«قميص صوتي» يمنح الصم فرصة لاستشعار الموسيقى

تم اختيار كلوديا فيل من بين مئات الأشخاص الذين تقدموا بطلبات لمنحهم فرصة تجربة الاختراع الذي ابتكرته شركة «كيوت سيركيوت» للأزياء، ومقرها لندن.
وتستعد كلوديا لحضور حفل موسيقي للموسيقار الروسي الشهير تشايكوفسكي في قاعة لايشهالي للحفلات الموسيقية بهامبورغ، ولم يسبق أن حضرت هذه السيدة، التي تقيم في فرانكفورت وتبلغ من العمر 50 عاماً، وتعمل معلمة، أي حفلات للموسيقى الكلاسيكية من قبل.
ويرجع السبب جزئياً في ذلك إلى أن الحفلات الموسيقية لا تستهدف جذب أناس مثلها، فالسيدة فيل تعاني من الصمم منذ ولادتها، ولكنها على وشك الدخول في تجربة الاستماع إلى المعزوفة الموسيقية من خلال اختراع ترتديه يعرف باسم «القميص الصوتي».
والقميص الصوتي عبارة عن جاكت ضيق أزرق اللون مصنوع من الألياف الاصطناعية ويحتوي على 16 محركاً متناهي الصغر، ويعالج القميص الأصوات من خلال ثمانية مكبرات للصوت ويحولها إلى ذبذبات.
ويشعر الشخص الذي يرتدي القميص بالأصوات المختلفة على أنها أنواع مختلفة من الذبذبات وذلك عبر مناطق مختلفة من القميص، فمثلاً يمكن استشعار صوت الكمان في منطقة الصدر والمنطقة العليا من الذراع، وآلات النقر في منطقة أسفل الظهر.
وخلال العام ونصف العام الماضيين كان النموذج الأولي من أول قميص صوتي في العالم يخضع لعدة اختبارات، بالاشتراك مع فرقة «جونجه سيمفونايكر هامبورغ» الأوركسترالية للهواة التي تأسست عام 2011، وكان الهدف تحسين خصائص القميص على قدر الإمكان.
وتقول فيل بلغة الإشارة بعد أن رحب بها عضوان في الأوركسترا وراء الكواليس إن «القميص رائع تماماً».
وتصف فيل كيف أنها حضرت ذات مرة حفلاً للمسرحية الموسيقية «الأسد الملك»، حيث حملت أثناء عرضها بالوناً بين يديها يمكنه التقاط ذبذبات من أنغام الموسيقي، ولكنها استطاعت وقتها أن تستشعر فقط ذبذبات الأنغام الأقوى.
وبالنسبة لفقدان حاسة السمع، فإن عملية التعامل مع الصوت لا تعد تجربة سمعية وإنما هي تجربة يغلب عليها الطابع البدني.
وبمجرد بدء الفرقة الموسيقية التي يقودها المايسترو برونو ميرسي عزف مقطوعات مختارة من باليه كسارة البندق الشهير لتشايكوفسكي، تأخذ ابتسامة عريضة في الاتساع على وجه فيل، وتبدأ وهي جالسة على مقعدها داخل مقصورة خاصة في التمايل على إيقاع الموسيقى، حسب وكالة الأنباء الألمانية.
وفي بعض الأوقات كانت تشجع زوجها الذي يجلس بجوارها وهو أيضاً فاقد السمع على وضع يديه على النقاط المختلفة التي تصدر الذبذبات الموسيقية بالقميص الذي ترتديه، وأحياناً أخرى كانت تنغمس في متابعة أنغام الموسيقى وهي ممسكة بيد زوجها.
وعندما أعلنت فترة الاستراحة صفقت بحماس إعجاباً بالألحان بينما كان وجهها يشع بالحبور، وقالت وقتها عن طريق مترجم لغة الإشارة «إنني أشعر بأنني مسحورة، وهذه تجربة رائعة وأخَّاذة أود أن أكررها».
ولدى فيل بعض الأفكار حول كيفية تحسين أداء القميص الصوتي، فتعتقد أنه يمكن مثلاً إحداث اختلاف بشكل أفضل بين الأنغام العالية والمنخفضة.
وفي النصف الثاني من الحفل الموسيقى يحصل رجل من هامبورغ يدعى ميشا جولكه على فرصة ارتداء القميص الصوتي لسماع عزف السيمفونية الرابعة لتشايكوفسكي، وهو عمل حافل بالتناقضات المثيرة.
ويعزف جولكه الذي يبلغ من العمر 37 عاماً على الغيتار في فرقته الموسيقية على الرغم من فقدانه السمع، كما أنه بادر بتأسيس رابطة تسمى «الحدود نسبية»، تدافع عن وجود مجتمع متكامل يندمج أعضائه فيه وقابل للنماء.
ويعرب عن اعتقاده بأنه يجب النظر إلى القميص الصوتي باعتباره تجربة تتعلق بتوسيع نطاق الإدراك الحسي والتواصل، واستمع إلى الحفل الموسيقي بهدوء، وعيناه مغلقتان.
وقال بعد ذلك إن هذا الاختراع سمح له بأن يستشعر الموسيقى بدرجة أكبر من العزف مع فرقته، ووصف هذه التجربة بأنها نوع من «العصيدة الصوتية». كما قال إنه يستطيع أن يتخيل زيادة درجة الضبط الدقيق للقميص الصوتي لمساعدته على استيعاب الموسيقى بشكل أكثر وضوحاً.
وتتفق مع هذا الرأي أنيكا بريسير، وهي عازفة كمان ومتحدثة باسم فرقة «جونجه سيمفونايكر هامبورغ» الأوركسترالية، وتقول إن «رؤيتنا تتمثل في أن يتم ذات يوم إنتاج كثير من القمصان الموسيقية وإتاحتها للصم».
ولتنفيذ هذه الرؤية يحتاج الأمر إلى عدد من الرعاة، إذ إن تكلفة القميص الحالي بلغت 20 ألف يورو (24 ألف دولار)، وهو هدية من وكالة «جونج فون مات الإعلانية» بهامبورغ، وهي المكان الذي انطلقت منه أولاً فكرة المشروع.