{حكاية مومياء} تربك إيران

جثة محنطة عُثر عليها في جنوب العاصمة يُعتقد أنها لرضا شاه مؤسس الحكم البهلوي

رضا شاه بهلوي يسلم نجله علي رضا شهادة التخرج في كلية طهران العسكرية في 1941 (أ.ب)
رضا شاه بهلوي يسلم نجله علي رضا شهادة التخرج في كلية طهران العسكرية في 1941 (أ.ب)
TT

{حكاية مومياء} تربك إيران

رضا شاه بهلوي يسلم نجله علي رضا شهادة التخرج في كلية طهران العسكرية في 1941 (أ.ب)
رضا شاه بهلوي يسلم نجله علي رضا شهادة التخرج في كلية طهران العسكرية في 1941 (أ.ب)

أربكت حكاية مومياء مجهولة في جنوب طهران، المواطنين الإيرانيين عقب تكهنات بأنها قد تكون رفات مؤسس النظام السابق رضا شاه بهلوي، وذلك عشية ذكرى تتويجه ملكاً للبلاد في 24 أبريل (نيسان) 1925، مما أثار تساؤلات حول التوقيت.
وبدأت الحكاية عندما نشر عمال قبل 3 أيام «سيلفي» مع مومياء عُثر عليها خلال أعمال البناء ضمن مشروع توسيع منطقة تجارية بجوار مقبرة تاريخية بمدينة ري جنوب طهران.
وتم تداول صور ومقاطع في شبكات التواصل الاجتماعي تدّعي عودة الجثة المحنطة إلى رضا شاه بهلوي، ما سبّب جدلاً واسعاً بين الإيرانيين، نظراً إلى شواهد تؤكد الفرضيات المطروحة بأنه صاحب الجثة، فضلاً عن تزامن العثور على الجثة مع ذكرى تتويجه ملكاً على البلاد في 24 أبريل 1925، بعد أيام قليلة من الإطاحة بحكم الشيخ خزعل، آخر حكام الأحواز.
وتُظهر الصور تشابهاً بين الجثة وبين آخر صور رضا شاه بهلوي قبل دفنه. وتداولت المواقع صورة جنازته بزيّ عسكري. وقال العمال إنهم عثروا على الجثة داخل حوض خرسانی وإلی جانبه أداوت مثل السيف.
وتفاعل الإيرانيون بشكل مثير مع اختفاء المومياء المنسوبة إلى رضا شاه، وأطلقوا هاشتاغات أبرزها «أين رضا شاه؟»، و«يحيا رضا شاه» و«يخشون جثتك»، وأطلق أنصار النظام الحالي هاشتاغاً ساخراً تحت عنوان «رضا شاه الموميائي».
على ضوء ذلك، تباينت مواقف الجهات الرسمية بين التأكيد والنفي حول هوية الجثة. فبينما نفت وكالتا أنباء «فارس» و«تسنيم» التابعتان للحرس الثوري، العثور على جثة محنطة تعود لمؤسس السلالة البهلوية، عززت وكالتا أنباء «إيرنا» و«إيسنا» التابعتان للحكومة الإيرانية الشكوك حولها.
وقال آخر ولي عهد في إيران وحفيد رضا شاه، رضا بهلوي، في تغريدة عبر حسابه في «تويتر» إنه يتابع باهتمام التقارير حول العثور على جثة رضا شاه المحنطة. وأضاف: «ندرس القضية حالياً، وننتظر أن يتضح الأمر في الأيام المقبلة». وحذر الجهات المسؤولة في الوقت نفسه من أي «تعتيم وعدم شفافية» في هذا الخصوص.
ونشر رجال دين في إيران دعوات إلى احترام الجثة وتسليمها لذوي الميت أو إعادة دفنه وفق التعاليم الإسلامية.
وفتح العثور على المومياء جرح الحنين إلى فترة رضا شاه بهلوي، والذي عاد مؤخراً إلى الواجهة عندما خرج الإيرانيون، نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، في مظاهرات احتجاجية ضد سوء الأوضاع الداخلية في أكثر من 80 مدينة إيرانية. وكانت قد شملت قائمة الهتافات الإشادة الضمنية برفاهية الإيرانيين المعيشية في فترة رضا شاه، نكايةً في النظام الحالي الذي يَعتبر مؤسسَ النظام البهلوي رمزاً للخيانة في البلاد.
وأحيا الحراك الشعبي العفوي في إيران آمال معارضي النظام الحالي خارج البلاد، ومن بينهم أنصار نظام الشاه الذين يجتمعون تحت خيمة المجلس الوطني الإيراني الذي يترأسه ولي العهد الإيراني السابق رضا بهلوي.
واللافت أن الهتافات التي تترحم على فترة رضا شاه كانت من بين 3 هتافات في أول يوم للمظاهرات بمدينة مشهد التي تعد معقلاً للثوريين ومسقط رأس المرشد الحالي علي خامنئي.
وخلال الاحتجاجات كان رضا بلهوي قد نفى أي نية لإعادة إرث الأسرة الملكية، مشدداً على أنه يتطلع لقيام نظام ديمقراطي يقرر الإيرانيون شكله.
وقبل أيام وجّه رضا بهلوي عدة رسائل إلى الإيرانيين عبر شبكات التواصل الاجتماعي، عن قرب انهيار النظام الإيراني مع عودة الاحتجاجات في عدة مناطق إيرانية.
من جانبها، أفادت وكالة «إيسنا» أن منظمة الطب العدلي تنوي أخذ عينات «دي إن إيه» من جثة المومياء للتعرف على هوية صاحبها. وتباينت التقارير حول أوضاع الجثة. إذ نقل موقع «خبرأونلاين» أمس، أن أضراراً لحقت بالجثة. وقال مختص بمدينة ري التاريخية إن «المنطقة التي عُثر فيها على الجثة لم تدفن فيها أي جثة أخرى محنطة»، مشدداً على أنها تعود لمؤسس النظام البهلوي.
وقال حسن خليل آبادي، رئيس لجنة التراث الثقافي والسياحة بمجلس مدينة طهران، إنه «من الممكن» أن تكون مومياء رضا شاه، معلناً وقف عمليات الحفر حتى التعرف على هوية المومياء، وفق ما نقلت عنه وكالة «إيرنا» الرسمية.
وشدد المسؤول الإيراني على أن الجثة، بغض النظر عن هوية صاحبها، لها جانب تراثي بسبب التحنيط، وأنه يجب الحفاظ عليها، مضيفاً أن الرأي الأخير حول صاحب الجثة يعود إلى خبراء الآثار التاريخية والطب العدلي.
في هذه الأثناء، أفادت صحيفة «شرق» في تقرير، أمس، عن الحادث، بأن العلاقات العامة في المقبرة تنفي العثور على مومياء واعتبرت الأخبار المتداول «إشاعة».
وشغل رضا شاه منصب ملك إيران بين أبريل 1925 و1941، بعدما كان وزيراً للدفاع ورئيساً للوزراء لآخر ملوك السلالة القاجارية. ويصفه منتقدوه بأنه «ديكتاتور» إيران الأول بسبب شراسة طبعه العسكري. وكان رضا شاه أبرز ضحايا التحالفات الدولية في بداية الحرب العالمية الثانية عندما خُلع من منصبه بعد دخول قوات الائتلاف البريطاني والسوفياتي إلى إيران، ونُفي إلى جوهانسبورغ عاصمة أفريقيا الجنوبية، حيث عادت جثته من هناك إلى البلاد محنطة وملفوفة بالعلم الإيراني قبل أن ينظِّم نجله جنازة ملكية انتهت بدفنه في مقبرة ري.
ويُحسب لرضا شاه أنه من رواد التحديث في إيران وكلمة السر في تثبيت أركان الدولة الإيرانية ونقل مؤسساتها من العالم القديم إلى الجديد، وعلى رأسها تغيير النظام التعليمي بإدخال المناهج الغربية وتطوير الخدمات في عموم المدن الإيرانية الكبيرة قبل إصلاحات شاملة في بناء الجيش الإيراني والشرطة وأجهزة الأمن.
إلى جانب ذلك فإن البلاد تدين لرضا شاه الذي رسم حدود الجغرافيا الحالية قبل أن يتحول اسم البلاد من فارس إلى إيران في 1935، وأعلن اللغة الفارسية والمذهب الشيعي أساساً لهوية «الأمة الإيرانية» على حساب الهويات والقوميات الأخرى.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يثير فيها مدفن رضا شاه الجدل في إيران. إذ قبل نحو 40 عاماً وبعد أيام قليلة من ثورة فبرایر (شباط) 1979، نصّب الخميني، صادق خلخالي حاكماً للشرع، فقاد حملة اجتثاث إرث نظام البهلوي والمعارضين لنظام ولاية الفقيه، وقام لاحقاً بموجة اعتقالات وإعدامات واسعة.
كما قاد خلخالي حشداً من الثوريين إلى جنوب طهران وهدم صرح رضا شاه قبل أن تتعدد الروايات حول مصير جثته. وكانت أسرته قد نفت قبل سنوات أن تكون نقلت جثته.
في هذا الصدد، قال الرئيس الإيراني حينذاك أبو الحسن بي صدر، في تصريح لخدمة «بي بي سي» باللغة الفارسية، أمس، إن هدم قبر رضا شاه حظي بتأييد الخميني بعد تقديمه احتجاجاً ضد خطوة خلخالي، وذلك ما اعتبره الخميني عداءً مع رجال الدين.
وحول هدم صرح رضا شاه، أعرب خلخالي -في مذكراته- عن أسفه لعدم العثور على جثة رضا شاه لحرقها.
وشغلت قضية قبور الرموز السياسية، الإيرانيين في السنوات الماضية. والحكاية الأكثر إثارة للجدل قيام السلطات الإيرانية بأكبر عملية توسع حول مرقد الخميني بعد مرقد الإمام الثامن لدى الشيعة في مدينة مشهد. ولم تُعرف الميزانية التي خُصصت للتوسع في مرقد الخميني.
والملاحَظ أن ردود الأفعال في شبكات التواصل الاجتماعي تشير إلى أن تنشيط الذاكرة الإيرانية وعودة صور هدم صرح رضا شاه بفأس الثوريين لم يهدأ على بُعد شهر من تجمع مئات الآلاف من أنصار الخميني لإحياء ذكرى وفاته، تحت سقف ضريحه الشهر المقبل.



فرنسا لمواجهة «التحدي الاستراتيجي» الإيراني

الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس حكومته فرنسوا بايرو في أثناء حضورهما تجمعاً بمناسبة مرور 10 سنوات على الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة وسوبر ماركت يهودي في باريس (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس حكومته فرنسوا بايرو في أثناء حضورهما تجمعاً بمناسبة مرور 10 سنوات على الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة وسوبر ماركت يهودي في باريس (رويترز)
TT

فرنسا لمواجهة «التحدي الاستراتيجي» الإيراني

الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس حكومته فرنسوا بايرو في أثناء حضورهما تجمعاً بمناسبة مرور 10 سنوات على الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة وسوبر ماركت يهودي في باريس (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس حكومته فرنسوا بايرو في أثناء حضورهما تجمعاً بمناسبة مرور 10 سنوات على الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة وسوبر ماركت يهودي في باريس (رويترز)

استكمل وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، اليوم الثلاثاء، «مضبطة الاتهامات» ضد إيران التي طرحها الرئيس إيمانويل ماكرون في كلمته أمام السلك الدبلوماسي، الاثنين، والتي لم تتضمن ملف الرهائن الفرنسيين المحتجزين في إيران منذ عام 2022.

وبذلك، أضاف بارو مدماكاً إضافياً إلى المداميك العديدة التي تؤدي إلى تصعيد التوتر في العلاقات الفرنسية - الإيرانية.

يعكس كلام بارو شكلاً من أشكال الإحباط بسبب فشل باريس في الحصول على الإفراج عن مواطنيها الثلاثة: سيسيل كوهلر ورفيق دربها جاك باريس ومواطن ثالث لم يكشف سوى عن اسمه الأول، أوليفيه، الذين ما زالوا محتجزين في إيران، علماً بأن السلطات الإيرانية قد وافقت سابقاً وفي فترات مختلفة على تحرير عدد من الفرنسيين.

رداً على ذلك، دعا بارو الفرنسيين، الثلاثاء، إلى الامتناع عن التوجه إلى إيران انتظاراً لـ«الإفراج الكامل» عن «رهائن الدولة»، كما تسميهم باريس.

وجاء في تصريحاته حرفياً: «أقول للسلطات الإيرانية: يجب الإفراج عن رهائننا. علاقاتنا الثنائية ومستقبل العقوبات يعتمد على ذلك. أدعو مواطنينا، وحتى يتم الإفراج الكامل عن رهائننا، إلى عدم التوجه إلى إيران».

وأفاد بارو بأنه «منذ انتخاب الرئيس (مسعود) بزشكيان، ورغم الجهود التي بذلناها على أعلى مستوى، فقد تدهورت أوضاعهم».

بارو يُلقي خطاباً بجانب وزير الخارجية البولندي رادوسواف سيكورسكي خلال المؤتمر السنوي للسفراء الفرنسيين الاثنين (رويترز)

وترفض باريس، قطعياً، الاتهامات الموجهة لمواطنيها الثلاثة، ومنها التجسس لصالح قوة أجنبية. ولم يتردد الوزير الفرنسي في اتهام إيران بممارسة التعذيب ضد الثلاثة بقوله: «إن وضع مواطنينا المحتجزين كرهائن في إيران غير مقبول بكل بساطة، فهم محتجزون ظلماً منذ عدة سنوات، في ظروف غير لائقة تندرج بالنسبة للبعض ضمن تعريف التعذيب بموجب القانون الدولي».

دبلوماسية الرهائن

ليس ملف احتجاز الرهائن في إيران جديداً، لا بالنسبة لفرنسا أو للبلدان الأوروبية ولدول أخرى. وآخر ما استجد توقيف الصحافية الإيطالية سيسيليا سالا في طهران يوم 19 ديسمبر (كانون الأول) بحجة «انتهاك القوانين الإيرانية»، الأمر الذي أثار حفيظة الحكومة الإيطالية.

كما أنه ليس سراً أن السلطات الإيرانية تلجأ إلى اعتماد سياسة الرهائن لمقايضتهم بمواطنين إيرانيين مسجونين في البلدان الغربية، والأدلة على ذلك عديدة.

وفي حالة فرنسا، فإن ما يثير استغرابها أن طهران لا تأخذ بعين الاعتبار حرص باريس على استمرار التواصل معها الدبلوماسي على أعلى المستويات. لكن اللافت أن وزير الخارجية ربط، وللمرة الأولى، كما تقول مصادر فرنسية، بين ملف الرهائن، وتواصل العقوبات على إيران. ويبدو أن بارو تعمد الغموض من حيث امتناعه عن تحديد العقوبات التي أشار إليها، وما إذا كانت مرتبطة فقط بمسألة الرهائن أم بالملفات الخلافية العديدة القائمة مع طهران، والتي شكلت لـ«مضبطة الاتهامات» التي فصّلها ماكرون.

أشخاص يشاركون الثلاثاء في وقفة نظمتها نقابة الصحافيين في لاتسيو ورابطة الصحافة الرومانية للمطالبة بالإفراج عن الصحافية الإيطالية سيسيليا سالا المحتجزة في إيران (د.ب.أ)

ماكرون والعودة لـ«سناب باك»

لم تكن المرة الأولى التي ينتقد فيها ماكرون إيران وبرنامجها النووي ودورها الإقليمي، لكن اللافت فيما جاء على لسانه، الاثنين، وصفه إياها بـ«التحدي الاستراتيجي والأمني لفرنسا وللأوروبيين وللمنطقة بكاملها (الشرق الأوسط)، وأبعد من ذلك». وتشمل «مضبطة الاتهامات» برنامج إيران النووي المتسارع الذي يقودنا إلى حافة القطيعة أو «اللاعودة»، في إشارة إلى ارتقائها بتخصيب اليورانيوم، وبالتالي اقترابها من القدرة على امتلاك السلاح النووي.

كذلك، ندد ماكرون ببرنامج إيران للصواريخ الباليستية الذي «يهدد التراب الأوروبي ومصالحنا». وكان لا بد لماكرون أن يشير إلى «انخراط إيران في الحرب الروسية على أوكرانيا»، وهو أمر «مثبت»، وكذلك «توفيرها الدعم للمجموعات الخطيرة» الضالعة في كافة نزاعات وحروب الشرق الأوسط، مدللاً على الميليشيات التي تساندها طهران في غزة ولبنان والعراق واليمن.

وللمرة الأولى، يشير ماكرون لدور إيراني في أفريقيا من خلال «وكلائها»، فضلاً عن اللجوء إلى «ممارسة الإرهاب».

الخلاصة التي توصل إليها ماكرون تقول إن إيران «تشكل خطراً إن لم يتم التعامل معها»، ما يحتّم «القيام بمناقشة شاملة» تضم الملفات الخلافية العديدة: النووي، والباليستي، والأنشطة المزعزعة للاستقرار في المنطقة بما فيها أفريقيا»، والغرض «بناء حلول قابلة للتحقق ولا رجعة فيها».

ثم إن ملفاً بهذه الخطورة يفترض، وفق ماكرون، أن يكون على رأس الملفات الرئيسية المفترض مناقشتها مع الإدارة الأميركية الجديدة من أجل التوصل، بخصوص النووي، إلى «اتفاق أوسع نطاقاً، وهو الخط الذي نسير عليه».

وذكر الرئيس الفرنسي أنه طرح، في عام 2018، على الرئيس ترمب، عوض نقض اتفاق 2018، استكماله ببنود إضافية للتوصل إلى اتفاق أقوى وأوسع. ويريد ماكرون انخراطاً واسعاً لمعالجة الملفات الإيرانية، يشمل بالطبع الولايات المتحدة والأوروبيين، ولكن أيضاً دول المنطقة الرئيسية. أما القنبلة التي فجرها ماكرون والتي يعدّها الورقة الرئيسية الضاغطة على إيران، فعنوانها تفعيل ما يسمى آلية «سناب باك» التي تعني إعادة الملف النووي إلى مجلس الأمن، وما يمكن أن يُفضي إلى إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران.

وقال ماكرون ما حرفيته: «في الأشهر المقبلة، سيتعين علينا أن نطرح على أنفسنا مسألة استخدام آليات إعادة فرض العقوبات من الآن وحتى أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ونحن مستعدون للقيام بذلك، ولكننا بحاجة إلى التزام أوسع نطاقاً من أجل التوصل إلى معاهدة أكثر تشدداً. من وجهة نظري، هذه إحدى القضايا ذات الأولوية في النقاش الاستراتيجي مع الولايات المتحدة والمنطقة بأسرها».

وإشارة ماكرون إلى شهر أكتوبر مردّها لانتهاء الاتفاقية النووية والقرار 2231، رسمياً، في الخريف المقبل.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب في صورة قديمة جمعته في 2020 مع ينس ستولتنبرغ أمين عام حلف شمال الأطلسي وقتها (د.ب.أ)

ترمب والمُعطَى الجديد

ليست المآخذ الغربية على برنامج إيران النووي جديدة ولا حاجة لتكرارها، بيد أن ما يفسر اللهجة «الهجومية» التي يعتمدها الرئيس الفرنسي لا يمكن فصلها، وفق سفير سابق في المنطقة، عن ثلاثة عوامل رئيسية: الأول، عودة ترمب إلى البيت الأبيض وخططه المرتقبة تجاه إيران. والثاني، ضعف النظام الإيراني حالياً بسبب التطورات العسكرية التي تشهدها المنطقة منذ أكتوبر 2023. والثالث فرنسي خالص «ملف الرهائن الفرنسيين في إيران». ولذا، أصبح واضحاً اليوم أن إيران فقدت الكثير من مخالبها التي سعت خلال العقود الماضية إلى تقويتها وفق استراتيجية تطويق إسرائيل وتقوية «الوكلاء»؛ سواء كانوا في غزة أو لبنان أو العراق أو اليمن؛ من أجل حماية النظام.

يضاف إلى ما سبق أن الضربات العسكرية التي وجهتها إسرائيل لإيران، خصوصاً الضربة الجوية الأخيرة، أواخر أكتوبر الماضي، أضعفت قدراتها الدفاعية بسبب القضاء على منظومات الدفاع الجوي التي تمتلكها، ما دفع برئيس الوزراء الإسرائيلي بـ«التباهي» وتأكيد أن سلاح الجو الإسرائيلي يستطيع أن يسرح ويمرح في الأجواء الإيرانية على هواه، ما دفع الدبلوماسي الأميركي السابق المعروف جيمس جيفري إلى القول لقناة «بي بي سي» يوم 22 ديسمبر ( كانون الأول) الماضي، إن ما تعيشه طهران هو «انهيار غير مسبوق لهيمنة إقليمية»، وإن «كافة أحجار الدومينو التي بنتها قد تهاوت»، ما ينعكس حكماً على قدراتها.

بالنظر لما سبق، ثمة قراءة تقول إن «الوقت مناسب للحصول على تنازلات من إيران»، وهو الأمر الذي يفسر قبولها معاودة المفاوضات مع الثلاثي الأوروبي: فرنسا وبريطانيا وألمانيا حول برنامجها النووي في اجتماع ثان سيعقد يوم 13 الحالي استباقاً لتسلم ترمب مسؤولياته رسمياً بعد أسبوعين.

وثمة قناعة لا تتزحزح، قوامها أن ملف إيران اليوم مرهون بما سيقرره ترمب، وليس أي جهة أخرى. من هنا، تتلاطم التكهنات بين من يتوقع ضربة عسكرية إسرائيلية أو أميركية - إسرائيلية للقضاء على برنامج إيران التي اتهمها جاك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس بايدن، بأنها تعمل على تصنيع القنبلة النووية، ومن يعتقد أن السلطات في طهران، المشغولة أيضاً بخلافة خامنئي البالغ من العمر 85 عاماً، والذي يتحكم بالقرار منذ عام 1989، ستظهر ليونة في التعاطي مع الوضع الإقليمي والدولي الجديد لتجنب الأسوأ.