جهود انتخاب رئيس لبناني جديد ضحية تفاقم الخلاف بين عون والراعي

زعيم «التغيير والإصلاح» انزعج من محاولات البطريرك الماروني لحثّه على إعلان ترشحه

جهود انتخاب رئيس لبناني جديد ضحية تفاقم الخلاف بين عون والراعي
TT

جهود انتخاب رئيس لبناني جديد ضحية تفاقم الخلاف بين عون والراعي

جهود انتخاب رئيس لبناني جديد ضحية تفاقم الخلاف بين عون والراعي

تشير معلومات في لبنان إلى تفاقم الخلاف أخيرا بين البطريرك الماروني بشارة الراعي ورئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، ما أطاح بكل الجهود المبذولة، وخصوصا من قبل البطريركية المارونية، لوضع حد للشغور الرئاسي الذي دخل شهره الأول أمس، وتعده البطريركية «ضربا للميثاقية» التي يقوم عليها الكيان اللبناني.
عون، وفق مصادره، انزعج من محاولات الراعي المتكررة لإحراجه وحثّه على إعلان ترشحه رسميا واللجوء إلى مجلس النواب والاحتكام إلى قرار الأكثرية النيابية. وأشارت مصادر مقربة من البطريركية المارونية لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «عون ما زال حتى الساعة غير مقتنع بسقوط كل حظوظه بالرئاسة وهو ما يُعقّد الأمور»، موضحة أن «همّ البطريرك الوحيد وضع حد للشغور الحاصل بسدة الرئاسة، وبالتالي، فهو لا يتعاطى مع الملف بإطار علاقات شخصية مع أحد من المرشحين بل بسياق تأمين المصلحة المسيحية والوطنية العليا». ومنذ بعض الوقت يحث الراعي النواب والكتل المسيحية على تأمين نصاب جلسة انتخاب الرئيس التي تعطّلت ست مرات متتالية بسبب قرار تكتلي عون و«حزب الله» ونواب آخرين في قوى 8 آذار مقاطعة الجلسات لرفضهم تبني ترشيحي رئيس حزب «القوات» سمير جعجع والنائب هنري حلو مرشح كتلة «اللقاء الديمقراطي» التي يتزعمها النائب وليد جنبلاط، وإصرار قوى 8 آذار على «توافق مسبق» على تزكية ترشيح عون «مرشحا توافقيا».
ونفت مصادر البطريركية في تصريحاتها لـ«الشرق الأوسط» أي نية لعقد لقاء مسيحي تحت رعايتها بمحاولة لتقريب وجهات النظر بالموضوع الرئاسي، لافتة إلى أن هذا الطرح «غير وارد» حاليا. وأضافت: «المهم بنظر بكركي (أي مقر البطريركية) انتخاب رئيس، سواء اتفق عليه سلفا أو بالاحتكام إلى قواعد اللعبة الديمقراطية من خلال البرلمان اللبناني».
ودحض المطران بولس مطر، رئيس أساقفة بيروت واللجنة الأسقفية، لوسائل الإعلام، المعلومات التي تحدثت عن أن البطريرك الراعي يخطط لقطع طريق الرئاسة على عون، رافضا اتهام المسيحيين بتعطيل الاستحقاق الرئاسي. وحثّ مطر، في حديث إذاعي، اللبنانيين على «حسم أمرهم، فالمنطقة أمام تداعيات كثيرة ولبنان يجب أن يكون واقفا على رجليه».
في المقابل، وصف القيادي في «التيار الوطني الحر» الوزير السابق ماريو عون العلاقة مع البطريرك الراعي بـ«الطبيعية»، لافتا إلى أنّه «لا حب وغرام كما أنّه لا بُعد». وأقر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بوجود «خلاف مع الراعي فيما يتعلق بملف الاستحقاق الرئاسي»، قائلا إنه «لكل منا مقاربة مختلفة للموضوع، فالراعي يريد أي شخصية لتولي سدة الرئاسة وبأي طريقة حرصا منه على مبدأ الديمقراطية، أما الوضع بالنسبة لنا فمختلف تماما». ورأى الوزير السابق أن لبنان والمنطقة بصدد مرحلة «وجودية ومصيرية» خاصة أن «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) على الأبواب، وبالتالي المطلوب «رئيس قوي وقادر أن يتكلم مع الجميع داخل وخارج الحدود، ومن هناك أفضل من العماد عون لتولي هذا الدور؟». وأكّد أن «حلفاء التيار الوطني الحر ما زالوا على تفويضهم للعماد عون بتولي المفاوضات بالملف الرئاسي»، مشددا على أن «الأولوية تبقى لهذا الملف، ولكن يتوجب أن نكون حاضرين للانتخابات النيابية التي قد ينتج عنها تغيير بالتوازنات القائمة ما يحل أزمة الرئاسة».
ويبدو أن عون الذي كان ولا يزال يسعى لكسب رضا أكبر عدد ممكن من الأفرقاء اللبنانيين لتأمين أكثرية نيابية توصله إلى سدة الرئاسة، وحيد حاليا أكثر من أي وقت مضى بعد خلافه مع الراعي ووصول مفاوضاته بالملف الرئاسي مع زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري إلى حائط مسدود. ويذكر أنه ظهر التباين في المواقف مع الحريري أخيرا بعد إعلان عون جهوزيته لتأمين عودة وأمن الحريري في بيروت في حال انتخب رئيسا، ما استدعى ردا من الأخير بعد استقباله رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان في باريس قبل يومين، قال فيه إنه «ليس بحاجة لأي أمن سياسي». وأضاف الحريري: «عندما أقرر العودة إلى لبنان فإن الله هو من يحفظ الجميع. قد يكون العماد عون قد أوضح بعد ذلك مقصده، ولكن بغض النظر فإن هذا التصريح كان بغير محله، وهو لا يقال، لا لسعد الحريري ولا لأي سياسي آخر في لبنان.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».