هل فشلت الليبرالية حقاً؟

كتاب أميركي عن «تناقضاتها المستأصلة»

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

هل فشلت الليبرالية حقاً؟

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

يعمل باتريك دينين، مؤلف كتاب «لماذا فشلت الليبرالية» أستاذاً للعلوم السياسية في جامعة نوتردام (ولاية إنديانا). لا يمكن وصفه بأنه يميني، ربما جمهوري معتدل. وقد حاول في هذا الكتاب، ألا يخلط بين أكاديميته وحزبيته.
وعلى الرغم من أنه لا يؤيد الرئيس دونالد ترمب، فإنه، كما يقول، يفهم تأييد آخرين له، مما جعله يفوز برئاسة الجمهورية.
إنه، كما يُستشف من كتابه، «يتمنى» لو نجحت الليبرالية، لكنها فشلت كنظرية وكتطبيق، كما يستنتج.
نظرياً، يتحدث عن «تناقضات مستأصلة» في الليبرالية. فهي، من جانب، تدعو إلى حقوق متساوية بين المواطنين. وفي الجانب الآخر، تسمح بعدم التساوي بينهم مادياً. وهي تعتمد في شرعيتها على تصويت المواطنين. وفي الجانب الآخر، لا تجبر المواطنين على التصويت (حرية عدم التصويت). وهي أيضاً تشجع الاستقلالية عند كل مواطن، لكنها تشجع نظام حكم يتدخل في كل كبيرة وصغيرة (حرية الدولة).
ما هي الليبرالية في رأي هذا الكاتب؟
وما هو الفرق بين الليبرالية والديمقراطية؟
يقول: «لقرون، كان الفكر الليبرالي عقيدة النخب السياسية، سواء التي تميل نحو اليسار، أو التي تميل نحو اليمين. وقبل 400 عام تقريباً بدأ الغربيون يطبقون هذا الفكر بأشكال مختلفة، ولأهداف مختلفة. وقبل 250 عاما تقريبا، بدأ الأميركيون يطبقونه كعقيدة أساسية، ينضوي تحتها اليمين واليسار».
ويضيف: «تنصح الليبرالية الأميركية الحكومات المتعاقبة بالابتعاد عن الاستثمارات الرأسمالية (أولوية الجمهوريين)، وبالابتعاد عن الأخلاقيات الشخصية (أولوية الديمقراطيين) ».
وهكذا، يبدو الكتاب محايدا في هذا القول. ويبدو محايدا، أيضا، في القول بأن تاريخ العالم يتأرجح بين حكم الخير وحكم الشر، بين حكم المعتدل وحكم المتطرف، بين حكم اليمين وحكم اليسار. ولكنه في الولايات المتحدة، يتأرجح بين اليمين (حكم الجمهوريين، تشجيع استثمارات الرأسماليين (لتعود الفائدة لهم)، وبين اليسار (حكم الديمقراطيين، مراقبة استثمارات الرأسماليين (بواسطة الحكومة، باسم الشعب).
لكن، بعد هذا التقسيم، يتخلى الكاتب عن الحياد ويتحدث، ليس فقط عن «اختلافات اقتصادية»، ولكن، أيضا، عن «اختلافات ثقافية.»
وهذه الأخيرة بالنسبة له مثل قنبلة يمكن أن تنفجر في أي وقت. وذلك لأنها تنبئ عن التقسيمات الدينية والعرقية في المجتمع الأميركي، وتستعمل، أحيانا، لإخفاء حدة هذه التقسيمات.
وهنا يتحدث الكاتب عن عقود من التفكيك الليبرالي للمعايير الثقافية، وتدهور علاقات المجتمعات المحلية، والعلاقات الدينية، انتقال النساء من منازلهن إلى مكاتب الرجال، بهدف تنشيط الرأسمالية، وهو هدف خفي يستغله الديمقراطيون لتفكيك الروابط العائلية والاجتماعية، والنظر إلى إنجاب الأطفال بأنه تقييد لحرية الفرد، مما يساهم في التزام الليبرالية بالإجهاض عند الطلب، بينما يتراجع معدل المواليد بشكل عام في جميع أنحاء العالم المتقدم، كما يذهب. وهكذا، يتحول انحياز الكاتب من خفي إلى علني، عاكساً وجهات نظر اليمين في مواضيع هامة، مثل: حرية النساء، ومساعدة المحتاجين، ومنع دخول المسلمين، وطرد غير القانونيين، وبناء حائط لمنع دخول اللاتينيين.
ما هو رد الليبراليين؟
كتبت كريستين أمبا، المعلقة في صحيفة «واشنطن بوست»، تحت عنوان: «إذا ماتت الليبرالية، ماذا سيأتي بعدها؟» قائلة إن هذا الكتاب يدعي المنهج الأكاديمي لإخفاء حزبيته. وإنه يريد، حقيقة، إعلان موت الليبرالية، وليس فقط فشلها، وإنه يربط بين موت الليبرالية وموت مؤيديها (بسبب التركيز على الفردية، وتفكك العائلات، والابتعاد عن الإيمان، وزيادة التوتر والإحباط).
وتواصل مقالها بالقول إنه لا شيء يمنع اليمينيين، وحتى الفاشستيين، من استغلال النظام الليبرالي للوصول إلى الحكم (في الماضي، انتصار هتلر في الانتخابات. وفي الوقت الحالي، انتصار ترمب. وانتصارات اليمين المتطرف في شرق أوروبا). وهي ترى أن لا شيء يمنع العودة إلى «الإيمان» وإلى «حضن العائلة» في ظل الليبرالية، كما أن التاريخ الغربي المعاصر أثبت أن الليبرالية لم تمت، ولا حتى فشلت. اللذان ماتا هما النظامان الشيوعي والفاشتسي.
وأخيرا تسأل أمبا: «ما هو البديل؟»
وتجيب: «يتحدث الكتاب عن القيم المحلية، ويعود بنا إلى جدل من قبل أكثر من 200 عام، عندما دافعت ولايات جنوبية عن قيمها المحلية (وعارضت تدخل الحكومة الفيدرالية، بل حاربتها) للمحافظة على تجارة الرقيق. وهنا يجب ألا ننسى أن كثيراً من ذلك كان، أيضاً، باسم القيم الدينية».


مقالات ذات صلة

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
ثقافة وفنون الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» في قطر الفائزين بدورتها العاشرة خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد وشخصيات بارزة ودبلوماسية وعلمية.

ميرزا الخويلدي (الدوحة)

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر
TT

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

هي رواية تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، تحمل اسم «عورة في الجوار»، وسوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر والتوزيع، وتقع في 140 صفحة.

عن عوالمها وفضائها السردي، يقول تاج السرّ لـ«الشرق الأوسط»: «تروي هذه الرواية التحولات الاجتماعية، وحياة الريف المكتنز بالقصص والأساطير، وانتقال البلد إلى (العصرنة) والانفتاح ورصد التأثيرات الثقافيّة التي تهبّ من المدن إلى الأرياف، لكنها ترصد أيضاً تأثير الأوضاع السياسية المضطربة في السودان على حياة الناس العاديين وما تسببه الانقلابات العسكرية من معاناة على السكان المحليين، خاصة في الأرياف... إلى جانب اهتمامها بتفاصيل الحياة اليومية للناس، في سرد مليء بالفكاهة السوداء».

حمل غلاف الرواية صورة الكلب، في رمزية مغوية إلى بطل الرواية، الذي كان الناس يطلقون عليه لقب «كلب الحرّ» كتعبير عن الشخص كثير التنقلّ الذي لا يستقرّ في مكان. كان كثير التنقّل حيث يعمل سائق شاحنة لنقل البضائع بين الريف والعاصمة وبقية المدن، والزمان هو عام 1980، وفي هذا الوقت يلتقي هذا السائق، وكان في العشرينات من عمره بامرأة جميلة (متزوجة) كانت تتبضع في متجر صغير في البلدة التي ينحدرُ منها، فيهيمُ فيها عشقاً حتى إنه ينقطع عن عمله لمتابعتها، وتشمم رائحتها، وكأنها حلم من أحلام الخلود.

وعن الريف السوداني الذي توليه الرواية اهتماماً خاصاً، ليس كرحم مكاني فحسب، إنما كعلاقة ممتدة في جسد الزمان والحياة، مفتوحة دائماً على قوسي البدايات والنهايات. يتابع تاج السر قائلاً: «الريف السوداني يلقي بحمولته المكتنزة بالقصص والأساطير حتى الفانتازيا في أرجاء الرواية، حيث ترصد الرواية ملامح وعادات الحياة الاجتماعيّة... لتنتقل منها إلى عالم السياسة، والانقلابات العسكرية والحروب الداخلية، حيث تسجل صراعاً قبلياً بين قبيلتَين خاضتا صراعاً دموياً على قطعة أرض زراعية، لا يتجاوز حجمها فداناً واحداً، لكنّ هذه الصراعات المحلية تقود الكاتب إلى صراعات أكبر حيث يتناول أحداثاً تاريخيّة كالوقائع العسكريّة والحروب ضدّ المستعمِر الإنجليزي أيّام المهدي محمد أحمد بن عبد الله بن فحل، قائد الثورة المهديّة، ومجاعة ما يعرف بـ(سنة ستّة) التي وقعت عام 1888، حيث تعرض السودان عامي 1889 – 1890 إلى واحدة من أسوأ المجاعات تدميراً».

وعلى الصعيد الاجتماعي، ترصد الرواية الغزو الثقافي القادم من المدن إلى الأرياف، وكيف استقبله الناس، خاصة مع وصول فرق الموسيقى الغربية، وظهور موضة «الهيبيز»، وصولاً إلى تحرر المرأة.

رواية جديدة تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، سوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر.

يشار إلى أن أمير تاج السر روائي سوداني ولد في السودان عام 1960، يعمل طبيباً للأمراض الباطنية في قطر. كتب الشعر مبكراً، ثم اتجه إلى كتابة الرواية في أواخر الثمانينات. صدر له 24 كتاباً في الرواية والسيرة والشعر. من أعماله: «مهر الصياح»، و«توترات القبطي»، و«العطر الفرنسي» (التي صدرت كلها عام 2009)، و«زحف النمل» (2010)، و«صائد اليرقات» (2010)، التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2011، تُرجمَت أعماله إلى عدّة لغات، منها الإنجليزيّة والفرنسيّة والإيطاليّة والإسبانيّة والفارسيّة والصينيّة.

نال جائزة «كتارا» للرواية في دورتها الأولى عام 2015 عن روايته «366»، ووصلتْ بعض عناوينه إلى القائمتَين الطويلة والقصيرة في جوائز أدبيّة عربيّة، مثل البوكر والشيخ زايد، وأجنبيّة مثل الجائزة العالميّة للكتاب المترجم (عام 2017 بروايته «العطر الفرنسي»، وعام 2018 بروايته «إيبولا 76»)، ووصلت روايته «منتجع الساحرات» إلى القائمة الطويلة لجائزة عام 2017.

صدر له عن دار «نوفل»: «جزء مؤلم من حكاية» (2018)، «تاكيكارديا» (2019) التي وصلتْ إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب (دورة 2019 – 2020)، «سيرة الوجع» (طبعة جديدة، 2019)، «غضب وكنداكات» (2020)، «حرّاس الحزن» (2022). دخلت رواياته إلى المناهج الدراسيّة الثانويّة الإماراتيّة والبريطانيّة والمغربية.