بعد خمسين يوماً من الانتخابات التشريعية العامة التي أثمرت مشهداً سياسياً بالغ التعقيد في إيطاليا، كلّف رئيس الجمهورية سرجيو ماتّاريلّا رئيسة مجلس الشيوخ ماريّا إليزابيتّا كازيلّاتي «مهمة استكشافية» للوقوف على إمكانات تشكيل حكومة ائتلافية بين حركة النجوم الخمس وتحالف الأحزاب اليمينية، برئاستها أو برئاسة أي شخص آخر من هاتين القوتين الفائزتين في الانتخابات. وستقوم كازيلّاتي باستطلاع آراء الزعماء السياسيين بشأن استعدادهم لتشكيل ائتلافات حكومية. ومن المفترض أن ترفع كازيلّاتي نتيجة مشاوراتها إلى ماتّاريلّا في مهلة لا تتجاوز 48 ساعة تنتهي مساء غد (الجمعة). المهمة الاستكشافية ملحوظة في الدستور الإيطالي منذ عام 1957 وسبق لرؤساء الجمهورية أن لجأوا إليها تسع مرات في حالات مستعصية لم تثمر منها سوى واحدة.
وكان ماتاريلا قد قاد شخصياً جولتين من المفاوضات مع سياسيين خلال الأسبوعين الماضيين، لكن لم يحقق أي تقدم فيما يتعلق بالتوصل إلى حلول وسط بينهم بشأن الائتلاف.
تنتمي كازيلّاتي إلى حزب فورزا إيطاليا الذي يتزعمه سيلفيو برلسكوني الذي مُني بهزيمة مدوية في الانتخابات الأخيرة، وبات قاب قوسين من الخروج من المشهد السياسي الإيطالي بعد خمسة وعشرين عاماً من النجومية التي يجاهد لمنع أفولها. في الانتخابات العامة التي جرت في الرابع من مارس (آذار) الماضي، برز حزب «حركة خمس نجوم» المناهض لمؤسسة الدولة وتكتل محافظ، بقيادة حزب «رابطة الشمال» اليميني المتطرف كأكبر «قوى سياسية». لكن لم يفز أي جانب بالأغلبية، وهناك خلافات حول شروط إقامة تحالف محتمل.
وسيحاول برلسكوني أن يعوّم صورته ودوره من خلال تكليف رئيسة مجلس الشيوخ القريبة منه والتي تولّت مناصب حكومية عدة برئاسته سابقاً، وهي مقرّبة من نيكولو غيديني المحامي اللامع والذراع اليمنى لبرلسكوني الذي أمضى سنوات يعدّ لقوانين سنّها البرلمان الإيطالي تقتصر أهدافها على إنقاذ برلسكوني من ورطاته القضائية عندما كان رئيساً للحكومة. وتنحصر المهمة الاستكشافية التي كُلّفت بها كازيلاتي بمعرفة ما إذا كان ثمة مجال للتوافق بين الأحزاب اليمينية وحركة النجوم الخمس، علماً بأن هذه الأخيرة قد أعلنت مراراً أنه من غير الوارد إطلاقاً لديها أي تحالف يشارك فيه برلسكوني، وأن أي حكومة لا يرأسها لويجي دي مايو لن تحظى بتأييدها. ويقول حزب «حركة خمس نجوم»، إنه يمكنه التحالف بدلاً من ذلك مع الحزب الديمقراطي، المنتمي إلى يسار الوسط، الذي حاز المركز الثالث في الانتخابات التي جرت الشهر الماضي.
ويدرك الرئيس الإيطالي، أنه من شبه المستحيل أن تعود إليه رئيسة مجلس الشيوخ بنتيجة إيجابية، مما يقتضي فتح أبواب جديدة للانتقال إلى مهمة استكشافية أخرى لا يستبعد أن تكون هي التي وضعتها في مرمى مشاوراته المعقدة ليكلّف رئيس مجلس النواب روبرتو فيكو الذي ينتمي إلى حركة النجوم الخمس. ومن المنتظر، في حال تكليف فيكو استكشاف احتمالات التوافق بين الحركة والحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه رئيس حكومة تصريف الأعمال جنتيلوني، أن يعدّل هذا الحزب في موقفه الرافض للتحالف مع الحركة، نظراً لأن فيكو محسوب على التيار اليساري القريب من الحزب الديمقراطي، وسبق له أن اصطدم غير مرة مع لويجي دي مايو الذي كان منافسه للفوز بمنصب مرشح الحركة لرئاسة الحكومة. والخط الرسمي للحزب الديمقراطي هو أنه سيبقى في المعارضة، لكن بعضاً من زعمائه أشاروا إلى أنه يمكنهم العمل مع حزب «حركة خمس نجوم»، إذا انفصل عن حزب «رابطة الشمال».
ويرى مراقبون، أن هذا المسرى الذي اعتمده رئيس الجمهورية من شأنه، إذا أخفق، أن يشقّ صفوف القوى السياسية بتشكيلتها الحالية؛ نظراً لضعف التلاحم الداخلي بين مكوناتها وتياراتها، ويمهّد لانتخابات جديدة بعد تعديل قانون الانتخاب وتكليف حكومة تصريف الأعمال بمواصلة مهامها حتى العام المقبل.
الرئيس الإيطالي يوكل إلى حزب برلسكوني تشكيل حكومة ائتلافية
الرئيس الإيطالي يوكل إلى حزب برلسكوني تشكيل حكومة ائتلافية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة