قبيل الانتخابات البلدية... خيبة أمل تهيمن على سكان تونس

تونسي ينظر إلى لائحة المرشحين في الانتخابات البلدية (أ.ف.ب)
تونسي ينظر إلى لائحة المرشحين في الانتخابات البلدية (أ.ف.ب)
TT

قبيل الانتخابات البلدية... خيبة أمل تهيمن على سكان تونس

تونسي ينظر إلى لائحة المرشحين في الانتخابات البلدية (أ.ف.ب)
تونسي ينظر إلى لائحة المرشحين في الانتخابات البلدية (أ.ف.ب)

يحاول الطالب التونسي كريم، الذي ينتمي لأسرة من الطبقة العاملة تقطن في مدينة القصرين، إقناع نفسه بأن الانتخابات البلدية ستأتي بطبقة جديدة من السياسيين الملتزمين بنصرة المعوزين، لكن قلة تشاطره تفاؤله في العمق التونسي المنسي والفقير.
يقول هذا الشاب لوكالة الصحافة الفرنسية قبل أيام من موعد الانتخابات، التي ستجرى الأحد المقبل: «عمري لا يتجاوز 20 سنة، ولذلك أريد أن أبقى متفائلا حتى وإن كنت غير واثق بنسبة 100 في المائة من أن المستقبل سيكون أفضل».
وكانت القصرين قد شهدت في يناير (كانون الثاني) 2011 انتفاضة شعبية أجبرت الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي على التنحي عن السلطة. وشهدت بلدة سيدي بوزيد شرارة تلك الثورة، عندما أضرم بائع الخضار المتجول محمد البوعزيزي، البالغ من العمر 26 عاما، النار في نفسه في ديسمبر (كانون الأول) 2010 بعد أن صادرت السلطات بضاعته، وتسببت حروقه البالغة في وفاته بعد أسبوعين من المعاناة. وقد أطلق موته شرارة انتفاضة واسعة في البلاد.
ولا يزال كريم، الذي يعمل ليلا سائق شاحنة لتسديد تكاليف دراسته، متمسكا بالأمل بعد سقوط بن علي، لكن قلة من روّاد السوق يشاطرونه التفاؤل.
يقول سامي الخضراوي (31 عاما)، العاطل عن العمل: «أنت تحلم يا ابني.. فالمرشحون، بمن فيهم أولئك الذين ينتمون للقصرين، لن يخدموا إلا مصالحهم. سيملأون جيوبهم ثم يغادرون». فيما يقول شاب آخر ساخط من داخل السوق المزدحم بحي النور الفقير في القصرين: «إن أول شيء سيفعله الممثلون الجدد سيكون هو تنظيف الساحات أمام منازلهم».
الآن، وبعد سبع سنوات على سقوط الرئيس، وفي الدولة العربية الوحيدة التي حقق فيها ما يطلق عليه «الربيع العربي» نوعا من الإصلاحات الديمقراطية، فإن القليل تغير على ما يبدو في هذه المناطق من البلاد. والخيبة أضحت كبيرة هنا إلى حد أن البعض بدأ يتوق أحيانا إلى أيام بن علي.
فنسبة البطالة في مدينة القصرين والولاية الواسعة التي تحمل الاسم نفسه، تبلغ 26.2 في المائة، أي ما يزيد بنحو 50 في المائة على المعدل الوطني العام، بحسب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية غير الحكومي. كما أن الإهمال الحكومي المفترض جعلها أرضا خصبة للتطرف، حيث يسعى متمردون إلى جذب بعض الشبان إلى مخابئهم الجبلية في الولاية.
في ديسمبر (كانون الأول) 2015 أظهرت نتائج دراسة لمجموعة «صوفان» للأبحاث أن تونس تأتي في المرتبة الأولى لأعداد المقاتلين الأجانب الذي يتوجهون إلى مناطق النزاع في العراق وسوريا، متخطية بنحو مرتين ونصف عدد القادمين من السعودية.
ويتسبب الاستياء من غياب التغيير في تجدد أعمال العنف في الشارع. ففي يناير 2016، أي بعد خمس سنوات على تفجر الانتفاضة ضد بن علي، اندلعت أعمال شغب في القصرين وامتدت إلى مختلف أنحاء البلاد.
كما اندلعت مظاهرات أخرى في يناير هذا العام، احتجاجا على البطالة وارتفاع الأسعار، أدت إلى توقيف أكثر من 200 شخص، بحسب وزارة الداخلية، ومرة أخرى كانت شرارتها مناطق وسط تونس.
يقول جمال بن محمد (61 عاما)، وهو محام يبيع الخضار منذ 25 عاما: «انقضى الأمل بالنسبة لغالبية الناس... الذين فقدوا كل الثقة بالسياسيين، وليسوا مهتمين بالانتخابات البلدية أو التشريعية أو الرئاسية»، المتوقع أن تنظم العام المقبل.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم