حركة الكتاب الجزائري ومشكلة النشرِ والتوزيع

المؤلف يتكلف طباعة نتاجه ويوزعه أيضاً

جانب من معرض الكتاب الدولي الـ 22
جانب من معرض الكتاب الدولي الـ 22
TT

حركة الكتاب الجزائري ومشكلة النشرِ والتوزيع

جانب من معرض الكتاب الدولي الـ 22
جانب من معرض الكتاب الدولي الـ 22

يواجه الكُتّابُ الشباب في الجزائر مشاكل كبيرة نشر أعمالهم، وإن تيسر أمر النشر، وغالبا يكون على حسابهم الخاص، فيصطدمون بمشكلة التوزيع هذا فضلا عن تبعات جهلهم بإبرام العقود مع الناشرين لضمان حقوق المؤلف.
الروائي عبد الرزاق طواهرية واحدٌ من الروائيين الشباب، الذي تختزل معاناته مع النشر معاناة جيله مع دور النشر، التي لا تنشر إلا لأسماء معروفة بالوسط الأدبي لتضمن مبيعات الكتاب.
يقول طواهرية، الذي يخطو أولى خطواته في عالم الرواية، أن «الجزائر عرفت بالسنوات الأخيرة ظهور دور نشر كثيرة، مما شجع الشباب على كتابة الشعر والرواية خاصة، فهي الاختلاجات الأولى للكلمة للتعبير عن دواخلهم، فاقترنت رغبة الكتابة بلهفة البروز في عالم الأدب، وهذا أمر جعل الكثيرين منهم يقعون ضحيّة استغلالٍ صريحٍ إن لم نقل حالة نصب واحتيال، من بعض الناشرين، الذين يفتقرون للاحترافية والضمير المهني، مستغلين قلة ممارسات الكتَّاب المبتدئين وقلة درايتهم بخبايا النشر ومضمون العقد الضامن لحقوق المؤلف، لينهبوا أموالهم ويعتدوا على أعمالهم الأدبية التي لم تُوثق بعد في الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، حالات النصب حدثت لكثير من الأدباء الشباب المبتدئين لكن لا يمكن تعميمها كظاهرة، فهناك دور نشر مهنية بنشر الكتاب أعطت أملا للنهوض بصناعة الكتاب في الجزائر».
وعن تجربته مع الكتابة والنشر، قال طواهرية في حديثه إنه «اتصل بدور نشر كثيرة، بعضها وبعد انتظار طويل»، جاءه الردّ الفاتر: «لا نقبل سوى أعمال الكتَّاب المعروفين على الساحة الأدبية» لكن الروائي الشاب لم ييأس فاستمر بالمحاولة لينشر باكورة أعماله «شياطين بانكوك» فتعرض لما يشبه الابتزاز: «وافقت دار نشر على تبني العمل لكن بشروط مجحفة، تنشر الرواية مقابل مبلغ مالي مُبَالغ فيه، ومستحقاتي من الأرباح رمزية، فاتصلت بأحد الأصدقاء فأوصلني بدار نشر أخرى تتبنى الأعمال مجاناً مقابل احتكارها جميع الأرباح».
هذا الواقع دفع الكُتّاب الشباب إلى العزوف عن النشر الورقي والاتجاه صوب النشر الإلكتروني. ومن يحالفه الحظ قد يعثر على دار نشر حديثة النشأة لا تلقى اهتمام مشاهير الروائيين فتنشر للشباب سعيا لإشهار الدار لتحتل مكانا في سوق الكتاب كما حصل مع الروائي الشاب عبد الرزاق طواهرية حينما عثر على «دار المثقف» حديثة النشأة، التي تشترك مع دار مصرية، فنشر روايته لكن الطباعة لم تكن بالجودة المأمولة، لكن النشر المشترك مع دور نشر غير جزائرية تحقق انتشاراً للأعمال الجزائرية، وهي ضالة أديب شاب ما زال مغمورا في بلده.
قضية نشر أدب الشباب أيا كان لونه رواية أو قصة قصيرة أو شعرا لا تصطدم فقط بمؤسسات النشر الربحية، بل بحاجز التوزيع أيضاً، وهذه العقبة الكبيرة في حركة الكتاب، لأن الموزع يأخذ حصة كبيرة من الأرباح، حسب الشاعرة فاطمة بن شعلال، التي نشرت ديوانين على حسابها الخاص وتعذر التوزيع فقامت بتوزيعها بنفسها عبر المراسلات للأصدقاء أو الترويج لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
الروائية سميرة منصوري صاحبة دار المثقف تصف التوزيع «بالصعب»، وتعود الصعوبة، كما قالت، إلى تراجع المقروئية في الجزائر، وقلة الاهتمام بالكتاب كمصدر ثقافي أمام توفر المعلومة في الإنترنت، لذا يتم التوزيع على المكتبات حسب الطلب، وسعت دار المثقف للتغلب على مشكلة التوزيع بأن يشارك المؤلف بمعارض الكتاب المحلية والوطنية والدولية ليبيع بالتوقيع. وترى الروائية منصوري أن أهم عقبات حركة الكتاب في الجزائر أنه دخلها «كل من هب ودب» وليسو أهلا للعمل في مجال الثقافة والنشر بل همهم الربح. ولعل أهم الصعوبات أمام صناعة الكتاب في الجزائر هي الارتفاع المفاجئ لسعر الورق مما تسبب في ارتفاع تكاليف الطبع، فانعكست أولا على المؤلف لأنه سيدفع تكاليف أكثر لطباعة كتابه، وانعكست أيضا على الناشر فيضطر إلى رفع سعر الكتاب، فلا يلقى إقبال القراء لأنه غالبا ليس في متناول الجميع نظرا لتدهور القدرة الشرائية. ويُعتبر كساد الكتاب مشكلا رئيسيا من مشاكل صناعة الكتاب في الجزائر، لأنها تحد من فعالية النشر والكتابة، حتى أنها تسببت عزوف الكاتب على نشر مخطوطاته في أغلب الأحيان.
وجدير بالذكر أن سوق الكتاب في الجزائر تضم حاليا 1000 دار نشر، لكن الدور العاملة فعليا لا تتجاوز 250 ناشرا، حسب رئيس نقابة الناشرين الجزائريين أحمد ماضي صاحب دار الحكمة، وكان قد بادر إلى تأسيس «المقهى الأدبي» لتكريس تقاليد ثقافية بأن يكون منبرا للأدباء والشعراء الشباب ليقدموا إصداراتهم للجمهور ويرافقها البيع بالتوقيع، وقد اختارت دار الحكمة مقر اتحاد الكتاب الجزائريين مكانا «للمقهى الأدبي»، لكون اتحاد الكتاب يعد معلما ثقافيا بارزا في شارع ديدوش مراد، أحد أشهر شوارع العاصمة الجزائرية، واسم الشارع على اسم أحد قادة الثورة الجزائرية.
اشتهر شارع ديدوش مراد بالمكتبات حتى الثمانينات (بين المكتبة والمكتبة تجد مكتبة)، حينها كانت الدولة تدعم الكتاب، لكن الحال تغير بعدما تخلت الدولة عن دعم الكتاب، وتقلّص عدد مكتبات ديدوش مراد إلى أقل من أصابع اليد الواحدة، والسبب حسب الناشر مهند جهماني صاحب دار العربي يعود إلى أن عوائد بيع الكتاب لا تغطي رواتب العاملين بالمكتبة والكهرباء وكراء مقر المكتبة، فتجارة الكتاب غير مربحة فتحولت مكتبات كثيرة إلى محال لبيع الملابس أو مطاعم الأكل السريع. وأمام الحالة هذه انخفض عدد المكتبات في كامل الجزائر إلى نحو 150 مكتبة بعدما كان 680 مكتبة تملكها الدولة، وفي العاصمة وحدها كان يوجد 140 مكتبة حتى الثمانينات، الآن لا يتجاوز عدد مكتبات العاصمة 15 مكتبة كما قال أحمد ماضي نقيب الناشرين الجزائريين.
حال الكتاب يعكس حجم المقروئية عندما يكون عدد المكتبات 140 مكتبة في التراب الجزائري، وعدد السكان زهاء 40 مليون نسمة، يدلل على شبه معدومية القراءة.
ويفتقر الكتاب الجزائري حتى اليوم إلى الجودة من حيث نوعية الورق وتصميم الغلاف وفنيات الطبع رغم مرور زهاء نصف قرن على صناعة الكتاب في الجزائر، لهذا طالب بعض الناشرين وزارة الثقافة بإقامة دورات لتدريب الناشر والمطبعي والموزع والمكتبي على صناعة الكتاب ليكونوا محترفين في صناعة الكتاب وفق المعايير المعمول بها عالميا.


مقالات ذات صلة

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»
TT

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة أو أن تُحسب دراسته، على الرغم من التفصيل والإسهاب في مادة البحث، أحدَ الإسهامات في حقل النسوية والجندر، قدر ما يكشف فيها عن الآليات الآيديولوجية العامة المتحكمة في العالمَين القديم والجديد على حد سواء، أو كما تابع المؤلف عبر أبحاثه السابقة خلال أطروحته النظرية «العالم... الحيز الدائري» الذي يشتمل على أعراف وتقاليد وحقائق متواصلة منذ عصور قديمة وحديثة مشتركة ومتداخلة، وتأتي في عداد اليقين؛ لكنها لا تعدو في النهاية أوهاماً متنقلة من حقبة إلى أخرى، وقابلة للنبذ والنقض والتجدد ضمن حَيِّزَيها التاريخي والاجتماعي، من مرحلة الصيد إلى مرحلة الرعي، ومنهما إلى العصرَين الزراعي والصناعي؛ من الكهف إلى البيت، ومن القبيلة إلى الدولة، ومن الوحشية إلى البربرية، ومنهما إلى المجهول وغبار التاريخ.

ويشترك الكتاب، الصادر حديثاً عن دار «الياسمين» بالقاهرة، مع أصداء ما تطرحه الدراسات الحديثة في بناء السلام وحقوق الإنسان والعلوم الإنسانية المتجاورة التي تنشد قطيعة معرفية مع ثقافة العصور الحداثية السابقة، وتنشئ تصوراتها الجديدة في المعرفة.

لم يكن اختيار الباحث فالح مهدي إحدى الظواهر الإنسانية، وهي «المرأة»، ورصد أدوارها في وادي الرافدين ومصر وأفريقيا في العالمَين القديم والجديد، سوى تعبير عن استكمال وتعزيز أطروحته النظرية لما يمكن أن يسمَى «التنافذ الحقوقي والسياسي والقانوني والسكاني بين العصور»، وتتبع المعطيات العامة في تأسس النظم العائلية الأبوية، والأُمّوية أو الذرية، وما ينجم عن فضائها التاريخي من قرارات حاكمة لها طابع تواصلي بين السابق واللاحق من طرائق الأحياز المكانية والزمانية والإنسانية.

إن هذه الآليات تعمل، في ما يدرسه الكتاب، بوصفها موجِّهاً في مسيرة بشرية نحو المجهول، ومبتغى الباحث هو الكشف عن هذا المجهول عبر ما سماه «بين غبار التاريخ وصورة الحاضر المتقدم».

كان الباحث فالح مهدي معنياً بالدرجة الأساسية، عبر تناول مسهب لـ«المرأة» وعلاقات القوى المؤثرة في وجودها الإنساني عبر مسار التاريخ، بأن يؤكد أن كل ما ابتكره العالم من قيم وأعراف هو من صنع هيمنة واستقطاب الآليات الآيديولوجية، وما يعنيه بشكل مباشر أن نفهم ونفسر طبيعةَ وتَشكُّلَ هذه الآيديولوجيا تاريخياً ودورها التحويلي في جميع الظواهر؛ لأنها تعيد باستمرار بناء الحيز الدائري (مفهوم الباحث كما قلت في المقدمة) ومركزة السلطة وربطها بالأرباب لتتخذ طابعاً عمودياً، ويغدو معها العالم القديم مشتركاً ومتوافقاً مع الجديد.

إن مهدي يحاول أن يستقرئ صور «غبار التاريخ» كما يراها في مرحلتَي الصيد والرعي القديمتين، ويحللها تبعاً لمسارها في العهد الحداثي الزراعي الذي أنتج النظم العائلية، وبدورها أسفرت عن استقرار الدول والإمبراطوريات والعالم الجديد.

يرصد الكتاب عبر تناول مسهب «المرأة» وعلاقات القوى المؤثرة في وجودها الإنساني عبر مسار التاريخ في ظل استقطاب آيديولوجيات زائفة أثرت عليها بأشكال شتى

ويخلص إلى أن العصر الزراعي هو جوهر الوجود الإنساني، وأن «كل المعطيات العظيمة التي رسمت مسيرة الإنسان، من دين وفلسفة وعلوم وآداب وثقافة، كانت من نتاج هذا العصر»، ولكن هذا الجوهر الوجودي نفسه قد تضافر مع المرحلة السابقة في عملية بناء النظم العائلية، وأدى إليها بواسطة البيئة وعوامل الجغرافيا، بمعنى أن ما اضطلع به الإنسان من سعي نحو ارتقائه في مرحلتَي الصيد والرعي، آتى أكله في مرحلة الزراعة اللاحقة، ومن ثم ما استُنْبِتَ في الحيز الزراعي نضج في الحيز الصناعي بمسار جديد نحو حيز آخر.

ومن الحتم أن تضطلع المعطيات العظيمة التي أشار إليها المؤلف؛ من دين وفلسفة وعلوم وآداب زراعية؛ أي التي أنتجها العالم الزراعي، بدورها الآخر نحو المجهول وتكشف عن غبارها التاريخي في العصرَين الصناعي والإلكتروني.

إن «غبار التاريخ» يبحث عن جلاء «الحيز الدائري» في تقفي البؤس الأنثوي عبر العصور، سواء أكان، في بداية القرن العشرين، عن طريق سلوك المرأة العادية المسنّة التي قالت إنه «لا أحد يندم على إعطاء وتزويج المرأة بكلب»، أم كان لدى الباحثة المتعلمة التي تصدر كتاباً باللغة الإنجليزية وتؤكد فيه على نحو علمي، كما تعتقد، أن ختان الإناث «تأكيد على هويتهن».

وفي السياق نفسه، تتراسل دلالياً العلوم والفلسفات والكهنوت والقوانين في قاسم عضوي مشترك واحد للنظر في الظواهر الإنسانية؛ لأنها من آليات إنتاج العصر الزراعي؛ إذ تغدو الفرويدية جزءاً من المركزية الأبوية، والديكارتية غير منفصلة عن إقصاء الجسد عن الفكر، كما في الكهنوت والأرسطية في مدار التسلط والطغيان... وهي الغبار والرماد اللذان ينجليان بوصفهما صوراً مشتركة بين نظام العبودية والاسترقاق القديم، وتجدده على نحو «تَسْلِيع الإنسان» في العالم الرأسمالي الحديث.

إن مسار البؤس التاريخي للمرأة هو نتيجة مترتبة، وفقاً لهذا التواصل، على ما دقّ من الرماد التاريخي بين الثقافة والطبيعة، والمكتسب والمتوارث... حتى كان ما تؤكده الفلسفة في سياق التواصل مع العصر الزراعي، وتنفيه الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا في كشف صورة الغبار في غمار نهاية العصر الصناعي.