حرب سورية ثانية آخذة في التشكل

ماكرون في واشنطن يروّج لـ«حل سوري» مقبول لدى الولايات المتحدة وروسيا

استهداف سوق في معرة مصرين بمحافظة إدلب بغارات الطيران الحربي العام الماضي (رويترز)
استهداف سوق في معرة مصرين بمحافظة إدلب بغارات الطيران الحربي العام الماضي (رويترز)
TT

حرب سورية ثانية آخذة في التشكل

استهداف سوق في معرة مصرين بمحافظة إدلب بغارات الطيران الحربي العام الماضي (رويترز)
استهداف سوق في معرة مصرين بمحافظة إدلب بغارات الطيران الحربي العام الماضي (رويترز)

في الوقت الحاضر، ثمة تساؤل يطرح نفسه: هل انتهت الحرب في سوريا مثلما تدعي روسيا والمتعاطفون معها داخل الغرب، أم أنها تتجه نحو حرب سورية ثانية تضم مزيداً من الأطراف، بحسب ما يرى بعض المحللين في الغرب؟ من المتوقع أن يأتي هذا التساؤل على رأس أجندة القمة المرتقَبة في واشنطن بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، هذا الأسبوع.
ويُعتَبَر ماكرون أول رئيس أجنبي يدعوه ترمب لزيارة رسمية كاملة لواشنطن. والواضح أن الرئيس الفرنسي يرغب في الخروج من هذه الزيارة بما هو أكبر من المجاملات الدبلوماسية المعتادة.
وتبعاً لما ذكرته مصادر في باريس، فإن ماكرون أحرز بالفعل نجاحاً فيما يتعلق بترمب، عبر نجاحه في إقناع الرئيس الأميركي بالتراجع عن تعهده السابق بسحب قوات أميركية من سوريا. وقد وافق ترمب على إرجاء هذه الخطوة، لأن ماكرون قال إن لديه «أفكاراً جديدة»، بخصوص سوريا.
المؤكد أن هذا الإجراء حثَّت عليه كذلك «النصائح القوية» الصادرة عن كثير من الحلفاء العرب، وكذلك وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، ومستشار الأمن الوطني الأميركي الجديد جون بولتون.
ويرى التحليل الفرنسي للأوضاع في سوريا أن المرحلة الأولى من الأزمة السورية، التي هدفت لتغيير الوضع القائم عام 2011، انتهت بالفعل بنجاح. يُذكر أنه في ظل ذلك الوضع الذي كان قائماً، كانت سوريا دولة شديدة المركزية تقبع داخل القبضة الحديدية لنظام ديكتاتوري مدعوم بائتلاف من أقليات.
اليوم، وبعد سبع سنوات، لم تعد قبضة ذلك النظام الديكتاتوري بالقوة التي كانت عليها من قبل بسبب فقدانه السيطرة الفعلية على ما يزيد على 70 في المائة من الأراضي السورية، وما يزيد على نصف سكان البلاد. كما أن نقص القوة البشرية الموالية، ونقص الموارد المالية والإدارية المناسبة، يعني أن الرئيس بشار الأسد لم يعد قادراً على تحديد المسار العام الذي تتخذه البلاد خارج الجيب الذي يسيطر عليه في دمشق.
أما في باقي أرجاء البلاد، فقد تحوَّلت سوريا إلى مزيج من المناطق غير الخاضعة لأي سيطرة، وأخرى تسيطر عليها روسيا وإيران والجماعات المرتزقة التابعة لهما، وتركيا، والأكراد، ومسلحون من العرب السنّة، والولايات المتحدة، وحلفاؤها في «الناتو»، بل وحتى العراق في الفترة الأخيرة.
ومع أنها غير موجودة بصورة مباشرة داخل سوريا، حاولت إسرائيل هي الأخرى رسم حدود لـ«منطقة أمنية» لها هناك، عبر قصف أي وجود تعتبره خطراً محتملاً عليها.
وعليه، نجد أن الحرب السورية الثانية، في مراحلها الأولى على الأقل، ستدور رحاها حول ترسيخ الوضع القائم الجديد. وبذلك فإن ادعاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بزهو، أن قواته تعاوِن في حماية «الشعب السوري وسلامة الأراضي السورية»، ذهب أدراج الرياح إلى الأبد، وكذلك حلم المسلحين المناهضين للأسد في إسقاط الطاغية أو قتله، ثم السيطرة على دمشق وإعادة بناء سوريا موحدة.
من جانبه، يقترح ماكرون فكرة «إدارة الممكن»، بمعنى تخلي جميع الأطراف تكتيكياً عن السيناريو المثالي بالنسبة لها.
وفي هذا الإطار، عرضت روسيا بالفعل خطة لـ«التشارك» تضمن بمقتضاها جميع الأطراف المشاركة في الصراع السوري السيطرة على جزء من الكعكة المسممة التي أطلق عليها «مناطق خفض التصعيد».
الواضح أن روسيا لم تعد تسعى لإقصاء الأطراف الأخرى، ما دامت لا تحاول حرمانها من نصيبها داخل سوريا. جدير بالذكر أن سيرغي ريباتكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، سبق أن صرح بأنه «ليس بمقدورنا إعلان أيّ توقعات بخصوص الحفاظ على سلامة الأراضي السورية. إننا حتى لا ندري كيف يمكن تسوية هذه الأزمة أو ما إذا كانت هناك احتمالية للإبقاء على سوريا دولة موحدة».
وقد أعادت الولايات المتحدة، من جانبها، ترديد أصداء هذا الشعور عبر إعلانها عن خطة لمعاونة الأكراد على إقرار «سلطة محلية» داخل الأراضي السورية التي يسيطرون عليها.
من ناحية أخرى، فإن ما بدا أنه إجماع روسي - أميركي على إمكانية تقسيم سوريا أثار بعض القلق داخل طهران، حيث تشعر القيادة بسخط متزايد حيال التهميش الذي تتعرض له من قبل موسكو. وانعكس التشاؤم المتنامي داخل طهران فيما يخص سوريا على تحليل نشره، السبت، موقع إخباري يحمل اسم «تابناك»، يديره القائد السابق للحرس الثوري الإسلامي، الجنرال محسن رضائي.
وذكر التقرير أن «ثمة مؤشرات توحي بحدوث تفكك داخل سوريا»، مضيفاً أن ما يهم روسيا والولايات المتحدة «تنسيق تحركاتهما»، والحيلولة دون وقوع «صدامات عنيفة بين مصالح متعارضة».
من ناحيته، طرح الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس الأركان الأميركية المشتركة في عهد الرئيس باراك أوباما، تحليلاً مشابهاً، عندما لمح إلى «الاحتمالات والتداعيات».
وأشار إلى أنه على سبيل المثال ثمة احتمالية مرتفعة لوقوع هجوم إرهابي ضد الولايات المتحدة أو أحد حلفائها الغربيين، لكن تداعيات ذلك تبقى في مستوى يمكن إدارته والتعامل معه.
على الجانب الآخر، فإن احتمالية وقوع صدام بين الغرب وروسيا منخفضة، لكن تداعيات ذلك حال حدوثه خارج حدود القدرة على التعامل والإدارة. وعليه، يبدو أن الوضع في سوريا أشبه بحرب باردة صغيرة يجب احتواؤها.
وعليه، من الممكن إقرار نسخة مصغرة من «الستار الحديدي» داخل سوريا لضمان عدم وقوع صدامات مع روسيا، وبقائها داخل الحصة التي تهيمن عليها، والتي تعتبرها الأجزاء «المفيدة» من سوريا، في الوقت الذي تصول فيه القوى الغربية وتجول في باقي أرجاء البلاد.
ومع هذا، أكّد ماكرون على أن ترسيخ الوضع القائم الجديد يستلزم من القوى الغربية إقرار وجود أقوى داخل سوريا. وتلقى هذه الفكرة تأييداً من جانب بعض الأصوات القوية داخل إدارة ترمب، لكنها في الوقت ذاته تلقى معارضة من جانب بعض كبار أنصار الرئيس في وسائل الإعلام والكونغرس والحزب الجمهوري.
وعليه، يدرس ترمب فكرة الاستعانة بدعم حلفائه العرب. وتبعاً لمصادر داخل واشنطن، فإنه جرت اتصالات بالفعل مع بعض هذه الدول مثل الأردن والخليج. ويجري كذلك العمل على بناء عدد من القواعد داخل سوريا، بحيث تتولى ميليشيات كردية محلية حمايتها.
وبمجرد ترسيخ حلفاء العرب السنّة لوجود عسكري قوي لهم وإقرار آلية للتعامل مع روسيا داخل سوريا، ستنطلق المرحلة الجديدة من الحرب على عجل على مختلف الجبهات السياسية والدبلوماسية والمعلوماتية والاقتصادية.
ومن بين الخطوات التي تجري دراستها، بالفعل، إحياء التحقيق بشأن وقوع جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية داخل سوريا من جانب الرئيس بشار الأسد وأنصاره.
كان التحقيق قد أطلقته بادئ الأمر وزارة الخارجية الأميركية عام 2013، لكنه أُغلق وأُلغيت ميزانيته في عهد الرئيس أوباما. ومع هذا، يفضّل المرشح لمنصب وزير الخارجية الجديد في إدارة ترمب، مايك بومبيو، إحياء التحقيق في إطار حملة للفوز على الصعيد الأخلاقي في مواجهة روسيا والأسد.
داخل واشنطن هذا الأسبوع، يأمل ماكرون في تعزيز صورته كزعيم يروج لـ«حل سوري» مقبول لدى الولايات المتحدة وروسيا. ومع هذا، فإننا ربما في حقيقة الأمر نتجه نحو حرب سورية ثانية ستخلف تداعيات على المنطقة بأكملها.



وفد إسرائيلي بالقاهرة... توقعات بـ«اتفاق وشيك» للتهدئة في غزة

طفل يحمل أشياء تم انتشالها من مكب النفايات في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
طفل يحمل أشياء تم انتشالها من مكب النفايات في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

وفد إسرائيلي بالقاهرة... توقعات بـ«اتفاق وشيك» للتهدئة في غزة

طفل يحمل أشياء تم انتشالها من مكب النفايات في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
طفل يحمل أشياء تم انتشالها من مكب النفايات في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

زار وفد إسرائيلي رفيع المستوى القاهرة، الثلاثاء، لبحث التوصل لتهدئة في قطاع غزة، وسط حراك يتواصل منذ فوز الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإنجاز صفقة لإطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار بالقطاع المستمر منذ أكثر من عام.

وأفاد مصدر مصري مسؤول لـ«الشرق الأوسط» بأن «وفداً إسرائيلياً رفيع المستوى زار القاهرة في إطار سعي مصر للوصول إلى تهدئة في قطاع غزة، ودعم دخول المساعدات، ومتابعة تدهور الأوضاع في المنطقة».

وأكد مصدر فلسطيني مطلع، تحدث لـ«الشرق الأوسط»، أن لقاء الوفد الإسرائيلي «دام لعدة ساعات» بالقاهرة، وشمل تسلم قائمة بأسماء الرهائن الأحياء تضم 30 حالة، لافتاً إلى أن «هذه الزيارة تعني أننا اقتربنا أكثر من إبرام هدنة قريبة»، وقد نسمع عن قبول المقترح المصري، نهاية الأسبوع الحالي، أو بحد أقصى منتصف الشهر الحالي.

ووفق المصدر، فإن هناك حديثاً عن هدنة تصل إلى 60 يوماً، بمعدل يومين لكل أسير إسرائيلي، فيما ستبقي «حماس» على الضباط والأسرى الأكثر أهمية لجولات أخرى.

ويأتي وصول الوفد الإسرائيلي غداة حديث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في كلمة، الاثنين، عن وجود «تقدم (بمفاوضات غزة) فيها لكنها لم تنضج بعد».

وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية، الثلاثاء، عن عودة وفد إسرائيل ضم رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي، ورئيس جهاز الأمن العام «الشاباك» رونين بار، من القاهرة.

وأفادت هيئة البث الإسرائيلية بأنه عادت طائرة من القاهرة، الثلاثاء، تقلّ رئيس الأركان هرتسي هاليفي، ورئيس الشاباك رونين بار، لافتة إلى أن ذلك على «خلفية تقارير عن تقدم في المحادثات حول اتفاق لإطلاق سراح الرهائن في غزة».

وكشف موقع «واللا» الإخباري الإسرائيلي عن أن هاليفي وبار التقيا رئيس المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد، وكبار المسؤولين العسكريين المصريين.

وبحسب المصدر ذاته، فإن «إسرائيل متفائلة بحذر بشأن قدرتها على المضي قدماً في صفقة جزئية للإفراج عن الرهائن، النساء والرجال فوق سن الخمسين، والرهائن الذين يعانون من حالة طبية خطيرة».

كما أفادت القناة الـ12 الإسرائيلية بأنه جرت مناقشات حول أسماء الأسرى التي يتوقع إدراجها في المرحلة الأولى من الاتفاقية والبنود المدرجة على جدول الأعمال، بما في ذلك المرور عبر معبر رفح خلال فترة الاتفاق والترتيبات الأمنية على الحدود بين مصر وقطاع غزة.

والأسبوع الماضي، قال ترمب على وسائل التواصل الاجتماعي، إن الشرق الأوسط سيواجه «مشكلة خطيرة» إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن قبل تنصيبه في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وأكد مبعوثه إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الاثنين، أنه «لن يكون من الجيد عدم إطلاق سراح» الرهائن المحتجزين في غزة قبل المهلة التي كررها، آملاً في التوصل إلى اتفاق قبل ذلك الموعد، وفق «رويترز».

ويتوقع أن تستضيف القاهرة، الأسبوع المقبل، جولة جديدة من المفاوضات سعياً للتوصل إلى هدنة بين إسرائيل و«حماس» في قطاع غزة، حسبما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن مصدر مقرّب من الحركة، السبت.

وقال المصدر: «بناء على الاتصالات مع الوسطاء، نتوقع بدء جولة من المفاوضات على الأغلب خلال الأسبوع... للبحث في أفكار واقتراحات بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى». وأضاف أنّ «الوسطاء المصريين والقطريين والأتراك وأطرافاً أخرى يبذلون جهوداً مثمّنة من أجل وقف الحرب».

وخلال الأشهر الماضية، قادت قطر ومصر والولايات المتحدة مفاوضات لم تكلّل بالنجاح للتوصل إلى هدنة وإطلاق سراح الرهائن في الحرب المتواصلة منذ 14 شهراً.

وقال رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، السبت، إن الزخم عاد إلى هذه المحادثات بعد فوز دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية الأميركية، الشهر الماضي. وأوضح أنّه في حين كانت هناك «بعض الاختلافات» في النهج المتبع في التعامل مع الاتفاق بين الإدارتين الأميركية المنتهية ولايتها والمقبلة، «لم نر أو ندرك أي خلاف حول الهدف ذاته لإنهاء الحرب».

وثمنت حركة «فتح» الفلسطينية، في بيان صحافي، الاثنين، بـ«الحوار الإيجابي والمثمر الجاري مع الأشقاء في مصر حول حشد الجهود الإقليمية والدولية لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، والإسراع بإدخال الإغاثة الإنسانية إلى القطاع».

وأشار المصدر الفلسطيني إلى زيارة مرتقبة لحركة «فتح» إلى القاهرة ستكون معنية بمناقشات حول «لجنة الإسناد المجتمعي» لإدارة قطاع غزة التي أعلنت «حماس» موافقتها عليها.