فنادق أميركا تنافس ويندسور في عروض الزفاف الملكي

مخيم زاراه في بتسوانا يدخل المنافسة

في ويندسور من المنتظر تدفق السياح ومحبي العائلة المالكة الذين قد يبيتون في الشوارع قبل الزفاف بأيام (رويترز)
في ويندسور من المنتظر تدفق السياح ومحبي العائلة المالكة الذين قد يبيتون في الشوارع قبل الزفاف بأيام (رويترز)
TT

فنادق أميركا تنافس ويندسور في عروض الزفاف الملكي

في ويندسور من المنتظر تدفق السياح ومحبي العائلة المالكة الذين قد يبيتون في الشوارع قبل الزفاف بأيام (رويترز)
في ويندسور من المنتظر تدفق السياح ومحبي العائلة المالكة الذين قد يبيتون في الشوارع قبل الزفاف بأيام (رويترز)

تتبارى الفنادق والمحال المختلفة في منطقة ويندسور في إعداد باقات وبضائع خاصة للزوار الذين سيفدون لمشاهدة مراسم العرس الملكي المرتقب بين الأمير هاري وعروسه ميغان ماركل. ولا تقتصر تلك الاحتفالات ومحاولة جذب الزبائن على منشآت بريطانية بل تخطت الحدود للولايات المتحدة الأميركية التي قرر بعض فنادقها الاحتفال بماركل بتقديم باقات «الزفاف الملكي» مثل أحد فنادق «نيواورلينز» الذي أعلن عن باقة بسعر 51,918 ألف دولار قائلاً: إن «الأرقام تدل على موعد الزفاف». وقرر فندق «نيويورك بلازا» الذي حلمت به شخصية راشيل (التي مثّلتها ماركل في مسلسل «سوتس») وتمنت أن يقام زفافها هناك، أن يقدم لزبائنه وجبة إفطار خاصة مع إذاعة مباشرة لمراسم الزفاف في 19 مايو (أيار) الحالي. وقرر فندق «دريك» في شيكاغو إقامة حفل غداء بصبغة ملكية في نفس اليوم يقدم فيه نفس قائمة الطعام التي تناولتها الأميرة الراحلة ديانا في عام 1996 عند إقامتها هناك.

في ويندسور... رواج تجاري قياسي

أما في ويندسور فتنتعش حالياً المحال والمطاعم وأيضاً الفنادق التي سجلت نسبة حجوزات مرتفعة. وحسب تقرير لـ«سي إن بي سي» فمن تلك المحال مخبز عتيق عمره 100 عام يقع في مجمع تجاري مقابل قلعة ويندسور ويعد من النقاط الاستراتيجية لمشاهدة العربة الملكية والعروسين، وقال صاحب المخبز لوكالة «سي إن إن»، إن يوم الزفاف يعد «أكبر حدث في تاريخ المخبز». والجدير بالذكر أن المجمع التجاري نفسه له صفه خاصة، فهو يحمل «المصادقة الملكية»، وهو ما يجعل محلاته تحمل صفة مورّدي الطعام والهدايا للقصر الملكي. أما مخبز «هايدي» فيحمل علاقة أخرى مع الأمير هاري وشقيقه الأمير ويليام، فيتذكر إدوارد ديركين، صاحب المخبز، أن الأميرين كانا من زوار المخبز في طفولتهما، حيث كانا يزورانه مع أصدقائهما بعد المدرسة التي تقع بالقرب من قلعة ويندسور.
أما فنادق ويندسور، والتي حُجزت بالكامل، فقد تبارت في تقديم أفضل عرض بمذاق الزفاف الملكي، إذ يقدم أحدها عرضاً خاصاً لليلتين بسعر 3500 جنيه إسترليني تشمل شاي بعد الظهر وتذكاراً من الزفاف الملكي ومشاهدة لأفق مدينة لندن.

الزفاف بالأرقام

نشر بحث أجراه مؤخراً تطبيق «Bridebook.co.uk» المختص بالمساعدة في الإعداد لحفلات الزفاف، أن الحفل الذي سيحضره نحو 4000 مدعو وسيقدَّم فيه نحو 28 ألف قطعة مقبلات «كانابيه»، وسوف يستخدم فيه نحو 8 ملايين زهرة لتزيين القاعات، حسب الإحصائيات، ونحو مليون قصاصة ملونة تُلقى على العروسين. وقد توصل الموقع إلى تقديرات تلك الأرقام استناداً إلى قاعدة بيانات شملت نحو 170 ألف حفل زفاف و70 ألف متعهد حفلات.
وفي تصريح لموقع «بريد بوك»، قال هامش شيبرد، مؤسس الموقع: «لقد أعطت العروس ميغان بريطانيا فرصة للراحة من البحث والتفكير في (بريكست) خلال الشهر القادم، وهي الهدية الكبرى التي يمكن للعروسين الملكيين أن يقدماها للبلاد». وأضاف شيبرد أن البيانات جاءت استناداً إلى بيانات الحركة عبر الإنترنت من خلال محرك البحث «غوغل» والبيانات السياحية من «مكتب الإحصاءات القومية».
كذلك سيتم إنفاق 90 ألف جنيه إسترليني لتشغيل 20 بوقاً من أبواق الموسيقي العسكرية الفضية التي ستعرض قبيل الاحتفال. وفي وجود نحو 2600 من المدعوين من الجماهير، من المتوقع أن يُنفَق نحو 26 ألف جنيه إسترليني لشراء لفائف النقانق.
وأكد شيبرد أن «الدعوة وُجهت إلى عدد بلغ 2640 ضيفاً من الجمهور العادي، وسيقدَّم لكل ضيف فنجان من الشاي ولفافة نقانق. وإذا افترضنا أن كلفة ما يقدم للضيف الواحد ستكون 10 جنيهات إسترلينية، فالإجمالي سيكون 26 ألف جنيه إسترليني».
ومن المتوقع أن يجري إنفاق 35 ألف جنيه إسترليني لإنشاء حمامات فخمة خاصة بحفل الزفاف. وسيقوم نحو 52,750 حانة في عموم البلاد بمد ساعات الحظر إلى الواحدة صباحاً إلى أن يختتم حفل الزفاف الملكي.

بُتسوانا شهدت حب هاري وميغان

اصطحب الأمير هاري حبيبته ميغان في رحلة رومانسية العام الماضي إلى مخيم سفاري منعزل بدولة بُتسوانا يصحو فيه النزلاء على هديل الحمائم وحفيف الأشجار وأصوات حيوانات فرس النهر وهي تغطس في مياه دلتا أوكافانجو، حسب تقرير طريف لوكالة «رويترز» تابع تطور علاقتهما ووصولها إلى مرحلة الخطوبة في ذلك المخيم. وكان هاري قد اصطحب الممثلة الأميركية بعيداً لقضاء عطلة مفاجئة احتفالاً بعيد ميلادها السادس والثلاثين وتنقّل الاثنان بين منتجعات راقية في بُتسوانا الواقعة في جنوب القارة الأفريقية وتشتهر بالحياة البرية المذهلة والمشاهد الطبيعية الخلابة.
وقام الحبيبان بالرحلة في أغسطس (آب) الماضي، بعد عام من بداية علاقتهما العاطفية وقبل شهور قليلة من إعلان خطبتهما.
واشترى هاري الماسّة التي تزين خاتم الخطوبة من بُتسوانا أكبر منتج في العالم للماس.
وذهب هاري وميغان إلى بُتسوانا بعد فترة قصيرة من بدء قصة الحب بينهما في يوليو (تموز) عام 2016، ووصف الأمير البريطاني الرحلة في مقابلة إعلامية العام الماضي بأنها كانت فرصة «بالغة الأهمية» لتوثيق معرفة كل منهما بالآخر. وفُرض ستار من السرية على زيارة الأمير والممثلة لدلتا أوكافانجو، حيث امتنع قصر كينسنغتون ومسؤولو المخيم عن التعليق. لكن «رويترز» تحدثت مع اثنين من السكان المحليين اللذين حكيا قصة الرحلة الرومانسية.
وفي مخيم مابولا لودج المنعزل الذي يصل سعر الليلة فيه إلى 800 دولار ويعني اسمه «أم المطر»، كان هاري وميغان ينامان في كوخ تقليدي من القش بسرير خشبي يطل على بحيرة في أحضان الطبيعة البكر. واستمتع الاثنان بنزهة في وقت الغروب بين جداول المياه وسط المروج. وقال أحد السكان إن هاري اصطاد سمكة من القرموط ثم تبادل النكات مع ميغان. وأضاف: «كانا شخصين عاديين. يمكنك أن ترى أنهما كانا في سعادة غامرة معاً».
وفي صبيحة أحد الأيام جاب الحبيبان، منطقة للحيوانات البرية تستقطب الزوار الأثرياء الذين يزورون دلتا أوكافانجو.
ونظم المخيم لهاري وميغان رحلة وقت الشفق إلى منطقة منعزلة من الأحراش تحت ظلال شجرة باوباب عتيقة، حيث تناولا وجبة كاملة على وهج نار مشتعلة.
وقال المصدران إن هاري دفع البقشيش بسخاء، وإن أحد العاملين ذرف الدموع وهو يودّع الحبيبين في مهبط خاص للطائرات في المنتجع. وتجتذب بُتسوانا الأثرياء والمشاهير بفضل ما تتمتع به منتجعاتها من خصوصية وعزلة. ومن بين أشهر زوار بُتسوانا في الآونة الأخيرة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش (الأب) وأمراء ونجوم في هوليوود ولاعبو كرة قدم مشاهير.

جورج وأمل كلوني ضمن المدعوين

> ذكرت مجلة «هالو» أن الممثل جورج كلوني وزوجته أمل قد تلقيا دعوة لحضور حفل الزفاف يوم 19 مايو الحالي. ونقلت المجلة عن مصفف الشعر الخاص بأمل كلوني وميغان ماركل في رده على سؤال حول تسريحة ماركل في الحفل، قوله: «الذي أستطيع تأكيده هو أنني سأكون مسؤولاً عن تصفيف شعر أمل كلوني في هذا اليوم».
وكانت أمل كلوني قد اقترحت على ماركل استخدام مصفف شعرها ميغيل بيريز وبالفعل أصبح بيريز الحلاق الخاص بماركل منذ قدومها إلى لندن. وأضاف بيريز أنه يقترح أن تترك ماركل شعرها منسدلاً خلال مراسم الزفاف وأن ترفعه في حفل الاستقبال بعد ذلك.وكان موقع «ميل أون صنداي» قد نشر أن بيريز تحدث عن خدمات تصفيف الشعر التي يقدمها لماركل وإضافته أن «لديه خطة» لتصفيف شعرها خلال الزفاف



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)