جدل حاد في الإعلام الباكستاني حول تغطية هجمات «الدرون»

في كل ليلة تمتلئ شاشات التلفزيون بصور ضحايا هجمات الطائرات من دون طيار في الشريط القبلي

 طائرة من دون طيار فوق الشريط القبلي
طائرة من دون طيار فوق الشريط القبلي
TT

جدل حاد في الإعلام الباكستاني حول تغطية هجمات «الدرون»

 طائرة من دون طيار فوق الشريط القبلي
طائرة من دون طيار فوق الشريط القبلي

• صدامات بين المؤيدين والمعارضين لهجمات الطائرات تثور علنا وعلى الملأ على شاشات التلفزيون الباكستاني.. حيث يتهم المعارضون المؤيدين بأنهم «عملاء أميركيون» بينما يتهم المؤيدون المعارضين بأنهم يناصرون حركة طالبان الإرهابية

• على الجانب الآخر هناك أمثلة كثيرة لأفعال وأقوال تصدر عن الحكومة الباكستانية تقف إلى جانب المؤيدين لتلك الهجمات الذين يقولون إن استمرار الهجمات التي تشنها الطائرات من دون طيار سوف يؤدي في نهاية الأمر إلى اجتثاث عناصر «القاعدة» من المناطق القبلية الباكستانية

أدت سلسلة من الهجمات التي شنتها طائرات أميركية من دون طيار مؤخرا في باكستان إلى مقتل الآلاف في إحدى المناطق القبلية، من بينهم إرهابيون شديدو الخطورة ومسلحون أجانب. وقد انقسمت وسائل الإعلام الباكستانية، التي قامت بتغطية الهجمات من دون أن توليها اهتماما يليق بها، حول تلك الأحداث ما بين مؤيد ومعارض.
وتبدو وسائل الإعلام في باكستان منقسمة بشدة إلى طرفين متحاربين بشأن تأييد أو معارضة الهجمات التي تشنها الطائرات الأميركية من دون طيار في المناطق القبلية، والتي خلفت آلاف القتلى من المدنيين، بالإضافة إلى عدد كبير من المسلحين القبليين الذين يتمركزون في المناطق القبلية الواقعة على الحدود مع أفغانستان.
وتجري وسائل الإعلام الباكستانية نقاشات حادة في ما يخص قضية هجمات الطائرات الأميركية من دون طيار ضد المناطق القبلية، والتي أدت خلال الأعوام الخمسة الماضية إلى مقتل المئات من مسلحي طالبان والمقاتلين الأفغان - العرب الذين يقطنون المناطق القبلية الباكستانية.
ويعلق «أثر من الله»، الخبير القانوني والمعلق السياسي، على ذلك الانقسام الواضح في وسائل الإعلام الباكستانية بقوله «من المستحيل أن يتوافر نقاش متحضر في مجتمعنا. ولم يعد هناك تسامح لدرجة أنه يجري تصنيف الناس إلى إما مؤيد للطائرات الأميركية أو مؤيد لطالبان.
وقد زادت حدة الجدل في وسائل الإعلام في أعقاب الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في بداية العام الحالي وأسفرت عن تولي رئيس الوزراء «نواز شريف» لمقاليد السلطة في إسلام آباد، بينما فاز الحزب الذي يترأسه لاعب الكريكيت عمران خان، الذي تحول إلى حقل السياسة، بالانتخابات في إقليم خیبر بختونخوا، الذي يقع على الحدود مع أفغانستان والمجاور للمناطق القبلية الباكستانية. وتعارض الحكومتان بشدة الهجمات التي تشنها الطائرات الأميركية ضد المناطق القبلية الباكستانية، وتعهدتا بالضغط على واشنطن لوقف تلك الهجمات.
وقد أدى الاتجاه السياسي المتنامي والمعارض لهجمات الطائرات الأميركية من دون طيار إلى زيادة حدة الانقسام في وسائل الإعلام الباكستانية، ففي كل ليلة تمتلئ شاشات التلفاز للقنوات الإخبارية الخاصة في باكستان بصور هجمات الطائرات من دون طيار، التي تعيث تخريبا في أجزاء مختلفة من المناطق القبلية. ويلي عرض تلك الصور والمشاهد ظهور الكثير من المعلقين والمحللين السياسيين وكذلك الشخصيات الإعلامية التي تدلي بدلوها بشأن تلك الهجمات بين معارض ومؤيد بشدة لها.
وعلى الجانب الآخر، تمتلئ صفحات الجرائد الباكستانية بالتعليقات والمقالات الافتتاحية التي تدين هجمات الطائرات الأميركية. وتصف معظم المقالات الافتتاحية، التي تنتهج خطا رسميا، الهجمات بأنها أسوأ صور «جرائم الحرب»، على الرغم من إصرار واشنطن على أن تلك الهجمات تتوافق والقانون الدولي.
وتدين إسلام آباد بصورة منتظمة الضربات التي يجري شنها ضد المسلحين المشتبه في ارتباطهم بحركة طالبان وتنظيم القاعدة، وتقول إن تلك الهجمات تؤدي إلى نتائج عكسية، بالإضافة إلى أنها تمثل انتهاكا لسيادة الدولة الباكستانية. وقد ناقش رئيس الوزراء نواز شريف تلك القضية خلال مباحثاته في البيت الأبيض الشهر الماضي.
غير أن افتتاحيات الصحف حذرت من أنه إذا كانت باكستان ترغب في إنهاء حملة هجمات الطائرات من دون طيار تلك، فإنها تحتاج إلى اتخاذ خطوات لاجتثاث الميليشيات المسلحة التي تتمركز في سبع مناطق قبلية تتمتع بحكم شبه ذاتي والتي تقع على الحدود مع أفغانستان.
وتقول صحيفة «دون» أو «الفجر»، أقدم الصحف الناطقة باللغة الإنجليزية في باكستان، في إحدى افتتاحياتها «لقد أطلق الأميركيون العنان للطائرات من دون طيار كي تنفذ تلك الهجمات عندما رأوا الدولة عاجزة عن السيطرة على تلك المنطقة التي تعج بالمسلحين». وتوافق جريدة «الديلي تايمز» المحلية على ذلك الطرح، وتضيف أنه «حتى يأتي اليوم التي يجري فيه حرمان المسلحين من المأوى في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية (FATA)، فإنه من غير الوارد أن تتوقف هجمات الطائرات من دون طيار وتبعاتها السياسية المختلفة». وتضيف «الديلي تايمز» أن واشنطن لجأت إلى شن هجمات الطائرات من دون طيار عندما فشلت الحكومة الباكستانية في تدمير الملاذ الآمن للمسلحين، مشيرة إلى أنه «ستستمر هجمات الطائرات من دون طيار حتى ندرك خطورة الموقف ونسير في الاتجاه الصحيح». أما صحيفة «ذا نيوز»، التي تنتهج خطا سياسيا محافظا، فتقول إنه وبسبب التعقيدات المذكورة سلفا، فإن نواز شريف يواجه «مهمة شاقة» في إقناع الرئيس الأميركي باراك أوباما بإنهاء تلك الهجمات.
وقد أصدرت مؤخرا منظمة العفو الدولية تقريرا خاصا بشأن هجمات الطائرات من دون طيار على المناطق القبلية الباكستانية. وقد أدان التقرير الهجمات ووصفها بأنها أسوأ أشكال جرائم الحرب، قبل يوم واحد من لقاء نواز شريف بالرئيس أوباما في البيت الأبيض في الأسبوع الأخير من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وخلال ذلك اللقاء، طالب نواز شريف الإدارة الأميركية بشكل علني بوقف الهجمات التي تقوم بها الطائرات من دون طيار على المناطق القبلية حيث إنها تمثل اعتداء على سيادة الدولة الباكستانية.
ويقول سهيل عبد الناصر، صحافي يغطي القضايا الأمنية لصحيفة محلية «التقرير الذي نشرته منظمة العفو الدولية، ومطالبة نواز شريف علنا للإدارة الأميركية بوقف هجمات الطائرات، أديا إلى زيادة حدة الجدل في وسائل الإعلام الباكستانية».
وتحدث الآن صدامات بين المؤيدين والمعارضين لهجمات الطائرات علنا وعلى الملأ على شاشات التلفاز الباكستاني، حيث يتهم المعارضون المؤيدين بأنهم «عملاء أميركيون»، بينما يتهم المؤيدون المعارضين بأنهم يناصرون حركة طالبان الإرهابية. كما شرع المعارضون لهجمات الطائرات في انتقاد واشنطن لدعمها ملالا يوسف زاي (الفتاة التي أطلقت عليها حركة طالبان النار وأصابتها بجروح شديدة في وادي سوات)، وراحوا يطرحون القضية بقولهم إنه إذا كانت واشنطن تعمل من أجل صالح المرأة الباكستانية فلماذا إذن تقتل المئات من النساء الباكستانيات خلال هجوم الطائرات من دون طيار على المناطق القبلية؟
ويعلق بقار سجاد، مراسل الشؤون الخارجية في صحيفة «دون»، على ذلك الأمر بقوله «هناك محاولة في وسائل الإعلام الباكستانية للربط بين قضيتين لا توجد صلة بينهما: الهجوم على ملالا يوسف زاي وقضية هجمات الطائرات الأميركية من دون طيار على المناطق القبلية الباكستانية».
إلا أنه لا ينبغي تبسيط اللغط الجاري في وسائل الإعلام الباكستانية بشأن هجمات الطائرات من دون طيار على أساس أنه خلاف على قضية فيها رأيان متعارضان بين مجموعتين متحاربتين من الشخصيات الإعلامية. فالأمر أكثر تعقيدا من ذلك. فتقرير منظمة العفو الدولية، على سبيل المثال، بشأن تلك الهجمات يعضد رأي المعارضين لها في وسائل الإعلام الباكستانية.
وعلى الجانب الآخر، هناك أمثلة كثيرة لأفعال وأقوال تصدر عن الحكومة الباكستانية تقف إلى جانب المؤيدين لتلك الهجمات، الذين يقولون إن استمرار الهجمات التي تشنها الطائرات من دون طيار سوف يؤدي في نهاية الأمر إلى اجتثاث عناصر «القاعدة» من المناطق القبلية الباكستانية.
ومنذ عام تقريبا، أفادت جريدة «دون» الباكستانية بأن ضابطا كبيرا في الجيش الباكستاني قال إن معظم الذين يُقتلون في هجمات الطائرات من دون طيار هم مسلحون متشددون، بمن فيهم الأجانب. وصرح الجنرال غيور محمود، في مؤتمر صحافي في مدينة میرانشاه، الواقعة شمال إقليم وزيرستان، قائلا «هناك الكثير من الأساطير والشائعات التي تُنسج بشأن الهجمات الأميركية الضارية وأرقام الضحايا الكبيرة، غير أن هناك حقيقة لا يمكن إنكارها وهي أن الكثير من القتلى الذين يسقطون في تلك الهجمات هم عناصر متشددة، الكثير منهم أجانب». ويمضي محمود قائلا «نعم هناك بعض الخسائر في الأرواح تقع بين المدنيين في تلك الهجمات التي تنفذ بدقة، لكن غالبية القتلى إرهابيون، بمن فيهم العناصر الإرهابية الأجنبية».
وفي السياق ذاته، عرضت وزارة الدفاع الباكستانية تقريرا منذ شهر في مجلس الشيوخ الباكستاني قالت فيه إنه خلال الأشهر الخمسة الماضية لقي 67 مدنيا حتفهم في الهجمات التي شنتها الطائرات من دون طيار. وقد عزز ذلك التقرير وجهة نظر المؤيدين للهجمات في وسائل الإعلام الباكستانية، الذين ظلوا يقولون إن هجمات الطائرة من دون طيار سلاح فعال للتخلص من الإرهابيين الذين يتخذون من منطقة القبائل ملاذا آمنا لهم.
وفي اليوم التالي لإعلان ذلك التقرير، نشرت صحيفة محافظة تعليقا في صدر صفحتها الأولى كتبه صحافي كبير (من معسكر المعارضين لهجمات الطائرات)، سخر فيه من تقرير وزارة الدفاع ونقل عن مسؤولين كبار في الدولة قولهم إن الأرقام الواردة في التقرير ليست صحيحة.
يقول أصيف فاروق، صحافي كبير يعمل في هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، إن «قضية هجمات الطائرات من دون طيار هي القضية الوحيدة التي تستحوذ على المشهد الإعلامي في باكستان، حيث تجري مناقشتها طوال الوقت في وسائل الإعلام».
المدهش أنه بينما تجري مناقشة تلك القضية في الإعلام الباكستاني طوال الوقت، فإن جودة التقارير التي يجري إعدادها عنها في الصحف والقنوات الإخبارية متدنية. فلا يجري عرض أي فيديوهات عن آخر الهجمات، ويعلق فاروق على ذلك قائلا «معظم التقارير التي تعرضها قنوات التلفاز عن الهجمات عبارة عن رسوم غرافيك وخرائط».
ويقول الخبراء إن وسائل الإعلام الباكستانية لا تعرض أي فيديوهات في تقاريرها عن الهجمات لأنها ليست لديها أي وسائل تستطيع من خلالها الدخول إلى المناطق التي تشهد تلك الهجمات. وفي العادة وبعد كل هجوم، يسيطر مقاتلو حركة طالبان على الموقع ولا يسمحون لأحد بالاقتراب منه. يقول صحافي كبير «غالبا ما نقوم بإعداد تقارير بعد كل هجوم بعد الحديث مع مسؤولين في الاستخبارات أو مسؤولين في الحكومة المحلية».



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.