مناهج السعودية تتحرر من قبضة {الإخوان»

جهود لتنقيتها بعد إثارة إشكالية اختطاف الجماعة مقررات الدين

طلاب في إحدى مدارس الرياض (واس)
طلاب في إحدى مدارس الرياض (واس)
TT

مناهج السعودية تتحرر من قبضة {الإخوان»

طلاب في إحدى مدارس الرياض (واس)
طلاب في إحدى مدارس الرياض (واس)

تنفذ المملكة العربية السعودية نقلة نوعية في قطاع التعليم الديني من أجل نفض ما تعرض له من سطوة التيارات الفكرية الدينية المتطرفة، وذلك من أجل المضي قدماً في رؤية 2030، وهي الرؤية المنصبة على تطوير الكوادر البشرية الوطنية، من خلال تعزيز دور المؤسسات التعليمية والجامعات التي ستصقل الأجيال القادمة وتنتج كوادر مهنية وتعليمية خلاّقة.
ناقش ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، أخيراً، خلال لقاء تلفزيوني أجرته معه شبكة «سي بي إس نيوز» الأميركية إشكالية غزو فكر جماعة «الإخوان المسلمين» لنظام التعليم في المملكة، ومضي بلاده في اجتثاث كل من ينتمي لهذا الفكر أو يتعاطف معه خلال الفترة القصيرة القادمة.
وهذا التوجه، ورد في كلام وزير التعليم السعودي الدكتور أحمد العيسى، الذي ذكر أن توغل جماعة «الإخوان» في التعليم حقيقة لا تقبل النقاش، إضافة إلى انخراط بعض رموز الجماعة من الذين هربوا من مصر في حقبتي الستينات والسبعينات والتحقوا بقطاع التدريس في التعليمين العام والجامعي السعودي.
هذا أدى إلى تأثر عدد من المسؤولين والمشرفين والمعلمين الذين ساهموا في صياغة المناهج ونظم النشاطات الطلابية وفق منهج الجماعة المنحرف. ولكن منذ استيعاب حظر الجماعة بدأت الجهود وتسارعت لتخليص النظام التعليمي من شوائب منهج الجماعة.
العيسى تطرق إلى الجهود المبذولة لمحاربة الفكر المتطرف من خلال إعادة صياغة المناهج الدراسية وتطوير الكتب المدرسية، وضمان خلوها من منهج «الإخوان»، ومنع الكتب المحسوبة على الجماعة من جميع المدارس والجامعات، وكذلك إبعاد كل من يتعاطف مع الجماعة أو فكرها أو رموزها عن أي منصب إشرافي أو من التدريس. هذا بجانب التوعية بخطر فكر الجماعة من خلال الأنشطة الفكرية في الجامعات والمدارس.
وذكر العيسى أيضاً أن استئصال فكر الجماعة المتطرف يحتاج إلى جهد متواصل وإلى يقظة واهتمام من جميع مسؤولي الوزارة، نظراً لتخفي بعض المتعاطفين مع الجماعة. وأكد على أهمية أن يعي مديرو الجامعات، ومسؤولو الوزارة، ومديرو التعليم في المناطق خطر التهاون في محاربة هذا الفكر المتطرف، ومن ثم، بذل كل جهد ممكن لتنظيف نظام التعليم من فكر الجماعات الإرهابية.
ليس أمراً جديداً
الجدير بالذكر أن التطرق إلى المناهج السعودية ليس بأمر جديد، إذ واجهت المملكة انتقاداً كبيراً في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، التي تعد نقطة تحول في عملية المراجعة التي مضت بها المملكة. وكانت نقطة البداية توضيح أن ما ارتكبه أفراد ينتمون لفكر متطرف مثل «القاعدة» من عمليات إرهابية لا يعبر عن المجتمع ككل. وبعد ذلك، معالجة مشاكل التعليم وكل ما قد يفضي إلى التطرف بشكلٍ أو بآخر، من خلال الحوار الوطني والعديد من المنتديات وحلقات النقاش. وهذا طبعاً، ليس بالأمر السهل في مجتمع محافظ، خصوصاً في «مرحلة ما قبل العولمة»، حين كان كل ما يذكر باسم الدين هو أمر غير قابل للنقاش. إلا أن تلك الملامح شرعت في التلاشي في ظل المتغيرات العالمية، وبروز أجيال جديدة قادرة على التمحيص والمساءلة.
في مقال صحافي للكاتب خالد العضاض بعنوان «التعليم وتطوير المناهج»، استعرض الكاتب تاريخاً حافلاً بأشخاص اعترضوا على المناهج التعليمية السعودية، واعتبروها دخيلاً على المجتمع بدءاً بعام 1930، من جهة غرابتها عن الدين، و«تدريس مفاهيم مخالفة للعقيدة» وإن لم يكن اعتراضا صريحاً. وفي عام 1953، عندما تحولت مديرية المعارف إلى وزارة المعارف، وطبّقت المناهج الجديدة، ظهرت اعتراضات في صورة خطابات رسمية من بعض المشايخ على تخفيض نصاب حصص المواد الدينية وتدريس بعض العلوم والفنون التي تتعارض - من وجهة نظرهم - مع العقيدة الإسلامية كتدريس اللغة الإنجليزية وبعض العلوم مثل الجغرافيا «التي تقول بكروية الأرض».
وتلت ذلك حقبة اتسمت بكثافة موجة الإخوان المسلمين والسروريين وغيرهما من الجماعات ذات الفكر المتطرف. ولقد تطرق نائب وزير الشؤون الإسلامية الدكتور توفيق السديري في كتابه الذي طبع مؤخراً بعنوان: «تشخيص الصحوة، تحليل وذكريات»، إلى العديد من التيارات التي أثرت على السعودية، وضمن ذلك جماعة الإخوان المسلمين والسرورية والجهيمانية والتبليغية.
وذكر السديري أنه بدأ ذلك التأثر منذ بداية نهضة المملكة في عهد مؤسسها الملك عبد العزيز، وافتتاح المدارس والمعاهد في المملكة «نظراً لقلة المدرسين السعوديين مما استدعى إلى استقطاب عدد كبير من المعلمين من مختلف الدول العربية، وبالأخص مصر وبلاد الشام»، وذكر في كتابه إلى محاولة لأن يكون بينهم حسن البنا مؤسس الجماعة. وذكر البنا في كتابه «مذكرات داعية» أن الشيخ حافظ وهبة - الذي كان مستشاراً في السعودية - تواصل مع الشيخ محب الدين الخطيب، المعروف بتوجهه المتشدد في مصر. ونصّ كتاب البنا على التالي: «فاتصل الشيخ حافظ وهبة بجمعية الشبان المسلمين لتساعده في اختيار المدرسين، فاتصل بي السيد محب الدين الخطيب وحدثني في هذا الشأن فوافقت مبدئياً». وقد بين رغبته بالالتحاق بمدرسة المعهد السعودي بمكة إلا أن طلبه قوبل فيما بعد برفض تدريسه في السعودية من قبل وزارة المعارف.
كذلك تطرق كتاب السديري إلى نشأة جماعة السروريين في السعودية، نسبة إلى مؤسسها محمد سرور نايف زين العابدين، الذي كان ينتمي إلى الإخوان المسلمين في سوريا ممن جاؤوا إلى السعودية أثناء تعرضهم للضغوط في مصر وسوريا. ولقد وفد إلى السعودية المئات من هؤلاء واستفيد منهم بتوجيههم للتدريس والتعاقد معهم. وتطرق السديري في كتابه إلى ذكر البعض أن محمد سرور كان ضابطاً في الجيش ثم في المخابرات السورية إلا أن المعلومة غير مؤكدة «لأنها إن صحت فإن لها أبعاداً أخرى». وأضاف أنه قدم إلى السعودية مرافقاً أي محرماً لزوجته التي تم التعاقد معها للتدريس وجرى توظيفه موظفاً إدارياً في معهد حائل العلمي لمدة سنة، ثم نقل إلى معهد البكيرية في منطقة القصيم، ومن ثم إلى معهد بريدة ثم معهد الأحساء. ولم يكن محمد سرور يحمل مؤهلاً شرعياً بل كان تخصصه في الزراعة. وعندما قرر تعليم مادة الحساب في المعاهد العلمية، وكان هناك نقص في المدرسين، جرى تكليفه بتدريس هذه المادة في المعهد، وهكذا تدرج في التدريس وأصبح له نشاط حركي في المعاهد بالأخص في منطقة القصيم.
الإعلامي تركي الدخيل، من جهته، تطرق في كتابه «سلمان العودة... من السجن إلى التنوير» إلى أن المعهد العلمي في بريدة شهد سجالاً بين تيارات لم تتبلور بعضها ديني والآخر مدني، وأدى تأثر عدد كبير من الشخصيات في المجتمع ومن ضمنهم سلمان العودة، الذي وصف تلك المرحلة: «في صغري كنا ضمن مجموعة تعرف المعهد العلمي في بريدة، وكانت هناك تيارات حركية لم تكن متبلورة بشكلٍ واضح. والتيار السروري لا يسمي نفسه بهذه التسمية». واعتبر العودة أن انتماءه لذلك التيار ارتبط بالطفولة، وتعمق فترة الدراسة الجامعية. ولقد أظهر سلمان العودة في تلك الحقبة، إلى جانب عدد من المنتمين لما سمي بـ«الصحوة الإسلامية»، عداءً لفكر عدد من المثقفين في المجتمع السعودي.
من ناحية ثانية، تتضح في الآونة الأخيرة محاولة نفض تلك الحقبة المترسخة في المملكة، ولقد أدرجت وزارة التعليم كتاب «حياة في الإدارة» للدكتور غازي القصيبي الذي عانى من التهجم الكبير عليه من قبل الإسلاميين المتطرفين في السابق، ضمن مادة المهارات الإدارية لطلاب التعليم الثانوي بدءاً من العام المقبل. وذكر وزير التعليم العيسى بأن اطلاع الطلاب على هذا الكتاب يسلط الضوء على الحياة الواقعية للراحل الذي كان حريصاً في سيرته المهنية على تجسيد انتمائه لوطنه، إلى جانبه ريادته في مجال الإدارة.
أيضاً أصدرت وزارة التعليم دليلاً شاملاً للمعلم يمكنه من إدارة الجلسات التعليمية التي تتيح فرصة التعليم الذاتي للطلاب لتدريبهم على صناعة المعارف بدلاً من استهلاكها، وتحفيزهم من خلال هذه النماذج من أجل إنتاج مشاريع تعليمية رائدة.
وأكّد الكاتب والباحث في العلوم السياسية والحركات الدينية يوسف الديني - الذي صدر له ملف «الإخوان وتأسيس السلطة الرمزية» ابتلاع الحقل التعليمي في السعودية - في تصريح لصحيفة «الشرق الأوسط» صعوبة تناول مسيرة التعليم الرسمي واللامنهجي في السعودية من دون الحديث عن «حالة الاختطاف» التي شهدها منذ البدايات عبر آليات السلطة الرمزية كبديل لحالة تكوين الأحزاب السياسية المباشرة، الذي ظل غير متاح لعدد كبير من التنظيمات الشمولية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين وبقية أذرع الإسلام السياسي، بحسب بيير بورديو منظر علم الاجتماع الذي طرح مفهوم السلطة الرمزية ومفهوم السيطرة على الحقول في صراع الإيديولوجيات ومنها الحقل التعليمي.
وأكد الديني على أن الهدف الأول لجماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الجماعات كان الاستثمار في بيئة مثالية جغرافياً ورمزياً لتكريس دعوتها بعيداً عن صراع السياسة، وليس ثمة أكثر ملاءمة من الدولة السعودية الناشئة التي لم تتعرض للاستعمار من جهة، وكانت تدين بإسلام سلفي بسيط ودعوة إحيائية قوية. وأقر الديني بأن ابتلاع الحقل التعليمي والتربوي من قبل الحركات الإسلاموية، وعلى رأسها الجماعة الأم (الإخوان المسلمون) لم يقتصر على دور التعليم والممارسة التربوية رغم تأثيرهما الكبيرين، بل تعداه إلى صياغة المناهج الدراسية في الجماعة والصفوف الدنيا، وقد قادت شخصيات بارزة من جماعة الإخوان حركة تغيير المناهج بحكم تخصصها في مجال التربية بمعناه الحديث والعصري. ومن تلك الشخصيات الهامة محمد المبارك من إخوان سوريا الذي نقل خبرته في تأسيس كلية الشريعة في دمشق ليعكسها على مرحلة التأسيس للمناهج التعليمية والتربوية في السعودية، جنباً إلى جنب مع شخصيات حركية أخرى من جماعة الإخوان مثل محمد الصواف المراقب العام لإخوان العراق، ومحمد المجذوب الشخصية الإخوانية المتخصصة في تأريخ تراجم المعاصرين من الدعاة.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.