«أبو نظارة» و«الدبور» و«النديم»... جرائد أضحكت العرب حتى اختفت

مساعٍ لاستعادة الصحافة الفكاهية رغم التضييقات القضائية

كشك للصحف والمجلات في القدس القديمة عام 1984 لم تغب عنه المطبوعات الفكاهية (غيتي) - «أبو نظارة» أسسها المصري يعقوب صنوع عام 1876 قبل أن ينفى إلى باريس - دمجت مجلة «الكواكب» في عام 1934 مع مجلة «الفكاهة» وسُميت   المطبوعة الجديدة «الاثنين»
كشك للصحف والمجلات في القدس القديمة عام 1984 لم تغب عنه المطبوعات الفكاهية (غيتي) - «أبو نظارة» أسسها المصري يعقوب صنوع عام 1876 قبل أن ينفى إلى باريس - دمجت مجلة «الكواكب» في عام 1934 مع مجلة «الفكاهة» وسُميت المطبوعة الجديدة «الاثنين»
TT

«أبو نظارة» و«الدبور» و«النديم»... جرائد أضحكت العرب حتى اختفت

كشك للصحف والمجلات في القدس القديمة عام 1984 لم تغب عنه المطبوعات الفكاهية (غيتي) - «أبو نظارة» أسسها المصري يعقوب صنوع عام 1876 قبل أن ينفى إلى باريس - دمجت مجلة «الكواكب» في عام 1934 مع مجلة «الفكاهة» وسُميت   المطبوعة الجديدة «الاثنين»
كشك للصحف والمجلات في القدس القديمة عام 1984 لم تغب عنه المطبوعات الفكاهية (غيتي) - «أبو نظارة» أسسها المصري يعقوب صنوع عام 1876 قبل أن ينفى إلى باريس - دمجت مجلة «الكواكب» في عام 1934 مع مجلة «الفكاهة» وسُميت المطبوعة الجديدة «الاثنين»

لماذا يزدهر لون صحافي معين ولماذا يختفي؟ ما الذي أدى لظهور الصحافة الفكاهية وصدور عدد من المطبوعات المخصصة لها؟ كيف توارى ذلك اللون الصحافي تدريجياً من العالم العربي إلى أن اقتصر على بعض الأبواب الأسبوعية أو مقالات الرأي ذات الطابع الفكاهي؟ هل لعب الجمهور دوراً في ذلك أم أنها كانت وليدة ظروف سياسية واقتصادية معينة؟ وهل وجدت منبراً آخر غير الصحافة الورقية؟
تساؤلات كثيرة تُطرح عند الحديث عن الصحافة الفكاهية، التي كانت من أبرز فنون الكتابة الصحافية في نهايات القرن التاسع عشر وحتى مطلع القرن الحادي والعشرين. رغم توقفها وإغلاقها المتكرر لأسباب سياسية؛ فإن العالم العربي حفل بعدد لا بأس به حيث كانت بمصر: «أبو نظارة» و«الكشكول» و«خيال الظل» و«التبكيت والتنكيت» و«حمارة منيتي»، ومن أشهر الصحف الساخرة التي عرفتها البلاد العربية في بداية العشرينات من القرن الماضي، «المضحك المبكي» و«الدومري» في سوريا، و«الدبور» في لبنان، و«النديم»، و«الصريح» في تونس، و«الصح آفة» في الجزائر، و«الفكاهة» في الكويت، كل تلك المجلات وأكثر، اضمحلت لتصبح عموداً واحداً في قليل من الصحف ولعل أشهرها الآن مقال الأستاذ «مشعل السديري» في «الشرق الأوسط».
وأخيراً، أفردت جريدة القاهرة الأسبوعية الثقافية صفحات للصحافة الفكاهية تحت عنوان «الضحك طالع سلم التروماي» تقدم مقالات ساخرة ممزوجة بحس أدبي رفيع من الأوضاع الاجتماعية والعادات والتقاليد ومجريات الحياة اليومية، مما أثار التساؤلات عن سر اختفاء هذا اللون الصحافي الجميل.
وحول الفكرة يقول الكاتب الصحافي عماد الغزالي، رئيس تحرير القاهرة لـ«الشرق الأوسط»: «بدأت الفكرة بأننا نود أن يكون هناك باب متغير في الجريدة يقدم للقارئ مادة مختلفة بشكل شهري على أن يكون للأدب الساخر نصيب منها، وكان هذا اقتراح الزميل إبراهيم حمزة، وبعد أن خصصنا صفحة واحدة أصبحت 4 صفحات شهرياً». مضيفاً: «الصحافة الثقافية ليست فقط أدب وشعر وقصة ونقد تخاطب فئة بعينها، بل لا بد أن تقدم مواد تناسب جميع القراء وتجذبهم بمضمون مرح خفيف الظل ممزوج بكتابة رفيعة».
يؤمن الغزالي بأن الصحافة بوجه عام في حاجة ماسة إلى الصحافة الفكاهية، حيث كان يوجد محمد عفيفي وأحمد رجب ومحمود السعدني وجلال عامر، مؤكداً: أن «الثقافة شمولية وتعالج جميع القضايا بشكل غير مباشر، ومنذ أن بدأنا محاولات استعادة الصحافة الفكاهية بصحيفة (القاهرة) وجدنا أقلاماً مبدعة لشباب موهوبين غير مشهورين؛ لذا حرصت على تخصيص المساحة التي باتت غير موجودة لهم؛ لأن عدم وجود الصحافة الفكاهية أمر غير مقبول في مصر تحديداً». ولا يرى الغزالي أن السبب هو قلة الموهوبين بل «هناك مبدعون كثر لكن لا توجد لهم مساحة، ولا شك أن تراجع الصحافة الورقية بشكل عام هو أهم وأكبر الأسباب التي تعاني منها الصحافة الفكاهية».
في مصر، بدأ هذا النوع من الصحافة على يد يعقوب صنوع عام 1876 حينما أصدر مجلة «أبو نظارة» واختار اسمها لسبب طريف هو أنه عقب اجتماعه بجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده لاختيار اسم مناسب لمطبوعته الجديدة، وجد عدد من «المكارية» أصحاب الحمير التي كانت وسيلة المواصلات العامة آنذاك يحاول استمالته للركوب معهم، فكانوا ينادون عليه «أبو نظارة» أعجبته التسمية واختارها لمطبوعته التي سخرها لنقد الخديوي إسماعيل، وكان كلما استصدر أمراً بإغلاقها ومصادرتها أصدرها صنوع تحت اسم آخر فكانت تصدر تحت اسم «أبو نظارة صفراء»، أو «أبو نظارة زرقاء»، أو «أبو صفارة». وحينما نفاه إلى باريس أصدر مطبوعة تحت مسمى «رحلات أبو نظارة» وأخرى بعنوان «النظارات المصرية»، وكان قد ابتكر شخصية «شيخ البلد» متهكماً على الخديوي إسماعيل.
يسلط الدكتور رامي عطا أستاذ الصحافة بأكاديمية الشروق للإعلام، الضوء على تحور هذا النوع من الصحافة المتخصصة قائلاً: «بدأ هذا النوع من الصحافة في مصر منذ عهد سحيق فمن المعروف أن (المصري ابن نكتة) وقد أرخ لذلك على جدران المعابد الفرعونية التي حفلت بأشكال كاريكاتيرية لأغراض سياسية واجتماعية». مضيفاً: «يعتبر يعقوب صنوع رائد الصحافة الفكاهية في العالم العربي، وكان يستخدم الكاريكاتير والرسوم ساخراً من الخديوي إسماعيل، وتبعه عبد الله النديم حيث رسخ هذا اللون من خلال مجلة (التنكيت والتبكيت) وكان مسانداً للثورة العرابية واهتمت بموضوعات وقضايا التعليم والأمية وبصبغة فكاهية انتقد لعب القمار وشرب الخمور».
وقال عطا لـ«الشرق الأوسط»: «أعتقد أن السبب الرئيسي وراء تراجع هذا النوع من الصحافة هو التضييق عليها والاتهامات التي تلاحق هذه الصحف والملاحقات القضائية لها، لكن بوجه عام أسهمت الظروف السياسية والاقتصادية في الوطن العربي في تدهور هذا النوع من الصحافة». موضحاً: «لا شك أن أزمة الصحافة الفكاهية هي جزء من أزمة الصحافة المطبوعة بوجه عام، لكن لا غنى عن هذا اللون الغني بالإبداع والإمتاع، من وقت لآخر يظهر ملحق بأحد الصحف ثم يختفي، فقد صدر منذ عدة سنوات (ملحق مصر الحلوة) بالأهرام، وملحق (أجازة) بأخبار اليوم، وغيرها».
ويعتبر عطا أن «الأزمة ليست في الكتاب بل هناك كثير من الأسماء الشبابية التي يمكن أن تنهض بهذا اللون الصحافي، لكن على نقابة الصحافيين وكليات الإعلام أن تشجع الصحف على إعادة هذا اللون، لأننا فعلاً بحاجة إليه، رغم انتشار الكتب الساخرة وصفحات الإنترنت لكنها لا تقدم ما كانت تحفل به المجلات الفكاهية من أسلوب ومعلومات».
أما الدكتور محمود عزت، صاحب كتاب «دار الهلال... مؤسسة التنوير» الذي قام من خلاله بدراسة كل إصدارات ومطبوعات هذه الدار العريقة بما فيها الصحف الفكاهية، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «سمة هذا النوع من الصحافة الظهور والاختفاء وفقاً للأحوال السياسية والاقتصادية، فمثلا: في عام 1934 دمجت مجلة (الكواكب) مع مجلة أخرى اسمها (الفكاهة) أصدرتها دار الهلال في أول ديسمبر (كانون الأول) عام 1926، وسُميت المجلة الجديدة باسم مجلة الاثنين (الكواكب والفكاهة)».
بعد ذلك كان لدى دار الهلال مجلة أخرى تدعى «الدنيا المصورة» أصدرتها عام 1929 لكنها توقفت، أرادت إدارة الهلال إعادة إصدار هذه المجلة فقامت بدمج مجلة الاثنين «الكواكب والفكاهة» مع مجلة الدنيا المصورة وسُميت «الاثنين والدنيا»، وأصبحت الكواكب جزءًا من مجلة الاثنين اعتباراً من يونيو (حزيران) عام 1934. مثلت مجلة «الاثنين والدنيا» الفكر الجديد والرأي الحر، فقد كانت موضوعاتها تعالج مشكلات الشباب العاطفية والاجتماعية وكانت تمزج بين النقد والتوجيه والنكتة التي تحمل البهجة والسرور، وتولى رئاسة تحريرها عدد من كبار الصحافيين مثل علي أمين، وإميل زيدان، ونسيم عمار، وصالح جودت، وربيع غيث، واستمر يشغل هذا المنصب إلى أن توقفت المجلة نهائيّاً عن الصدور في أبريل (نيسان) 1961.
أما عن تاريخ الصحافة الفكاهية في العالم العربي، فقد كان هذا النوع من الصحافة مزدهراً أيضاً في العراق، فقد كانت «مرقعة الهندي» أول صحيفة أدبية مصورة ساخرة، لصاحبها أحمد حمدي، وصدرت في 7 يناير (كانون الثاني) عام 1909 وتوقفت في 23 مايو (أيار) 1912 وصدر منها 26 عدداً، تحت هذا الاسم الذي تغير إلى البصرة الفيحاء في 2 يناير 1911. واستعادت اسمها السابق «مرقعة الهندي» وصدر منها 44 عدداً، أحرزت شهرة واسعة لأسلوبها الساخر القائم على النقد. وقد اتخذت موقف المعارضة من حزب الاتحاد والترقي، تلاها عدد من الصحف منها «الغرائب» عام 1913، و«الهزل» عام 1924، وأيضاً «حبزبوز» عام 1933، لكن العراق ظلت من أكثر الدول التي عانت فيها «الصحافة الفكاهية» من القمع والمصادرة.
يقول فنان الكاريكاتير العراقي حمودي عذاب، رئيس جمعية رسامي الكاريكاتير في العراق لـ«الشرق الأوسط»: «كانت الصحافة الساخرة في زمن النظام السابق مكبلة؛ وعلى أثر ذلك هاجر أغلب رسامو الكاريكاتير إلى خارج العراق خوفا من البطش، أما القسم الآخر فقد امتهن مهنة أخرى كالتصميم والإخراج الصحافي خوفا من الخوف المهيمن على عموم الصحافة العراقية».
وأضاف: «أسسنا جمعية رسامي الكاريكاتير في العراق بعد أن كانت نقابة الصحافيين العراقيين تؤوينا من خلال لجنة الكاريكاتير التي انبثقت من رحم النقابة؛ لكن نتيجة الفهم الخاطئ لهذا الفن من قبل النقابة همشت لجنة الكاريكاتير؛ وأصبح عملنا من خلال المعرض الجماعية المشتركة، حيث جسدنا كل السلبيات والإيجابيات من خلال الكاريكاتير، حيث كانت تلك المعرض متفاعلة مع الواقع العالمي والعربي والعراقي رغم المعاناة الذي كان، ولا يزال رسام الكاريكاتير العراقي يعني منها نتيجة الفهم الخاطئ لهذا الفن المفرح المبكي».
أما عن تجربته في نشر مجلة «الفلقة» من خلال جمعية رسامي الكاريكاتير، فيروي عذاب: «أسسنا مجلة (الفلقة) الساخرة سنة 2008 هذه المجلة التي أرعبت الفاسدين كونها التجربة الأولى في العراق تعنى بالصحافة الساخرة من الغلاف الأول للغلاف الأخير، وتجسد أخطاء الفاسدين بأسلوب كاريكاتيري جريء، وتعرضت هذه المجلة وكوادرها للتهديد، توقفنا عن العمل في هذه المجلة الفتية الساخرة عام 2011».
وأناشد كل المؤسسات العالمية والعربية، خاصة العراقية، أن تقوم بإجراءات مهنية فورية لإنقاذ الصحافة الساخرة في العراق خاصة الكاريكاتير.
في السياق ذاته، يرى الدكتور محمود علم الدين، أستاذ الصحافة بجامعة القاهرة، أن المشكلة الأساسية التي تواجه الصحافة الفكاهية تتعلق بإشكالية عدم وجود إيمان بأهمية الصحافة الورقية حاليا، وتواري ظاهرة الصحافي والرسام اللذين يعملان جنبا إلى جنب... والسؤال الأهم هل هذا النوع بات مطلوباً من القارئ؟.
ويقول علم الدين لـ«الشرق الأوسط»: «لا بد أن نعي جيداً أن كل الظواهر التي ساهمت في ظهور وازدهار هذا اللون لم تعد موجودة الآن وتغيرت، إلى جانب وجود التلفزيون منذ نهاية الستينات ووجود موجات البث المباشر التي بدأت تحتل الاهتمام الأكبر لدى الرأي العام العربي، وبالتالي تراجعت الصحافة الفكاهية كمواد مسلية وإخبارية طريفة، فالصحافة المطبوعة عامة تواجه معركة بقاء».
ويشير إلى أن «الموهوبين من الشباب أيضاً وجدوا متنفساً لديهم من مدونات وصفحات ومواقع عبر فضاء الإنترنت، وأيضاً برامج بث على الإنترنت يعبرون فيها عن آرائهم وانتقاداتهم للواقع من حولهم في اللحظة نفسها التي يقع فيها الحدث أحياناً».



رئيسة «منتدى مصر للإعلام» تُحذر من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار

نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
TT

رئيسة «منتدى مصر للإعلام» تُحذر من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار

نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)

في ظل صراعات وحروب إقليمية متصاعدة وتطورات ميدانية متسارعة، لعب الإعلام أدواراً عدة، سبقت في بعض الأحيان مهمات القوات العسكرية على الأرض؛ ما ألقى بظلال كثيفة على وسائل الإعلام الدولية. تزامن ذلك مع زيادة الاعتماد على «المؤثرين» ونجوم مواقع التواصل الاجتماعي كمصادر للأخبار؛ ما دفع رئيسة «منتدى مصر للإعلام»، نهى النحاس، إلى التحذير من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار.

وفي حوارها مع «الشرق الأوسط»، عدّت نهى دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار «خطأً مهنياً»، وقالت إن «صُناع المحتوى و(المؤثرين) على منصات التواصل الاجتماعي يقدمون مواد دون التزام بمعايير مهنية. ودمجهم في غرف الأخبار كارثة مهنية».

وأشار تقرير نشره «معهد رويترز لدراسات الصحافة»، أخيراً، إلى «نمو في الاعتماد على مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي كمصادر للأخبار». ومع هذا النمو باتت هناك مطالبات بإدماج صناع المحتوى في غرف الأخبار. لكن نهى تؤكد أن الحل ليس بدمج المؤثرين، وتقول: «يمكن تدريب الصحافيين على إنتاج أنواع من المحتوى تجذب الأجيال الجديدة، لكن يجب أن يكون صانع المحتوى الإعلامي صحافياً يمتلك الأدوات والمعايير المهنية».

وتعد نهى «الإعلام المؤسسي أحد أبرز ضحايا الحروب الأخيرة»، وتقول إن «الإعلام استُخدم باحة خلفية للصراع، وفي بعض الأحيان تَقدمَ القوات العسكرية، وأدى مهمات في الحروب الأخيرة، بدءاً من الحرب الروسية - الأوكرانية وصولاً إلى حرب غزة».

وتبدي نهى دهشتها من الأدوار التي لعبها الإعلام في الصراعات الأخيرة بعد «سنوات طويلة من تراكم النقاشات المهنية ورسوخ القيم والمبادئ التحريرية».

وتاريخياً، لعب الإعلام دوراً في تغطية الحروب والنزاعات، وهو دور وثّقته دراسات عدة، لكنه في الحروب الأخيرة «أصبح عنصراً فاعلاً في الحرب؛ ما جعله يدفع الثمن مرتين؛ أمام جمهوره وأمام الصحافيين العاملين به»، بحسب نهى التي تشير إلى «قتل واغتيال عدد كبير من الصحافيين، واستهداف مقرات عملهم في مناطق الصراع دون محاسبة للمسؤول عن ذلك، في سابقة لم تحدث تاريخياً، وتثبت عدم وجود إرادة دولية للدفاع عن الصحافيين».

وتقول نهى: «على الجانب الآخر، أدت ممارسات مؤسسات إعلامية دولية، كانت تعد نماذج في المهنية، إلى زعزعة الثقة في استقلالية الإعلام»، مشيرة إلى أن «دور الإعلام في الحروب والصراعات هو الإخبار ونقل معاناة المدنيين بحيادية قدر المستطاع، لا أن يصبح جزءاً من الحرب وينحاز لأحد طرفيها».

نهى النحاس

وترفض نهى «الصحافة المرافقة للقوات العسكرية»، وتعدها «صحافة مطعوناً في صدقيتها»، موضحة أن «الصحافي أو الإعلامي المرافق للقوات ينظر للمعركة بعين القوات العسكرية التي يرافقها؛ ما يعني أنه منحاز لأحد طرفَي الصراع». وتقول: «عندما ينخرط الصحافي مع جبهة من الجبهات لا يعود قادراً على نقل الحقائق».

وضعت الحروب الأخيرة الصحافيين في غرف الأخبار «أمام واقع جديد جعل أصواتهم غير مسموعة في مؤسساتهم، في بعض الأحيان»، وتوضح نهى ضاربة المثل بالرسالة المفتوحة التي وقّعها عدد من الصحافيين في صحيفة «لوس أنجليس تايمز» الأميركية ضد تغطية حرب غزة وتجاهل قتل عدد كبير من الصحافيين، والتي أدت في النهاية إلى إيقافهم عن تغطية حرب غزة.

زعزعت الانحيازات الإعلامية في التغطية، الثقة في استقلالية الإعلام، وأفقدت مؤسسات إعلامية كبرى مصداقيتها، بعد أن كانت حتى وقت قريب نماذج للالتزام بالمعايير المهنية. ورغم ما فقدته مؤسسات الإعلام الدولية من رصيد لدى الجمهور، لا تتوقع نهى أن «تقدم على تغيير سياستها؛ لأن ما حدث ليس مجرد خطأ مهني، بل أمر مرتبط بتشابك مصالح معقد في التمويل والملكية». ولفتت إلى أن «الحروب عطّلت مشروعات التطوير في غرف الأخبار، وأرهقت الصحافيين نفسياً ومهنياً».

وترى أن تراجع الثقة في نماذج الإعلام الدولية، يستدعي العمل على بناء مدارس إعلامية محلية تعكس الواقع في المجتمعات العربية، مشيرة إلى وجود مدارس صحافية مميزة في مصر ولبنان ودول الخليج لا بد من العمل على تطويرها وترسيخها بعيداً عن الاعتماد على استلهام الأفكار من نماذج غربية.

بناء تلك المدارس الإعلامية ليس بالأمر السهل؛ فهو بحسب نهى «يحتاج إلى نقاش وجهد كبير في التعليم وبناء الكوادر وترسيخ الإيمان بالإعلام المستقل». وهنا تؤكد أن «استقلالية الإعلام لا تعني بالضرورة تمويله من جهات مستقلة، بل أن تكون إدارته التحريرية مستقلة عن التمويل قدر الإمكان»، مشددة على أن «التمويل العام لوسائل الإعلام مهم ومرحّب به، لا سيما في لحظات الاستقطاب السياسي؛ حتى لا يلعب المال السياسي دوراً في تخريب مصداقية المؤسسة».

غيّرت الحروب غرف الأخبار وألقت بظلالها على طريقة عملها، لتعيد النقاشات الإعلامية إلى «الأسس والمعايير والأخلاقيات»، تزامناً مع تطورات تكنولوجية متسارعة، ترى نهى أنها «ضرورية لكن كأدوات لإيصال الرسالة الإعلامية بفاعلية».

من هذا المنطلق، ترفض نهى التوسع في مناقشة قضايا الذكاء الاصطناعي على حساب القضايا المهنية، وتقول: «نحتاج إلى إعادة تثبيت وترسيخ القواعد المهنية، ومن ثم الاهتمام بالأدوات التي تسهل وتطور الأداء، ومن بينها الذكاء الاصطناعي الذي لا يمكن إنكار أهميته».

وتضيف: «إذا كان الأساس به خلل، فإن الأداة لن تعالجه؛ لذلك لا بد من مناقشات في غرف الأخبار حول الأسس المهنية لاستعادة الجمهور الذي انصرف عن الأخبار».

وبالفعل، تشير دراسات عدة إلى تراجع الاهتمام بالأخبار بشكل مطرد، تزامناً مع تراجع الثقة في الإعلام منذ جائحة «كوفيد-19»، وتزايد ذلك مع الحرب الروسية - الأوكرانية. ووفقاً لمعهد «رويترز لدراسات الصحافة»، فإن «نحو 39 في المائة من الجمهور أصبحوا يتجنبون الأخبار».

وهنا تقول نهى إن «الثقة تتراجع في الإعلام بشكل مطرد؛ لأن الجمهور يشعر أن صوته لم يعد مسموعاً، إضافة إلى تشبع نسبة كبيرة من الجمهور بأخبار الحرب، إلى حد مطالبة البعض بنشر أخبار إيجابية». وتضيف أن «هذا التراجع امتزج مع صعود منصات التواصل التي أصبحت يُخلط بينها وبين الإعلام المؤسسي، لا سيما مع ما قدمته من متابعات للحروب والصراعات الأخيرة».

وتشير رئيسة «منتدى مصر للإعلام» إلى أن «الحروب الأخيرة في أوكرانيا وغزة وضعت أعباء مالية، وفرضت محتوى مختلفاً على المؤسسات الإعلامية أدى إلى زيادة تجنب الجمهور للأخبار»، بحسب ما جاء في دراسة نشرها معهد «رويترز لدراسات الصحافة»؛ ما يستلزم البحث عن وسائل لإعادة جذبه، أو لـ«غرفة أخبار ثالثة» كما فعلت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، مستهدفة «جذب مزيد من القراء وزيادة الموارد».

وتستهدف «غرفة الأخبار الثالثة» إنشاء محتوى خاص لمنصات التواصل الاجتماعي، ومقاطع فيديو قصيرة تتناول موضوعات متنوعة لجذب الأجيال المرتبطة بالهواتف الذكية.

ويعد التدريب واحداً من أدوار المنتديات الإعلامية، ومن بينها «منتدى مصر للإعلام». وأوضحت نهى، في هذا المجال، أن «المنتديات الإعلامية هي تعبير عن الواقع الإعلامي لدولةٍ أو منطقةٍ ما، ونقطة تلاقٍ لمناقشة قضايا ومعارف مهنية، وملاحقة التطورات التكنولوجية».

وكان من المقرر عقد النسخة الثالثة من «منتدى مصر للإعلام» نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لكن تم تأجيلها «بسبب الأحداث المتلاحقة والمتسارعة في المنطقة والتي كانت ستؤثر على حضور بعض ضيوف (المنتدى)»، بحسب نهى التي تشير إلى أنه «سيتم عقد النسخة الثالثة من (المنتدى) منتصف 2025».

وتوضح أنه «يجري حالياً مراجعة أجندة (المنتدى) وتحديثها وتغييرها استعداداً للإعلان عنها في الربع الأول من العام المقبل»، مشيرة إلى أنه لم يتم الاستقرار بعدُ على عنوان النسخة الثالثة، وإن كان هناك احتمال للإبقاء على عنوان النسخة المؤجلة «يمين قليلاً... يسار قليلاً!».

وتقول نهى إن «منتدى مصر للإعلام» سيركز كعادته على المناقشات المهنية والتدريبات العملية، لا سيما «منصة سنة أولى صحافة» المخصصة لتقديم ورش تدريبية لطلاب الإعلام تتناول الأساسيات والمعايير المهنية.

وتختتم حديثها بالتأكيد على أن الالتزام بالمعايير المهنية هو الأساس لبقاء الإعلام المؤسسي، مجددة الدعوة لفتح نقاشات جادة بشأن مأسسة نماذج إعلام محلية في المنطقة العربية.