المجر مربع جديد لتيار أصولية العداء للآخر

تحولت معقلاً لليمين الأوروبي المتطرف بقيادة أوربان

رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بعد فوزه بالانتخابات (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بعد فوزه بالانتخابات (أ.ف.ب)
TT

المجر مربع جديد لتيار أصولية العداء للآخر

رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بعد فوزه بالانتخابات (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بعد فوزه بالانتخابات (أ.ف.ب)

المؤكد أن فوز حزب «فيديس» المجري برئاسة رئيس الوزراء الحالي فيكتور أوربان يعد دلالة على أن الخوف بات الطائر المحلق في سماوات وسط أوروبا تحديداً، فقد فاز الرجل وحزبه بنحو 49.5 في المائة من الأصوات، مما مكنه من ثلثي مقاعد البرلمان، أي 134 مقعداً من أصل 199 في برلمان بلاده.
ولعل الأكثر إثارة هو أن «القوميين المجريين»، قد جاءوا في المرتبة الثانية بنحو 20 في المائة من الأصوات، مما يمكنهم من الحصول على 27 مقعداً، بينما لم يستطع الاشتراكيون سوى حصد 11.85 في المائة من الأصوات.
النتائج المتقدمة تقودنا للتفكير مليا في الأسباب والدوافع التي من شأنها تمضي مسيرة الأصولية الأوروبية قدماً.
أوربان الرجل اللغز
يعد فيكتور أوربان حجر الزاوية في البناء المجري السياسي المعاصر، وله تاريخ نضالي كبير في أثناء الحقبة الشيوعية، حين كانت المجر واقعة تحت أسر نفوذ الاتحاد السوفياتي، ومنذ الرابعة عشرة من عمره يخوض غمار الحياة السياسية، وقد أسس حزبه المعروف باسم «فيديس» أي «حزب الشباب الديمقراطي»، وهو يشكل علامة استفهام للشرق والغرب سوية، بمعني أنه كان ممجوجاً من الروس رغم شيوعيته، وغير مقبول من الغرب باعتبار أنه السياسي الذي قاد التغيرات المفصلية في بلاده عبر كل المناحي، لكنه أخفق في السير على درب الديمقراطية، وفي تناقضاته البنيوية هذه وقع الجميع في الحيرة من حوله.
«فيكتور أوربان» نموذج مثير للأصولية الأوروبية المغايرة عن نظيرتها في ألمانيا أو فرنسا، وبعيد جداً عن النسق الأميركي، فهو يكاد يقترب من رؤية دول العالم الثالث للمؤسسات المالية والسياسية الدولية، ويكاد يلامس سقف الراديكاليين الشرق أوسطيين الذين يؤمنون بأن كل ما يجري حول العالم هو صنيعه مؤامرة غربية، ويزيد أوربان من الشعر بيتاً حين يبث خطاباته الكارهة للمنظمات اليهودية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، رغم أن بلاده عضو في جميعها.
هويته ورؤيته للإسلام
على أن مزايدات أوربان، على أطراف وأطياف العالم والعولمة يمكن رصدها في جهة، فيما الورقة الرابحة بشكل شبه مؤكد والتي تلاعب بها على أوتار المتناقضات تتمثل في جانب آخر، جانب مغازلة القوميين والشعبويين من المجريين الذين صوتوا له بكثافة هذه المرة، فيما يخص مسألة الهوية المجرية خاصة والأوروبية بشكل أكثر عمومية.
خلال شهر فبراير (شباط) الماضي وقبل بضعة أسابيع من الانتخابات البرلمانية كان «أوربان» يتحدث عن بلاده بوصفها آخر معاقل أوروبا في مواجهة ما أسماه «ظاهرة الأسلمة»، بل أكثر من ذلك، إذ يزايد على المتطرفين في الداخل المجري بالقول إن الأسلاك الشائكة التي أقامتها بلاده على حدودها وإجراءات الأمن المشددة التي اتخذت تجاه المهاجرين، قد نجحت دون وقوع ما أطلق عليه «غزو إسلامي» لبلاده التي أتهمتها الأمم المتحدة بخرق التزاماتها بموجب القوانين الدولية الأوروبية بسبب فرضها قيوداً على اللاجئين المسلمين.
والشاهد أن الأوروبيين لا سيما التيارات المعتدلة في داخلها قد اعتبرت الرجل ظاهرة تتوجب الرصد والتحليل خوفاً من تبعاتها واستحقاقاتها المستقبلية، ومثال ذلك ما نشرته صحيفة «الغارديان» البريطانية عن مفردات أوربان التي يستخدمها ليذيع الكراهية في قلوب الأوروبيين تجاه المسلمين في القارة العجوز، مصطلحات من عينة «الغيوم السوداء» التي تحلق فوق سماوات أوربان.
يفتح أوربان الأبواب واسعة أمام إعادة النقاش الدائر حول «أسلمة أوروبا». ذلك التعبير غير العلمي وغير الموضوعي، والذي يستخدم اليوم كفزاعة لاستجلاب أصوات الناخبين، وعند أوربان أن: «عدد المسلمين الذين يعيشون في أوروبا قد تكاثروا جداً، مما يجعل القيم الثقافية والدينية الأوروبية تتراجع، عطفاً على تراجع أعداد سكان أوروبا أصحاب الثقافة المسيحية، وبداية مسيرة لأسلمة المدن الأوروبية الكبرى».
ولعل نتيجة الانتخابات الأخيرة تؤكد أن الخطاب الشعبوي لأوربان سيما تأكيده على أن «بلده يتعرض لغز مهاجرين وأجانب يريدون أخذ المجر من شعبه» قد آتت أكلها.
المجر تضحى أكثر راديكالية
لا يقتصر المشهد على فوز أوربان، بل يتخطاه إلى الإشكالية الحقيقية التي تتمثل في أن سياسات وشعارات الرجل دفعت وتدفع لصعود الحركات اليمينية المتطرفة والرأي العام المتأثر بتدفق المهاجرين إلى البلاد، مما جعل المجر قلعة للأصولية اليمينية في قلب أوروبا، تلك التي كانت يوماً مثالاً للتنوير وحرية الرأي، وحقوق الآخر. والمؤكد أن المتابع لمجريات الأحداث السياسية وحركة الأحزاب والجماعات الناشطة في الداخل المجري، يدرك تمام الإدراك المردود السلبي لخطابات «أوربان» الكارهة للمهاجرين والمتخذة كمنصة انطلاق لتصعيد شعبوي ضد المسلمين بحجة أنهم مصدر الإرهاب، وكذا أنهم يمثلون الجبهة المناوئة لليبرالية الأوروبية التقليدية.
أما عن تلك الجماعات فإن حركة «قوة وعزم» المتطرفة تعد دليلاً عليها من خلال خطابها الذي يكاد يقارب خطابات الفاشية والنازية الأوروبية، والأكثر خطورة في المشهد أن المجر اليوم بدأت تضحى بؤرة جاذبة لهجرات أوروبية داخلية، فعلى سبيل المثال هناك مواطنون ألمان قد شدوا رحالهم إلى المجر كراهية في أنجيلا ميركل مستشارة ألمانيا، التي تفتح أبواب بلادها للمهاجرين، ليستقروا في المجر التي باتوا يعتبرونها أكثر أمناً وأماناً.
ومن أمثلة الأصوات الراديكالية الساعية في درب أوروبا يأتي «جيورجي شوبفلين» النائب المجري في البرلمان الأوروبي وعضو حزب فيديس، والذي يريد أن تصبح المجر مجتمعاً متعدد الثقافات، ويؤمن أن السياج الذي ضربته من حولها هدفه قطع الطريق على وجود مجتمع مسلم كبير في المجر، وهي الفكرة التي لا يقبلها حزب فيديس.
يخبر «أوربان» شعبه ونوابه، ومن خلال وسائل الإعلام التي يمتلكها بين أمرين: الديمقراطية التي يمكن أن تحول بلاده إلى جنة للمسلمين، وبين النموذج الحالي الذي يحاول الحفاظ على وحدة بلاده ودرء خطر الأجانب من المسلمين عنها.
والمقطوع به أن الخيار المتقدم زائف، لكنه في نهاية المطاف خيار يقود صفوف الناخبين لإعادة انتخاب أوربان من جديد.
مسلمو المجر ومعاناة واقعية
قبل نحو عام تحدث ستيفانوس ستافروس الأمين التنفيذي للجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب عن أحوال المجر الداخلية بالقول: «نحن قلقون جداً من خطاب الكراهية الذي يستهدف الفئات الضعيفة، إنه من الخطر استعمال عبارات الغجر واليهود والمثليين والمتحولين جنسياً، وغيرها للحديث عن المهاجرين» غير أن الرجل لم يتحدث عن أحوال ومآلات المسلمين في المجر وهؤلاء قسم كبير منهم يعود إلى أواخر القرن الرابع الهجري عندما هاجرت بعض القبائل البلغارية التي اعتنقت الإسلام إلى المجر، فيما أسلم نفر آخر عندما احتل العثمانيون المجر عام 1586، وكان في بودابست وحدها في عام 1687 نحو واحد وستون مسجداً واثنان وعشرون مصلى، وعشر مدارس إسلامية ولاحقاً ازدادت أعداد المسلمين هناك بعد حركة الهجرة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في أوائل سبعينات القرن المنصرم وحتى تيار الهجرة الأخرى.
لكن هؤلاء باتوا اليوم يعانون من التمييز العنصري ضدهم من قبل السلطات الرسمية، تلك التي تمنع بناء المساجد أو رفع الآذان، عطفاً على عدم السماح بارتداء النقاب أو البوركيني كما حدث في مدينة «اسوثالوم» القريبة من حدود صربياً». وفي تبريره لتلك الإجراءات يقول لازلوتورو زكاي، رئيس البلدية المتشدد: «إن القرار اتخذ بهدف الحفاظ على قيم المجتمع المسيحي وتقاليده في وجه أي استيطان خارجي حاشد»، والجدير بالذكر أن رئيس البلدية هو كذلك نائب رئيس حزب «يوبيك» اليميني المتشدد، الذي يشابه في تعصبه وكراهيته للأجانب وبخاصة المسلمين حزب «فيديس» الذي يتزعمه أوربان نفسه.
> لم يقف مسلمو المجر مكتوفي الأيدي أمام هذا الغبن، وقد عبرت عن شؤونهم «الجمعية الإسلامية المجرية» التي أنشئت عام 1990، وهي أبرز الجمعيات المسلمة في البلاد ويقدر عددها بنحو عدة آلاف جمعية.
مسلمو المجر رفعوا شكواهم إلى المحكمة الدستورية للبلاد للنظر في التمييز العنصري الواقع عليهم، وكذا وجهوا رسالة إلى أوربان نفسه، لكنهم لم يتلقوا رداً، كان ذلك قبل عام تقريباً، وعليه فإن على القارئ أن يستنتج كيف يمكن أن يرسم مستقبل المسلمين في المجر... خطوطه وقسماته المؤلمة؟
ومن بين الملامح المثيرة والمقلقة في الوقت ذاته التي استتبعت فوز «فيكتور أوربان وحزبه، تلك الأريحية وذلك الترحيب من قبل قوى أوروبية يمكن القطع بأنها تميل نحو اليمين المتطرف ميلاً كبيراً جداً، وكأنها تسعى إلى بناء جبهة يمينية أوروبية موحدة.
خذ إليك على سبيل المثال تصريحات وزير الداخلية الألماني الجديد هورست زيهوفر، الرجل الذي تحدث مؤخراً بالقول إن الإسلام لا يمثل جزءاً من ألمانيا، على العكس من تصريحات المستشارة أنجيلا ميركل التي تؤكد دوما على أن الإسلام والمسلمين جزء من السبيكة الديموغرافية لألمانيا عبر التاريخ المعاصر.
زيهوفر وفي اليوم التالي مباشرة لفوز «أوربان» رحب بانتصار الأخير، وحث الاتحاد الأوروبي على التخلي عما وصفه «بسياسة الغطرسة والتفضل تجاه ما أسماه «الدول الأصغر في التكتل».
بل أكثر من ذلك، إذ أشاد «زيهوفر» بنتائج الانتخابات المجرية.... أما لماذا يفعل وزير داخلية ألمانيا ما يفعل، فالجواب يسير للغاية وهو أن الرجل عضو في حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي المناصر القديم لأوربان.
ومن ألمانيا إلى بولندا التي تتعالى فيها وبقوة الأصوات الراديكالية اليمينية نجد نائب وزير الخارجية ومبعوث بولندا لدى الاتحاد الأوروبي «كونارد شومانسكي» يصرح بأن فوز أوربان في الانتخابات إقرار بسياسة تحرر وسط أوروبا، وإن كان ذلك لا يعني استهداف أو محاربه أي شخص، وإن لم يقل لنا تحرر من قبل من ولماذا الآن؟
هل الاتحاد الأوروبي في خطر؟
السؤال الذي يراود أذهان الكثيرين في أوروبا اليوم: «هل فوز أوربان والتضامن الأوروبي اليميني معه يضع الاتحاد الأوروبي في منطقة الخطر، خوفاً من التفكك والتفسخ؟
يلاحظ أنه رغم خلافات أوربان مع بروكسل في شأن مسألة الهجرة وقبول المهاجرين، فإنه لم يهدد يوماً بالانسحاب من الاتحاد والمجر من الدول الرئيسية التي تستفيد من الأموال الأوروبية، تلك التي ساهمت في إنعاش الاقتصاد بعد الأزمة التي شهدتها البلاد في نهاية سنوات العقد الأول من القرن الحالي.
لكن وعلى الرغم من ذلك فإن فوز «أوربان - فيديس» يجعل التمدد الشعبوي لمعسكر الأحزاب المناهضة للاتحاد الأوروبي في أفضل أحوالها، مع تجمع المزيد من المكتسبات، وتحقيق انتصارات في انتخابات برلمانية كما الحال في ألمانيا والنمسا، إيطاليا والتشيك، وفي مقابل إخفاق الأحزاب التقليدية، مما يجعل الأصولية اليمينية هي الغيوم الحقيقية التي تخيم على سماوات أوروبا في الحال وتتهددها في الاستقبال.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».