مزيد من التعزيزات العسكرية الفرنسية إلى شمال سوريا

مصادر محلية كشفت عن وصول دفعة إلى الحسكة

TT

مزيد من التعزيزات العسكرية الفرنسية إلى شمال سوريا

كشفت مصادر محلية عن وصول دفعة جديدة من القوات الفرنسية إلى إحدى القواعد الأميركية في منطقة «رميلان» بمحافظة الحسكة شمال شرقي سوريا.
ونقلت وكالة «الأناضول» التركية عن هذه المصادر، أمس، أن «وحدات فرنسية خاصة»، وصلت مساء الخميس الماضي، إلى القاعدة الأميركية في الحسكة، وأنه لوحظ ازدياد حركة دخول وخروج الوحدات العسكرية الفرنسية من العراق إلى سوريا في الآونة الأخيرة. وأشارت المصادر إلى أن الجنود الفرنسيين أجروا دوريات مشتركة مع عناصر أميركية بمدرعاتهم في مدن منبج والرقة وبعض مناطق دير الزور رفقة مقاتلين أكراد. وذكرت الوكالة أن قادة من وحدات حماية الشعب الكردية عقدوا اجتماعين مع الجنود الفرنسيين في مدينة منبج، وتم تزويد الميليشيات الكردية بأسلحة ومعدات عسكرية.
ويوجد أكثر من 70 عنصراً تابعاً للقوات الفرنسية الخاصة في 5 مناطق شمال سوريا، تحت راية التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش بقيادة أميركا، ينتشرون في كل من تلة مشتى النور جنوب مدينة عين العرب، وناحية صرين، وبلدة عين عيسى وقرية خراب العاشق، بالإضافة إلى ريف دير الزور الشرقي.
كانت مصادر محلية لفتت إلى أن تعزيزات عسكرية فرنسية كبيرة وصلت خلال الأسبوع الماضي، إلى شمالي سوريا عقب التهديدات التركية بالدخول إلى مناطق التحالف الدولي، حيث وصلت تعزيزات عسكرية فرنسية كبيرة من القوات الخاصة خلال الأسبوع الماضي، إلى مدينتي منبج وعين العرب عقب التهديدات التركية بالدخول إلى منبج، وأشارت إلى أن بعض تلك القوات انتشرت في مناطق التماسّ مع القوات التركية والفصائل الموالية لها في منطقتي جرابلس والباب شمال شرقي حلب.
ويرى مراقبون أن تكثيف وجود القوات الفرنسية في شمال شرقي سوريا يأتي بالتزامن مع التصريحات الأميركية حول الانسحاب من سوريا والاستعاضة عن الوجود الأميركي بنشر قوات عربية.
ولفتت المصادر إلى ما تردد عن اتفاق فرنسي أميركي على أن يكون للقوات الفرنسية وجود قوي في شمال سوريا، في المرحلة المقبلة، ودور في تنظيم الإدارات المحلية والتخطيط لها في أكثر من منطقة سوريا. وكان وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس قد أعلن، الخميس الماضي، أن فرنسا أرسلت جنوداً من قواتها الخاصة إلى سوريا خلال الأسبوعين الماضيين لتعزيز القوات الأميركية شمال شرقي سوريا.
وسبق أن حذرت تركيا فرنسا من إرسال عسكريين إلى مدينة منبج شمال سوريا، و«عدم تكرار الأخطاء» التي ارتكبتها الولايات المتحدة هناك من خلال دعمها القوات الكردية في إطار الحرب على «داعش».
وأعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الجمعة، أنه أقر مع نظيره الأميركي مايك بومبيو، خريطة طريق تم التوصل إليها بين أنقرة وواشنطن، بشأن سوريا، وفي حال تطبيقها، ستنسحب وحدات حماية الشعب من مدينة منبج، وإلا فإن تركيا مضطرة إلى التدخل كما حدث في منطقة عفرين. وقال الوزير التركي، عقب لقائه نظيره الأميركي على هامش مشاركته في اجتماع وزراء خارجية حلف شمال الأطلسي «الناتو» في بروكسل، إنه جرى خلال اللقاء مع بومبيو، تأكيد موافقة الجانبين، على خريطة الطريق التي أقرتها مجموعة العمل التركية الأميركية المشتركة حول سوريا.
وأضاف أنه «في حال تطبيق خريطة الطريق مع الولايات المتحدة، ستنسحب وحدات حماية الشعب من منبج، وإلا فإننا مضطرون إلى التدخل مثلما فعلنا في عفرين».
كانت العلاقات بين أنقرة وواشنطن قد توترت بسبب المطالبات المتكررة من جانب تركيا للولايات المتحدة بتنفيذ تعهداتها بسحب وحدات حماية الشعب الكردية من منبج إلى شرق الفرات، ووقف الدعم العسكري والمالي المقدم لها.
واعتبر جاويش أوغلو أيضاً أن فرنسا ليس لديها ما تفعله في شمال سوريا، وذلك بعد أن سبق وحذر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان باريس من أنها ستندم إذا أرسلت قوات لدعم الميليشيات الكردية في شمال سوريا.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.