باكستان تخفف العقوبة عن طبيب أرشد إلى مخبأ بن لادن

ما زال في الحبس لاستكمال الفترة المتبقية الشهر المقبل

الطبيب شاكيل أفريدي («الشرق الأوسط»)
الطبيب شاكيل أفريدي («الشرق الأوسط»)
TT

باكستان تخفف العقوبة عن طبيب أرشد إلى مخبأ بن لادن

الطبيب شاكيل أفريدي («الشرق الأوسط»)
الطبيب شاكيل أفريدي («الشرق الأوسط»)

أصدرت السلطات الباكستانية قرارا بالعفو عن 30 عاماً من السجن بحق شاكيل أفريدي؛ الطبيب الباكستاني الذي ساعد الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) في مطاردة ثم اغتيال أسامة بن لادن زعيم «القاعدة» الراحل في أبوت آباد بباكستان عام 2011.
وقال المسؤولون إن الشهر الواحد المتبقي من فترة العقوبة للدكتور أفريدي سيستكمل، وبعد ذلك سيطلق سراحه. وقال محاميه قمر نديم لوسائل الإعلام الباكستانية إنه لا يزال قيد محبسه حتى استكمال فترة العقوبة الشهر المقبل. ويعتقد أن السلطات الباكستانية قد نقلت أفريدي إلى مكان آمن للحيلولة دون تعرضه لأي أضرار خلال فترة انتظار إطلاق سراحه المرتقب من السجن. وخشيت السلطات الباكستانية من عمليات الفرار من السجن أثناء تأمين إطلاق سراح شاكيل أفريدي.
وبعد فترة وجيزة من مقتل بن لادن في مايو (أيار) من عام 2011، ذكر الإعلام الأميركي أن أفريدي قد ساهم في نجاح عملية الاستخبارات الأميركية؛ إذ عمل على جمع عينات من الحمض النووي لعائلة بن لادن بأمر مباشر من الاستخبارات الأميركية. وقد أكد ليون بانيتا، مدير الاستخبارات المركزية الأميركية آنذاك ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، على دور الطبيب أفريدي في القضاء على الزعيم الإرهابي، وبعد ذلك قامت السلطات الباكستانية باعتقال أفريدي. وأسفرت حقيقة قيام الولايات المتحدة بتنفيذ العملية على التراب الباكستاني عن تدهور كبير في العلاقات الثنائية بين البلدين.
وقال أحد المسؤولين، شريطة عدم الكشف عن هويته، إنه في ليلة نقل أفريدي إلى مكان مجهول كانت الاستخبارات الأميركية على وشك تنفيذ عملية اقتحام للسجن لإطلاق سراح أفريدي. وكانت الحكومة الأميركية قد طلبت من نظيرتها الباكستانية، في وقت سابق، تسليم أفريدي إلى الولايات المتحدة في مقابل الإفراج عن عفيفة صديقي، وهي الطبيبة الباكستانية التي تخضع لعقوبة السجن في الولايات المتحدة. وكانت هناك مطالب شعبية داخل المجتمع الباكستاني بمبادلة الدكتور أفريدي بالدكتورة عفيفة صديقي المتهمة بالإرهاب والمحتجزة في أميركا. ومع ذلك، رفضت الحكومة الباكستانية الطلب الأميركي. وكان كبار الدبلوماسيين الأميركيين وأعضاء الكونغرس، في محادثاتهم مع مسؤولين باكستانيين في الماضي، قد طالبوا الحكومة الباكستانية بالإفراج عن أفريدي حيث يعد بطلا في الولايات المتحدة الأميركية. وأفادت وسائل الإعلام الباكستانية بأن الاستخبارات الباكستانية قد أحبطت محاولة تهريب الطبيب المذكور من قبل الاستخبارات الأميركية. وقد أحيطت السلطات الباكستانية علما باحتمال أن تقوم الاستخبارات الأميركية بمحاولة اقتحام السجن لإطلاق سراح شاكيل أفريدي، في الليلة التي تم فيها نقله إلى موقع غير معلوم في راولبندي. ولا يعرف من أحد المكان الحالي للدكتور شاكيل أفريدي حتى ذلك الوقت بعد نقله من محبسه في سجن بيشاور.
إلى ذلك، كشفت مصادر مطلعة عن الجهة التي خططت لتهريب الطبيب أفريدي، مما دفع إسلام آباد إلى تغيير مكان سجنه.
وأكد مصدران مطلعان في العاصمة الباكستانية أن وكالة «سي آي إيه» كانت تحضر لتهريب الطبيب أفريدي من سجن بيشاور المركزي الذي كان يقبع فيه، إلا أن الاستخبارات الباكستانية علمت عن المخطط وتمكنت من إفشاله بنقل المسجون إلى مكان آخر مؤخرا، بفضل المعلومات المقدمة من قبل أحد العملاء المزدوجين. وأضاف مصدر مطلع في إسلام آباد أن الولايات المتحدة سبق لها أن توجهت لباكستان بطلب تسليم أفريدي، وأوضح أن «وكالات المخابرات تعمل على حماية مخبريها الذين كشفوا من أجل الحفاظ على مستوى الثقة من قبل العملاء السريين الآخرين، ولهذا السبب توجهت وكالة المخابرات المركزية الأميركية بطلبات على المستوى الحكومي بتسليم أفريدي، وكان ذلك في رأس قائمة مطالب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من باكستان». كما أوضح المصدر أن الجانب الباكستاني كان قد رفض تسليم أفريدي لواشنطن مقابل الإفراج عن المواطنة الباكستانية عافية صديقي، المعروفة بـ«سيدة القاعدة» والمدانة بالإرهاب ومحاولة القتل وهي تمضي عقوبة بالسجن مدتها 86 عاماً في سجن بولاية تكساس الأميركية.


مقالات ذات صلة

تنظيم «القاعدة» يهاجم مدينة مالية على حدود موريتانيا

أفريقيا جنود ماليون خلال تدريبات عسكرية على مواجهة الإرهاب (أ.ف.ب)

تنظيم «القاعدة» يهاجم مدينة مالية على حدود موريتانيا

يأتي الهجوم في وقت يصعّد تنظيم «القاعدة» من هجماته المسلحة في وسط وشمال مالي، فيما يكثف الجيش المالي من عملياته العسكرية ضد معاقل التنظيم.

الشيخ محمد (نواكشوط)
المشرق العربي مقاتلان من الفصائل الموالية لتركيا في جنوب منبج (أ.ف.ب)

تحذيرات تركية من سيناريوهات لتقسيم سوريا إلى 4 دويلات

تتصاعد التحذيرات والمخاوف في تركيا من احتمالات تقسيم سوريا بعد سقوط نظام الأسد في الوقت الذي تستمر فيه الاشتباكات بين الفصائل و«قسد» في شرق حلب.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الولايات المتحدة​ علم أميركي يرفرف في مهب الريح خلف سياج من الأسلاك الشائكة في معسكر السجن الأميركي في خليج غوانتانامو (د.ب.أ)

بايدن يدفع جهود إغلاق غوانتانامو بنقل 11 سجيناً لعُمان

أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أنها نقلت 11 رجلاً يمنياً إلى سلطنة عُمان، هذا الأسبوع، بعد احتجازهم أكثر من عقدين من دون تهم في قاعدة غوانتانامو.

علي بردى (واشنطن )
أميركا اللاتينية شرطة فنزويلا (متداولة)

السلطات الفنزويلية تعتقل أكثر من 120 أجنبياً بتهم تتعلق بالإرهاب

أعلن وزير الداخلية الفنزويلي ديوسدادو كابيلو، الاثنين، أن السلطات اعتقلت أكثر من 120 أجنبياً بتهم تتعلق بالإرهاب، عقب الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها.

«الشرق الأوسط» (كاراكاس )
الولايات المتحدة​ جندي أميركي خارج أسوار معسكر غوانتانامو (متداولة)

أميركا تقلص عدد معتقلي غوانتانامو إلى 15 بعد إرسال 11 يمنياً إلى عُمان

خفضت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عدد السجناء في مركز احتجاز خليج غوانتانامو في كوبا بنحو النصف، بعد أن أرسلت 11 معتقلاً إلى عُمان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟