استمرار الأزمة السياسية في أرمينيا... وموسكو قلقة

المعارضة تدعو لمسيرات والقائم بأعمال رئيس الوزراء يقترح انتخابات برلمانية

محتجون من المعارضة الأرمنية يرفعون صور «النخبة الحاكمة» التي يريدون إسقاطها خلال مظاهرة في العاصمة يريفان أمس (رويترز)
محتجون من المعارضة الأرمنية يرفعون صور «النخبة الحاكمة» التي يريدون إسقاطها خلال مظاهرة في العاصمة يريفان أمس (رويترز)
TT

استمرار الأزمة السياسية في أرمينيا... وموسكو قلقة

محتجون من المعارضة الأرمنية يرفعون صور «النخبة الحاكمة» التي يريدون إسقاطها خلال مظاهرة في العاصمة يريفان أمس (رويترز)
محتجون من المعارضة الأرمنية يرفعون صور «النخبة الحاكمة» التي يريدون إسقاطها خلال مظاهرة في العاصمة يريفان أمس (رويترز)

تتابع موسكو عن كثب الأحداث المتسارعة في أرمينيا، الجمهورية السوفياتية السابقة، التي تحتفظ فيها بقاعدتين عسكريتين، بعد أن أجبر حليفها رئيس الوزراء سيرج سركسيان على الاستقالة، نزولاً عند مطالب المحتجين وأقطاب المعارضة.
وقال الكرملين بعد أن هدأت الأمور ليوم واحد بسبب تزامن الأحداث مع ذكرى «الإبادة»، التي صادفت، أول من أمس (الثلاثاء)، إنه سعيد باستقرار الوضع، مؤكداً في بيان أنه لن يتدخل فيما يحدث.
واقترح القائم بأعمال رئيس الوزراء في أرمينيا كارين كارابتيان، أمس (الأربعاء)، إجراء انتخابات برلمانية جديدة لإنهاء الأزمة السياسية التي تحيق بالبلاد منذ نحو أسبوعين.
ودعا كارابتيان الرئيس إلى تنظيم اجتماع جديد تشارك فيه جميع القوى السياسية البرلمانية وغير البرلمانية.
وأضاف في بيان، كما نقلت عنه الصحافة الفرنسية: «انطلاقاً من قلقي إزاء الوضع الراهن... أدعو الرئيس إلى تنظيم الاجتماع... بمشاركة القوى السياسية البرلمانية وغير البرلمانية».
يُشار إلى أن هناك عداءً بين أرمينيا الصغيرة مع جارتها الكبيرة أذربيجان ومع تركيا، مما يجعلها تعتمد في حمايتها على روسيا.
وكان نيكول باشينيان الذي يقود الاحتجاجات في أرمينيا، قد طالب بتغيير شامل للسلطة. وقال باشينيان، النائب المعارض في البرلمان، إنه يعتزم التحدث بهذا الشأن مع ممثلي الحزب الجمهوري الذي يتولى الحكم حتى الآن.
وأكد باشينان أن رئيس الوزراء سيرج ساركسيان ليس فقط هو المستبعد من قيادة الحكومة بل خليفته كارين كارابيتيان أيضاً.
يُشار إلى أن رئيس الوزراء في أرمينيا ينتخب من البرلمان الذي يمتلك فيه الحزب الجمهوري الأغلبية في الوقت الحالي في حين ينتمي باشينيان لحزب «اِلك» (المَخرَج) الصغير المعارض. وشدد زعيم المعارضة على ضرورة أن تعمق أرمينيا علاقاتها مع روسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. ودعا باشينيان، الذي ساعد في إجبار رئيس الوزراء على الاستقالة، إلى مسيرة جديدة بعد إلغاء محادثات كانت مقررة مع الحزب الجمهوري الحاكم. وكان من المقرر أن يلتقي كارابيتيان لعقد مباحثات بخصوص انتقال «سلمي» للسلطة، إلا أن المباحثات أُرجِئَت في اللحظات الأخيرة، ما يدفع بالبلد الفقير البالغ عدد سكانه 2.9 مليون نسمة نحو مزيد من الاضطرابات السياسية.
وقال باشينيان في مناشدة مصورة على صفحته على «فيسبوك»، كما نقلت عنه «رويترز»: «الحزب الجمهوري يفكر في استغلال استقالة سيركسيان ويريد الاحتفاظ بالسلطة... لا يمكن أن نوافق على تعيين ممثل لهذا الحزب رئيساً للوزراء ولا يمكننا السماح لهذا النظام الفاسد بأن يستمر في الوجود (على الساحة السياسية)».
وشدد باشينيان على أن رئيس الوزراء يجب أن يكون «مرشح الشعب»، وليس عضواً في الحزب الجمهوري بقيادة سركسيان. وأضاف أن الحزب الجمهوري الحاكم لا يرغب في تسليم السلطة، داعياً أنصاره إلى مزيد من الاحتجاجات.
وبدأ أنصار باشينيان وفقاً لتقارير خاصة بوكالات أنباء مجدداً في إغلاق لطرق وشل حركة المرور، وهي الطريقة التي اتبعوها على مدى أيام لإجبار سارجسيان على الاستقالة. وأكد باشينيان: «لا يمكننا السماح للحزب الجمهوري بمواصلة حكم البلاد». وتابع أن «الأزمة لم تكن فقط سيرج سركسيان، بل كل الحزب الجمهوري». وأكد كارابيتيان إلغاء المفاوضات المتفق عليها واتهم زعيم المعارضة بتقديم «مطالب جديدة» بخصوص المباحثات المقترحة. وقال كارابيتيان: «هذه ليست مفاوضات أو حواراً، لكنه (باشينيان) ببساطة يروج لأجندته الخاصة». ولعب باشينيان دوراً رئيسياً في الإطاحة بسركسيان، إذ نظم كثيراً من الاحتجاجات، ودعا إلى رحيل رئيس الوزراء، قبل أن تزج به السلطات في السجن لتطلق سراحه بعد ذلك.
وكان البرلمان انتخب سيركسيان رئيساً للوزراء، الأسبوع الماضي، وهو حليف وثيق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وبموجب تعديل في الدستور أصبح رئيس وزراء يملك معظم السلطات في البلد القوقازي الصغير، بينما تحولت الرئاسة إلى منصب شرفي إلى حد بعيد.
وأدى الرئيس الأرميني أرمين سركسيان (لا توجد له صلة قرابة مع سيرج سركسيان)، وهو حليف آخر لرئيس الوزراء المستقيل، اليمين الدستورية هذا الشهر، بعدما انتخبه البرلمان.
وزادت الضغوط على سركسيان البالغ من العمر 63 عاماً بشدة يوم الاثنين عندما انضم جنود عزل في العاصمة يريفان إلى احتجاجات مناهضة للحكومة اندلعت في 13 أبريل (نيسان). وقال سركسيان في بيان أصدره مكتبه: «كانت تقديراتي خاطئة... في الوضع الراهن توجد عدة حلول. لكنني لن أختار أياً منها. هذا ليس أسلوبي. سأستقيل من قيادة البلاد ومنصب رئيس وزراء أرمينيا».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟