فن الأكل في شوارع إسبانيا

المكان هو العاصمة الإسبانية مدريد، والزمان كان نهار أحد أيام الشتاء المشمسة والسماء الزرقاء. كانت الدعوة على الغداء في منتصف النهار بسوق «سان ميغل ماركت» الذي يعد الأشهر بتلك المدينة والذي يقع على بعد خطوات من مطعم «بلازا مايور».
السوق تبدو من الخارج مبنى تاريخيا بواجهة نحاسية اللون وقد خضع المبنى للتجديد في السنوات الأخيرة وأعيد افتتاحه عام 2009 ليصبح ضمن أشهر معالم البلاد في هذا المجال. وما يميز هذا المطعم عما سواه هو تبنيه لنهج يعتمد على البساطة، والسرعة، والمذاق الشهي، والجودة العالية والسعر الزهيد.
الأمر أشبه بمن يتناول الطعام في الشارع مع إضافة بعض السحر للمكان. فبمجرد أن تطأ قدماك سوق «ميغل ماركت» ستنبهر بالألوان البراقة والروائح التي تفتن الزوار، ومن الصعب اتخاذ قرار سريع بشأن تحديد ما تتناوله على الغداء، فالسوق تحوي لحوما ومأكولات بحرية وخضراوات وأرز وفواكه وعصائر جميعها تبدو لذيذة.
وحاليا تضم السوق أكثر من 30 كشكا تجاريا مخصصه للبيع وتبدوا في غاية الجاذبية. وقد قررت أن أبدأ بتناول بعض حبات الزيتون الضخمة التي تقدم محشوة بسمك السلمون أو الأنشوجة أو الجبن. المقادير جميعها طازجة وطعمها في غاية الروعة، وتباع الزيتونة الواحدة بما تحويه من حشو بسعر 1.5 يورو، والمحل يقدم أشكالا متنوعة من ذلك الزيتون المحشو.
لا يوجد بالمكان أي طاولات أو كراسي، ولذلك عليك شراء الطعام ثم البحث عن مكان للجلوس بمنتصف السوق وسط الناس، والهدف هنا هو الاستمتاع بتناول الطعام بحرية والجلوس أينما شئت على المقاعد والطاولات الوفيرة المنتشرة بالمكان.
بعدما انتهيت من تناول خمس حبات زيتون، أحداهما محشوة بالأنشوجة الطازجة مع الفلفل الأحمر، لم أستطع التوقف أمام إغراء طبق من جبن الموزاريلا والطماطم الطازجة والبازلاء، وهو ما يعرف باسم «سلاطة الكبريز».
يبلغ سعر طبق الجبن الطازج الذي ذاب في فمي 5 يورو. ومن أهم الأماكن هنا كشك مخصص لبيع المأكولات البحرية يقدم وجبة متقنة من الإستاكوزا (سرطان البحر). ولأختتم وجبة الغداء الشهية تلك، اخترت كوبا من الزبادي المغطى بالفاكهة والتي تعطي مزيجا من الطعم الحلو والحامض في آن.
تعد سوق «سان ميغان» رائدة في مجال مأكولات الشوارع التي لا يتطلب إعدادها الكثير من الوقت. تنتشر تلك الأطعمة السريعة في أسواق الخضراوات والفواكه الإسبانية القديمة التي لا تزال تحتفظ بسحرها التاريخي مع لمسة من الحداثة.
لا يمكننا الحديث عن الأسواق الإسبانية من دون ذكر سوق «ماركات دي سانت جوسيب» في برشلونة المعروفة أيضا باسم سوق «بوكيريا» التي باتت اليوم مزارا سياحيا لعشاق الطهي. فهذه السوق لا تقدم الأطباق الإسبانية الشهية لذيذة الطعم فحسب، بل تقدم أيضا نفحة من جو المدينة الحديثة، ناهيك بقائمة الطعام التي تحوي أصنافا عالمية.
ولذلك فإن سوق «بوكيريا» تعد أحد الأماكن التي يتحتم على كل سائح زيارتها في برشلونة.
يعود تاريخ سوق «باكوريا»، الذي يقع بمنطقة «رامبلا» بقلب ثاني أكبر المدن الإسبانية، إلى عام 1217. واليوم تحتضن السوق أكثر من 200 مطعم ومحلا للبقالة، حيث غالبا ما يطلب الناس تذوق الطعام قبل شرائه. ولذلك لا تخجل من أن تفعل ذلك لأن هذا أمر طبيعي هنا وسيقنعك بأن ما ستتناوله يستحق الشراء بالفعل.
ولكي نسافر إلى برشلونة، علينا التوجه إلى جنوب إسبانيا، تحديدا مدينة إشبيلية الجميلة التي تعكس التراث العربي للمنطقة وشوارعها ومبانيها، وحيث مهرجانات الطعام بمدريد وبرشلونة التي تقدم تجربة الأطعمة الطازجة والمتنوعة لجماهير الذواقة.
الميزة التي ينفرد بها المكان هنا هو أنه بالإضافة إلى الطعام، فإن مشهد النهر يبعث على السكينة والسرور وكذلك مشهد الغروب بتلك المدينة القابعة في أقصى جنوب البلاد.
كانت مدينة إشبيلية، عاصمة الأندلس القديمة، سوقا للسمك في السابق بسبب قربها من البحر، ولذلك عليك ألا تفوت فرصة تذوق مختلف المأكولات البحرية التي تصادفك خلال تجوالك في شوارعها. فـ«الربيان» هنا رائع المذاق ويتراوح سعر الطبق ما بين 10 إلى 20 يورو. وهناك أيضا طبق الـ«باييا» الإسباني الشهير الذي يتكون من المأكولات البحرية والأرز. سعر الطبق للفرد الواحد 10 يورو، و18 يورو طبق لشخصين. المطاعم هنا تفتح أبوابها يوميا من قبل الظهيرة إلى الفجر، وتضمن لك أن الطعام لن يكون مجرد نشاط اعتيادي، بل فن من الفنون تستطيع أن تطلق عليه «فن الطعام الشهي».