افتتاح «مهرجان طرابلس للأفلام» في دورته الخامسة

كان لا بدّ لرندة الشهال التي عاشت طويلاً في باريس أن تكرّم في مدينتها طرابلس التي أحبّتها وحلمت أن تقيم فيها مشاريعها الثقافية، وتصرّ على أنّ تنفيذها في متناول اليد. لم يتح الوقت للمخرجة اللبنانية التي توفيت عام 2008 عن 55 عاماً، أن ترى ما طمحت إليه يتحقّق بالفعل، لكنّ البعض الذي أنجزته كان كبيراً.
وأول من أمس وفي افتتاح «مهرجان طرابلس للأفلام» بدورته الخامسة التي حملت اسمها في «الرابطة الثقافية»، وبحضور حشد كبير من المعنيين بالسينما وضيوف عرب وأجانب، كانت تحية كبيرة لرندة الشهال، بوجود أفراد من عائلتها.
كلمة الكاتبة أو «المناضلة» نهلة الشهال - كما أحبت أن تطلق على نفسها - وهي شقيقة رندة جاءت مؤثرة للغاية، خصوصاً أنها لم تتمالك نفسها لعدة مرات، وبكت أثناء حديثها. أخبرت الحضور عن طفولة شقيقتها، عندما كانت تروي حكايات مجنحة، وتجد فيها الشقيقة الكبرى شيئاً من خيالات غير مبررة، فتقتص منها وتضربها عقاباً لها. «إذ لم أكن أرى في قصصها تلك إلّا مبالغات ووصفاً سوريالياً لقصص عادية، ولم أفهم موهبتها تلك إلّا حين بدأت العمل في السينما». ومما روته نهلة أن شقيقتها كانت تحلم بمشاريع ثقافية عديدة في مدينتها التي أحبتها كثيراً، منها رغبتها في إنقاذ منزل عتيق في السوق المملوكية القديمة، وتحديداً في سوق العطارين، ولد فيها والدها، يطلق عليه اسم «المي المعلقة»، وذلك لأنّ براعة هندسته كانت تسمح للمياه بأن تصعد إلى طوابقه العليا. وبالفعل كانت رندة قبيل وفاتها قد باشرت العمل على استعادة المنزل لترميمه وتحويله إلى مركز ثقافي تقام فيه الأنشطة. ومما كانت تود عمله في طرابلس أيضاً تأسيس نادٍ للسينما يعرض الأفلام، ويناقشها ويقيم الحوارات حولها. «فقد أحبت رندة مهنتها، وتعلّقت بالسينما باكراً، بسبب نادٍ للسينما كان في طرابلس في صغرنا، تحديداً في سينما (شهرزاد) تحت (المتروبول) يعرض فيلماً أسبوعياً. وكنّا نخرج من المدرسة ونذهب إلى هناك».
وقالت نهلة الشهال: «كانت رندة ستحقّق مشاريعها بكل تأكيد، لأنّها كانت قد وصلت إلى نضوجها الفني»، ووصفتها بأنّها «كانت عنيدة»، لكنّها لم تكن مشاكسة، إنّها «صاحبة موقف» و«ملتزمة».
وفي ذكرى وفاتها العاشرة تعود رندة الشهال إلى الشّاشات من جديد في لبنان وفلسطين وأماكن أخرى، فـ«مهرجان طرابلس للأفلام» سمى دورته الحالية باسمها، وسيعرض مجموعة من أفلامها. وهناك عروض لها أيضاً في سينما «متروبوليس» في بيروت نهاية شهر يونيو (حزيران)، وعروض أخرى في «الجامعة الأميركية» أواخر يوليو (تموز). وفيلمها «حروبنا الطائشة» يدور في نوادي السينما والجامعات في فلسطين، كما ستكون عروض في ساحات عامة هناك بمبادرة من «شاشات لأفلام المرأة». وستصدر أعمالها الكاملة في «دي في دي»، كما ستوضع على منصات «إنترنتية» متخصصة في السينما، لتكون متاحة للجمهور لمشاهدتها والعودة إليها.
وفي افتتاح مهرجان طرابلس للأفلام أطلّت رندة الشهال تكراراً على الشاشة، في مقابلات معها، تحدّثت عن التقاطها لشرارة أي فيلم لها من حدث في حياتها اليومية، وشرحت كيف تنشغل بالفكرة وتبني عليها، وتكتب الحوارات حولها، وتكلّمت عن «طيارة من ورق» الذي كان آخر أفلامها الطويلة وأكثرها نضجاً، وحصد جوائز عديدة عالمية مهمة. وعن فيلمها الذي تنوي تصويره «الصليبيون في القدس» الذي لم يمهلها الأجل بعد ذلك لتصويره.
ويرسّخ «مهرجان طرابلس للأفلام» حضوره لمرة جديدة في هذه الدورة، كأحد المواعيد الثقافية الثابتة والمنتظرة في المدينة، بنضج أكبر وثبات، ومزيد من المشاريع التي تساعده على تخطي الصّعاب المالية. وقد أعلن أول من أمس المصرفي د. طوني غريب عن زيادة الدعم للمهرجان، وعن مهرجان للسينما أقيم في البرازيل، وعن بداية إنتاج لمشاريع سينمائية للشباب كان باكورتها فيلم «كلارك» للمخرج الواعد معتز سلوم الذي عرض في الافتتاح، ويحكي قصة مي الكاتبة التي تدخل مستشفى الأمراض العقلية بمساعدة صديقها رضوان لتتمكن من التعمق في كتابة شخصية مسرحيتها، لكنّه يتخلى عن اتفاقه معها بإخراجها من المصح بعد أسبوعين، ويتركها لقدرها.
المهرجان بدأ من يوم 19 ويستمر إلى 26 من الشهر الحالي، ويعرض أفلاماً طويلة وقصيرة، ووثائقية وتحريك، وهناك أفلام مشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان، كما سيعرض من خارج إطار المسابقة أفلاماً وثائقية تحاكي ثيمات «التسامح والمصالحة» في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ طرابلس، تدور حولها نقاشات وذلك يوم 28 أبريل (نيسان) الحالي.
يترأس لجنة التحكيم لهذه الدورة المخرج غسان سلهب (لبنان)، وتضم عضوية كل من: يانا وولف (ألمانيا)، وشريف البنداري (مصر)، وبيتي توتل (لبنان) وروزي رجي (لبنان).
تجدر الإشارة إلى أنّه بالإضافة للأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان، ستعرض خارج إطار المسابقة، أفلام وثائقية تحاكي ثيمات «التسامح والمصالحة» في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ طرابلس.
ومن الأنشطة الموازية للمهرجان، ورشة عمل «ماستر كلاس» في التصوير السينمائي مع المخرج ومدير التصوير ميلاد طوق، وعروض في الهواء الطلق على خطوط التماس السابقة في منطقة القبة وباب التبانة - جبل محسن.
وسيعقد «منتدى» على مدى يومين متتاليين، يتناول إشكالية الإنتاج السينمائي في لبنان وفرص التمويل المتاحة، ويشارك حصرياً في حلقاته سينمائيون واختصاصيون من آفاق متعددة محلياً وعالمياً، وسيكون «المنتدى» منصة لدعم مشاريع أفلام قيد الإنتاج.