الصخور والتزلج على الجليد. وتقدم السفينة أيضاً عرض الفيلم الغنائي الاستعراضي «هير سبراي» Hairspray)) الذي حقق نجاحاً ساحقاً في برودواي، إضافة إلى ثلاثين شاشة تلفزيون عملاقة... لكن هذه المغريات لا تتوفر لرحلات السفن الاقتصادية.
هناك أيضا سفينة «بليس» النرويجية التابعة لـ«نوريجيان كروز لاين» التي تنطلق صوب ألاسكا. وهي مصممة للاستمتاع بالمناظر الطبيعية، من خلال اشتمالها على قاعة رصد بزاوية 180 درجة لمشاهدة الكتل الجليدية. ومن أمثلة الأنشطة الترفيهية علامة لايزر ومضمار سباق للسيارات الكهربائية، ومنزلق مائي به ماسورة شفافة تصدر صوتاً صاخباً على طول جانب السفينة.
شركة «هولاند أميركا لاين» أطلقت بدورها سفينة «نيو ستاتيندام» في ديسمبر (كانون الأول). ويوجد بها مكان ترفيهي مؤلف من طابقين، وشاشة إل إي دي ملتفة بزاوية 270 درجة؛ و«ميوزيك ووك»، حيث تقدم ثلاث قاعات أنواعاً مختلفة من الموسيقى؛ و«بلاند»، حيث يمكن للزائرين إعداد مزيجهم المفضل من المشروبات. كذلك، تُبقي هولاند أميركا لاين على شراكة مع «أو»: «ذا أوبرا ماغازين»، على مدار عام 2018، ممثلة في 300 سفينة رحلات بها برامج للتأمل والصحة والموضة، بل ونادي كتب شمل ظهور مؤلفين على متن السفن أمثال إليزابيث ستراوت. الأكثر جذبا أنها، أي «هولاند أميركا لاين»، دشنت رحلات ذهاباً وإياباً من بوسطن إلى كوبا هذا العام.
«سيليبريتي إيدج» بدورها بدأت الإبحار في نوفمبر (تشرين الثاني)، وتضم أفكارا مستقبلية من ناحية التصميم، مثل «ماجيك كاربت» ومعناه البساط السحري، وهو عبارة عن سطح ناتئ قابل للتحريك يستعمل كممشى، ومكان للاستمتاع بمنظر المحيط ومساحة للاستماع لموسيقى حية.
وتُفتتَح سفينة «كارنيفال هوريزون» في هذا الشهر، بمتنزه مائي، ومطعم يسمى «سموك هاوس بروهاوس»، والذي يضم شواية «غاي فييري» وأنواعاً من المشروبات المعدة ببراعة، فضلاً عن شاشة إل إي دي تعرض أعمالاً فنية وتحظى رحلات «إم إس سي» بشهرة أكبر في أوروبا منها في أميركا الشمالية، غير أن العلامة التجارية تعمل من أجل تغيير ذلك الوضع. ففي ديسمبر (كانون الأول)، تم إطلاق سفينة «إم إس سي سيسايد» وفازت بلقب أفضل سفينة جديدة لعام 2017 من قبل موقع كروز كريتيك دوت كوم. ويوجد بها متنزه مائي تفاعلي وممشى في الهواء الطلق، مع توفر ممرات ضيقة ذات أرضيات زجاجية ومسارين انزلاقيين، وفناء من أربعة طوابق و«سبا أوريا»، مع غرفة جليد وأجنحة سكنية أشبه بالشواطئ. بل إن بمقدورك أن تشاهد البحر من المصاعد الزجاجية. وتتخذ سفينة «سيسايد»، وتستوعب 4100 ضيف، من ميامي مقراً لها لأجل رحلات الكاريبي. أما السفينة الشقيقة لها «إم إس سي سيفيو»، المزمع إطلاقها في يونيو (حزيران)، فستستهل عملها برحلات البحر الأبيض المتوسط.
ثمة تحول كبير فيما يخص «رحلات السفن الصغيرة»، سواء أكانت مترفة أم نهرية أم استكشافية. فبعد أن كان البعض ينظرون إليها كوسيلة سفر أصبحت الآن وسيلة متعة وسياحة. كل ما يحتاجونه اختيار خطوط سير ورحلات قصيرة شاطئية تتيح التعرف على ثقافة محلية. من جهة أخرى تتبنى بعض السفن نظاما غذائيا صحية كي يتسنى للمسافرين مواصلة نظامهم الغذائي أو بدء نظام جديد.
تتجه هذه السفن الاستكشافية صوب «أماكن غريبة، كالقارة القطبية الجنوبية، رغم أنه عادة ما تكون مثل تلك الرحلات باهظة الثمن».
الملاحظ أيضا أن الطقوس فيما يتعلق بالأزياء تخففت من صرامتها وأصبحت أكثر انطلاقا وراحة، باستثناء بعض السفن التي لا تزال تفضل زيا رسميا أنيقا مثل «كوين ماري 2».