800 ألف شاب سينتخبون للمرة الأولى

مواقع التواصل أسقطت قدرة الأحزاب في التأثير عليهم

TT

800 ألف شاب سينتخبون للمرة الأولى

أكثر من 800 ألف ناخب سيقترعون للمرة الأولى في لبنان من فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 21 و29 عاماً. وسيختبرون هذه التجربة الديمقراطية للمرة الأولى بعد غياب الاستحقاق الانتخابي عن لبنان تسع سنوات نتيجة التمديد المستمر للبرلمان، ويشكّلون الهدف الأساس للوائح التي تصنف في خانة «المعارضة للأحزاب وعلى رأسها المجتمع المدني»، لكن هذا لا يعني أن هذه الفئة غائبة عن عين الأحزاب التقليدية التي تعوّل على توجهات عائلاتهم السياسية، وقد تترجم لمصلحتها في صناديق الاقتراع، من دون إغفال أن نسبة كبيرة منهم هم من المغتربين الذي لن يدلوا بأصواتهم، ولم يسجّلوا أسماءهم في الدول المتواجدين فيها.
ولا يرى الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين، مؤشرات لأي تغيير من قبل هؤلاء الشباب، بينما على العكس، يرى المرشح للانتخابات باسم «المجتمع المدني» على «لائحة كلنا بيروت» إبراهيم منيمنة، أن هذه الشريحة التي عايشت الاحتجاجات والتحركات في السنوات الأخيرة تبدي تجاوباً كبيراً للخروج من عباءة الأحزاب.
وتعكس آراء الشباب الذين يسجّل نشاطهم بشكل لافت على وسائل التواصل الاجتماعي هذه التوجهّات المتناقضة في أحيان كثيرة. إذ في حين يبدي بعضهم استياءه الواضح من لوائح الأحزاب ومرشحيها، تبدو آراء آخرين نسخة طبق الأصل عن انتماءات عائلاتهم السياسية والحزبية. ويشكّل أحمد (28 عاماً) وسمر (24 عاماً) نموذجين للفئتين، وذلك عبر إقرار الأول أن خياره لن يكون مختلفاً عن توجّهات العائلة المعروفة منذ عشرات السنين على قاعدة «الذي تعرفه أفضل ممن لا تعرفه»، بينما تعترض سمر على هذا الواقع، وتعلن صراحة أن صوتها في الانتخابات لن يكون لمن أمسكوا بالسلطة طوال الفترة الماضية ولم يقدموا شيئاً للبنانيين بشكل عام، والشباب بشكل خاص.
وفي حين يقدّر شمس الدين في تصريح لـ«الشرق الأوسط» مشاركة نحو نصف الناخبين الشباب، أي ما يقارب من نحو 400 ألف في العملية الانتخابية، مع إشارته إلى أن الزيادة في عدد هؤلاء يقابلها عدد ممن فارقوا الحياة ويقدّر أيضاً بنحو 400 ألف شخص، يستبعد أن تنعكس أصوات هؤلاء في إحداث أي تغيير، قائلاً: «لن يكون لهم فاعلية لافتة في النتائج انطلاقاً من عوامل عدّة، أبرزها أن العدد الكبير منهم لن يخرجوا عن توجهات الطائفة والعائلة والمجتمع، إضافة إلى انقسام المجتمع المدني بين لوائح عدة؛ ما من شأنه أن يشتّت أصوات من قرروا الخروج عن التقليد».
في المقابل، يبدو المرشح إبراهيم منيمنة أكثر تفاؤلاً في تعويله على صوت الشباب مع إقراره بأن التواصل معهم ليس سهلاً، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «كمجتمع مدني نعول كثيراً على هذه الشريحة التي تظهر، في جزء كبير منها، خروجها عن منظومة البلد الطائفية والمذهبية والعائلية وباتت متحررة من كل قيودها بناءً على تجاربها الشخصية ومعايشتها للواقع اللبناني». وحول التواصل مع هؤلاء الشباب يقول: «وسائل التواصل الاجتماعي تساعدنا بدرجة كبيرة في هذه المهمة، وقد لمسنا لديهم نبضاً مختلفاً في الفترة الأخيرة، وهو ما بدأ يظهر جلياً منذ الحراك المدني عام 2015 وكانوا جزءاً أساسياً منه، اختبروا كذلك الانتخابات البلدية عام 2016 التي عكست بشكل واضح هذا التوجه من خلال نسبة المشاركة المعارضة للأحزاب».
ويعتبر هنا أن «انفتاح الشباب على هذه الوسائل وقدرتهم على الاطلاع والمقارنة أسقطت قدرة الوسائل التقليدية التي تعتمدها الأحزاب على التأثير عليهم».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.