التغيرات المناخية... آثار مدمرة للأرض والإنسان

أرقام مخيفة تظهر حجم الأهوال المقبلة على البشرية

التغيرات المناخية... آثار مدمرة للأرض والإنسان
TT

التغيرات المناخية... آثار مدمرة للأرض والإنسان

التغيرات المناخية... آثار مدمرة للأرض والإنسان

من مأثور القول عند حكماء الصين: «إن الإنسان العاقل لا يقول أنا سقيم وأتعذّب، بل الأرض مريضة وتتألّم». لم نعد بحاجة اليوم للرجوع إلى الدراسات العلمية التي لا حصر لها، ولا للبيانات الموضعية والإحصاءات وآراء الخبراء الذين يدقّون نواقيس الخطر ليلاً ونهاراً منذ سنوات، لنتبيّن كم ينطبق هذا القول على حال الكوكب الذي نعيش عليه، وغالباً ما نتعامل معه كخصم عنيد أو عدو لدود. تكفي معاينة بسيطة لكثير من سواحلنا وشوارعنا وحقولنا، لنتبيّن فداحة الضرر الذي ألحقته يد الإنسان بالطبيعة ومواردها التي هي الشرط الأساس لبقاء الجنس البشري.
الأسئلة التي ينبغي أن نطرحها على أنفسنا اليوم لم تعد حول ماذا فعلنا... وكيف وصلنا إلى شفير هذه الهاوية المصيرية... أو عن مدى خطورة الوضع الذي سنورّثه للأجيال المقبلة. السؤال الوحيد الذي يجب أن نتوقّف عنده، ونجيب عليه بجرأة ومسؤولية والتزام، هو التالي: ماذا عسانا أن نفعل لإصلاح ما تهدّم واستعادة ما اندثر وإنقاذ ما تبقّى؟!
ماذا عسانا أن نفعل كي نتصدّى لتداعيات التغيّر المناخي؟ وكيف نصون التنوع البيولوجي، النباتي والحيواني، الذي هو المصدر الأساسي لغذاء البشرية منذ وجودها؟ وما الإجراءات التي يجب علينا اتخاذها، أفراداً ومؤسسات وحكومات، للحفاظ على الماء... الذي منه كلُّ شيء حي؟ وكيف نحمي الغابات التي تتعرّى أمام الزحف العمراني، والمحيطات من جشع الاستغلال ورعونة التصرّف؟ وماذا عن الجوع الذي ينام عليه نحو مليار إنسان كل ليلة؟

أرقام مخيفة
لعلّ في بعض الأرقام والإحصاءات ما يبدّد شكوك المترددين ويحفّز على الوعي والعمل الجادّ- في عام 2050 :
• ستزيد كميّة البلاستيك عن كميّة السمك في المحيطات.
• أكثر من 900 مليون إنسان يعانون من الجوع في العالم بينما يعاني نحو مليارين من الإفراط في الوزن.
• استهلاك العالم من المياه تضاعف ست مرّات أكثر من معدّل النمو الديموغرافي.
• منذ آلاف السنين اعتمد الإنسان لبقائه على أكثر من عشرة آلاف جنس من النبات لم يتبقَّ منها اليوم سوى 150، فيما ألف جنس نباتي، وألفا جنس حيواني أصبحت مهددة بالانقراض.
• أكثر من 65 مليون نزحوا من بلدانهم بسبب من الفقر والنزاعات فيما يعيش 244 مليون خارج البلدان التي ولدوا فيها، معظمهم من اللاجئين.
• نصف الغابات التي كانت تكسو الكرة الأرضية في القرون الوسطى لم تعد موجودة، ويُقدَّر أن 129 مليون هكتار من الغابات قد انقرضت في العقود الثلاثة الأخيرة، أي ما يعادل مساحة دولة مثل جنوب أفريقيا، بوتيرة تعادل مساحة 36 ملعباً لكرة القدم في اليوم.
• ثلاثة آلاف مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون تسمّم الجو سنويّاً مما يتسبّب في وفاة مليوني شخص نتيجة إصابتهم بأمراض تنفسية.
• ومليارات طن هي كمية النفايات التي ننتجها يوميا، منها 35 مليون طن من النفايات الإلكترونية السامة، فيما يفتقر 40 % من سكان الأرض للمياه العذبة. وقد حذّر فريق من الخبراء والباحثين في عدد من كبريات الجامعات العالمية في تقرير رُفع أخيراً إلى الأمين العام للأمم المتحدة، من أن «أمام العالم سنة واحدة للتحرّك كي نتجاوز مجموعة من (المنعطفات) التي إذا أخفقنا أو تقاعسنا في معالجتها أصبح إصلاح الضرر متعذّراً، مما يمهّد لسلسلة من الانهيارات في المنظومة البيئية التي هي أساس بقاء الإنسان مثل المحيطات والتربة والموارد الطبيعية الأساسية». ويضيف التقرير أن «البحوث العلمية قد بيّنت، بما لا يقبل الشك، أن المنظومات التي قامت عليها الحضارات، وازدهرت في القرون الغابرة باتت في وسط دائرة الخطر... ولم يعد بإمكان العالم أن يتصرّف كأن شيئاً لم يكن».

تطورات تكنولوجية كاسحة

لكن الوجه الآخر لهذا المشهد القاتم الذي يبعث على الاكتئاب يكمن في التطورات التكنولوجية التي لا سابق لها، وفي الثورة العلمية المذهلة التي وضعت في تصرّف الإنسان كميّة هائلة من المعلومات لم تكن تحلم بها الأجيال السابقة، التي من شأنها أن تتيح الوسائل الكفيلة بوقف التدهور على جبهات عدة. فقد أصبح في مقدور الإنسان، بفضل الاكتشافات العلمية والابتكارات التكنولوجية، أن يقضي على الجوع ويخفّض معدلات الفقر الذي تراجع بنسبة كبيرة في العقود الثلاثة الأخيرة، فيما انخفض معدّل وفيّات المرضعات والأطفال دون الخامسة إلى النصف، وازدادت إنتاجية الأراضي الزراعية بفضل أجيال جديدة من البذور المحسّنة والمقاومة للجفاف والآفات، وتطورت تقنيات استهلاك المياه وتنقيتها، وإعادة استخدامها لأغراض الري والإنتاج الصناعي والاحتياجات البشرية.
منذ بداية التاريخ، لم يكن العالم بحاجة إلى هذا القدر من الموارد التي يحتاج إليها اليوم ويتهافت على استغلالها بجشع غير مسبوق، لكن في ظلّ مؤشرات واضحة وقرائن علمية دامغة على أن هذه الموارد في طريقها إلى النفاد. وهي الموارد نفسها التي كانت عماد استمرار البشرية منذ نحو ثلاثة ملايين سنة.

موارد الأرض

ظهرت الزراعة للمرة الأولى في التاريخ منذ اثني عشر ألف عام في بلاد ما بين النهرين، ثم كانت الثورة الزراعية التي دفعت عجلة التطور البشري الذي لم يتوقف إلى اليوم، فقامت أوائل المدن الكبرى ومعها الحضارات المتعاقبة والإمبراطوريات التي راحت تندثر حتى مطالع القرن العشرين من غير انفجار ديموغرافي يُذكَر.
لم يبلغ تعداد سكان العالم المائة مليون حتى أواسط العهد الروماني، ليصل إلى 500 مليون مع «اكتشاف» القارة الأميركية أواخر القرن الخامس عشر، ويتجاوز المليار نسمة عام 1820، ثم ستة مليارات في مطلع القرن الحالي، وسبعة مليارات اليوم، وينتظر أن يبلغ عشرة مليارات قبل حلول عام 2050.
ولم تتعرّض الموارد الطبيعية للضغط البشري الذي تتعرض له اليوم، لكن قدرة الإنسان على حسن استغلالها وإدارتها بشكل مستدام لم تبلغ قطّ هذا المستوى من التطور، وكانت الغلبة دائماً للإنتاج الغذائي في سباقه مع النمو السكاني بحيث إن العالم كان، وما زال، ينتج من الأغذية أكثر من حاجته بكثير.
في القرون الخمسة الماضية تضاعف عدد سكان العالم 14 مرة فيما تضاعف الإنتاج الغذائي 240 مرة. ويعيش نصف سكان الأرض اليوم في المدن الكبرى، بعد أن كان 90 % منهم يعيشون على الزراعة، حتى الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر. وفي الولايات المتحدة لا يعيش سوى 2 % من السكان على الزراعة، لكن هذه النسبة الضئيلة لا تنتج ما يكفي لتلبية الاحتياجات الداخلية فحسب، بل تصدّر كميات ضخمة من الحبوب والمنتجات الغذائية.
تحتلّ المدن الكبرى 3 % من مساحة الكرة الأرضية، لكن يعيش فيها 53 % من سكان العالم، وينتظر أن تصل هذه النسبة إلى الثلثين في منتصف القرن الحالي. وتقدّر منظمة الأغذية والزراعة أنه لا بد من زيادة الإنتاج الغذائي العالمي بنسبة 50 % لإطعام سكان الأرض الذين سيتجاوز عددهم المليارات العشرة في عام 2050.
ثلاثة أرباع الغذاء الذي كان مستهلكاً في العالم حتى أواخر القرن الماضي كان مصدره الأرز والقمح والذرة، لكن أنماط التغذية بدأت تتغيّر بسرعة في العقدين الأخيرين. في عام 1980 كان سكان الصين يستهلكون ما معدّله 14 كيلوغراماً من اللحوم للفرد سنويا مقابل 55 في العام الماضي. وقد تضاعف استهلاك العالم من اللحوم ثلاث مرات في العقود الأربعة الأخيرة، وينتظر أن يتضاعف مرة أخرى قبل عام 2030. ولإعطاء فكرة عن مدى التحولات في الأنماط الاستهلاكية والإنتاجية، تكفي الإشارة إلى أن عدد الأسود في العالم اليوم لا يزيد عن 7500 وهي مهددة بالانقراض، فيما بلغ عدد الأبقار 1500 مليون، والأغنام ملياراً، وتجاوز عدد الدجاج 25 ملياراً.
لكن هذا الفائض في الإنتاج ليس حائلاً دون تفشّي الجوع ونقص التغذية أو دليلاً على العافية. فالإنسان ما زال يهدر ثلث الأطعمة التي ينتجها فيما تعاني كل بلدان العالم، دون استثناء، من الإفراط في الوزن أو السمنة بحيث تجاوز عدد الوفيّات الناجمة عن «الأمراض الغذائية» تلك التي تتسبب بها الحروب والنزاعات.

استهلاك متزايد

حتى خمسينات القرن الماضي كانت بحار العالم تعجّ بالأسماك المتكاثرة باستدامة عندما كانت ثلاثة أرباعها خارج دائرة الاستغلال الجائر الذي تتعرض له اليوم، والذي جعل كل الموارد البحرية الحية مهددة بالانقراض بنسبة أو بأخرى. أما الموارد المائية التي باتت من المولّدات الرئيسية للنزاعات والمرشّحة لتصبح من أخطر الصواعق المفجّرة للحروب، فهي من أصعب التحديّات التي تواجه العالم اليوم وأشدها خطورة، إذ ما زال نصف سكان العالم تقريباً محرومين من المياه النظيفة فيما يعيش 1500 مليون نسمة في مناطق تعاني من شحّ كبير في الموارد المائية. ومن الدلائل على خطورة هذا التحدي وصعوبة التصدي له، أن استهلاك المياه في العالم ازداد ضعف النمو الديموغرافي في القرن الماضي، وان إنتاج كيلوغرام واحد من الحبوب يحتاج إلى ثلاثة أطنان من المياه، في حين يحتاج إنتاج كيلوغرام من اللحوم إلى خمسة عشر طناً، وينتظر أن يزداد عدد مستهلكي اللحوم والفواكه والخضار والأطعمة الجاهزة مقابل انخفاض عدد مستهلكي الحبوب، خصوصاً في البلدان النامية.
وتفيد الإحصاءات العلمية، استناداً إلى المقادير الحالية للاستهلاك البشري، بأن طفلاً يولَد اليوم سيستهلك على مدى عمره 360 كيلوغراماً من الرصاص و240 كيلوغراماً من الزنك و680 كيلوغراماً من النحاس و1630 كيلوغراماً من الألمنيوم، وخمسة عشر طناً من الحديد و560 طناً من الحجارة، مما يعني أن العالم سيحتاج إلى كرتين أرضيّتين لتلبية احتياجاته الاستهلاكية.



«طلاء شمسي» لشحن السيارات الكهربائية

«طلاء شمسي» لشحن السيارات الكهربائية
TT

«طلاء شمسي» لشحن السيارات الكهربائية

«طلاء شمسي» لشحن السيارات الكهربائية

في المستقبل، يمكن تغطية سيارتك الكهربائية بألواح شمسية -ليس فقط على السطح، ولكن في جميع أنحاء الجزء الخارجي من السيارة- بفضل طلاء خاص.

وسواء كنت تقود السيارة أو كانت متوقفة، يمكن لهذا الطلاء الشمسي حصاد الطاقة من الشمس، وتغذيتها مباشرة في بطارية السيارة الكهربائية. وربما يبدو الأمر وكأنه شيء من كتاب خيال علمي، إلا أن الباحثين في شركة «مرسيدس بنز» يعملون بالفعل على جعله حقيقة واقعة.

عجينة لطلاء شمسي

يقول يوشين شميد، المدير الأول لشركة «مستقبل القيادة الكهربائية» Future Electric Drive، للبحث والتطوير في «مرسيدس بنز» الذي يستكشف تقنيات السيارات الكهربائية في مرحلة مبكرة: «نحن ننتج مئات السيارات يومياً، وسطح السيارة مساحة كبيرة جداً. فلماذا لا نستخدمها لحصاد طاقة الشمس؟».

إن المادة الكهروضوئية التي تبحثها شركة مرسيدس تشبه العجينة التي يمكن وضعها على الجزء الخارجي للسيارة. يبلغ سمك الطلاء 5 ميكرومترات فقط (يبلغ متوسط ​​سمك شعرة الإنسان نحو 100 ميكرومتر)، ويزن 50 غراماً لكل متر مربع.

وقود شمسي لآلاف الكيلومترات

في سيارة رياضية متعددة الأغراض SUV متوسطة الحجم، ستشغل العجينة، التي تطلق عليها مرسيدس أيضاً طلاءً شمسياً، نحو 118 قدماً مربعة، ما ينتج طاقة كافية للسفر لمسافة تصل إلى 7456 ميلاً (12000 كم) في السنة. ويشير صانع السيارة إلى أن هذا يمكن أن يتحقق في «ظروف مثالية»؛ وتعتمد كمية الطاقة التي ستحصدها هذه العجينة بالفعل على قوة الشمس وكمية الظل الموجودة.

طلاء مرن لصبغ المنحنيات

ولأن الطلاء الشمسي مرن، فيمكنه أن يتناسب مع المنحنيات، ما يوفر فرصاً أكبر للطاقة الشمسية مقارنة بالألواح الشمسية الزجاجية التي لا يمكن ثنيها، وبالتالي لا يمكن تثبيتها إلا على سقف السيارة أو غطاء المحرك. يُعدّ الطلاء الشمسي جزءاً من طلاء متعدد الخطوات يتضمن المادة الموصلة والعزل والمادة النشطة للطاقة الشمسية ثم الطلاء العلوي لتوفير اللون (يشكل كل ذلك معاً عمق بـ5 ميكرونات).

لن تكون هذه الطبقة العلوية طلاءً قياسياً للسيارات لأنها لا تحتوي على صبغة. بدلاً من ذلك، ستبدو هذه الطبقة أشبه بجناح الفراشة، كما يقول شميد، وستكون مادة شديدة الشفافية مليئة بجسيمات نانوية تعكس الأطوال الموجية من ضوء الشمس. كما يمكن تصميمها لتعكس أطوال موجية محددة، ما يعني أن السيارات الكهربائية يمكن أن تأتي بألوان أخرى.

وسيتم توصيل الطلاء الشمسي أيضاً عن طريق الأسلاك بمحول طاقة يقع بجوار البطارية، الذي سيغذي مباشرة تلك البطارية ذات الجهد العالي.

تأمين أكثر من نصف الوقود

ووفقاً للشركة فإن متوسط سير ​​السائق هو 32 ميلاً (51.5 كم) في اليوم؛ هناك، يمكن تغطية نحو 62 في المائة من هذه الحاجة بالطاقة الشمسية من خلال هذه التكنولوجيا. بالنسبة للسائقين في أماكن مثل لوس أنجليس، يمكن أن يغطي الطلاء الشمسي 100 في المائة من احتياجات القيادة الخاصة بهم. يمكن بعد ذلك استخدام أي طاقة إضافية عبر الشحن ثنائي الاتجاه لتشغيل منزل شخص ما.

على عكس الألواح الشمسية النموذجية، لا يحتوي هذا الطلاء الشمسي على أي معادن أرضية نادرة أو سيليكون أو مواد سامة أخرى. وهذا يجعل إعادة التدوير أسهل. وتبحث «مرسيدس» بالفعل عن كيفية جعل إصلاحه سهلاً وبأسعار معقولة.

يقول شميد: «قد تكون هناك مخاوف من أن سيارتي بها خدش، فمن المحتمل أن لوحة الباب معطلة»، وتابع: «لذا اتخذنا احتياطاتنا، ويمكننا بسهولة القول إن لدينا تدابير مضادة لذلك».

ومع تغطية المركبات الكهربائية بالطلاء الشمسي، لن يكون هناك الكثير من القلق بشأن شبكات الشحن، أو الحاجة إلى قيام الناس بتثبيت أجهزة الشحن في منازلهم. ويقول شميد : «إذا كان من الممكن توليد 50 في المائة أو حتى أكثر من قيادتك السنوية من الشمس مجاناً، فهذه ميزة ضخمة ويمكن أن تساعد في اختراق السوق».

ومع ذلك، فإن حقيقة طلاء سيارتك الكهربائية بالطاقة الشمسية لا تزال على بعد سنوات، ولا تستطيع مرسيدس أن تقول متى قد يتم طرح هذا على طرازاتها، لكنها شركة واثقة من تحقيقها.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».

اقرأ أيضاً