«أقفال الحب».. ظاهرة عالمية تنتقل إلى الوطن العربي

يعلق المتحابون قفلا ويلقون المفتاح في النهر ليبقى الحب إلى الأبد

أقفال الحب على جسر الفنون الباريسي («الشرق الأوسط»)
أقفال الحب على جسر الفنون الباريسي («الشرق الأوسط»)
TT

«أقفال الحب».. ظاهرة عالمية تنتقل إلى الوطن العربي

أقفال الحب على جسر الفنون الباريسي («الشرق الأوسط»)
أقفال الحب على جسر الفنون الباريسي («الشرق الأوسط»)

أثقل عشاق العالم جسر الفنون في باريس بأقفالهم التي تحمل أسماء الأحباء، حيث أصبح جسر «بونتديزار» على نهر السين قبلتهم، ويمثل لهم مكانا خاصا يضعون فيه قفلا على السياج المعدني، ثم يلقون بالمفتاح في النهر، تعبيرا عن تمسكهم بالشريك والتزامهم بحبه الأبدي. وفي بداية الأمر قاومت بلدية باريس هذه الظاهرة، ثم استسلمت لها بعد أن أصبحت تشكل نوعا من الدعاية المجانية العالمية للمدينة المعروفة عالميا بمدينة الحب.
واختلف خبراء تاريخ الفن حول بداية هذه الظاهرة التي انتشرت في بلدان عدة في أوروبا والعالم، فذكر رسام بورتريهات الفنان الفرنسي الفريد دو بوجيه، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، قائلا إن أصل تعليق الأقفال على الجسور يعود بحسب التراث الشعبي الشرق - أوروبي إلى قصة حب وقعت في قرية بانجكا الصربية قبل الحرب العالمية الأولى، حيث أحبت معلمة اسمها «نادا» جنديا صربيا اسمه «ريلغا»، وكانا يلتقيان على أحد الجسور، وبعد فترة سافر الجندي ليشارك في مهمة للجيش في اليونان، وأحب امرأة يونانية هناك، فانهارت محبوبته المعلمة عندما علمت بالخبر وتوفيت جراء أزمة قلبية من حزنها على فقدان حبها، ومنذ ذلك الوقت بدأت فتيات القرية يطلبن من شركائهم وضع أقفال حبهم على الجسر حيث كان يلتقي نادا وريلغا، إحياء لذكراها وتفاؤلا بحماية الحب بالقفل، لتنتقل الظاهرة بعد ذلك لأماكن أخرى، لكنها لم تأخذ الزخم الإعلامي والشعبي حتى بدأت في جسر الفنون في باريس.
وأضاف «أما بالنسبة لانتشار الظاهرة مؤخرا فأعتقد أنها بدأت في روما وتحديدا جسر ميلفيو، مدفوعة بنجاح رواية (ثلاثة أمتار فوق السماء) للروائي فريدريكو موكيا، التي نشرها عام 1992 وتحولت إلى فيلم سينمائي، حيث يضع بطلا الرواية قفلا من أجل تخليد حبهما وينقشان عليه اسمهما ويلقيان بالمفتاح في النهر، لتسهم الرواية في إحياء هذا التقليد الرومانسي».
وانتقلت هذه الظاهرة من جسر الفنون إلى أغلب الجسور المعدنية الباريسية، ومنها إلى دول العالم، ككندا وألمانيا وروسيا، في تطور ملحوظ للبادرة القديمة للعشاق بعد أن كانوا في السابق يحفرون أسماءهم على لحاء شجرة أو ينقشونها على حجر أو يخطونها على جدران المباني القديمة والصخور الكبيرة، فأصبحوا ينقشون الحروف الأولى لأسمائهم على الأقفال، وبعضهم يكتب رسالة أو يعلق ورقة أو قطعة قماش مع القفل.
وفي العالم العربي بدأت الظاهرة في الجزائر هذا العام عندما اختار شباب يوم السابع من سبتمبر (أيلول) الماضي يوما لتعليق الأقفال التي تحمل أسماءهم ومحبوبيهم على جسر تيليملي الذي اشتهر بأنه مكان انتحار العشاق، في بادرة تسعى إلى تحويله من معلم بائس ينتحر فيه المحبون إلى مكان يمنح الأمل للمحبين ببقاء حبهم إلى الأبد، وخصصوا حملة على مواقع التواصل الاجتماعي لحث أكبر عدد من الناس على المشاركة في هذه البادرة دون تحديد سن معينة، مما أثار سجالا في الأوساط الدينية والاجتماعية في البلاد.
يذكر أن الأقفال شهدت ظاهرة اختفاء مرتين، في باريس في عام 2010 اختفى فجأة 2000 قفل، وساد الهلع أوساط العشاق، ونفت بلدية باريس مسؤوليتها عن عملية الإزالة، ليتضح بعد فترة أن أحد طلاب الفنون قام بنقلها في ليلة واحدة لعمل تمثال من الحديد يشكل حجر زاوية لمعرضه الفني.
والحادثة الثانية كانت في الجزائر، حيث قامت مجموعة من الشباب المعارضين للظاهرة بإزالة الأقفال التي علقها المتحابون على جسر تيليملي.



موسيقى تحت النار تصدح في «مترو المدينة» لإعلان الحياة

مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
TT

موسيقى تحت النار تصدح في «مترو المدينة» لإعلان الحياة

مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)

وصلتْ إلى هاتف صاحبة السطور رسالة تعلن عودة أمسيات «مترو المدينة». كان كلُّ ما حول المتلقّية هولاً وأحزاناً، فبدا المُرسَل أشبه بشعاع. يبدأ أحد مؤسّسي «مترو» ومديره الفنّي، هشام جابر، حديثه مع «الشرق الأوسط» بترسيخ الفنون بوصفها احتمالاً للنجاة. ينفض عنها «مفهوماً قديماً» حصر دورها بالترفيه وتمضية الوقت، ليحيلها على ما هو عميق وشامل، بجَعْلها، بأصنافها وجمالياتها، مطلباً مُلحّاً لعيش أفضل، وحاجة لتحقيق التوازن النفسي حين يختلّ العالم وتتهدَّد الروح.

موسيقيون عزفوا للمحاربين في هذه الاستراحة (مترو المدينة)

في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أنار المسرح البيروتي أضواءه واستقبل آتين إلى سهراته المميّزة بفرادة الطابع والمزاج. أُريد للموسيقى خَلْق فسحة تعبيرية لاحتواء المَعيش، فتُجسّد أرضية للبوح؛ مُنجزةً إحدى وظائفها. تُضاف الوظيفة الأخرى المُمثَّلة بالإصرار على النجاة لمَنْح الآتي إلى الأمسية المُسمَّاة «موسيقى تحت النار» لحظات حياة. موسيقيون على البزق والدرامز والإيقاع والكمنجة... عزفوا للمحاربين في هذه الاستراحة. يُعلّق هشام جابر: «لم يكن ينقصنا سوى الغبار. جميعنا في معركة».

لشهر ونصف شهر، أُغلق «مترو». شمَلَه شلل الحياة وأصابته مباغتات هذه المرارة: «ألغينا برنامجاً افترضنا أنه سيمتدّ إلى نهاية السنة. أدّينا ما استطعنا حيال النازحين، ولمّا لمسنا تدهور الصحّة النفسية لدى المعتادين على ارتياد أمسيات المسرح، خطرت العودة. أردنا فسحة للفضفضة بالموسيقى».

لم يَسْلم تاريخ لبنان من الويل مما لقَّن أبناءه فنّ التجاوُز (مترو المدينة)

يُشبّه المساحة الفنية التي يتيحها «مترو» بـ«علبة خارج الزمن». ذلك لإدراكه أنّ لبنان امتهن الصعاب ولم يَسْلم تاريخه من الويل، مما لقَّن أبناءه فنّ التجاوُز. وامتهن اجتراح «العُلب»، وهي الفسحات الرقيقة. منها يُواجه أقداره ويُرمّم العطب.

استمرّت الحفلات يومَي 20 و21 الحالي، وسلّمت «موسيقى تحت النار» أنغامها لعرض سُمِّي «قعدة تحت القمر»، لا يزال يتواصل. «هذا ما نجيده. نعمل في الفنّ»، يقول هشام جابر؛ وقد وجد أنّ الوقت لا ينتظر والنفوس مثقلة، فأضاء ما انطفأ، وحلَّ العزفُ بدل الخوف.

يُذكِّر بتاريخ البشرية المضرَّج بالدماء، وتستوقفه الأغنيات المولودة من ركام التقاتُل الأهلي اللبناني، ليقول إنّ الحروب على مرّ العصور ترافقت مع الموسيقى، ونتاج الفنّ في الحرب اللبنانية تضاعف عمّا هو في السلم. يصوغ المعادلة: «مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس، موسيقى ونغمات وأمل». ذلك يوازي «تدليك الحالة»، ويقصد تليينها ومدّها بالاسترخاء، بما يُشبه أيضاً إخضاع جهاز لـ«الفرمتة»، فيستعيد ما تعثَّر ويستردّ قوةً بعد وهن.

أنار المسرح البيروتي أضواءه واستقبل آتين إلى سهراته المميّزة (مترو المدينة)

يتمسّك «مترو المدينة» بحقيقة أنّ الوقت الصعب يمضي والزمن دولاب. أحوالٌ في الأعلى وأحوال في الأسفل. هذه أوقات الشدائد، فيشعر الباحثون عن حياة بالحاجة إلى يد تقول «تمسّك بها»، ولسان يهمس «لا تستسلم». أتاح المسرح هذا القول والهَمْس، ففوجئ هشام جابر بالإقبال، بعد الظنّ أنه سيقتصر على معارف وروّاد أوفياء. يقول: «يحضر الناس لكسر الشعور بالعزلة. يريدون مساحة لقاء. بعضهم آلمته الجدران الأربعة وضخّ الأخبار. يهرعون إلى المسرح لإيجاد حيّز أوسع. ذلك منطلقه أنّ الفنّ لم يعد مجرّد أداة ترفيهية. بطُل هذا الدور منذ زمن. الفنون للتعافي وللبقاء على قيد الحياة. أسوةً بالطعام والشراب، تُغذّي وتُنقذ».

كفَّ عن متابعة المسار السياسي للحرب. بالنسبة إليه، المسرح أمام خيارَيْن: «وضع خطّة للمرحلة المقبلة وإكمال الطريق إن توقّف النار، أو الصمود وإيجاد مَخرج إن تعثَّر الاتفاق. في النهاية، المسارح إيجارات وموظّفون وكهرباء وتكاليف. نحاول أن يكون لنا دور. قدّمنا عروضاً أونلاين سمّيناها (طمنونا عنكم) ترافقت مع عرض (السيرك السياسي) ذائع الصيت على مسرحنا. جولته تشمل سويسرا والدنمارك وكندا...».

ترسيخ الفنون بوصفها احتمالاً للنجاة (مترو المدينة)

ويذكُر طفولة تعمَّدت بالنار والدخان. كان في بدايات تفتُّح الوعي حين رافق والده لحضور حفل في الثمانينات المُشتعلة بالحرب الأهلية. «دخلنا من جدار خرقته قذيفة، لنصل إلى القاعة. اشتدّ عودنا منذ تلك السنّ. تعلّقنا بالحياة من عزّ الموت. لبنان حضارة وثقافة ومدينة وفنّ. فناء تركيبته التاريخية ليست بهذه البساطة».

يرى في هذه المحاولات «عملاً بلا أمل». لا يعني إعلان اليأس، وإنما لشعورٍ بقسوة المرحلة: «يخذلني الضوء حيال الكوكب بأسره، ولم يعُد يقتصر غيابه على آخر النفق. حين أردّد أنني أعمل بلا أمل، فذلك للإشارة إلى الصعوبة. نقبع في مربّع وتضيق بنا المساحة. بالفنّ نخرج من البُعد الأول نحو الأبعاد الثلاثة. ومن الفكرة الواحدة إلى تعدّدية الأفكار لنرى العالم بالألوان. كما يُحدِث الطبيب في الأبدان من راحة وعناية، يحتضن الفنّ الروح ويُغادر بها إلى حيث تليق الإقامة».