«النواب» الفرنسي يقر قانوناً جديداً مشدداً للهجرة واللجوء

انتقادات شديدة من اليمين واليسار وانقسامات تهز الحزب الرئاسي

TT

«النواب» الفرنسي يقر قانوناً جديداً مشدداً للهجرة واللجوء

قانون جديد تحت اسم «من أجل هجرة مضبوطة وحق لجوء حقيقي واندماج ناجح»، أقره مجلس النواب الفرنسي في قراءة أولى ليل الأحد إلى الاثنين بعد مناقشات حادة شهدها المجلس واستغرقت 61 ساعة اضطر أن ينظر خلالها بألف اقتراح تعديل تقدمت بها كل الكتل النيابية، بما فيها كتلة نواب «الجمهورية إلى الأمام» أي حزب الرئيس إيمانويل ماكرون.
وبفضل هذه الكتلة، ومن انضم لها من نواب الوسط، فقد حصد مشروع القانون أكثرية مريحة؛ إذ صوت لصالحه 228 نائبا وعارضه 139، وامتنع عن التصويت 24 نائبا. وجاءت المعارضة من نواب اليمين الكلاسيكي (الجمهوريون)، ومن النواب الاشتراكيين وكتلة «فرنسا المتمردة» (اليسار الراديكالي)، فضلا عن نواب الجبهة الوطنية (اليمين المتطرف).
لكن مشروع القانون سينقل إلى مجلس الشيوخ في يونيو (حزيران) المقبل، حيث الأكثرية لليمين على أن يعود إلى مجلس النواب فيما يسمى «قراءة ثانية» قبل التوافق بين المجلسين على نص موحد، الأمر الذي يعني أن طريقا طويلا ما زال ينتظره قبل أن يصبح قانونا فاعلا.
ويكشف التصويت على هذا القانون الذي يشدد ظروف استقبال المهاجرين وطالبي حق اللجوء، عن انقسامات عميقة ليس بين الأحزاب ومجموعاتها البرلمانية فقط، بل أيضا داخل الحزب الواحد. فحتى الآن، كان حزب «الجمهورية إلى الأمام» الرئاسي معروف بانضباطه. لكن بعض فقرات القانون الذي عرضه ودافع عنه وزير الداخلية جيرار كولومب طيلة 7 أيام في البرلمان، أثارت حفيظة عدد كبير من نواب الحزب الرئاسي، إلى درجة أن 14 نائبا منهم امتنع عن التصويت، فيما صوت ضده نائب واحد اضطر بعدها لترك المجموعة. وفعلت تهديدات رئيس المجموعة فعلها؛ إذ توعد بفصل «المتمردين» على السياسة الحكومية. ورغم ذلك، فإن عشرات من نواب المجموعة البالغ عددهم 312 نائبا لم يشاركوا في التصويت؛ الأمر الذي يدل على وجود «أزمة حقيقية» داخلها.
وفي أي حال، فإن الرئيس ماكرون لا يريد استعادة التجربة المرة التي عاشها قبله الرئيس فرنسوا هولاند الذي عانى طيلة 5 سنوات من وجود كتلة «متمردة» داخل مجموعة الحزب الاشتراكي، التي لم تتردد أكثر من مرة في التصويت ضد الحكومة والتحالف أحيانا مع اليمين.
حقيقة الأمر أن مسألة اللجوء والهجرة ما زالت بالغة الحساسية في فرنسا. والثابت أن اليمين واليمين المتطرف ما زالا يعتبرانها «مطية» لكسب التأييد والمزايدة على الحكومة. ولذا، فإن الخطباء الذي تحدثوا باسم حزب «الجمهوريون» وباسم «الجبهة الوطنية» عدّوه قانونا «مائعا»، لا يلبي حاجة فرنسا لجهة لجم الهجرات غير الشرعية، ووضع حد لتدفق المهاجرين بمن فيهم الشرعيون.
في المقابل، فإن اليسار واليسار المتشدد انتقدا القانون الجديد، ورأيا فيه «عارا» على الجمهورية الفرنسية. وما بين الاثنين، دافع وزير الداخلية عن قانونه الذي وصفه بـ«القانون العادل». وتجد الحكومة نفسها في موقف حرج؛ فمن جهة؛ يتعين عليها إبراز «التشدد» في معالجة ظاهرة تستفحل عاما بعد عام؛ ففي موضوع طالبي اللجوء مثلا، وصل عدد هؤلاء إلى مائة ألف العام الماضي وقبلت طلبات اللجوء لـ37 ألفا منهم، ومشكلة باريس أنه يتعين عليها إعادة ترحيل من لم يقبل طلبه، وتجد السلطات نفسها غالبا عاجزة عن ترحيل هؤلاء لأسباب قانونية وأخرى لعدم وجود اتفاقيات بينها وبين «بلدان المصدر»... ومن جهة أخرى، يتعين على الحكومة أن تراعي «الطابع الإنساني» في بلد يعد نفسه مهدا لأول شرعة لحقوق الإنسان التي حررت في عام 1789، وبالتالي؛ عليه أن تبقى سياساته جديرة بها.
في القانون الجديد «مساوئ» و«حسنات»؛ ففي باب المساوئ، يأخذ اليسار على «مشروع» القانون «لا إنسانيته» وتعامله الفج مع طالبي اللجوء الذين ترفض طلباتهم، حيث مددت فترة الاحتجاز الإداري «بانتظار الطرد» من 45 إلى 90 يوما. وبالمقابل، فإن النص الجديد يختصر المهلة الزمنية المعطاة لطالب اللجوء لتقديم طلبه من 120 إلى 90 يوما، كما يختصر الوقت المعطى له للطعن بقرار رفض الطلب إلى 15 يوما، مما سيزيد من الصعوبات التي تعترضه. وبعكس النصوص السابقة التي كانت تفرض إبلاغ طالب اللجوء خطيا، فإن النص الجديد يتيح استخدام «أي وسيلة» للإبلاغ. وما تريده الحكومة تقصير مدة فحص الطلبات والإسراع في إصدار القرارات والانتقال بعدها إلى تسريع تنفيذ الترحيل، خصوصا إلى البلدان المعتبرة «آمنة». وينص مشروع القانون على «تجريم» المواطنين أو المقيمين على الأراضي الفرنسية الذين يقدمون المساعدة للمهاجرين. وفي بادرة حسن نية، قبلت الحكومة أن تحذف من الأعمال التي يعاقب عليها القانون أعمال توفير العلاج أو الإيواء للمهاجرين.
في باب «الحسنات»، تجدر الإشارة إلى تسهيل «اندماج» من يقبل طلبه بإعطائه بطاقة إقامة من 4 سنوات بدل سنة واحدة، ومد العمل بجمع شمل العائلات إلى الإخوة بالنسبة للأولاد القاصرين، ومنع الترحيل إلى البلدان التي تضطهد المثليين... وغير ذلك من التدابير والإجراءات «الإنسانية» التي جملت بها الحكومة مشروعها الذي تبقى غاياته البعيدة «تصعيب» عملية اللجوء ومحاربة الهجرات غير الشرعية إلى فرنسا. لكن ذلك كله لا يجد آذانا صاغية لدى اليمين الذي يريد المزيد والمزيد.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟